رؤية تاريخية للعلاقة بين الدولة والأقليات في مصر: دروس من حالة الأقلية اليهودية بين الحربين العالميتين
حمل هذا المقال كبي دي اف
خلاصة
تهدف هذه الدراسة إلى مناقشة العلاقة بين الدولة والأقليات في مصر، وبشكل خاص الأقلية اليهودية، خلال ما عرف باسم الفترة الليبرالية، وهي الفترة التي تمتد من انطلاق ثورة 1919 حتى عام 1952 مرورًا بتجربة كتابة دستور 1923. إذ إنها تجيب عن سؤال مهم وهو كيف كان موقف الدولة المصرية والمجتمع المصري من الأقليات في تلك الفترة؟ وكيف ساهم المناخ العام حينها في ازدهار نخبة سياسية وحزبية من جميع مكونات المجتمع المصري ساهمت في إثراء الحياة السياسية والثقافية والاقتصادية لمصر في تلك الفترة، إلى جانب المساهمة في مواجهة الاحتلال البريطاني. تستند هذه الورقة في الكثير من جوانبها التحليلية بالمساهمات النظرية لدراسات ما بعد الكولونيالية، هادفةً إلى تقديم مساهمة في فهم الديناميكيات الاستعمارية بشكل أفضل بين الشرق والغرب وأثره في الخطاب التنويري اليهودي من ناحية (وهنا أقصد بكل وضوح اليهود العرب باعتبارهم مواطنون ينتمون للدول التي نشأوا فيها) وكذلك الدولة المصرية حينها، والتي كانت تقع تحت الاحتلال الإنجليزي.
مقدمة
منذ انطلاق ثورة 1919 هناك بعض الأسئلة المعلقة داخل الدولة والمجتمع المصري، ومع انطلاق انتفاضات الربيع العربي أعاد المجتمع المصري طرح تلك الأسئلة مجددًا، دون العثور على إجابة لها. تتعلق تلك الأسئلة بقضايا مثل وضع الأقليات داخل المجتمع المصري، اليهود (سابقًا) والأقباط (اليوم) وعلاقتهم بالدولة،[1] وما هو موقف الدولة والمجتمع المصري من الأقليات، الفكر القومي السائد في الاقتصاد والمجتمع وأثره على كليهما، معني التجديد الإسلامي، مناهضة الاستعمار والاستقلال الوطني، والموقف من القضية الفلسطينية، ومع الربيع العربي أُضيف سؤال آخر حول حقوق الإنسان، واحتل التساؤل الأخير موقعًا بارزًا بين تلك الأسئلة. لذا تجيب الدراسة الحالية عن سؤال رئيسي: كيف كانت العلاقة بين الدولة المصرية والأقليات؟ وفي سياق الإجابة عن هذا التساؤل، تتناول الدراسة بعض الأسئلة الفرعية التي تمثل مدخلًا أساسيًا مثل: كيف كانت أسس هذه العلاقة وشكلها، ماهي العوامل الفاعلة في تحديد ورسم هذه العلاقة، هل كانت تتمتع الأقليات في مصر من قبل بالحرية الدينية والسياسية؟ وهل هناك تغيرات طرأت على وضع الأقليات، وماهي أسبابه ودوافعه؟
في خضم تلك التساؤلات –التي برزت مع ثورة 1919– تشكل الخطاب السياسي والمجتمعي للجماعات السياسية المختلفة. حاول هذا الخطاب أيضًا الإجابة على سؤال مهم حول الهوية لهذه الجماعات السياسية المختلفة، خاصةً اليهود في تلك الفترة. وهنا تنازعت الإجابة عن الهوية أمرًا مهمًا وهو هل نحن مصريون، أم يهود، أم عرب؟ والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: ما هو الموقف الذي اتخذه اليهود في المجتمع المصري بين عامي 1914 و1952، وتحديدًا خلال الفترة بين الحربين العالميتين؟ هل كان هذا الموقف مختلفًا تمامًا عن غيره من الأقليات الأخرى – الأقلية القبطية على سبيل المثال. لقد أدي عدم التمييز ضد الأقليات في مصر، خاصةً في تلك الحقبة، إلى ظهور حركات سياسية مثل مصر الفتاة[2] والطليعة الوفدية، والاتحاد النسائي، والمجموعات الشيوعية مثل الحركة المصرية من أجل التحرير الوطني (إسكرا) ثم حدتو في منتصف الأربعينيات –والتي شهدت انخراط الأقليات فيها وبكل قوة، خاصة الأقلية اليهودية،[3] فضلًا عن الإسلام السياسي ممثلًا في جماعة الإخوان المسلمين التي نشأت عام 1928. مناخ الحرية هذا وغياب التمييز ضد الأقليات آنذاك كان فرصة جيدة لأن تظهر الصهيونية بين اليهود المصريين، عن طريق عدد من المثقفين اليهود المنتمين للطبقة البرجوازية؛ مثل جاك موصيري[4] وغيرهم الذين كانوا على علاقة وطيدة بقيادات الحركة الصهيونية مثل حايم وايزمن وغيره وزياراتهم المتكررة لمصر. واستطاعت الحركة الصهيونية من خلال الدعم المالي المقدم لها عن طريق هؤلاء المثقفين ممارسة نشاطها بكل قوة، بل وأن تؤسس للصحف التي تتبني الخطاب الصهيوني والذي يدعو إلى توطين اليهود في فلسطين، مستغلةً في ذلك الخطاب السائد آنذاك حول المواطنة والحقوق السياسية.[5] وحرية التعبير التي كفلها وأسس لها دستور 1923.
إن العلاقة بين الدولة وأقلياتها، والتي كانت قائمة في تلك الفترة على مبدأ المواطنة، عززت من مفاهيم عدة، مثل حرية التعبير، والاستقلال الوطني والديمقراطية النيابية، إلى جانب الحق في إصدار الصحف الخاصة، كجزء من منظومة حرية التعبير التي كفلها دستور 1923. في الوقت ذاته تحاول الدراسة رصد العلاقة بين مفهوم المواطنة الذي تم إصداره في قانون 1923، ومحاولات تطبيق هذا المفهوم في الواقع واصطدامه بالعديد من العراقيل، خاصةً على مستوى التقاضي، وكيف أن محاولات الإصلاح التي خاضتها الدولة لتوحيد القضاء لم تكلل بالنجاح، لكنها تبقى –على المستوي التاريخي–هي التجربة الوحيدة والمهمة في تاريخ مصر الحديث لبناء أسس نظام علماني يقوم علي الفصل بين الدين والدولة وتأسيس منظومة من القيم مرجعيتها الأساسية حقوق الإنسان (حتي قبل ظهور المواثيق الأممية المتعلقة بحقوق الإنسان)، كما أنه يعكس لديناميكية العلاقة بين الدولة وأقلياتها. من هنا كان اختيار تلك المرحلة التاريخية لما كانت تتمتع به مصر حينها بتعدد عرقي وديني ولغوي، وصل ذروته مع وجود أكثر من تسعين أقلية في مصر في الفترة بين الحربين العالميتين، ما جعل المستشرقين يصفونها بأنها مركز الأقليات في الشرق الأوسط. كما أن ذروة هذا التعدد تمثلت في وجود الطائفة اليهودية التي كانت تتحدث لغات عدة طبقًا للبلدان التي تنحدر منها أصولها أو التي هاجرت منها.[6]
منهجيًا، تستلهم الدراسة منهجيتها من التاريخ الجديد،[7] حيث تدمج السياق التاريخي مع تحليل النص والحجج النظرية، في محاولة لإحياء الحرية التاريخية في الاختيار ونقد الهياكل التمييزية؛ لذا تستند هذه الورقة في الكثير من جوانبها التحليلية بالمساهمات النظرية لدراسات ما بعد الكولونيالية، هادفةً إلى تقديم مساهمة في فهم الديناميكيات الاستعمارية بشكل أفضل بين الشرق والغرب وأثره في الخطاب التنويري اليهودي من ناحية (وهنا أقصد بكل وضوح اليهود العرب باعتبارهم مواطنون ينتمون للدول التي نشأوا فيها) وكذلك الدولة المصرية حينها، والتي كانت تقع تحت الاحتلال الإنجليزي. وفي الوقت ذاته تحاول الدراسة شرح العلاقة بين الدولة ومكونات المجتمع حينها، خاصةً الأقليات، وفهم ديناميكية العلاقة لهذه الأقليات فيما بينها، والتي تأسست على مبدأ الهيمنة للطبقة البورجوازية على حد تعبير الفيلسوف الإيطالي جرامشي[8] في هيمنتهم وسيطرتهم على الطوائف أو الأقليات التي ينتمون إليها، وبالتالي تحالفهم مع الدولة في تأسيس حكمها ومساعدتها. بمعني آخر، ستحاول هذه الدراسة توضيح كيف استطاع المثقفون المنتمون إلى الطبقة البرجوازية التحالف مع الدولة وفرض هيمنتها على الأغلبية (أقصد هنا أغلبية طائفة ما) وكيف كان شكل العلاقة بينها وبين الدولة، وتفاعلها في الوسط الاجتماعي الذي تنتمي إليه. تمثلت تلك الهيمنة في فرض سيطرتها على المجلس الملي ومجلس الطائفة، إلى جانب خلق مراكز قوي داخل المجالس الملية من خلال القوة الاقتصادية، والتي كان لها تأثير كبير على التوجه الديني والسياسي؛ حيث إن النظام الانتخابي الداخلي للمجلس الملي يقوم على أساس الضريبة المجتمعية، فمن يريد أن يكون مؤهلًا للتصويت لعضوية المجلس، يتعين عليه دفع الضريبة، المعروفة باسم العريخا لمدة ثلاث سنوات متتالية. وحجم الضريبة يعتمد على دخل الشخص، ودفع ضريبة أعلى يضمن التصويت في الانتخابات، وبالتالي في مقدرته الحصول على السيطرة على المجلس، أي أنه لا مفر من سيطرة الأثرياء على المجلس الملي.[9]
بين تحديث الاقتصاد والقومية المصرية
ركز معظم الباحثين الذي اهتموا بدراسة تاريخ اليهود المصريين إلى حد كبير على الطبقة البرجوازية العليا، لما كان لها من تمثيل قوي في السياسية والاقتصاد والثقافة، فضلًا عن علاقتها القوية بالدولة ومؤسساتها، غالبية هذه الطبقة ينتمون إلى اليهود الربانيين (السفارديم)، وقد لعبت هذه الطبقة دورًا رئيسيًا في السيطرة على الطبقات الأخرى، مثل اليهود القرائين والأشكناز، وقد ساهمت أيضًا هذه الطبقة بشكل بارز في الحياة الثقافية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية للمجتمع المصري وتحديث النظام الاقتصادي.
في إطار إصدار الصحف،[10] طبقًا لقانون المطبوعات عام 1881، استطاع هؤلاء المثقفون إنشاء صحفهم الخاصة من أجل مناقشة القضايا المتعلقة بالطوائف التي ينتمون إليها، وكذا مناقشة الوضع السياسي العام لمصر، كما ساهموا في إنشاء المدارس اليهودية والتي كانت قادرة على إعادة وإحياء اللغة العبرية، والتي ارتبط جزء كبير منها فيما بعد بالحركة الصهيونية ونشر أيديولوجيتها، كما في مدارس الاتحاد العالمي للمدارس اليهودية.[11] كل هذا يعكس صورة للواقع الذي كان عليه الأمر في الفترة من 1919 حتى العدوان الثلاثي علي مصر (حرب شنتها كل من بريطانيا وفرنسا وإسرائيل على مصر عام 1956)، ويوضح أيضًا كيف ساهم المناخ العام حينها في إبقاء الأقلية اليهودية مندمجة في المجتمع المصري في ذلك الوقت. والنقطة المحورية –وكذلك وجهة النظر الشخصية– هي أن صعود القومية في مصر ارتبط بالتحديث في القطاعات المختلفة، وخاصةً إدارة الدولة والنظام التعليمي، وقد ساعد هذا النخبة المصرية أن تكون على تواصل مع الواقع الأوروبي وقضاياه المختلفة، فضلًا عن التفاعل معها ونقلها إلى العالم العربي.
ارتباط اليهود المصريين بما يسمي بالتنوير الأوروبي والذي تطور داخله التنوير اليهودي أو ما يطلق عليه الهاسكالا، ساهم في احتكاك اليهود المصريين بالحضارة الأوروبية وانفتاحهم عليها بصورة أوسع؛ لذا ساهموا بقوة كبيرة في حركة تحديث الاقتصاد المصري.[12] وبإمكان هذه المساهمة –تحت الاحتلال الإنجليزي– إعطائنا لمحة عن المجموعات المسيطرة حينها على الاقتصاد في مصر، وهم الطبقة السياسية والعسكرية البريطانية في مصر، طبقة سكان الحضر، والطبقة الأوليغارشية.[13] أما المجموعة الرابعة فقد كانت تمثلها الطبقات المالكة والمهنية (البيروقراطيون والمعلمون). ولقد أوجدت تلك الطبقة الرابعة لنفسها مكانًا داخل الأحزاب السياسية الوطنية (حزب الوفد بشكل أساسي)، الذي كان يمثل الاتجاه الوطني الليبرالي، وكان الوفد حينها هو الحزب الجامع لمكونات المجتمع المصري المختلفة، ومن ضمنها بالطبع الأقليات. فقد تمكن كل من الأقباط واليهود في مصر من الانضمام إلى حزب الوفد المصري والوصول إلى مراكز قيادية داخل الحزب؛ فعلى سبيل المثال، تم انتخاب مرقص حنا (المفكر القبطي) أمينًا للوفد في نوفمبر 1919، فضلًا عن العديد من الأعضاء الأقباط. وبالنظر إلى دور الأقليات، خاصةً رجال الأعمال اليهود، في عملية تحديث الاقتصاد المصري يعيدنا هذا إلي النقاش حول دور الأجانب في عملية إنهاء الاستعمار، وإلى النقاش حول دور الشركات الأجنبية في عملية إنهاء الاستعمار بشكل عام.[14]
إن دراسة اليهود كأقلية مهاجرة (خاصةً من أتوا إلى مصر من بلدان مختلفة)، سيساعدنا على فهم التعددية في الانتماء السياسي داخل المجتمعات اليهودية، وأقصد هنا الدمج بين قضايا الأوطان التي يعيشون فيها، وبين القضايا الخاصة لليهود كأقلية لها خطابها القومي الذي كانت تسعي حينها لتأسيسه والدفاع عنه. إلى جانب فهم التكوين الهرمي لهذه المجموعة والذي يتشابه كثيرًا مع المجموعات نفسها في بلدان أخري. ومن ملامح هذا التكوين أنه كان هناك طبقة عليا لليهود المصريين (طبقة برجوازية) استثمروا في قطاعات مختلفة وكانت تربطهم علاقات قوية بالدائرة الملكية حينها. فمثلا رئيس مجلس الجالية اليهودية السفارديم يوسف أصلان قطاوي باشا، تم اختياره في الفترة من 1924-1925 ليصبح وزيرًا مرتين، بينما كان مراد فرج فرج، رئيس المجلس الملي لليهود القرائين، محامي الخاصة الخديوية ومنحه الخديوي عباس حلمي الثاني رتبة البكوية لكفاءته.[15]
من الذمية إلى المواطنة
في الفترة التي اشتدت فيها مقاومة الاحتلال الإنجليزي في مصر ومع قيام ثورة 1919 نشأ خطاب يقوم على أساس حقوق المواطنة والحريات، هذا الخطاب بالطبع متأثر في تركيبته بالتنوير الأوروبي. وحاولت كل مجموعة سياسية في ذلك الوقت استلهام رؤيتها في إطار من هذا الخطاب التنويري الليبرالي، حينها كان حزب الوفد هو الممثل لهذا الاتجاه، لذا انتسب العديد من الأقليات لحزب الوفد، مؤمنين بالمبادئ الليبرالية التي يطرحها الحزب، دفاعًا عن دولة الحريات والمواطنة. ففي فترة ما بين الحربين العالميتين كانت المقاومة السياسية المصرية للحكم الاستعماري البريطاني علي أشدها؛ وفي الوقت نفسه دعم وجود الاحتلال البريطاني النقاش حول عدد من القضايا الاجتماعية والسياسية في مصر، لا سيما مسألة ما إذا كان يجب اعتبار مصر فرعونية، أم دولة إسلامية عربية، أم أنه تم تشكيلها طبقا للقيم العلمانية للاحتلال الإنجليزي خاصةً فيما يتعلق بالقضايا الاجتماعية والسياسية.
في تلك الفترة حدث نوع من الانتقال داخل المجتمع المصري، وأيضًا داخل الدولة، فيما يتعلق بتوصيف الأقليات (اليهود والأقباط على سبيل المثال)، فقد استبدلت مصر بمصطلح المواطن/المواطنة، كلمة الذمي كمصطلح يصف غير المسلمين. ساهم في نشأة هذا المفهوم الجديد سببان: أولهما، صياغة الخطاب السياسي في تلك الفترة والذي كان متأثرًا بالنهضة الأوروبية، وكان المصطلح الأكثر تميزًا في خطاب النهضة هو “الإصلاح”؛ والذي ركز على إصلاح اللغة، الدين، المجتمع، الحكومة، التعليم، والأسرة.[16] وهو ما تبناه عدد من المثقفين من مختلف الاتجاهات السياسية والدينية وحاولوا تطبيقه والدعوة إليه.[17] وثانيهما اندلاع ثورة 1919 ودور حزب الوفد وخطابه الليبرالي آنذاك كما أشرت، والذي كان يهدف إلي تكوين الجماعة السياسية، أو ما أطلق عليه المفكر المصري طارق البشري تمصير الحركة الوطنية والرغبة العامة في تكوين الجماعة السياسية تكوينًا مصريًا، ومزج الأهالي في كيان سياسي واحد، وإيجاد الصيغة الملائمة لتأكيد قوة التماسك القائمة بين الأهلين.[18] وكان من أهم تجليات تلك الثورة رفع شعار “مصر للمصريين”، والذي رفعته ثورة عرابي من قبل. من خلال هذا النضال المشترك لكل هذه الأقليات تحت راية حزب الوفد، لم يكن هناك مكان لوجود مصطلحات مثل ذمي أو أقلية، حيث كان الهدف المشترك للجميع هو إجلاء الاحتلال الإنجليزي عن مصر. إن هذا النضال المشترك بهذه الصورة كان ملهمًا للعديد من المستشرقين بأن يصفوا ذلك النضال بأنه نضال غير مسبوق في تاريخ مصر الحديثة، حيث يتعاون الجميع يهودًا وأقباطًا ومسلمين متجاوزين كل التوترات والانقسامات لأجل هدف واحد.[19] هذا النضال المشترك وبهذه الصورة تحت راية حزب الوفد أدي إلى إلغاء الحماية الإنجليزية على مصر سنة 1922، وأوجد أيضًا التنظيم الدستوري النيابي لسنة 1923 بالصورة التي وُجد بها. وعلى الرغم من الانتقادات التي قد تُوجه لهذين الأمرين إلا أنهما كانا خطوة مهمة بالنسبة للتطور السياسي والاجتماعي فيما تلى ذلك من أعوام.[20]
فيما يتعلق بالتنظيم الدستوري تمثلت أولي ثماره في تشكيل لجنة دستور1923 (عددها ثلاثين عضوًا) والتي ضمت ممثلين عن الأقليات، فكان فيها من اليهود يوسف قطاوي باشا (رئيس المجلس الملي لطائفة اليهود السفارديم(، ومراد فرج بك (رئيس المجلس الملي لطائفة اليهود القرائين)، إلى جانب الأنبا يؤانس مطران الإسكندرية وقليني فهمي وإلياس عوض وتوفيق دوس من القبط، إلى جانب ممثلين آخرين من أقليات أخري.[21] شددت لجنة الثلاثين تلك على أهمية الاستقلال والحاجة إلى الحريات الدينية. واستنادًا إلى قيم خطاب النهضة ومبادئ المواطنة، رفض ممثلو الأقليات خاصةً اليهود والأقباط الإشارة إليهم في الدستور باعتبارهم أقلية.[22] كان هذا الموقف معبرًا بصورة واضحة عن تغلغل الخطاب الوطني وتكون الجامعة الوطنية التي تقوم على أساس المواطنة (المقصود بالجامعة الوطنية هنا القومية المصرية)[23].
في الوقت نفسه تكشف محاضر جلسات تلك اللجنة عن نقاشات معمقة حول قضايا الحريات الدينية وكيفية صياغتها لتتوافق مع المبادئ الليبرالية وحقوق الإنسان. ولابد هنا من الإشارة إلى مسألتين في هذا الدستور يجب النقاش حولهما؛ لأنهما يكشفان عن هوية الدولة والمجتمع في تلك الحقبة، وأيضًا يعكسان موقفهما تجاه الأقليات التي تعيش فيه، وفي الوقت ذاته تكشفان عن المحاولات الأولي والجدية لوضع اللبنات الأولي لدولة علمانية في مصر تسعى إلى فصل الدين عن الدولة وأخذ مسافة واحدة من جميع مواطنيها. هاتان المسألتان يكشفان كيفية التعامل مع مسألة الدين وقتها؛ المسألة الأولي تتعلق بحرية الاعتقاد، والمساواة في الحقوق لجميع المصريين، استنادًا إلى مبدأ المواطنة، وثانيهما في النظام القضائي للأقليات. ففيما يتعلق بحرية الاعتقاد فقد نصت المادة الثانية عشرة من الدستور على أن حرية الاعتقاد مطلقة.[24]
في المقابل، وحسب ما أوردته بعض المصادر حول مسودة الدستور ومحضر اجتماعات اللجنة، أصر علي بك ماهر على الفصل بين الاعتقاد والممارسة، لأنه كان يرى أن الخلط بين الأمرين قد يفتح الباب للمتحججين بالممارسات لقمع حرية الاعتقاد؛ حيث كان يعتقد أن حرية الاعتقاد هي الأساس في تأسيس الدولة المصرية الحديثة، ويجب أن تكون حرية الاعتقاد مُطلقة، و بالتالي يجب ألا يوضع إلى جانبها أي شروط تحددها وإلا انتفى أصل المعنى، وانطلاقًا من هذا المبدأ، فيمكن تحديد حرية الممارسة فيما لا يُعد قانونًا جُرمًا.[25] بصيانة حرية الاعتقاد غير المشروطة، برأي أعضاء اللجنة، فقد أسس هذا المبدأ لكل ما تلاه من قوانين تُشكِّل الهوية والنظام في مصر، وفي نهاية الأمر صدرت المادة الثانية عشرة علي شكلها الأخير الذي ضمن حرية الاعتقاد، وفي الوقت ذاته وبتوافق من ممثلي الأقليات الذين رفضوا أن يُشار إليهم كأقليات في الدستور، وانطلاقًا من أسس المواطنة والجامعة الوطنية، نص الدستور في مادته الـ(149) علي أن الإسلام دين الدولة واللغة العربية لغتها الرسمية.[26]
بهذه الصورة صدر دستور 1923 متضمنًا كافة الأحكام الخاصة بكفالة المساواة في الحقوق للمصريين جميعًا، بصرف النظر عن الدين أو الجنس أو اللغة أو غيرها، مع حرية الاعتقاد الديني وحرية ممارسة الشعائر الدينية.[27] المسألة الثانية والتي كانت تتعلق بمسألة الدين وقد ناقشتها اللجنة الفرعية في جلستها التاسعة هي مسألة اعتبار المحاكم الشرعية جهة الاختصاص العادي في قضاء الأحوال الشخصية، فقد ثار جدل واسع حول ذلك، فبين المعارضة والقبول بمبدأ التوحيد القضائي، خاصةً فيما يتعلق ببعض مسائل الأحوال الشخصية الخاصة بالأهلية وإدارة الأموال، لم يتم الاتفاق على شيء، وارتأت اللجنة حينها عدم ذكر أي شيء عنه في الدستور، بما يعني أنه بقي لجهات القضاء الديني والطائفي اختصاصها في هذا الشأن.[28] لكن لابد من الإشارة إلي أن باب الحقوق والحريات الذي نص عليه دستور 1923 هو باب حديث يختص به هذا الدستور وحده، ويتفوق على الدساتير الأوروبية حينها، حيث أن المواد المتعلقة بنظام الحكم والعلاقة بين سلطاته قد نُقلت في مجملها من الدستور البلجيكي، مع التوسع في بعض سلطات الملك مقارنةً بالنص الأصلي، وإضافة نصوص أخرى تعكس الخصوصية المصرية للدستور، كما تم في المادة (149)، ونجد أن باب الحريات في هذا الدستور غير موجود في الأصل البلجيكي.[29]
القضاء الملي والمواطنة المنقوصة
جاء دستور 1923 ليضع اللبنات الأولى لدولة علمانية تحاول الفصل بين الدين والدولة، وقد جاءت بعض مواده كما تم الذكر آنفًا لتضمن حرية الاعتقاد، وبالتالي كانت هذه هي اللبنات الأولي لدولة تتخذ من العلمانية طريقًا لها، والعلمانية هنا بالمعني الواضح هو الفصل بين الدين والدولة، وعدم تدخل الدولة أو إجبار مواطنيها على اعتقاد معين، أو فرض أي صيغة دينية عليهم بصورة قسرية. وعلى الرغم من هذه المحاولة وأهميتها، إلا أن هناك بعض العقبات التي واجهتها، وهو أمر مفهوم، حيث إن كل بداية لها عقبات، لكن العقبة الأكبر كانت واضحة في عدم القدرة على صياغة قانون يساوي بين المواطنين جميعًا، ويحتكم إليه الجميع باختلاف دياناتهم. برزت هذه الأزمة في التعامل مع القضاء الملي، واختصاص هذا القضاء مقيد بأبناء الطائفة التي يمثلها المجلس الملي، أي يشترط فيه اتحاد ملة الخصوم، بمعني أنه قضاء تحكمي، فإذا اختلفت الملة، فالمحاكم الشرعية صاحبة الولاية، وأيضًا مقيد بأنواع من الأحوال الشخصية تتصل كلها بالمسائل الزوجية، أما الأهلية والوصاية والقيامة فقد سُحبت منه ودخلت مسائل المواريث وما يرتبط بها من الوصايا في اختصاصه. ترتب على هذا إلزام كل طائفة ليس لها مجلس ملي ولا لائحة للأحوال الشخصية بتشكيل مجلس ووضع لائحة.[30]
في البداية، اتسم أمر القضاء الملي بأن السلطان العثماني يعين الحاخام باشا، وكان آخر حاخام باشا مُعين من قبل الوالي العثماني هو حايم ناعوم أفندي (1925 – 1960)[31] ولُقّب بالحاخام الأكبر، لأن سلطته كانت تمتد على جميع اليهود المصريين، ثم بعد ذلك أصبح لكل طائفة مجلسها الخاص المُشكَّل من بعض رجال الدين وبعض المثقفين الذين ينتمون للطبقة البرجوازية، للفصل في الأحوال الشخصية لطائفته وفقًا لشريعته. كان للطائفة الربانية محكمتان على درجتين في الإسكندرية والبحيرة، بينما كان يتم نظر دعاوى الطائفة القرائية على درجة واحدة. كان للحاخام الأكبر مساعدون في الإسكندرية ودمنهور وكفر الزيات وطنطا والمحلة وبورسعيد؛ للنظر في دعاوى اليهود، كما وافقت الحكومة عام 1887 على إنشاء مجلس ليهود القاهرة ليُمارس الأحكام في المجال نفسه، بينما رفضت الاعتراف بقضاء الأشكناز. وهنا يظهر التناقض من قبل الدولة تجاه أقلياتها، فالدولة المصرية قصرت اعترافها الرسمي بالنسبة للطوائف اليهودية على الطائفة الربانية، التي كان يشكلها السفارديم، وبالتالي كان من الطبيعي أن يتم الاعتراف بقضائهم، لكن تبقى الطائفة القرائية التي منحت الدولة لقضائها الاعتراف الرسمي، لكنها لم تمنح العديد من أعضائها الجنسية المصرية، وكان العديد منهم بدون هويات أو أوراق رسمية (أقرب لحالة البدون في عدد من الدول العربية اليوم)، ولم يكن عددهم كبيرًا (حوالي أربعة آلاف شخص عام 1928)،[32] إلا أننا نجد أن الدولة منحت قضاءهم الاعتراف. وهذا الأمر راجع في وجهة نظري إلى عدد من أعضاء هذه الطوائف (خاصةً المنتمين للطبقة البرجوازية) والذين كانوا يتمتعون بنفوذ وعلاقات قوية مع الدولة، ما أدى إلى الاعتراف بقضاء طوائفهم كنوع من المجاملة لهم. ونظرًا لما كان للسفارديم من علاقات قوية حيث تم اختيار رئيس المجلس الملي للطائفة يوسف قطاوي باشا ليصبح وزيرًا لمرتين متتاليتين، ثم اختير عضوًا في لجنة وضع الدستور، والأمر نفسه مع رئيس المجلس الملي للقرائيين مراد فرج، والذي كان محام للخديوي، وتم اختياره أيضًا ليكون عضوًا في لجنة الدستور. علاقات هؤلاء الأشخاص لعبت دورًا مهمًا ليتم منح القضاء الملي الخاص بكل طائفة الاعتراف من قبل الدولة. ولعل عدم وجود أشخاص نافذين داخل الطائفة الأشكنازية ساهم في عدم اعتراف الدولة بهم على المستوي الرسمي أو القضائي.
على الرغم من الانتقال والتطور الذي حدث في دستور 1923، والذي بموجبه تم إقرار مبدأ المواطنة وحرية الاعتقاد، وهجرت مصر على أساسه استخدام مصطلحات مثل الذمي أو أهل الكتاب، فضلًا عن كون ذلك الدستور محطة هامة لوضع اللبنات الأولي لنظام علماني يقوم على مبدأ المواطنة؛ إلا أن المحاولة جاءت منقوصة، حينما جاء الحديث عن توحيد النظام القضائي وإلغاء القضاء الملي وإبداله بالنظام العلماني الذي يسعى لتوحيد القضاء لتوافقه مع التطور الذي يقضي به العصر. في البداية كانت هناك محاولات لتوحيد هذا النظام إلا أن المعارضة التي واجهها من داخل الطوائف ذاتها خلقت صعوبات في التطبيق، وتفاديًا لصدام محتمل، أوكلت الحكومة للطوائف بتحضير اللائحة الداخلية وقانون الأحوال الشخصية لكل طائفة، كما أنها رأت في ذلك نوعًا من العمل على إصلاح المجالس الملية، وعليه تم تشكيل لجنة عام 1934 لوضع مشروع قانون بتنظيم ولاية قضاء الأحوال الشخصية لغير المسلمين، وصدر به قانون رقم 40 لسنة 1936، ويقضي بإبقاء ولاية القضاء للطوائف الملية المقررة بالأوامر العالية، وأن ترتب المحاكم وفقًا للائحة منظمة تعتمدها الحكومة، ويُرفق بها صور مطبوعة من قانون الأحوال الشخصية. بعدها بعام في 1937، مُنحت المجالس الملية حق الحكم في قضايا الأحوال الشخصية لغير المسلمين إذا كان القانون الواجب التطبيق قانونًا دينيًا،[33] وعلى سبيل المثال قام مراد فرج بك، رئيس المجلس الملي لطائفة القرائين عام 1935 بتحضير اللائحة الداخلية وقانون الأحوال الشخصية للطائفة، وفي عام 1937 أرسل كتابه المسمى “كتاب الأحكام الشرعية”، إلى وزارة الداخلية وتم اعتماده في 1940.
إن منح الدولة للطوائف حق الفصل في دعاوى الأحوال الشخصية خلق تناقضًا مع الدستور فيما يتعلق بحرية الاعتقاد التي كفلها وأكد عليها؛ فعلي سبيل المثال، في عام 1941 خرج أحد أعضاء طائفة القرائين وانضم إلي طائفة الربانيين، وبعد فترة من الزمن طلب هذا الشخص العودة إلي ملة القرائين مرة أخرى، إلا أن المجلس الملي في اجتماعه اعتبره خارجًا عن الملة اليهودية،[34] وهذه ليست القصة الوحيدة، ففيما يتعلق بالزواج من الطوائف الأخرى، أو ما أطلقت عليه المصادر اليهودية حينها “الزواج من الأجنبيات”، لأنهم كانوا يرون أن أتباع الطوائف الأخرى أجانب لا يجوز الزواج منهم، ذكرت صحيفة الاتحاد الإسرائيلي أن أحد أتباع الطائفة القرائية أراد الزواج من أحد أبناء طائفة الربانيين (السفارديم)، وأراد أخذ رأي المجلس الملي، فقام مراد فرج بك رئيس المجلس الملي بإعطائه الإذن بذلك، دون الرجوع للمجلس، ما أثار حفيظة المجلس، واجتمع واتخذ قرارات ضد رئيسه، حتى أن الاتهامات بلغت القول برغبته في تدمير الطائفة والقضاء علي دينها وتاريخها وتراثها.[35] هذا الموقف يعكس التناقض داخل أفراد الطائفة وكذلك الدولة، فالدولة التي كتبت دستورًا يتفوق في العديد من بنوده على بعض الدساتير الأوروبية في ذلك الوقت (كالدستور البلجيكي كما تم الإشارة إلي ذلك)، لم تستطع أن تقوم بعملية توحيد القضاء، وإلغاء التقاضي الملي. حيث أن النظام القضائي أو ما يُعرف بالنظام الملي لا يتوافق مع فكرة الجنسية أو المواطنة المنصوص عليه دستوريًا، حيث إنه يميز في معاملة الأشخاص وفقًا لديانتهم ولو اتحدت جنسيتهم.
موقع الدين في دستور 1923
كما أشرت أعلاه، فإن لجنة دستور 1923 أقرت في مادته الـ149 أن الدين الرسمي للدولة هو الإسلام ولغتها الأساسية هي اللغة العربية، وهو أمر منطقي متناسق مع سياقه المجتمعي؛ لأن الإسلام هو دين الأغلبية. وهنا تم ذكر الإسلام بأنه دين رسمي فقط، أي لا علاقة له بالتشريع، أو لعب أي دور في تحديد هوية الدولة أو مؤسساتها، لذا لم يكن للدين الإسلامي دور في القضايا المتعلقة بالأحوال الشخصية (مثل الزواج والطلاق والميراث، والتي تم معالجتها أو النظر والحكم فيها من خلال المجالس الملية)، وهذا على النقيض مما تم فيما بعد في عهد الرئيس السادات في دستور 1971، حيث تم إضافة أن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيس للتشريع، ما يعني لعب الدين دورًا في عملية صياغة القوانين، وكذلك في الحياة العامة للناس.[36]
أيضًا في دستور 1923، تم النص علي أن اللغة العربية هي اللغة الرسمية للدولة، وهذا له دلالة في إطار السياق التاريخي الذي كُتب فيه الدستور؛ حيث إن النخبة الليبرالية التي ساهمت في كتابته كانت تنتمي إلي التيار القومي الذي يؤكد على اللغة والاتصال التاريخي والجغرافي –أي صلة الزمان والمكان– كجامع قوي يضم المصريين في جامعة سياسية واحدة، وإن اختلفت أديانهم.[37] هذه النخبة القومية حاولت تمييز نفسها عن التيار الآخر، وهو تيار ديني، كان يؤكد على الجامعة الإسلامية كجامع سياسي يضم كافة المسلمين في مصر والعالم. هذا التيار الثاني مثَله جمال الدين الأفغاني، ومن بعده الشيخ محمد عبده، والشيخ محمد رشيد رضا، ومصطفي كامل زعيم الحزب الوطني، والذي كان يرى عدم وجود تناقض بين الرابطة القومية والهوية الدينية.[38]
من الجدير بالذكر أن هذا الدستور تم صياغته تحت الاحتلال الإنجليزي، وبالتالي كانت القومية في تلك الفترة هي الوعاء الجامع لحركة التحرر الوطني ضد الاستعمار، في الوقت الذي لم تستطع الرابطة الإسلامية، والتي كانت ممثلة حينها في الدولة العثمانية، على القيام بهذا الدور. كل هذا جعل من مسألة الدين لدي النخبة التي ساهمت في كتابة دستور 1923 مسألة غير مطروحة للنقاش، لعدم اقتناعهم بجدوى الرابطة الدينية في مواجهة الاستعمار. هذا التوجه القومي (مع التسليم بأن الصياغة الحديثة للفكرة القومية قد أتت من الغرب) جعل من هذه النخبة هي الواضعة للقواعد المؤسسة لأول دستور علماني في تاريخ مصر الحديث، أي استبعاد الدين من النقاش العام، والفصل بصورة واضحة ومؤسسية بين الدين والدولة. كان من الممكن تطوير هذه المحاولة والبناء عليها، ولكنها اصطدمت بالعديد من العقبات، وانهارت تمامًا مع قدوم عام 1952 وحدوث الانقلاب العسكري وتولي الجيش لمقاليد السلطة.
في خضم تلك المحاولة كان هناك أمر مهم يجب الإشارة إليه وهي أن تلك النخبة الليبرالية تأثرت بخطاب النهضة الذي كان منتشرًا حينها كما أشرت آنفا (من تداعياته مسألة القومية)، ومارست ما يسمي بالنقد التنويري للدين على مختلف أشكاله، وهذه عقيدة محورية ليبرالية حديثة كانت محورية في كتابات جورج فيلهلم فريدريش هيغل الأولى المتأثرة بالثورة الفرنسية، وفي نقد الهيليغيين الشباب للدين أيضًا. ويمكن اعتبار هذا النقد من أسس تصنيف ماكس فيبر للفرق بين الكنيسة والفرقة الدينية باعتبار أن خسارة دين معين لاعتراف الدولة الرسمي به يحوله من كنيسة إلى جمعية طوعية يمكن اعتبارها فرقة دينية، أو ما يسمي بالكنائس الحرة، من دين رسمي إلى معتقد أو مذهب إيماني، ومن وجهة نظر الدولة الحديثة (وهي بحكم تعريفها علمانية، بمعني أنها تنظر من منظار الدولة)، فإن جميع الكنائس والفرق الدينية هي إما مذاهب إيمانية فحسب، وإما اتحادات طوعية بصورة كنائس (بمعني جماعة المؤمنين) أو طوائف.[39] وهذا ما وضح تمامًا في تعامل الدولة المصرية آنذاك، ففي الوقت الذي منحت الدولة فيه اعترافها بطائفة ما وكذلك الاعتراف بقضائها، لم تمنح طائفة أخرى الاعتراف الرسمي، لكنها اعترفت بنظامها القضائي الممثل في القضاء الملي. وهذا يوضح أن تلك المحاولة (أقصد علمنة الدولة) كانت لا تميل إلى فصل كلي بين الدين والدولة أو تحرير الدين من سلطة الدولة، بل إنها كانت تهدف إلى وضع الدين تحت السلطة الدولة، لذا فعملية الاعتراف من الدولة لعبت دورًا مهمًا في توصيف المجموعات المعترف بها من قبل الدولة إلي طوائف، وهذا ما برز تمامًا في توصيف بعض اليهود، فحينما كان يتم الحديث عن اليهود القرائين الذين لم تمنحهم الدولة اعترافها الرسمي كان يُطلق عليهم اسم طائفة اليهود القرائين.
هنا جانب مهم يجب الإشارة إليه وهو أن هذه النقاشات التي تمت حول الدستور، تمت في سياق تاريخي تمثل في ظهور تيارين أساسيين، التيار القومي الذي يؤكد علي اللغة والاتصال التاريخي والجغرافي –أي صلة الزمان والمكان– كجامع قوي يضم المصريين في جامعة سياسية واحدة، على اختلاف أديانهم؛ والتيار الديني، والذي كان يؤكد علي الجامعة الإسلامية كجامع سياسي يضم كافة المسلمين في مصر والعالم. في وقت ذاته، فإن مصطلح الأمة المصرية تبلور في مواجهة الاستعمار البريطاني، وأيضًا في إطار النقاشات التي تمت مع بداية القرن التاسع عشر، وهي الفترة التي بدأ التشديد فيها ينتقل إلى الأمة القومية باعتبارها مصدرًا للسيادة،[40] وفي تلك الفترة نشأت الأمة كراعية للدولة الوطنية متعددة القوميات، ثم برزت الأمة كقومية.[41]
خاتمة
بالعودة إلى السؤال الرئيسي، كيف كانت علاقة الدولة والمجتمع في مصر في الفترة المستهدفة من الدراسة؟ أولًا، وبنظرة شاملة على تاريخ مصر الحديث، نجد أنه في الفترة بين 1919 و1952 كانت هناك محاولات لوضع بذور نظام علماني، صحيح أن هناك بعض الأمور كانت تحتاج إلي نقاش معمق وإصلاح بصورة أوسع، إلا أن ذلك لم يحدث لأسباب مختلفة، لكن بنظرة أوسع فإن عملية الإصلاح التي مارستها النخبة السياسية كانت قوية ومؤثرة على المجتمع المصري.
ثانيًا، في المقابل كان خطاب النهضة الأوروبي، وقد كان المصطلح الأكثر تميزًا في هذا الخطاب كما تمت الإشارة من قبل هو مصطلح “الإصلاح”؛ والذي ركز على إصلاح اللغة، الدين، المجتمع، الحكومة، التعليم، والأسرة، وهو الخطاب نفسه الذي نادت به الحركة النهضوية في مصر والعالم العربي، وهو ما كان دافعًا مهمًا للقيام بعملية الإصلاح والتي مارستها جميع الأقليات في مصر في محاولة لمجاراة روح العصر وشكل الدولة الحديثة الذي كان آخذًا في التشكل حينها في مصر. كل هذه المحاولات توقفت مع انقلاب 1952 الذي قام به الجيش، وترتب عليه انتكاس كل هذه الجهود التي تشكلت في فترة ما بين الحربين العالميتين، وبدلًا من مفهوم المواطنة الذي تشكل في تلك الفترة تم ترسيخ مفهوم الطائفية، الذي ترسخ بصورة واضحة مع وصول الرئيس السادات للسلطة، ووضعه لمادة الشريعة الإسلامية كمصدر للتشريع في دستور 1971، والتي مازالت حتى اللحظة مستمرة في كل دساتير مصر المختلفة، والتي قضت علي آمال وجود دولة ديمقراطية ذات نظام علماني في مصر. لذا حينما قامت الانتفاضة الثورية في يناير 2011 أعاد الناس طرح الأسئلة نفسها التي طُرحت منذ مائة عام أثناء ثورة 1919.
ثالثًا، من خلال العرض السابق للنقاشات التي تمت حول دستور 1923 والنخب التي ساهمت في كتابته نجد أن المجتمع المصري حينها كان أكثر انفتاحًا في تقبل الآخر المختلف عنه عرقيًا ودينيًا، ولم تكن فكرة الطائفية قد ظهرت بعد، كما أن هذه النقاشات التي تمت في سياقها التاريخي أبرزت الدور التاريخي الذي لعبته الأقليات في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية للمجتمع المصري.
[1] بالطبع هناك أقليات أخرى داخل المجتمع المصري، لكن ذكر الأقلية القبطية هنا لأنها الأقلية الأكبر، ومنذ السبعينيات هناك توترات طائفية حدثت مع الأقلية القبطية، وتم تكريس الطائفيات على مستويات مختلفة، يُعد قانون بناء الكنائس أبرزها.
[2] في مطلع سنة 1879 قام عبد الله النديم بتأسيس جمعية أكثر ثورية وتحررًا في الإسكندرية، عُرفت باسم “جمعية مصر الفتاة”. كان معظم أعضاء الجمعية من العرب المسيحيين ومن أبناء الطائفة اليهودية المصرية ومن الإيطاليين المتمصرين، وكلهم من المؤمنين والمدافعين عن أفكار جمعية “إيطالية التي أسسها ماتزيني”. فكانوا يطالبون بالحريات المدنية والسياسية وبالعدل والمساواة بين المواطنين أمام القانون بصرف النظر عن انتماءاتهم الدينية والقومية. وبتشكيل حكومة وطنية حقيقية تكون مسئولة أمام مجلس نيابي منتخب انتخابًا حرًا. كان لهذه الجمعية عدة فروع في عواصم دول أوروبية مختلفة، خاصةً في برلين وباريس، وقد لعبت دورًا مهمًا في مقاومة الاحتلال الإنجليزي وتوسعت في نشاطها السياسي في برلين. وقد كانت لهذه الجمعية دورًا كبيرًا في تبني عدد من المثقفين الصريين مفاهيم حقوق الإنسان والمناداة بها، خاصةً في باريس، تأثرًا بخطاب النهضة الفرنسي، ومن هؤلاء على سبيل المثال الدكتور محمود عزمي الذي ارتبط بجمعية مصر الفتاة في باريس وشكّل مع عدد من المثقفين المصريين في الفترة من 1930-1933 “الشعبة المصرية لجماعة حقوق الإنسان” التي قاومت الحكم الديكتاتوري من خلال مقالات أعضائها في الصحف الفرنسية. لمزيد من الاطلاع حول دور محمود عزمي انظر: عبد الرحمن، عواطف، وكامل، نجوى (1997). تاريخ الصحافة المصرية: دراسة تاريخية ومعاصرة. (ص 282). القاهرة.
[3] حدتو هي الحركة الديمقراطية للتحرر الوطني (1944 – 1965) هي من المنظمات الشيوعية المصرية التي أسسها هنري كوريل، وقد تكونت من اندماج منظمتين شيوعيتين هما إسكرا والحركة المصرية للتحرر الوطني. وقد مثلت الأساس السياسي لامتدادات عدة متضمنة الحزب الشيوعي المصري اليوم وكذا حزب التجمع التقدمي الوحدوي حيث أن عددًا كبيرًا من أهم رموز حزب التجمع كخالد محي الدين، عريان نصيف، حسين عبد ربه، رفعت السعيد كانوا أعضاء بحركة حدتو.
[4] بعد إعلان وعد بلفور عام 1927 نظم جاك موصيري حفلًا للاحتفال بإعلان بلفور في القاهرة، دعا فيه أعضاء الطائفة القرائية. وقد حضر هذا الحدث حوالي 3000 شخص. في عام 1918، حضر الاحتفال التالي في الإسكندرية ما يقرب من 8000 شخص، وفي العام نفسه تم إنشاء لجنة في الإسكندرية تحت اسم من أجل فلسطين، مؤيدة لوعد بلفور لتوطين اليهود في فلسطين. كان جاك موصيري رئيس الاتحاد الصهيوني المشكل حديثًا في مصر في تلك الفترة أهم رجل في الحركة الصهيونية. حيث كان بمثابة حلقة الوصل بين الجماعات الصهيونية في مصر وحاييم وايزمان (1874-1952)، رئيس المنظمة العالمية الصهيونية. كرس نفسه لضم أعضاء جدد في الحركة الصهيونية. للمزيد حول نشاط أسرة موصيري في الحركة الصهيونية واستغلالها لحرية التعبير ومناخ الحرية المكفول دستوريًا حينها، انظر:
لاسكيار، ميشائل (1992). يهود مصر 1920-1970، في خضم الصهيونية، ومعادات السامية، وصراع الشرق الأوسط (The Jews of Egypt, 1920–1970, in the Midst of Zionism, Anti-Semitism, and the Middle East Conflict) (ص 25) نيويورك.
[5] بينين، جويل (2009). شتات اليهود المصريين، الجوانب الثقافية والسياسية لتكوين شتات حديث (The Dispersion of Egyptian Jewry: Culture, Politics, and the Formation of the Modern Diaspora) ، ترجمة محمد شكر (الطبعة الثالثة). القاهرة: دار الشروق.
[6] تحدثت مجموعات السفارديم لغة اللادينو، إلى جانب الفرنسية أو الإيطالية أو العربية. وتحدثت مجموعات المهاجرين الأخرى من البلدان الأوروبية لغاتها الخاص. تحدث اليهود اليونانيون اليونانية، وتحدث اليهود الإيطاليون الإيطالية. احتلت اللغة العبرية مكانًا خاصًا بين المجموعات اليهودية، وعلى الأرجح غالبية اليهود في مصر كانوا يتقنون اللغة العبرية على قدم المساواة لأنها كانت لغة الصلوات في المعابد اليهودية. طبعًا كانت هناك فئة قلية منهم لم تكن تجيد اللغة العربية، كانوا يتحدثون الفرنسية بطلاقة. وقد مثل هذا التعدد اللغوي انعكاسًا لمكونات المجتمع المصري.
[7] التاريخ الجديد يقصد به: مجموعة مناهج في التاريخ تعتبر خروجًا على التاريخ التقليدي فهي تعتمد على أنواع جديدة من المصادر التاريخية مثل دفاتر العدول والتاريخ الشفوي والتراث المادي. كما جعل التاريخ الجديد من المغيّبين والهامشيين موضوعًا له من خلال دراسة المتروك من المصادر والمغيّب من الفئات الاجتماعية: تاريخ المجانين، وتاريخ الرعاة، وتاريخ اللصوص والمومسات. انظر: لوغوف، جاك (2007). التاريخ الجديد، ترجمة محمد الطاهر المنصوري. بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية.
[8] في كتابه المهم دفاتر السجن، استخدم الفيلسوف الإيطالي جرامشي تعبر الهيمنة (Hegemony) لوصف حكم الأقلية، أو هيمنة مجموعة على مجموعة أخري من خلال السيطرة المالية. كما استخدم جرامشي مفهوم الهيمنة في سياقات مختلفة، مثل الاقتصاد والثقافة والدين والأنثروبولوجيا وعلم النفس واللغويات. جرامشي، أنطونيو (1991). دفاتر السجن.
[9] تيجنور، روبرت (1987). يهود مصر، والتوتر الطائفي والصهيونية. في شيمون شامير (محرر)، يهود مصر، مجتمع البحر الأبيض المتوسط في العصر الحديث (The Jews of Egypt, a Mediterranean society in Modern Times) (ص 50). لندن.
[10] وفي إطار حرية التعبير كانت بداية إصدار الصحف في مصر في عهد محمد علي حينما تم إصدار جريدة الوقائع المصرية عام 1828 ، في الجانب الآخر قام الاحتلال الإنجليزي بعملية تحديث للإدارة المصرية وتحديث البنية التحتية، ولم يكن معترضًا علي حرية التعبير، وفي هذا الإطار تم إصدار العديد من الصحف وعلي رأسها جريدة الأهرام التي صدرت عام 1867، وبعد إقرار دستور 23 عزز هذا الأمر من حرية التعبير، وإصدار الصحف، حيث إنه في الفترة من 1924 حتي 1952 بلغ عدد الصحف التي تم إصدارها ما يقارب الـ237 كان منها حوالي 200 جريدة باللغة العربية، وبقية الجرائد كانت بلغات مختلفة تعود للأقليات الموجودة في مصر حينها، وكان للأقلية اليهودية النصيب الأكبر منها. في المقابل أيضًا لعبت الصحافة الأجنبية دورًا في انتشار الصحافة في مصر، فمثلًا الصحفيين الفرنسيين دعموا إصدار الصحف المصرية في مواجهة الاحتلال البريطاني وقاموا بتزويدهم بالأموال والتكنولوجيا المتعلقة بذلك. باستثناء دستور 1956، كفلت جميع الدساتير بدءًا من دستور 1923 وصولًا إلى الإعلان الدستوري في 2011 حرية الرأي وحرية التعبير عنه بالقول أو الكتابة أو التصوير وذلك في حدود القانون. كما أقرت مجتمعة بما فيها دستور 1956 حرية الصحافة وإن قيدتها –باستثناء مشروع دستور 1954 الذي أطلق حرية الصحف وحظر تقييد اصدارها بتراخيص وحظر إنذارها أو وقفها أو مصادرتها بالطريق الإداري– بمحاذير مختلفة. إذ حظر دستوري 1923 و1930 الرقابة على الصحف، وحظر إنذارها أو وقفها بالطريق الإداري إلا إذا كان ذلك ضروريًا لوقاية النظام الاجتماعي. وأضاف دستور1930 قيد يسمح بتعطيلها إذا انتهكت حرمة الآداب أو هددت بتعرض النظام الذي أقره الدستور للكراهية أو الاحتقار أو تهدد السلام العام. أما دستور 1971 والإعلان الدستوري لعام 2011 وإن كانا قد حظرا إنذار الصحف أو وقفها أو إلغاؤها بالطريق الإداري، لكنهما أجازا في حالة إعلان الطوارئ أو زمن الحرب فرض رقابة عليها في الأمور التي تتصل بالسلامة العامة أو أغراض الأمن القومي.
[11] انظر جريدة الشمس، خاصةُ الأعداد الصادرة في عام 1944، حول نشاط الاتحاد العالمي للمدارس، انظر: رودريجز، آرون (1993). صورة السفارديم واليهود الشرقيين في المرحلة الانتقالية، معلمي الاتحاد العالمي للمدارس الإسرائيلية (The Image of Sephardim and Eastern Jews in Transition, the Teachers of Alliance Israélite Universelle 1869–1939). واشنطن. مطبعة جامعة واشنطن.
[12] كرامر، جودرن (1982). الأقلية، الملة، الأمة: اليهود في مصر 1914-1952 (Minderheit, Millet, Nation?: die Juden in Ägypten, 1914-1952). ألمانيا. فيزبادن.
[13] تيجنور، روبرت (1998). الرأسمالية والقومية في نهاية الإمبراطورية: الدولة والأعمال في إنهاء الاستعمار في مصر ونيجيريا وكينيا 1945- 1963 (Capitalism and Nationalism at the End of Empire: State and Business in Decolonizing Egypt, Nigeria, and Kenia 1945-1963). برينستون. مطبعة جامعة برينستون.
[14] المرجع السابق
[15] كرامر، جودرن (1982). الأقلية، الملة، الأمة: اليهود في مصر 1914-1952. ألمانيا. فيزبادن.
[16] ليتال، ليفي (2012). التنوير بين الطائفة والأمة، مراد فرج والتهذيب (Edification between Sect and Nation: Murad Faraǧ and al-Tahdhīb 1901–1903) ، في محمد باميه (محرر)، المثقفون والمجتمع المدني في الشرق الأوسط، الليبرالية والحداثة والخطاب السياسي (ص 59-75). نيويورك.
[17] إن مصطلح النهضة في تلك الفترة في مصر كان مصطلحًا له دلالات عامة وخاصة، ففي الوقت الذي صيغ خطاب التحرر ضد الاستعمار الإنجليزي في إطار من النهضة وتجلياتها، كان للمصطلح دلالة خاصة، فقد تلقفته كل أقلية من الأقليات (خاصة الأقلية اليهودية والقبطية) علي نحو خاص، هدفت من خلاله إلي إصلاح الطائفة وقوانينها الخاصة وأيضًا إحياء اللغة الخاصة بها، انعكس هذا الأمر مثلًا بصورة واضحة فيما قامت الطائفة اليهودية التي حاولت أن تقوم بإعادة إحياء اللغة العبرية عن طريق إنشاء المدارس اليهودية، تزامن هذا مع تشديد الصهيونية علي إحياء اللغة العبرية. كما أن الأمور الأخرى المتعلقة بإصلاح المجلس الملي، وقضايا الزواج والطلاق والميراث وإعادة صياغتها وإصلاحها تم في إطار من النهضة والتي كانت تستخدم في ذلك الوقت كمرادف للحداثة.
[18] البشري، طارق (1980). المسلمون والأقباط في إطار الجماعة الوطنية. القاهرة: الهيئة العامة للكتاب.
[19] كرامر، جودرن (1982). الأقلية، الملة، الأمة: اليهود في مصر 1914-1952.
[20] البشري، طارق (1980). المسلمون والأقباط في إطار الجماعة الوطنية. القاهرة: الهيئة العامة للكتاب.
[21] المرجع السابق.
[22] المرجع السابق.
[23] حول الجامعة الوطنية والفرق بينها وبين الجامعة الدينية وعناصرها، انظر البشري، طارق (1998). في المسألة الإسلامية المعاصرة، بين الجامعة الدينية والجامعة الوطنية في الفكر السياسي. القاهرة: دار الشروق.
[24] حينما تم تعديل دستور 1971 في عهد الرئيس السادات، تم إضافة أن الشريعة هي المصدر الأساسي للتشريع، وهذا النص يقضي على مبادئ المساواة وبناء نظام علماني، لذا جاءت مادته 43 تقول بأن حرية الاعتقاد مصونة، وهناك فرق واضح بين لفظ أن تكون حرية الاعتقاد مصونة أو تكون مطلقة. وبعد ثورة يناير خاصةً في دستور 2014 وفي مادته 64 تم العودة إلي إطلاق حرية الاعتقاد، واقتباس الفقرة نفسها التي وردت في دستور 1923 والتي تنص علي أن حرية الاعتقاد مطلقة، وحرية ممارسة الشعائر الدينية وإقامة دور العبادة لأصحاب الأديان السماوية، حق ينظمه القانون. انظر دستور 1923 ومقارنة بين دساتير مصر. تمت الزيارة في 16 مارس 2019،
http://comparativeconstitutionsproject.org/egyptian-constitution-arabic/
[25] الشلقاني، عمرو (2013). ازدهار وانهيار النخبة القانونية المصرية، 1805-2005. القاهرة.
[26] البشري، طارق، ص 174
[27] انظر المادة 13 من الدستور نفسه، وكذلك طارق البشري، ص199
[28] البشري، طارق، ص 174
[29] الشلقاني، عمرو (2013). ازدهار وانهيار النخبة القانونية المصرية.
[30]محمد سالم، لطيفة (2010). النظام القضائي المصري الحديث. الجزء الثاني (ص262). القاهرة: دار الشروق
[31] هناك معلومة خاطئة عن الحاخام حاييم ناحوم أفندي، وهو أنه آخر حاخام لليهود المصريين، والحقيقية أنه آخر حاخام تم تعيينه من قبل الوالي العثماني، بينما آخر حاخام مصري للطائفة اليهودي كان هو حاييم موسي دويك، والأخير ترك مصر في مارس 1972 إلى فرنسا، وفي أكتوبر من العام نفسه هاجر إلي الولايات المتحدة مستقرًا في نيويورك، ونشط في جمعية هفا آهفا التي ساهم في تأسيسها في مصر. توفي عام 1974 لمعرفة المزيد عنه وعن نشاطه الديني انظر: الخطيب، تقادم (2019). الحياة الثقافية لليهود المصريين في الدياسبورا. (بالألمانية). تمت الزيارة في 16مارس 2020.
http://www.orientokzident.de/index.php?filename=publikationen_religioese_minderheiten.htm
[32] طبقا لما نشرته جريدة الاتحاد الإسرائيلي التي كان يصدرها مجلس طائفة القرائين، حيث نقلت الجريدة عن دائرة الإحصاء المصرية، أن عدد اليهود القرائين في الفترة بين 1917-1927 يقارب الأربعة آلاف شخص. جريدة الاتحاد الإسرائيلي. 1927.
[33] محمد سالم، لطيفة (مرجع سابق) الجزء الثاني، ص262
[34] المرجع السابق، ص263
[35] جريدة الاتحاد الإسرائيلي (1925). العدد السابع. ص6
[36] في مقالته مصر والشريعة الإسلامية: دليل الحيران، أقام ناثان بروان نقاشًا معمقًا حول المادة الثانية من الدستور المصري (الشريعة الإسلامية، وإشكالية تطبيقها في الواقع). انظر: براون، ناثان (2012). مصر والشريعة الإسلامية: دليل الحيران. معهد كارنيجي. تمت الزيارة في 1 مايو 2020. https://carnegie-mec.org/2012/05/15/ar-pub-48128
[37] البشري، طارق (1998). في المسألة الإسلامية المعاصرة، بين الجامعة الدينية والجامعة الوطنية في الفكر السياسي. القاهرة: دار الشروق.
[38] حول تيار الرابطة الإسلامية وبدايته وتأثيره انظر: الجابري، محمد عابد (1979). الخطاب العربي المعاصر. الدار البيضاء: المركز الثقافي العربي، بيروت: دار الطليعة.
[39] كورسه، فولكر (2018). تاريخ علم الاجتماع (Geschichte der Soziologie). ميونخ.
[40] مادلي، جون (2003). الديمقراطية الأوروبية: الليبرالية ومبدأ الحياد الديني للدولة (European Liberal Democracy and the Principle of State Religious Neutrality). السياسة الأوروبية الغربية. المجلد 26. ص 9.
[41] هنا لابد من الإشارة إلى تأثر بعض تلاميذ هيغل، خاصةً برونو باور، والذي أسس رأيه في عملية تحرير الأقليات الدينية على أساس فصل الدين عن الدولة، بالإضافة إلى التحرر السياسي والمساواة بين المواطنين، أي أنه ربط الجواب عن شكوى الأقليات اليهودية وغيرها من عدم المساواة بالتحرر السياسي وفصل الدين عن الدولة. ولعل هذا ما أدى إلى تأكيد عدد من اليهود المصريين حينها على الفصل بين الدولة والدولة في الدستور. سيبرتان-بلان، غيوم (2011). الفلسفة السياسية في القرنين التاسع عشر والعشرين. ترجمة عز الدين الخطابي. بيروت: المنظمة العربية للترجمة، ص120.
Read this post in: English