رؤى: الحركة الحقوقية والإسلاميون، أزمة الثقة متواصلة
تغيرت أشياء كثيرة في علاقة حركة حقوق الإنسان بحركات الإسلام السياسي في العالم العربي عمومًا، وفي الدول التي تأثرت مباشرةً بتداعيات ما يُعرف بالربيع العربي. وتفاوت الأمر من بلد إلى آخر، إلا أن الحصيلة النهائية تبدو سلبية إلى حد ما، إذ بدلًا من أن تتطور العلاقة نحو الأفضل، إذ بها تراجعت على أكثر من صعيد؛ ,عادت أزمة الثقة بين الطرفين، واتخذت من جديد منحى التشكيك وتبادل التهم. بل قد تبلغ أحيانًا حدة رفض أحد الطرفين لوجود الآخر، توجيه اتهامات بالتحجر الأيديولوجي أو الارتباط بقوى غربية معادية للإسلام والعمل على تغيير هوية الشعوب.
عندما نشأت الجمعيات الحقوقية في العالم العربي خلال سبعينيات القرن الماضي، لم تجد في البداية بيئة مساندة لها ومرحبة بها. وكانت الأنظمة الحاكمة هي الطرف الأكثر انزعاجًا من هذا “الكائن الغريب” بحكم أن هؤلاء النشطاء الجدد يريدون مراقبة الحكومات والتصدي لتجاوزاتها الكثيرة في مجال حقوق الإنسان. لكن الوضع الدولي ونزوع النخب نحو التمرد على الاستبداد في أشكاله التقليدية ساعد كثيرًا على القبول بهذا النوع الجديد من منظمات المجتمع المدني، حيث تم الاعتراف بها في دول مختلفة، بدايةً من تونس والمغرب، وصولًا لمعظم الدول العربية.
في تلك المرحلة بدأ تعارف حذر بين الحركة الحقوقية وجماعات الإسلام السياسي، التي نشأ العديد منها في الفترة الزمنية نفسها في جهة المغرب العربي، وإن كانت نشأة هذه الجماعات في دول أخرى مثل مصر وسوريا والعراق وحتى ليبيا تمت في مرحلة أقدم بعدة عقود.
اتسمت العلاقة بين الطرفين في البداية بنوع من الارتباك في المواقف؛ فمن جهة هناك تباين فكري بين الطرفين، ومن جهة أخرى دافعت منظمات حقوق الإنسان عن الإسلاميين حين تعرضوا لموجات متتالية من القمع والإقصاء. وتطورت العلاقة بعدما بدأ بعض الإسلاميين الاهتمام تدريجيًا بالمنظومة الحقوقية بشكل انتقائي. وفي الوقت نفسه غيرت مجموعات يسارية راديكالية مواقفها من جمعيات حقوق الإنسان بشكل جذري، خاصةً عندما أصبحت هذه الأخيرة تلعب دورًا أكثر فعالية في أكثر من بلد.
بعد الربيع العربي، أخذ المشهد السياسي العام يتغير بشكل غير مسبوق. ارتفع سقف الحريات، وهو ما سمح للأحزاب والجماعات بأن تطفو على السطح، وتشرع في التنافس فيما بينها، من أجل الوصول للسلطة عبر الانتخابات التي تتم في أجواء تنافسية محتدمة، بعد أن اهتم الجميع تقريبًا بالسياسة والشأن العام.
في هذا السياق تحولت العديد من حركات الإسلام السياسي من تنظيمات مقموعة ومعرضة للإقصاء والتهميش إلى أحزاب سياسية معترف بها ومرشحة للحكم، بل أن بعض هذه الأحزاب حاول الانفراد بالسلطة مثلما حدث في مصر، وبعضها قبل بصيغ متعددة من الائتلافات الحاكمة مثلما شهدنا في تونس والمغرب، ولفترة قصيرة في ليبيا.
هذا الانقلاب في الأدوار وضع هذه الحركات أمام اختبار صعب، وجعلها عرضة للنقد وتقييم أدائها السياسي من زاوية حقوقية، مثلما كان الشأن مع أنظمة الحكم السابقة. وأحيانًا تكون الحركات الحقوقية أكثر صرامة في رصدها ونقدها لتجاوزات حركات الإسلام السياسي؛ نظرًا للخلفية الأيديولوجية الدينية لهذه الحركات والتي يخشى أن يكون لها تداعيات مباشرة أكثر خطورة على الدولة والمجتمع. فصورة “الدولة الدينية” لا تزال مسيطرة على تفكير خصوم الإسلاميين وغيرهم من المثقفين والنشطاء.
تجدر الإشارة في هذا السياق إلى أن علاقة المنظمات الحقوقية بحركات الإسلام السياسي تختلف من بلد لآخر؛ نظرًا لتفاوت الأوضاع التي تأثرت مباشرة بالتحولات السياسية التي شهدتها المنطقة في أعقاب الربيع العربي. من هنا تأتي أهمية رصد بعض الحالات التي من شأنها إبراز هذه الاختلافات، مع التركيز على ما هو مشترك. ونشير إلى أنه من الصعب تقديم تفاصيل عن كل بلد نظرًا لضيق المجال، وهو ما سيضطرنا إلى الانتقاء والتركيز على بعض الحالات فقط.
مصر
مثلت ثورة يناير فرصة تاريخية لجماعة الإخوان المسلمين الذين انتقلوا بفضلها بعد أكثر من ثمانين عامًا من موقع المعارضة لمقعد الحكم. ورغم أنهم أثبتوا من خلال الانتخابات التي جرت بشكل ديمقراطي -سواء التشريعية أو الرئاسية- أنهم يتمتعون بتأييد شعبي حقيقي، إلا أن رغبة الجماعة في الانفراد بالسلطة سرعان ما عزلتها عن بقية القوى السياسية غير الدينية، وأوقعتها في الكثير من المحظورات، ومهد الطريق للانقلاب عليها وإنهاء حكمها على يد العسكر.
اصطدمت الجماعة أيضًا ببقية القوى السياسية المنافسة التي تكتلت ضدها خوفًا من هيمنتها السياسية على السلطة، وانقلبت على الجماعة معظم منظمات الحركة الحقوقية التي تخوفت بدورها من خطابها الديني، ومن إمكانية انتهاك الحريات وحقوق الإنسان. وتفاقمت هذه المخاوف بعد تصريحات عديدة صدرت عن المرشد العام ومكتب الإرشاد، وتعمقت عندما تحالف الإخوان المسلمين مع السلفيين، واحتكر الطرفان صياغة الوثيقة الأولى للدستور، وسعيا للسيطرة على القضاء، وأظهرا رغبة شديدة في أن يجمع الرئيس محمد مرسي أهم الصلاحيات في الدولة، إضافة إلى رفضهما التعاون مع الأحزاب العلمانية والتكنوقراط من أجل إنقاذ الدولة وإنعاش الاقتصاد، وذلك رغم تعدد المؤشرات الدالة على بداية التآمر على الجماعة من أجل إبعادها عن السلطة عبر القوة من قبل أجهزة الأمن والجيش.
تعرضت الحركة الحقوقية في مصر لاختبار صعب عندما تطورت المواجهة بين النظام وجماعة الإخوان المسلمين؛ مما جعل بعضها تسقط من حسابها أن المعركة ضد الإخوان يجب أن تبقى ضمن الإطار الديمقراطي، وأن يتم حسمها من خلال صندوق الاقتراع وباحترام القانون. فغضت بعض المنظمات الطرف عن الانتهاكات الفظيعة لحقوق الإنسان التي ارتكبت بحق أعضاء جماعة الإخوان، وتم توظيف مواقف بعض الجهات الحقوقية؛ من أجل إضفاء قدر من الشرعية على الانقلاب الكامل الذي حصل ضدهم.
ما تجدر الإشارة إليه في هذا السياق أن منظمات حقوقية مصرية عديدة تعاملت مع تلك الأحداث الضخمة التي هزت مصر والعالم العربي من منطلقات مختلفة. فمنها منظمات لم تغض طرفها، ورفضت تبرير ما حدث بناءً على ما تمثله جماعة الإخوان من خطر سياسي. إذ قررت هذه المنظمات أن تتحمل مسئولياتها الحقوقية، رغم عدم تأييدها السياسي للإخوان المسلمين، وعمدت إلى التمييز بين الخصومة السياسية وبين تبرير الانتهاكات التي تمس بشكل مباشر حقوق الإنسان. ولا تزال هذه المنظمات تدفع ثمنًا باهظًا بسبب ما اتخذته من مواقف، كان آخرها إدانة الأحكام بالإعدام التي شملت سبعين من قادة الإخوان في قضية “رابعة”[1] إذ رغم أهمية الاحتجاجات الشعبية التي رفضت حكم الجماعة، إلا أن التعامل الحقوقي مع الأحداث لا يمكنه تجاهل بشاعة الانتهاكات التي شهدها فض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة وغيرها من الأحداث، فضلًا عما ترتب عن ذلك من نتائج سياسية خطيرة غيرت مجرى الأحداث في مصر.
رغم الزلزال الذي أصاب جماعة الإخوان سياسيًا واجتماعيًا وإنسانيًا، إلا أن جزءً من الجماعة فكر فيما حدث بشكل جدي، فمنهم من دخل في مراجعات هادئة وبعيدة عن الأضواء، ومنهم من اتجه نحو العمل الحقوقي، إما إدراكًا لأهمية هذا المجال الذي أهملوه في السابق، أو لدوافع برجماتية وظرفية. وانخرط بعضهم في منظمات حقوقية سواء داخل مصر أو خارجها بما في ذلك منظمات دولية، ومنهم من اختار تأسيس جمعيات ليست بعيدة عن فلك الجماعة، وهو ما قد يكون بداية انعطافة هامة في فكر البعض منهم، قد تترك أثرًا ما في ثقافة بعضهم وسلوكهم السياسي، وقد تجعلهم في سياق تاريخي معين جزء فاعل من المجتمع المدني الحقيقي المستقل عن الأحزاب السياسية بعيدًا عن المناورات، على نحو سبق وحدث لتيارات أيديولوجية أخرى.
لقد بدا واضحًا أن مواقف الحركة الحقوقية المصرية من هذه الأحداث قد تباينت داخل مكوناتها فلم تكن موحدة. وهو ما أثر عليها سلبًا وجعل وزنها يتراجع كثيرًا؛ فتولدت تساؤلات عديدة حول مسئوليتها التاريخية في الدفاع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان مهما كانت خلافاتها العميقة مع الحركات الإسلامية. ولا شك في أن تلك المرحلة كانت صعبة على المؤمنين بحقوق الإنسان داخل مصر وخارجها، خاصة وهم يشاهدون على الشاشات قتل المئات، ولولا المواقف المبدئية والصائبة والعادلة التي عبرت عنها بعض الشخصيات والجمعيات تجاه الضحايا بغض النظر عن مواقفهم الخاصة بالإسلاميين وأخطائهم العديدة، لدخلت الحركة الحقوقية المصرية في نفق مظلم.[2]
سوريا وليبيا واليمن
تشكل سوريا وليبيا واليمن سياقات مختلفة نظرًا لما تعرضت له من انقسام وانزلاقها في حروب أهلية دمرت مشروع الثورة، وأدت إلى نتائج مغايرة تمامًا لتطلعات الشعوب ومصالحها.
لو توقفنا عند الحالة السورية، سنلاحظ أن جماعة الإخوان المسلمين تحديدًا –ودون الخلط بينها وبين بقية الجماعات الدينية التي ستبرز فيما بعد ولها مواقف مختلفة عن الإخوان–[3] حاولت في مرحلة ما عُرف بربيع دمشق التكيف التدريجي والنسبي مع الخيار الديمقراطي، من خلال بعض المراجعات اللافتة للانتباه، والتي ضمنتها في وثيقة “عهد وميثاق”،[4] التي حددت الأطر العريضة لمفهومها لسوريا ما بعد سقوط النظام، داعيةً إلى بناء دولة مدنية حديثة ديمقراطية تعددية. واعتبرتها “أساسًا لعقد اجتماعي جديد، يؤسس لعلاقة وطنية معاصرة وآمنة بين مكونات المجتمع السوري.” ودعت الوثيقة أن تتبع سوريا في المستقبل نظامًا جمهوريًا نيابيًا يختار فيه الشعب الممثلين والحكام عبر صناديق الاقتراع في انتخابات حرة ونزيهة وشفافة. وطالبت بقيام دولة يتساوى فيها المواطنون جميعًا على اختلاف أعراقهم وأديانهم ومذاهبهم واتجاهاتهم، تقوم على مبدأ المواطنة، ويحق لأي مواطن فيها الوصول إلى أعلى المناصب. كما دعت الوثيقة إلى قيام “دولة تلتزم بحقوق الإنسان كما أقرتها الشرائع السماوية والمواثيق الدولية من الكرامة والمساواة وحرية التفكير والتعبير لا يُضام فيها مواطن في عقيدته ولا في عبادته.”[5]
لكن ما أن تبنت الجماعة العنف المسلح[6] كبقية تيارات المعارضة حتى تورطت في ممارسات خاطئة، كان من نتائجها تعميق شكوك خصومها في السياسة والأيديولوجيا، وكذلك عموم الحركات الحقوقية بما في ذلك المنظمات التي تعاونت مع الجماعة ودافعت عن حقوق المنتمين لها، لكنها كانت حذرة تجاه طبيعة مشروعها السياسي. وفي هذه الأجواء المنهارة على أكثر من صعيد اندفع البعض نحو اتهام جماعة الإخوان بتهم خطيرة، حيث زعم البعض بأن الغرب “نهض بعد طغيان الأسلمة على مشهد الثورة السورية، ليدعم النظام ولو ضمنيًا، معللًا ذلك بغياب البديل المقبول في صفوف المعارضة الإسلامية والفصائل الجهادية. وهكذا تكون جماعة الإخوان المسلمين قد أسهمت في إعادة الشرعية للنظام رغم كل جرائمه، فصارت الجماعة هي “الغسالة” التي دخلت بها أسمال النظام البالية لتخرج بيضاء من دون لحىً وعمائم، وهي الهيئة التي بكل تأكيد يفضلها الغرب في نهاية المطاف. لقد خاب مسعى الإخوان وخسرت كفة الشعب.”[7]
وقعت جماعة الإخوان مثل غيرها في أسر تعقيدات العلاقات الإقليمية والاستراتيجيات المختلفة إزاء التعامل مع الثورة السورية. إذ لم يكن من اليسير على الجماعة أن تتخذ مسافة تجاه دول الجوار التي مدت لها يد المساعدة خلال المواجهات المسلحة أو استضافت قياداتها وأعضائها في الظروف الصعبة التي مروا بها، من هذه الدول تركيا التي أصبح لها موقع قدم عسكري وسياسي في سوريا.[8]
ما حدث في سوريا لا يختلف كثيرًا عن الوضع في ليبيا. ففي المرحلة الأولى –التي تلت مقتل معمّر القذافي– تعاملت الأحزاب الإسلامية بإيجابية مع شعارات الديمقراطية وفي مقدمتها جماعة الإخوان المسلمين، وأسهمت كطرف بنّاء في نجاح الانتخابات البرلمانية التي أجريت في يوليو2012، لكن بعد ذلك تعثرت التجربة، وتعمق الانقسام بين الليبيين، واختلطت الأوراق والشعارات، وانخرط الجميع في رفع السلاح وتأسيس المليشيات حتى أصبحت ليبيا ساحة مفتوحة للتدخلات الإقليمية والدولية.
في اليمن أيضا لم تكن الأجواء بعيدة عما حصل في سوريا، فالجهود المبذولة عبر السنوات الطويلة من أجل تطوير الخطاب السياسي للإسلاميين باليمن،[9] جاءت الحرب الأهلية لتضعها بين قوسين، حيث عاد الجميع للوقوع في منحدرات القبلية والعنف المسلح والطائفية.
لقد وجدت الحالة اليمنية نفسها خاضعة بشكل كبير لإرادة الدول الإقليمية بمختلف أجنداتها المتعارضة. وقد حاول الإخوان المسلمون –من خلال حزب التجمع اليمني للإصلاح– التكيف مع العملية السياسية، وقبلت الجماعة التعاون مع أحزاب أخرى دينية وعلمانية، بما في ذلك “الحزب الاشتراكي”. كما أسهمت الجماعة في تأسيس ما عرف بـ “تكتل اللقاء المشترك” الذي جمع تنظيمات من مختلف الاتجاهات الأيديولوجية. رغم هذه التجارب القائمة على الانفتاح والعمل المشترك إلا أن الإسلاميين اليمنيين المنضوين تحت حزب “التجمع اليمني للإصلاح” باتوا عُرضة للضغط السلفي القوي في هذا البلد، وهو ما وضع حدودًا لتطور الجماعات الإسلامية، وجعلها عُرضة للشك والنقد من قبل الحركة الحقوقية المحلية والدولية، دون أن ينفي ذلك وجود علاقة تعاون بين الطرفين في مناسبات عديدة، مثلما حصل بين حزب الإصلاح وبين مركز المعلومات والتأهيل لحقوق الإنسان.[10]
لقد تفاعلت الحركة الإسلامية اليمنية بطريقة إيجابية مع الربيع العربي، وهو ما جعلها تُسهم بوضوح في إسقاط حكم علي عبد الله صالح، من خلال الدور الطلائعي الذي قام به شبابها الذي اندمج كليًا في حركة الشارع. لكن الانتكاسة التي عرفتها الثورة اليمنية، ساهمت في تقسيم البلاد، ووسعت دائرة الحرب الأهلية، في ظل الصراع الإقليمي السعودي الإيراني، مما أدى لحرمان اليمن من مقومات الاستقرار والتعايش السلمي واستئناف العملية السياسية الديمقراطية.
لقد اعتمدت المنظمات الحقوقية على معطيات وشهادات عديدة من شأنها أن تثير شبهة تورط الإسلاميين في هذه الدول الثلاث في جملة من الانتهاكات الخطيرة التي تتعلق بحقوق الإنسان. وإن كانت التهم نفسها موجهة لبقية الفصائل المتنازعة على السلطة في البلدان. فالحروب الأهلية لا تستثني أحدًا من جرائمها ومخلفاتها السيئة على أكثر من صعيد.
الاستثناء التونسي
تعد الحالة التونسية مختلفة عما يجري في كثير من الدول العربية. إذ سمحت الحريات الواسعة التي تتمتع بها البلاد بصمود الانتقال الديمقراطي رغم كثرة الصعوبات وتعدد العواصف السياسية وهشاشة الأوضاع. وهو ما ساعد بدوره الأحزاب والأطراف الاجتماعية على مواصلة نشاطها بشفافية؛ حيث نُظمت –حتى كتابة هذه الورقة– ثلاثة انتخابات هامة اعتبرت نزيهة وديمقراطية، ساهمت في تمكين حركة النهضة من أن تكون مشاركة في الحكم، إلى جانب أحزاب أخرى تنوعت حسب النتائج وتغير موازين القوى، وهو ما جعلها أكثر حذرًا في تعاملها مع المسائل الحقوقية.
وخلافًا لمرحلة الترويكا، بقيادة حركة النهضة، التي شهدت ممارسات كادت أن تنزلق بالبلاد نحو انتهاك حريات مثل حرية الصحافة وحق التظاهر واحترام الخصوصيات الفردية وحماية المجال العام؛ فإن قيادة الحركة أصبحت فيما بعد تتجنب الدخول في أي تنازع حول مسائل تتعلق بحقوق الإنسان، لكن في المقابل لم تبادر الحركة بتقديم مشاريع قوانين تهدف لتعزيز هذه الحقوق. وبالرجوع لمعظم المبادرات التي عُرضت على البرلمان للمناقشة، يلاحظ أنها صدرت في الغالب إما عن الحكومة أو عن رئاسة الجمهورية. ويمكن القول أنه بحكم وجود حركة النهضة ضمن الحكومات الائتلافية المتعاقبة، فهي بالضرورة شريكة في هذه المبادرات، لكنها في معظم الحالات لم تقدم مبادرة حقوقية بل حشدت معظم الأطراف السياسية والمجتمعية لدعمها. كما أن موقف حركة النهضة من تقرير لجنة الحريات الفردية والمساواة قد أظهر أنها لا تزال محكومة بسقف أيديولوجي جعلها تعترض على كثير من توصيات التقرير، بما في ذلك الدعوة إلى المساواة في الإرث بين الجنسين.[11] كما جندت قواعدها للطعن في شرعية اللجنة والدعوة إلى إسقاط تقريرها والتخلي عنه، في تناغم واضح مع الأوساط الدينية المحافظة التي هاجمت التقرير واعتبرته “معاديًا للإسلام ومهددًا للأسرة وللأمن القومي.”[12]
مع ذلك يحسب لحركة النهضة كونها لم تعترض على معظم الإصلاحات التي تمت في السنوات السابقة، وأنها في معظم الحالات دعمت هذه المبادرات، وكانت طرفًا أساسيًا في تمريرها برلمانيًا من خلال التصويت على الكثير من مشاريع القوانين الداعمة للحريات وحقوق الإنسان.
الخلاصات
يتبين من هذه التجارب أن حركات الإسلام السياسي لم تتصرف بطريقة واحدة مع مستجدات مرحلة “الربيع العربي” رغم أن جميعها اعتقد في لحظة ما بأن مرحلة الخلافة السادسة قد حلت، وأن دورة الزمن قد اكتملت لتمسك هي بزمام الأمور وتتولى وحدها قيادة المنطقة، وفق منهجها الإسلامي، وذلك بعد أن احتكر العلمانيون إدارة الدولة والشأن العام منذ سقوط الخلافة العثمانية.
لقد لعبت الخصوصيات المحلية دورًا حاسمًا، حيث انغمست كل حركة في الوضع الداخلي لبلدها، ولم تسمح لها ظروفها حتى بالتنسيق فيما بينها من أجل وضع خطة مشتركة على الصعيد الإقليمي. ويمكن في هذا السياق الإشارة إلى أن هذه الحركات الإسلامية قد توزعت على ثلاث اختيارات سياسية مختلفة مما أعطى نتائج متباينة منها:
أولًا: احتكار السلطة
تعتبر مصر أفضل تعبير عن ذلك، حيث قرر مكتب الإرشاد لجماعة الإخوان المسلمين العمل على الوصول إلى الحكم دون التعاون مع أي طرف علماني بمن في ذلك القوميون. وعلى هذا الأساس هيمنت الجماعة على الرئاسة وحصلت على الأغلبية البرلمانية وشكلت الحكومة، وحشرت بقية الأطراف في زاوية حادة. وقد كلفها هذا الاختيار الكثير وجعلها تدفع ثمنًا باهظًا.
ثانيًا: المشاركة في بناء السلطة الجديدة
تعتبر تونس مثالًا بارزًا، حيث قبلت حركة النهضة، منذ البداية، التنسيق والعمل المشترك مع بعض الأحزاب العلمانية، شريطة أن تتصدر هي المشهد، وبناءً عليه تأسست تجربة الترويكا. وبذلك تم القبول بالنهضة كلاعب رئيس في دولة صديقة للغرب. لكن عجز الحركة عن مواجهة المشكلات الاقتصادية والاجتماعية سرعان ما ألب عليها المعارضة، وقطاع واسع من المجتمع المدني والرأي العام؛ مما دفعها في النهاية إلى التراجع والتخلي عن الحكم. وبذلك أنقذت الحركة نفسها، ونجحت في أن تعود إلى السلطة مجددًا عبر القنوات الانتخابية، وأن تشكل حكومة ائتلافية مع حزب نداء تونس المتمسك بالتراث البورقيبي.
ثالثًا: التورط في العنف
وهو ما حدث في كل من سوريا وليبيا واليمن. ففي هذه الدول الثلاث لم يتم حسم الخلافات سلميًا بين القوى السياسية والاجتماعية؛ بسبب تشبث النظام القديم بوجوده وهيمنته، أو رغبة القوى الصاعدة في السيطرة على القيادة قبل فوات الأوان، وعندما يتم الانتقال من المعارضة السياسية إلى المعارضة المسلحة تنفتح كل أبواب جهنم، خاصةً البحث عن السلاح والدعم المالي والتدخل الخارجي وبناء المليشيات وتوسيع رقعة الحرب الأهلية، وما يعنيه ذلك من تدمير البلد والانتهاك الواسع لحقوق الإنسان.
اختلاف التجارب والسياقات
هذا الاختلاف في السياقات وفي التجارب المحلية انعكس على ردود فعل الجمعيات الحقوقية تجاه حركات الإسلام السياسي. فالمواقف من أحزاب سلمية تمارس عملها في ظل أوضاع ديمقراطية تختلف بالضرورة عن الموقف من حركات تدير مليشيات مسلحة، وتخوض معارك ضد هذا الطرف أو ذاك، مستعملةً عددًا من الأسلحة المتطورة وتنادي بالجهاد في سبيل الله. إنهما مجالان مختلفان اختلافًا كليًا، وشتان بين النشاط المؤسسي المحكوم بالقانون والخاضع للمراقبة، وبين الميدان الحربي الذي يُقاس بعدد القتلى والجرحى، وبمدى القدرة على إيذاء الخصم وتدميره ماديًا ومعنويًا.
في مصر على سبيل المثال، اصطدمت الحركة الحقوقية برغبة الإخوان والسلفيين في احتكار السلطة والانفراد بقيادة البلد دون مشاركة بقية الأطراف في دولة ضخمة ومعقدة. كما هالها جنوح الإسلاميين نحو أسلمة الدستور والمؤسسات والتشريعات بطريقة متسرعة وعشوائية وفوقية دون النظر للتنوع أو مراعاة الأوضاع الإقليمية والدولية. وقد أدى ذلك إلى المساس بعدد من الحقوق الأساسية، أو التغاضي عنها وعدم احترامها أو الاعتراف بها.
في المقابل لم يتمكن الإخوان المسلمون في سوريا من ممارسة القتال دون انتهاك حقوق الإنسان، وذلك رغم مسعاهم نحو عدم التورط مباشرة في تشكيل كتيبة مسلحة تخضع لقيادتهم علنيًا، إلا أن دعمهم وتحالفهم مع مليشيات متعددة، بعضها مدعوم من تنظيم القاعدة تأسست بعد انطلاق المواجهة المسلحة ضد النظام، جعلهم يتحملون بالضرورة مسئولية ما ترتب على ذلك من انتهاكات عديدة، يمكن وصف بعضها بأنها انتهاكات جسيمة. وهو ما لم تصمت عنه منظمات حقوق الإنسان التي تتهم الإخوان بازدواجية الخطاب والممارسة.
اختلف الأمر في كل من المغرب وتونس حيث غلَّب حزب العدالة والتنمية وحركة النهضة المنهج السياسي السلمي والتشاركي على نزعة العنف، التي اقتصرت بشكل رئيسي على ما يسمى بتنظيمات “السلفية الجهادية”. وبالرغم من مهادنة حركة النهضة لتنظيم أنصار الشريعة خلال السنوات الثلاث الأولى بعد الثورة، وهي فترة كافية مكّنت هذا التنظيم من التشكل والتوسع وبناء جهازه العسكري، إلا أن العلاقة بينهما سرعان ما انتقلت للمواجهة والقطيعة. مما دفع بالشيخ راشد الغنوشي إلى الإعلان عن أن حركته تقف في الصف الأول في الحرب على الإرهاب دفاعًا عن الدولة الوطنية. وبرغم أن بعض السياسيين ونشطاء حقوق الإنسان، لا يزال يشكك في صحة هذه القطيعة والعداوة–خاصةً وأن قضيتي اغتيال شكري بلعيد ومحمد البراهمي لا تزالان مطروحتان على القضاء في انتظار حكم نهائي– إلا أن التحليل الموضوعي يقتضي التأكيد على أن التجربتين، المغربية والتونسية، تختلفان كثيرًا عن بقية الحالات.
أزمة ثقة بين الحقوقيين والإسلاميين
رغم اختلاف الحالات، يُلاحظ أن الحركات الحقوقية العربية بشكل عام، قد استشعرت في تعاملها مع مختلف حركات الإسلام السياسي شكًا عميقًا فيها وفي مصداقيتها. ويعود هذا الشك إلى بدايات تأسيس الجمعيات الحقوقية العربية على يد عدد من المناضلين الذين تحولوا من تنظيمات وتيارات سياسية يسارية أو ليبرالية. ولم يكن للإسلاميين دور في نشأة الحركة الحقوقية العربية، وانما التحقوا بها بعد فترة من نشأتها. ونظرًا لاختلاف البنية الأيديولوجية بين المدرستين العلمانية والإسلامية؛ استمر الشك في نوايا الحركات التي يطلق عليها “الإسلام السياسي” خاصةً عندما تضخم دورها في السنوات الأخيرة وانتقلت إلى ممارسة الحكم في أكثر من دولة عربية. إذ في كل مناوشة تحصل حول مسألة ما، سواء كانت صغيرة أو كبيرة، يكتسب الجدل طابعًا أيديولوجيًا صريحًا يجدد الخلاف الذي شهدته بدايات تأسيس منظومة حقوق الإنسان، ومدى توافقها مع المنظومة الإسلامية فلسفيًا وتشريعيًا.
خلافات بين الحركات الحقوقية
تجدر الإشارة في هذا السياق إلى أن المنظمات الحقوقية ليست متجانسة في تعاملها مع حركات الإسلام السياسي. وهناك جدل مستمر منذ سنوات داخل الساحة الحقوقية حول مسائل عديدة بينها طبيعة التعامل مع هذه الحركات: هل يمكن الاطمئنان لمواقفها أم لا؟ وهل هي متباينة حقًا فيما بينها، أم أنها كتلة واحدة ذات خطابات تبدو متمايزة؟ وهل يجوز فتح الباب أمام انخراط بعض عناصرها في المنظمات الحقوقية، أم أن ذلك من شأنه أن يشكل تهديدًا للمنظمات؟
وإذ يتفق الجميع على ضرورة الدفاع عن الإسلاميين في حال تعرضهم للاضطهاد بشكل صريح وثابت، إلا أن البعض يتجنب المغالاة في هذا السياق حتى لا تتحول الحركة الحقوقية إلى جمعيات يوظفها الإسلاميون من أجل تأكيد حقهم في العمل السياسي، وهو ما يثير غضب الحكومات ويدفع بها إلى تخويف النشطاء والضغط عليهم ومنعهم من الدفاع عن الإسلاميين؛ بذريعة الحفاظ على الأمن القومي. كما يتم تشويه المنظمات المحلية والدولية التي تنصف هؤلاء أو تقبل باحتضان بعضهم وتمكنهم من العضوية أو تكلفهم بمهام ضمن هياكلها الداخلية.[13]
النشطاء أمام الاختبار الصعب
هكذا تجد الحركة الحقوقية في المنطقة العربية نفسها مرة أخرى أمام التحدي ذاته الذي تعرضت له منذ عشرات السنين. فهي مخيرة بين طريقين، الأول هو الالتزام الكامل بما تمليه عليها مبادئ حقوق الإنسان وذلك بالدفاع عن أي مظلوم مهما كانت عقيدته وانتماؤه السياسي؛ انطلاقًا من أن “كل الحقوق لجميع الناس” وأن تتحمل في سبيل ذلك التشويه والتشكيك والضغوط التي تصدر عن مختلف الجهات غير المؤمنة بالمنظومة الحقوقية. سواء أكانت حكومات أو وسائل إعلام أو أحزاب لها حسابات تريد تصفيتها مع الإسلاميين. أما ثاني الخيارات أمام حركة حقوق الإنسان هو الخضوع لمراكز القوى، وتقبل المناورة والتمييز بين الضحايا وأن تتعاون بطرق ملتوية مع الأنظمة الحاكمة، وتستجيب لبعض رغباتها على حساب الحق، وعندها ستفقد الحركة مصداقيتها، وستساهم في تبرير الانتهاكات الخطيرة التي عادت من جديد بكثافة في عديد الدول العربية.
المطلوب ليس مهادنة الإسلاميين، أو السكوت عن تجاوزاتهم لحقوق الإنسان، وإنما المراد في هذه المرحلة هو الالتزام الحقوقي الصلب تجاه جميع الأطراف، مع الاستناد إلى المرونة والحكمة في الأسلوب والتحرك. إن نشطاء حقوق الإنسان مدعوون إلى أن يستحضروا –باستمرار– مهمتهم الأساسية القائمة على الاعتقاد بأن قمع الخصوم السياسيين –بمن فيهم الإسلاميون– هو طريق يؤدي بالضرورة إلى تغذية الإرهاب وتكريس الاستبداد.[14]
الوضوح وعدم المراوغة
في المقابل، لابد من الإقرار بأن الحركات الإسلامية مطالبة من جهتها بالوضوح، وتجنب الخداع السياسي والفكري في المسائل المتعلقة بحقوق الإنسان. صحيح أن مواقف الإسلاميين من حقوق الإنسان تختلف من فصيل إلى آخر،[15] ولا يجوز وضع الجميع في كيس واحدة، لكن على الإسلاميين عدم رفع الشعار واستبطان نقيضه، وأن يلتزموا بتعهداتهم ولا ينقلبون عليها بعد الوصول إلى السلطة.[16] وأن يلتزموا الصدق مع الحركات الحقوقية، وألا يتعاملوا معها بأسلوب توظيفي ومرحلي من شأنه تعميق أزمة الثقة بين الطرفين، وإضعاف نشطاء حقوق الإنسان عندما يجدون أنفسهم في مواقف محرجة سواء تجاه أنظمة الحكم أو تجاه الرأي العام المحلي والدولي، وذلك عندما يقدمون شهادات لا تكون متطابقة مع الممارسات الفعلية للإسلاميين، سواء عندما يكونون في المعارضة أوعندما ينتقلون إلى الحكم وإدارة الشأن العام.
[1] اعتبرت 8 منظمات حقوقية أن حكم رابعة الصادر في 8 سبتمبر 2018 “دليل جديد على انحراف سير العدالة وتغافل مخزي عن معاقبة الجناة الحقيقيين.” وأعربت هذه المنظمات عن رفضها لإجراءات هذه المحاكمة التي تعد مجرد مثال على ما لحق بالقضاء المصري من خلل وانحراف عن معايير المحاكمات العادلة والنزاهة والاستقلالية. وتنافي الحكم مع مبدأ شخصية العقوبة والمسئولية الجنائية للفرد. فبعد مرور 5 سنوات على أحداث فض اعتصام رابعة الذي راح ضحيته 623 شخصًا –بحسب تقرير تقصي الحقائق للمجلس القومي لحقوق الإنسان– بينهم 8 من أفراد الشرطة، قررت المحكمة معاقبة الناجين من المذبحة بالإعدام والحبس، بدلًا من محاسبة المسئولين عن هذا الارتفاع المفرط في أعداد القتلى بين صفوف المعتصمين والذي قدرته بعض التقارير الحقوقية بأكثر من ألف قتيل. بما يؤكد أن إدانة جميع المتهمين في هذه القضية مقصود لتبرئة المؤسستين العسكرية والشرطية من جرائم القتل البشعة أثناء الفض.” المنظمات هي: مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، مركز عدالة للحقوق والحريات، مبادرة الحرية، مؤسسة حرية الفكر والتعبير، المفوضية المصرية للحقوق والحريات، مركز دعم التحول الديموقراطي، الجبهة المصرية لحقوق الإنسان، مركز بلادي للحقوق والحريات، كوميتي فورجاستيس، مركز أندلس لدراسات التسامح.
[2] ثمة حاجة ملحة لإعادة التأمل في تلك المرحلة من خلال توثيق المواقف التي صدرت عن جميع الأطراف، وفهم الأسباب والظروف التي تحكمت في مسارات الجميع.
[3] أحمد أبا زيد، الحركات الإسلامية في سورية: ديناميات التشظي وآفاق التقارب، مركز الجزيرة للدراسات، 5 سبتمبر 2016.
[4] صدرت الوثيقة في 25 مارس 2012.
[5] جماعة الإخوان المسلمون في سورية، مركز كارنبجي للشرق الأوسط
[6] أكد ملهم الدروبي أحد قادة الإخوان في حوار أن الجماعة حافظت على الاستراتيجية التي أعلنتها حول سلمية الثورة حتى مارس 2012، فبعد المجازر التي ارتكبها بشار الأسد في بابا عمرو في حمص، التقى مجلس شورى الجماعة واعتمد الدفاع عن النفس وعن المستضعفين، وقال في بيانه “الدفاع عن النفس حق مشروع والدفاع عن المظلومين واجب شرعي.” وأضاف: “نعم تم تشكيل هيئة الدروع والإعلان عنها، لكن ضعف الموارد ومحاربة الكثيرين لها اضطر الجماعة للتخلي عنها، إذ لا موارد مالية أو غير مالية متوفرة للجماعة تسمح لها بالاستمرار في دعمها. أما الجيش الحر فقد كانت الجماعة أول من أطلق هذا الاسم على الكتائب المقاتلة التي كانت تدعمها جميعًا بما يتوفر لديها، وكانت تقف على مسافة واحدة من الجميع، الأمثلة والأدلة أكثر من أن تعد أو تحصى.” المصدر: موقع السوري الجديد.
[7] مصعب الحمادي، دور الإخوان في إفشال الثورة السورية، موقع السوري الجديد newsyrian.net
[8] ورد في بيان أصدرته الجماعة أنها ستدعم وتساند الجيش التركي ضدّ التنظيمات الإرهابية ذات المشاريع الانفصالية في الشمال السوري، داعية “الثوار” للوقوف إلى جانب إخوانهم في “الجيش الوطني السوري” لمواجهة هذه الحركات الانفصالية. وأيّد الإخوان المسلمون في بيانهم “حق الجمهورية التركية باتخاذ الخطوات اللازمة للدفاع عن أمنها القومي” معتبرين أن “المكوّن الوطني الكردي هو جزء أصيل من نسيج الشعب السوري وله كامل حقوق المواطنة.” watanipress.com
[9] تعهدت الحركة قبل الحرب الأخيرة بأن “يلتزم التجمع اليمني للإصلاح بالشراكة الكاملة مع سائر القوى الوطنية والإقليمية والدولية تحت قيادة السلطة اليمنية بمحاربة الإرهاب بكل أنواعه وأشكاله ومصادره، بالديمقراطية وبالتعليم والتثقيف والتنمية، فعلًا وفكرًا باعتباره سرطانًا، لا يهدد أمن واستقرار اليمن فحسب بل ويهدد أمن دول المنطقة والعالم كله.” كما اعتبر التجمع اليمني للإصلاح أن “امتلاك السلاح –بكل أنواعه– حق للدولة وحدها، ولا يحق لأية قوى سياسية أن تمتلك مليشيات أو مجموعات مسلحة تحت أي مبرر، وأن القانون ينظم حق الأفراد في امتلاك السلاح الفردي لأغراض الدفاع عن النفس.” بيان حزب التجمع اليمني للإصلاح بمناسبة الذكرى الــــ36 لتأسيسه، موقع يمن بريس، 11سبتمبر 2018 yemen-press.com
[10] أُسسه في 1995 الناشط الحقوقي اليمني عز الدين الأصبحي، والذي أصبح فيما بعد وزيرًا لحقوق الإنسان وسفيرًا لليمن في المغرب.
[11] ورد في بيان مجلس شورى حركة النهضة: “مبادرة المساواة في الإرث فضلًا عن تعارضها مع قطعيات الدين ونصوص الدستور ومجلة الأحوال الشخصية فهي تثير جملة من المخاوف على استقرار الأسرة التونسية ونمط المجتمع. ويدعم المجلس كل مسعى لتطوير المجلة، بما يسهم في ضمان حقوق المرأة، ولا يتعارض مع النصوص القطعية في الدين ونصوص الدستور.” حسن العيادي، حركة النهضة: الكل صف واحد ضد المساواة في الميراث، 28 أغسطس 2018.
[12] بيان أساتذة جامعة الزيتونة بشأن تقرير لجنة الحريات الفردية والمساواة coran-constitution.tn
[13] ورد في مقال لمحمود بسيوني ما يلي: “سخّر بهى الدين حسن مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان لخدمة مشروع الإخوان، ولازال يمارس نفس الدور بعد هروبه من مصر وإقامته في تونس، حتى إنه شارك في مؤامرة متكاملة على سيناء مع مركز هيومان رايتس فريست لغل يد الجيش عن مكافحة الإرهاب، وحاول أكثر من مرة إصدار قرارات دولية بمنع توريد السلاح للجيش المصري، وكان صاحب أطروحة أن ملاحقة الدولة لتنظيم الإخوان الإرهابي والتيارات المتأسلمة هي السبب وراء الإرهاب، وهو نفس الطرح الذى تروج له أبواق الجماعة في الإعلام الغربي وقناة الجزيرة القطرية.” انظر: المصيدة: بهي الدين حسن عراب أبو الفتوح للمجتمع الدولي، 15 فبراير 2018، موقع مبتدأ
[14] يؤكد هيثم مناع أن “القاعدة التي تحدث عنها جاك بيرك قبل ثلاثين سنة” ازرع استبدادًا تحصد أصوليات، وإن لم تكن عالمية، فهي “صحيحة في قراءاتها العربية والإسلامية، إن السلطات المحرومة من أية مشروعية تاريخية أو شعبية والتي تعالج بالنطع والسيف قضايا المواطن تعطي المشروعية للحركات المتطرفة”. ويرى أن الطبقات الغنية في بلدان العالم الثالث عززت وجود حكام يتلخص برنامجهم في تأميم السلطة والنهب ومقاومة المواطنة والديمقراطية. كما حمّل المثقفين مسئولية إضافية في هذا المجال، وانتقد خوفهم من الأجهزة القمعية من جهة وصمتهم على الفكر الديني الاستئصالي وتبريرهم له أحيانا. راجع كتابه “السلفية والإخوان وحقوق الإنسان” عن المؤسسة العربية الأوروبية للنشر.
[15]ينتقد الكاتب أحمد فهمي، وهو ذو موقف سلفي أن “الضعف في دور التأصيل الشرعي –أو بعبارة أخرى الاحتكام لعموميات الشرع واعتبار المقاصد مع إهمال النظر في الأدلة الثابتة– يؤول في معظمه إلى حالة الاهتزاز الفكري والنفسي التي طالت العديد من رموز الفكر والعمل الإسلامي، جرّاء تزايد الهوة الفاصلة بين ثوابت الإسلام ومقتضيات الشرع كما تعرضها بوضوح نصوص الكتاب والسنة، وبين متغيرات الواقع العلماني، وإفرازاته المتلاحقة على المستويين المحلي والعالمي. لقد أصيب الكثيرون بالارتهان الفكري للغرب…
ويعتبر أن الإسلاميين ينقسمون في موقفهم من منظومة حقوق الإنسان إلى ثلاثة أطراف: اتجاه الرفض يتمثل غالبًا في الاتجاه العلمي السلفي، وهذا أمر بديهي ناتج من اعتماد منهج شرعي واضح في الحكم على المستجدات، كما أن هذا الاتجاه بطبيعته بعيد إلى حد ما عن ضغوط المواجهة السياسية أو العسكرية مع أي من الأنظمة القائمة، وهو ما يحفظ له رؤيته الشرعية ثابتة، مع مراعاة تفاوت الرؤى والاجتهادات.
أما اتجاه العمل الجهادي، وإن كان يصنف من مجمله ضمن اتجاه الرفض، إلا أن ظروف المواجهة الناتجة عن طبيعته ومنهجه في التغيير، تُحوج رموزه وأتباعه إلى الاحتجاج بحقوق الإنسان لدفع أو تخفيف آثار التعذيب والاعتقال ونحوها، خاصةً أولئك المقيمين أو اللاجئين في الدول الغربية، بيد أن الاتكاء على بعض حقوق الإنسان في هذا المجال قد يترتب عليه مع الاستمرار والتراكم أن تتحول إلى ثابت يصعب تجاوزه أو الخروج عليه، خاصةً في الخطاب العام، وفي الواقع يُعتبر هذا الباب (استخدام حقوق الإنسان في مواجهة قضايا التعذيب والاعتقال) مدخلًا هامًا لترويج وتسريب مفاهيم حقوق الإنسان وإكسابها القبول لدى الإسلاميين، وهو ما يدعو إلى الانتباه لدفع خطر هذا التسرب، وسيأتي الكلام عليه بتفصيل أكثر إن شاء الله.
ويمكن أن يدرج في قائمة الرافضين بعض الاتجاهات والرموز التي ترفض في العموم مفاهيم حقوق الإنسان، وإن كانت تستخدم في أدبياتها وكتاباتها هذا المصطلح في سياق الدلالة على سبق الإسلام في طرحه وبسطه بما لا يدع مجالًا لتفوق الغرب فيه، ومن أمثلة هؤلاء: الشيخ أبو الأعلى المودودي، وكتابه: حقوق الإنسان في الإسلام.
ونحن نرفض هذا الأسلوب في تناول القضية؛ لأننا لا نحتاج أن نعيد ترتيب أحكامنا الشرعية ومبادئنا الإسلامية وفق سياقات غربية، حتى إن اقتصرت على استخدام المصطلح، أو الشكل دون المضمون، فلا فائدة ترجى من ذلك –والله أعلم– لأن المسلم يكفيه دينه، أما الغربي فما نبرزه نحن على أنه حق، قد ينظر إليه هو على أنه سلب لحق، كما في الحقوق المتعلقة بحرية الدين، والمساواة بين الرجل والمرأة، وغيرها، ولا شك أن هذا الاتجاه –الرفض– في عمومه يمثل الموقف الصحيح الواجب اتخاذه في هذه القضية.
مقال ”الحركات الإسلامية وحقوق الإنسان“ موقع البيان مركز البيان للبحوث والدراسات بتاريخ 18 يونيو 2012.
[16] أكد الدكتور الطيب زين العابدين عضو سابق بمجلس شورى الحركة الإسلامية السودانية “تنكرت الحركة الإسلامية عند استلامها السلطة في 1989 لكل أطروحاتها عن الحريات الأساسية بصورة غير مسبوقة لدى القوى السياسية الأخرى، خاصةً بعد أن بقيت في الحكم ثلاث وعشرين سنة هي الأطول لأي نظام في السودان. عمدت حكومة الإنقاذ من أول يوم لها، مثل كل الانقلابات العسكرية، إلى تعطيل الدستور وحل البرلمان ومجلس السيادة الحاكم، وحظر أنشطة الأحزاب السياسية ومصادرة ممتلكاتها وإلغاء تراخيص الصحف ومصادرة ممتلكاتها، وحل النقابات العمالية والاتحادات المهنية، وحجرت تمامًا على حرية التعبير والتنظيم” دراسة بعنوان “تجربة الحركة الإسلامية السودانية في مجال حقوق الإنسان بين النظرية والتطبيق” صحيفة الراكوبة في 10 نوفمبر 2012 www.alracoba.net
Read this post in: English