تاريخ من الإخفاقات: التفاعل بين الحركة الحقوقية والحركة الاحتجاجية في مصر
الإشارة المرجعية: صلاح، نادين (2024). تاريخ من الإخفاقات: التفاعل بين الحركة الحقوقية والحركة الاحتجاجية في مصر. رواق عربي، 29 (2)، 34-52. DOI: 10.53833/NHWG5143.
خلاصة
منذ نشأتها، وعلى مدار أربعة عقود، تطورت الحركة الحقوقية من حيث المجال والآليات التي تمتلكها. في السياق نفسه، أدت التحولات السياسية والاقتصادية إلى تبلور الحركة الاحتجاجية في أوائل القرن الحادي والعشرين، والتي افتقدت مقومات التأثير على سياسات الحكومة؛ إذ تميزت بالتشتت وغياب القيادة والإطار التنظيمي. في هذا السياق اختفى الدور الفعال للحركة الحقوقية في بناء قواعد شعبية وتأطير تلك الاحتجاجات وهيكلة مطالبها ودعمها بالشكل الكافي لمواجهة الدولة والتأثير في مؤسساتها وإحداث التغيير. تستهدف الورقة تحليل العلاقة بين الحركتين الحقوقية والاحتجاجية وتفسير إخفاق الحركة الحقوقية في التفاعل مع الحركة الاحتجاجية، وتقوم الدراسة بالإجابة على تساؤل رئيسي: لماذا فشلت الحركة الحقوقية في مصر في بناء قاعدة جماهيرية عريضة أو في مأسسة وتأطير مطالب الاحتجاجات وتعزيزها في مواجهة السلطة؟ وتعتمد في ذلك على المنهج الوصفي التحليلي، بالإضافة إلى مقابلات مع عدد من الحقوقيين المصريين. وقد خلصت الدراسة لأن إخفاق الحركة الحقوقية يرجع لعوامل هيكلية تتضمن قمع الدولة والإطار القانوني، وعوامل داخلية تتعلق بالمنظمات نفسها مثل اعتمادها على التمويل الأجنبي، وغياب دور مجالس الإدارة، وتعاظم صلاحيات المدراء التنفيذيين، والتمثيل والمسائلة.
مقدمة
نشأت الحركة الحقوقية المصرية في سياق من القمع والتضييق الأمني والقانوني. ورغم ذلك شهدت الحركة، خلال أربعة عقود من نشأتها، تطورًا في القضايا والمنهجية التي تعتمد عليها لمواجهة انتهاكات حقوق الإنسان. ففي البداية تم التركيز على الحقوق السياسية والمدنية فقط، وبحلول القرن الواحد والعشرين اتسع منظور الحركة ليضم الحقوق الاجتماعية والاقتصادية. علاوة على ذلك، طورت الحركة من آلياتها؛ إذ تضمنت توثيق الانتهاكات والأبحاث وحملات المناصرة والتقاضي، كما ضمت فئات جديدة بين عمال وفلاحين وسياسيين ومهنيين ونساء تساعدهم في الدفاع عن حقوقهم التي تم انتهاكها من جانب السلطة.[1]
رغم هذا التطور؛ ظلت العلاقة محدودة بين الحركة الحقوقية والحركة الاحتجاجية، التي تبلورت في العقد الأول من القرن الواحد والعشرين وانتشرت وضمت الكثير من الأفراد. ويمكن الإشارة لافتقاد بعض الاحتجاجات مقومات التأثير في الغالب، وغياب الهيكل التنظيمي والخطاب المشترك والقيادة، فضلًا عن اتسام مطالبها بالفئوية والمحدودية. وكان من المتوقع أن تمارس الحركة الحقوقية دور الوساطة والقيادة الشعبية التي توحد وتعمل على مأسسة وتعميم مطالب الاحتجاجات الفئوية من أجل تحقيق التغيير طويل الأجل، خاصة في سياق الانغلاق السياسي وضعف وتشرذم الأحزاب ومعارضة الدولة للتنظيمات السياسية، إلى جانب امتلاك الحركة الحقوقية بشكل عام للموارد المالية والبشرية من نشطاء وقادة ومثقفين يمثلون نخبة المجتمع.[2]
في هذا السياق، غاب دور الحركة الحقوقية في بناء قواعد شعبية وتأطير تلك الاحتجاجات وهيكلة مطالبها ومدها بالدعم الكافي لمواجهة الدولة والتأثير في مؤسساتها وإحداث التغيير. بالفعل قدمت الحركات الحقوقية أشكالًا متعددة من الدعم، ولكنه لم يرق للمستوى الذي يتيح للحركة الاحتجاجية النجاح والتأثير. وحتى بعد انتفاضة 2011، وما صاحبها من انفتاح سياسي واجتماعي، عجزت الحركة الحقوقية عن تشكيل قاعدة اجتماعية. ويعود ذلك لعدد من العوامل الذاتية الداخلية والعوامل الهيكلية.[3]
تناقش الورقة التفاعل بين الحركتين الحقوقية والاحتجاجية في مصر حتى 2013 وما تبعه من إرهاصات، تمثلت في عودة السلطوية وسيطرة القبضة الأمنية على المجال العام وتراجع الحركة الاحتجاجية بشكل عام. وتطرح سؤالًا رئيسيًا: لماذا لم تنجح الحركة الحقوقية في مصر في بناء قاعدة جماهيرية عريضة أو في مأسسة وتأطير مطالب الاحتجاجات وتعزيزها في مواجهة السلطة؟ وينبثق عنه عددًا من الأسئلة الفرعية؛ أولًا: كيف تطورت كلا من الحركة الحقوقية والاحتجاجية في مصر؟ ثانيًا: كيف تفاعلت الحركتين فيما بينهما؟ ثالثًا: ما هي العوامل التي أدت لفشل حركة حقوق الإنسان في مصر في دعم وتأطير ومأسسة الحركات الاحتجاجية وتعزيز قدرتها على إحداث التغيير؟
تعتمد الورقة على المنهج الوصفي التحليلي لتفسير إخفاق الحركة الحقوقية في تأسيس روابط جماهيرية والتأثير في الحركة الاحتجاجية. والمنهج الوصفي التحليلي هو منهج يعتمد على جمع كم من البيانات والمعلومات لتوضيح وتحليل العلاقة بين متغيرات البحث في صورة أسئلة، يلي ذلك استخراج النتائج وتحليل العلاقة بين المتغيرات.[4] وإلى جانب المنهج الوصفي التحليلي، تعتمد الدراسة على عدد من المقابلات مع مدافعين عن حقوق الإنسان. إذ تم عقد خمس مقابلات معمقة مع مديرين تنفيذين ومدراء وحدات أبحاث ومدراء وحدات قانونية لمنظمات حقوقية في مصر في الفترة من مارس حتى مايو 2024. ثلاثة من المشاركين يعيشون في مصر وتم عقد المقابلات معهم وجهًا لوجه، بينما يعيش اثنين خارج مصر، وتم عقد المقابلات معهم من خلال مكالمات على تطبيق سيجنال وبرنامج جيت سي. سيتم الإشارة لهؤلاء الحقوقيين بأسماء رمزية أحادية الجندر، وهي: زين، جهاد، مجد، نور، إسلام؛ إذ أجريت المقابلات بشرط عدم ذكر الأسماء مراعاة للسياق الأمني والسياسي الراهن، مع موافقة المشاركين على استخدام ونشر اقتباسات من المقابلات.
تنقسم الدراسة إلى خمسة محاور؛ يمثل المحور الأول الإطار المفاهيمي، ويتضمن تعريفًا بالمفاهيم الأساسية التي تعتمد عليها الدراسة، فيما يسلط المحور الثاني الضوء على نشأة وتطور الحركة الحقوقية، بينما يناقش المحور الثالث تطور وملامح الحركة الاحتجاجية. المحور الرابع يتناول العلاقة والتفاعل بين الحركتين الحقوقية والاحتجاجية، وأخيرًا يسلط المحور الخامس الضوء على عوامل إخفاق الحركة الحقوقية في تأسيس قاعدة جماهيرية وفى التأثير على الحركة الاحتجاجية.
الإطار المفاهيمي: الحركة الاحتجاجية والمجتمع المدني
يعرف كل من تايلور وفان دايك «الحركة الاحتجاجية» بأنها «بؤر للنزاع تُوظف فيها كيانات ورموز وهويات وممارسات وخطابات من أجل إحراز تغييرات في علاقات القوى المؤسسية الراسخة أو منعها».[5] الاحتجاج، إذن، يطلق عملية إقناع غير مباشر تتولى الوساطة فيها وسائل الإعلام والأطراف الفاعلة ذات النفوذ. ويتعين على الفاعلين الذين لا يملكون النفوذ تعبئة الدعم من مجموعات أكثر نفوذًا. وفي سبيل إحراز النجاح، ينبغي للعملية الاحتجاجية خلق محفزات إيجابية بما يكفل لها كسب تعاطف وتأييد من يملكون مزيدًا من الموارد التي من الممكن استثمارها وتعبئتها أثناء الاحتجاج.[6] في سياق أخر، يُعرّف هيربرت بلومبر الحركة الاحتجاجية بأنها «النشاط الاجتماعي الذي غالبًا ما يأخذ شكل التصورات والمشاعر غير المنظمة ليصبح تدريجيًا ومع مرور الوقت كيانًا متميزًا ومعبرًا عن أشكال جديدة من الاجتهاد والسلوك الجمعي».[7] و يُعرّف تشارلز تيلي الحركة الاحتجاجية بأنها «سلسلة مستدامة من التفاعلات بين أصحاب السلطة وأشخاص يضطلعون بالتحدث نيابة عن قاعدة شعبية تفتقد إلى تمثيل رسمي، وذلك في سياق مطالبة هؤلاء الأشخاص بمطالب واضحة لإجراء تغيير في توزيع أو ممارسة السلطة وتدعيم هذه المطالب».[8]
كما تذهب بعض الأدبيات لتعريف الاحتجاج كردة فعل تعبر عن عدم الرضا بوضع قائم، ومحاولة تغييره إلى واقع أفضل، أو على الأقل إصلاح بعض الاختلالات فيه أو تغيير حاكم آخر. والاحتجاج هو نشاط يمارسه مجموعة من الأفراد، وهو عبارة عن حالة من الغضب العام التي تسود المجتمع أو فئة منه، وغالبا ما تكون هذه الفئات مهمشة داخل المجتمع. وبالتالي فإن الحركة الاحتجاجية هي فعل اعتراض تُقدِم عليه جماعة ضد أخرى حول قضية محددة وملحة الوجود. وهي بهذا المعنى عامة ومتعددة الأشكال ومتنوعة الأساليب.[9] فهي كفعل اعتراض أحد أبرز الأشكال التي تستخدمها الحركات الاجتماعية أو السياسية في مواجهة السلطة، وقد تأخذ نموذجًا ناعمًا أو حازمًا في استخدام القوة. وما يميزها كفعل اعتراضي هو كسرها للروتين اليومي في الحياة العامة سواء بالعمل السلمي أو بالعمل العنيف.[10]
أما «المجتمع المدني» فهو مصطلح واسع يشير لفضاء اجتماعي مستقل عن الدولة يتكون من مجموعات ونظم غير حكومية تُعنى بقضايا عامة وتسعى لتحقيق التغيير الإيجابي في المجتمع. ويُعرَّف المجتمع المدني بأنه «مجموعة من التنظيمات التطوعية الحرة التي تملأ المجال العام بين الأسرة والدولة لتحقيق مصالح أفرادها، ملتزمة في ذلك بقيم ومعايير الاحترام والتراضي والتسامح والإدارة السلمية للتنوع والخلاف».[11] كما يمكن تعريف المجتمع المدني بأنه «مجمل التنظيمات غير الحكومية التي تنشأ لخدمة المصالح أو المبادئ المشتركة لأعضائها».[12] بينما يذهب آخرون إلى أنه « كل المؤسسات التي تتيح للأفراد التمكن من الخيرات والمنافع العامة من دون توسط الحكومة وباستقلال عن الجهاز القهري للدولة، وإن موضوعه ينصب على المجال المعرفي الذي يتناول المؤسسات والممارسات التي تقع بين مجالي الأسرة والدولة».[13] بذلك يضم المجتمع المدني كل التنظيمات التي تتواجد بين العائلة والدولة وتمارس دور الوساطة بين الدولة والأفراد وتعمل على تكوين الشبكات المختلفة.
كما يمكن تعريف مؤسسات المجتمع المدني بأنها «المؤسسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي تعمل في ميادينها المختلفة في استقلال عن سلطة الدولة لتحقيق أغراض متعددة، منها أغراض سياسية كالمشاركة في صنع القرار على المستوى الوطني والقومي، ومنها أغراض نقابية كالدفاع عن مصالح أعضائها، ومنها أغراض حقوقية كالدفاع عن حقوق الإنسان المختلفة ونشر مفاهيم حقوق الإنسان ومبادئها».[14] وبالتالي تتعدد أدوار ووظائف المجتمع المدني، ففي بعض الحالات تتطلب هذه الوظائف تعاونًا وتفاوضًا مع الدولة، وفى حالات أخرى يتعين على المجتمع المدني مجابهة سلطة الدولة. وتشير الأدبيات تتناول العلاقة بين المجتمع المدني والديمقراطية لأهمية وجود مجتمع مدني قوي ونشط ومستقل لضمان وتعزيز الديمقراطية والمشاركة ومجابهة هيمنة الدولة وتدخلها في الحقوق الأساسية للأفراد؛ إذ أن مواجهة السلطوية الذي قد تمارسها الدولة وسلطاتها عن طريق تطوير بعض الآليات الديمقراطية التي تتضمن توزيع السلطات وتكريس استقلالية القضاء ليس كافيًا، وإنما لابد من تدخل المجتمع المدني لمراقبة عمل تلك الآليات.[15]
نشأة وتطور الحركة الحقوقية في مصر
مثّل ظهور المنظمة العربية لحقوق الإنسان في 1983 خطوة محورية في سبيل إضفاء الطابع المؤسسي والتنظيمي على النضال الحقوقي في المنطقة العربية. لاحقًا في أبريل 1985 تأسست المنظمة المصرية لحقوق الإنسان كفرع للمنظمة العربية يسلط الضوء على مصر ويمثل البداية الرسمية للحركة الحقوقية المصرية.
نشأت المنظمة المصرية في سياق قانون الطوارئ المفروض منذ 1981، وتصاعد المواجهات العنيفة بين أجهزة الأمن والجماعات الإسلامية، واتساع نطاق القمع والتعذيب والتنكيل بالمعارضين. أدى ذلك لتردي الأوضاع الحقوقية والسياسية وفرض القيود على المجال العام وتكوين الأحزاب والجماعات المختلفة. عملت هذه الظروف بالتدريج على تفشي الممارسات التعسفية والعقاب الجماعي.[16] ومثلت الفترة من 1989 حتى 1993 فترة إنجازات كبرى للمنظمة المصرية من حيث مأسسة ومهنية العمل الحقوقي في مصر، كما عملت المنظمة على تحسين توثيق الانتهاكات. ولكن واجهت المنظمة عدة تحديات من أهمها نقص الموارد، والانقسامات الداخلية في المنظمة، والسياق السياسي. وقد أسفرت تلك التحديات في النهاية عن انقسام الحركة الحقوقية بعد 1993. واتجاه عدد من الحقوقيين لتأسيس منظماتهم الخاصة.[17]
شهدت التسعينيات ظهور جيل جديد من منظمات حقوق الإنسان في مصر في سياق تحولات عالمية وقومية كان من أبرزها انهيار الاتحاد السوفيتي والتراجع عن الدعم الدولي للأيديولوجيات الاشتراكية، ومصادقة مصر على العديد من الاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان مثل العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والعهد الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية واتفاقية مناهضة التعذيب وحقوق المرأة والطفل وغيرها من الاتفاقيات، وقد أدى ذلك إلى التزامات قانونية جديدة على الدولة تجاه حقوق الإنسان. كما تزايد اهتمام المنظمات الدولية مثل منظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش بقضايا ودعم حقوق الإنسان في مصر خلال التسعينيات، وقدمت المنظمات الدولية تمويلًا للمنظمات الحقوقية، مما أتاح لها توسيع نطاق عملها وزيادة عددها. بالإضافة إلى الضغط على الحكومة المصرية لتحسين سجلها في مجال حقوق الإنسان. أدت تلك العوامل إلى توسع المنظمات الحقوقية وتنوع استراتيجيتها لتضم التقاضي بجانب توثيق الانتهاكات. في هذا السياق تم تأسيس مركز القاهرة لحقوق الإنسان عام 1993 والذي أدى دورًا هامًا في نشر الوعي الحقوقي والأبحاث المتعلقة بحقوق الإنسان والمساعدة القانونية، كما تم إنشاء مركز المساعدة القانونية لحقوق الإنسان في 1994. وكانت المهمة الأساسية للمركز تقديم التمثيل القانوني المجاني لأولئك الذين تعرضوا للانتهاكات على يد الحكومة، ومركز المساعدة القانونية للمرأة في 1995 لتقديم المساعدة القانونية المجانية للنساء. كما انضم مركز الأرض لحقوق الإنسان إلى صفوف منظمات المساعدة القانونية في عام 1996 وقدم مساعدات قانونية للفلاحين. أما المركز الحقوقي لمساعدة السجناء، فقد دعم السجناء وأسرهم. وبحلول عام 1997، أصبح الحراك القانوني الاستراتيجية السائدة للمدافعين عن حقوق الإنسان خاصة في ظل وجود قضاء قوي ومستقل نسبيًا.[18]
في العقد الأول من القرن الواحد والعشرين تطورت منظمات حقوق الإنسان المصرية من حيث العدد ونوع الحقوق والقضايا التي تتناولها؛ إذ سلطت الضوء أكثر على الحقوق الاجتماعية والاقتصادية بدلًا من التركيز على الحقوق المدنية والسياسية فقط. وبدأت في التركيز على تأثير السياسات الاجتماعية والاقتصادية النيوليبرالية على زيادة معدلات الفقر وعدم المساواة وقمع الأقليات. ففي 2002 تم تأسيس المبادرة المصرية للحقوق الشخصية والتي تناولت الحقوق الأقل تمثيلًا مثل حقوق الأقليات وحق التعليم والصحة بالتزامن مع الحقوق السياسية والمدنية. وتأسست الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان في 2004، والتي عملت على حرية التعبير في مصر والعالم العربي. وبالمثل تأسست مؤسسة حرية الفكر والتعبير في 2006 والتي ركزت على الدفاع عن حقوق الطلاب والحرية الأكاديمية. وفي 2007 تأسست نظرة للدارسات النسوية بهدف التركيز على قضايا المرأة. وفي 2008، بعد إضراب عمال المحلة، تأسست جبهة الدفاع عن متظاهري مصر بمثابة تجمع غير رسمي من النشطاء والعاملين في المنظمات غير الحكومية الوطنية، للدفاع عن حقوق المواطنين في التجمع، وتزويدهم بالمساعدة القانونية. أما في 2009 فقد تأسس المركز المصري للحقوق الاجتماعية والاقتصادية، الذي انخرط في معارك قانونية ضد فساد الدولة في إبرام عقود الخصخصة.[19]
بعد الثورة مارست منظمات حقوق الإنسان مثل المبادرة المصرية للحقوق الشخصية والمركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية دورًا مختلفًا؛ إذ شاركت في المفاوضات بجانب الحركات الاجتماعية والأحزاب وغيرها من أجل إصلاح قطاع الأمن والعدالة الانتقالية وتشريعات التأمين الصحي وسياسات الإسكان. كما استمرت المنظمات في توثيق الانتهاكات وتقديم الدعم القانوني؛ إذ أتاحت الثورة، وما صاحبها من انفلات القبضة الأمنية للدولة، مساحة لحركة المنظمات والأطراف المختلفة.[20] وفي الوقت نفسه، ظهرت أشكال جديدة من العمل الحقوقي في مصر اختلف عن شكل المنظمات، واتبعت أشكالًا مختلفة من المناصرة متأثرة بالهبة الاحتجاجية الشعبية في يناير 2011 واعتمدت على حملات الشارع مثل حملة «لا للمحاكمات العسكرية» في 2011 لتوثيق قضايا المدنيين الخاضعين للمحاكمة أمام محاكم عسكرية والترافع عنهم، وهي بدورها حملة من المتطوعين. كما تأسست حملة الحرية للجدعان وويكي–ثورة والتي مثلت مصدر رئيسي للمعلومات عن المحتجزين السياسيين في مصر. وتعرف «الحرية للجدعان» نفسها بأنها حملة وشبكة إلكترونية، انطلقت ردًا على موجة الاعتقالات التعسفية الهائلة وغير المسبوقة في 2014، في أعقاب تظاهرات الاحتفال بذكرى انتفاضة 25 يناير. وقد استجابت هذه الأشكال الجديدة من التنظيم لاحتياجات فعلية، دونما تتبع نموذج المنظمة المغلقة ولا نموذج العضوية الرسمية.[21] وبحلول 2014 هيمنت الأجهزة الأمنية على المجال العام وخاصة في ظل «حربها على الإرهاب». وقد عكس ذلك الضعف البنيوي للفاعلين السياسيين والحقوقيين وغياب التنظيمات السياسية الحقيقية المستقلة التي كان من الممكن أن تمنع عودة السلطوية.[22]
بالنظر إلى تاريخ الحركة الحقوقية في مصر على مدار حوالي أربعة عقود، يمكن رؤية التطور في الاستراتيجية والقضايا. ويمكن تقسيم الحركة إلى أربعة أجيال من حيث الاستراتيجيات ونطاق العمل. فقد أدى الانغلاق السياسي في مصر والتنكيل وملاحقة المعارضة ومنهجة التعذيب لتركيز المنظمة المصرية –التي تمثل الجيل الأول من تاريخ نشأة المنظمة المصرية في 1985 حتى انقسام المنظمة وبداية تكوين منظمات جديدة في أوائل التسعينيات– على الحقوق السياسية والمدنية. كما اعتمدت على توثيق الانتهاكات ومحاولة التواصل مع مؤسسات الدولة المختلفة.[23] أما منظمات الجيل الثاني التي تأسست في التسعينيات مثل مركز القاهرة، ومركز المساعدة القانونية لحقوق الإنسان ومركز المساعدة القانونية للمرأة، ومركز الأرض لحقوق الإنسان، فقد اعتمدت بشكل أساسي على التقاضي كوسيلة للدفاع عن حقوق الإنسان واستهدفت فئات مختلفة شملت العمال والمسجونين والنساء والفلاحين. وقد حققت تلك المنظمات من خلال التقاضي نتائج جيدة للغاية من حيث عدد القضايا التي تم تناولها وتنوع الحقوق التي عملت عليها.[24] منظمات الجيل الثالث التي نشأت في بداية القرن الواحد والعشرين –مثل المبادرة المصرية للحقوق الشخصية والشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان ومؤسسة حرية الفكر والتعبير ونظرة للدارسات النسوية وجبهة الدفاع عن متظاهري مصر والمركز المصري للحقوق الاجتماعية والاقتصادية– سلطت الضوء على حقوق وقضايا اجتماعية واقتصادية جديدة مثل حقوق الأقليات الاجتماعية والدينية وحقوق التعليم والصحة وحرية التعبير والحقوق الطلابية والأكاديمية، بجانب الحقوق السياسية والمدنية. واعتمدت تلك المنظمات على آليات مختلفة تضمنت توثيق الانتهاكات والأبحاث والمناصرة وتقديم المساعدة القانونية واستخدام التقاضي الاستراتيجي كوسيلة للدفاع عن حقوق الإنسان.[25] فعلى سبيل المثال نجحت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية في وقف خصخصة نظام التأمين الصحي عن طريق التقاضي الاستراتيجي أمام مجلس الدولة في 2008.[26]
بعد انتفاضة يناير ظهر جيل رابع للحركة في ظل ما أنتجته الثورة من انفتاح المجال وانفلات القبضة الأمنية والتمازج بين الفواعل المختلفة. فنشأت مبادرات حقوقية مختلفة عن الأطر التنظيمية التقليدية مثل الحرية للجدعان وويكي–ثورة وحملة لا للمحاكمات العسكرية، وذلك بجانب المنظمات التقليدية. وقد تميزت تلك التنظيمات من حيث الأدوات المستخدمة وشكل التنظيم والاستجابة. كما استمر تركيز المنظمات على قضايا العدالة الاجتماعية والمساواة الاقتصادية والوصول إلى الرعاية الصحية وجودة التعليم وممارسات الأجهزة الأمنية القمعية. وفرضت الثورة وتوابعها مجموعة جديدة من القضايا من بينها المحاكمات العسكرية للمدنيين والديمقراطية. ولكنها كانت في الأغلب قضايا قصيرة الأجل والتأثير بالنسبة للجماهير. في حين تراجع الاهتمام بحقوق مثل حرية الدين والمعتقد وحرية تكوين الجمعيات؛ إذ لم تجد ظهير جماهيري، رغم تعرضها للانتهاك بشكل مستمر.[27]
الحركة الاحتجاجية
تزامنًا مع شروع الدولة في الانتقال إلى اقتصاد السوق في منتصف السبعينيات في سياق من البطيء وغياب الشفافية، بدأ الانحلال التدريجي للعقد الذي بموجبه كان قد تم ضمان الحد الأدنى من الحقوق الاجتماعية والاقتصادية وشبكات الأمان الاجتماعي للناس (التعليم والصحة المجانيان، والإسكان المدعوم، والتحكم بالإيجارات، وتوفير ضمان للحصول على وظائف حكومية للخريجين، على سبيل المثال لا الحصر) مقابل التخلي عن معظم حقوقهم المدنية والسياسية، ولم تعد الدولة تنظر لتلك الحقوق باعتبارها حقوقًا. وبدأ مسئولو الحكومة في الشكوى من مشكلة الانفجار السكاني بدلًا من التوسع في التنمية الاقتصادية. وفي أوائل التسعينيات تمكنت الدولة من تحقيق بعض المكاسب المالية وإلغاء مدفوعات القروض التي حصلت عليها الحكومة بسبب موقفها السياسي ضد الغزو العراقي للكويت، وانضمامها اللاحق إلى الائتلاف الدولي في الحرب ضد صدام حسين عام 1991 ولكن لم تدم تلك المكاسب.[28]
بجانب تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المتدهورة، مارست الدولة سلطوية وقمعية وتفشى الفساد في جميع مفاصلها. كما زادت وتيرة سياسات الخصخصة في ظل حكومة أحمد نظيف (2004-2011) والتي أدت لمزيد من التدهور المعيشي. نتج عن ذلك تصاعد الاحتجاجات والإضرابات؛ اعتراضًا على سوء الأوضاع الاقتصادية. وفي نهاية عام 2006، أدى نجاح الإضرابات التي قام بها عمال مصنع مصر للنسيج في المحلة الكبرى إلى إثارة الاحتجاجات في جميع أنحاء البلاد بمعدل غير مسبوق. واستمر الإضراب في مصنع الكتان في طنطا في عام 2009 لمدة ستة أشهر. وقد ارتفع عدد الحركات الاحتجاجية من 266 عام 2006 إلى 614 عام 2007 وإلى 630 عام 2008، وفي عام 2009 شهدت مصر حوالي 700 احتجاج. وفي الغالب لم يتم التنسيق بين هذه الاحتجاجات، التي لم تستهدف أي توجهات سياسية عامة في أحيان كثيرة، وإنما كانت تعبر عن مطالب محلية فئوية مثل تحسين مستوى المعيشة وزيادة الأجور ودفع المتأخرات وتثبيت العمالة المؤقتة.[29]
صاحب الاحتجاجات الاقتصادية احتجاجات أخرى، ففي 2002 اندلعت احتجاجات تؤيد الانتفاضة الفلسطينية،[30] وفي 2003 احتجاجات على غزو الولايات المتحدة للعراق.[31] بالإضافة إلى ذلك كانت هناك احتجاجات سياسية من جانب حركات اجتماعية مثل حركة كفاية وحركة 6 أبريل والحملة الشعبية من أجل التغيير، والتي ركزت على تأييد الديمقراطية ورفض التوريث.[32] ورغم أن هذه الحركات كانت ذات عضوية مفتوحة، إلا أنها ظلت حركات نخبوية إلى حد كبير وافتقدت إلى القاعدة الاجتماعية الجماهيرية.[33]
بحلول نهاية العام 2010 شهدت مصر احتجاجات شعبية واسعة النطاق تعبر عن غضب الجماهير ضد النظام وسياساته الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. ونجحت في إسقاط النظام السياسي لمبارك وحكومته. ورغم تعطل الإجراءات النيوليبرالية بعد الثورة، إلا أن الوهن الذي أصاب آلة الدولة القمعية والانهيار شبه التام لقوة الشرطة، بالإضافة إلى عدد من العوامل التي ميزت المرحلة الانتقالية، أسفر عن توسع غير مسبوق في الاحتجاجات السياسية والاقتصادية والاجتماعية حتى 2014، حينما عادت القبضة الأمنية وفرضت الدولة قوانين مقيدة للاحتجاجات والتجمعات.[34]
ملامح الحركات الاحتجاجية في مصر
يمكن رؤية أن الاحتجاجات في مصر منذ بداية القرن الواحد والعشرين وحتى انتفاضة يناير 2011 انقسمت إلى نوعين؛ النوع الأول الاحتجاجات السياسية التي قادتها حركات اجتماعية سياسية مثل كفاية و6 أبريل، والنوع الثاني يتمثل في احتجاجات اقتصادية نتيجة لتدهور الأوضاع الاقتصادية قام بها العمال في الأغلب. وقد تميزت الاحتجاجات الاقتصادية بالمحدودية والتركيز على مطالب اقتصادية جزئية محدودة قصيرة المدى والتأثير مثل زيادة أجور العمال في المصنع وتحسين ظروف العمل وتوفير الرعاية الصحية وما إلى ذلك. ولم يكن لتلك الاحتجاجات بُعد حزبي، إذ رفض العمال في معظم الأحوال الارتباط بقوى سياسية حزبية؛ خوفًا من الأجندات السياسية، ورغبةً منهم في استمالة الحكومة لتحقيق مطالبهم. وبالتالي لم تعارض الاحتجاجات الحكومة، وإنما سعت للضغط عليها لتحقيق مطالب جزئية ومحدودة.[35]
كما لم يتم تنظيم تلك الاحتجاجات من خلال أي تنظيم نقابي، حتى مع وجود الاتحاد العام لنقابات عمال مصر، والذي وقف في الأغلب ضد هذه الاحتجاجات واتخذ موقفًا مؤيدًا للحكومة؛ إذ تمكن النظام من فرض سيطرته على الاتحاد العام بشكل ملحوظ من خلال التدخل في الانتخابات الداخلية وتزوير جميع المستويات والمناصب التنظيمية للاتحاد. ما أدى إلى ابتعاد القواعد العمالية عن الاتحاد ورفع مطالبهم من خلال الاحتجاج خارجه.[36]
بالطبع كانت هناك محاولات لمأسسة وتنظيم مطالب الحركة العمالية بعيدًا عن الاتحاد الرسمي للنقابات، وكان من أبرز تلك المحاولات حركة النقابات المستقلة التي تم تأسيسها بعد نجاح إضراب محصلي الضرائب العقارية في 2008. إذ ظهر عدد من التجمعات المهنية الأخرى شملت أصحاب المعاشات وموظفي الخدمات الطبية. ولكنها ظلت محدودة من حيث التأثير.[37] وقد قدمت انتفاضة يناير فرصة سياسية لتنظيم المطالب الاقتصادية والعمالية؛ إذ تم إنشاء مئات المنظمات النقابية المستقلة التي ضمت في الغالب أصحاب الياقات البيضاء وموظفي الدولة والخدمة العامة. ولكن ظل التمثيل النقابي منخفضـًا بالنسبة لأصحاب الياقات الزرقاء في القطاعين العام والخاص، مما حد من قدرة النقابات على التمثيل والتأثير في عملية التحول السياسي والاجتماعي لما بعد عام 2011. كما عانت النقابات من مشكلات هيكلية في الإدارة والتنسيق الداخلي واتخاذ القرار والمركزية الشديدة. وبداية من عام 2014، شهدت الاتحادات النقابية المستقلة تفككـًا تدريجيـًا.[38] اختصارًا تميزت الحركة الاحتجاجية في مصر بالزخم، ولكن في الوقت نفسه بالتشتت والمحدودية وعدم القدرة على التأثير في ظل نظام قمعي سلطوي.
العلاقة بين الحركتين: كيف قدمت الحركة الحقوقية الدعم للحركة الاحتجاجية؟
شهدت منظمات حقوق الإنسان المصرية تزايدًا في بداية القرن الواحد والعشرين،[39] وتوسعًا في الحقوق والقضايا التي تسلط عليها الضوء. كما وسعت من شبكاتها ونوعت من آليات الدفاع عن حقوق الإنسان؛ فبجانب توثيق الانتهاكات والتنديد بممارسات الدولة في ملف حقوق الإنسان، اتجهت المنظمات الجديدة إلى التقاضي بدرجاته المختلفة والمناصرة والأبحاث. كما استهدفت فئات جديدة، ساعدتهم في الدفاع عن حقوقهم التي تم انتهاكها من جانب السلطة.[40]
وفي هذا السياق، يشير/تشير مجد إلى أن «المنظمات الحقوقية قدمت مساعدات قانونية ولوجستية متنوعة لأعضاء الحركات الاجتماعية والاحتجاجية في نضالهم ضد السلطوية. وقد تدرجت المساعدات القانونية التي قدمتها المنظمات بشكل أساسي من التقاضي العادي وتسهيل وصول الضحايا إلى القانون المصري وصولًا لتمثيلهم إلى استخدام التقاضي الاستراتيجي لتحدي سياسات الدولة وسرديتها القانونية، وبالتالي قدمت المنظمات درعًا قانونيًا للحركات المختلفة قبل وخلال ثورة 2011 وما بعدها».[41]
يتفق/تتفق نور مع مجد في أن الحركة الحقوقية دعمت الحركة الاحتجاجية، حيث يشير/تشير إلى أن «الحركة الحقوقية المصرية ساندت الاحتجاجات العمالية التي نشطت بشكل أساسي بين عامي 2006و 2010 اعتراضًا على انخفاض الأجور وتدهور ظروف العمل. إذ تعاون محامو المنظمات مع إضراب عمال الغزل والنسيج في المحلة في 2006، ومع عمال الضرائب العقارية في 2007 وغيرها من الاحتجاجات من خلال تقديم المساعدات القانونية».[42]
أشكال التفاعل بين الحركتين
قدمت الحركة الحقوقية خدمات وأشكال متنوعة من الدعم للحركة الاحتجاجية، والتي تضمنت تقديم المساعدة القانونية والتقاضي الاستراتيجي وتوثيق الانتهاكات والمناصرة من خلال حملات إعلامية والأبحاث ومحاولة إنتاج خطاب حقوقي يعيد تعريف المجال العام وينظر إلى حقوق العمال والفئات المختلفة في سياق الحقوق الإنسانية.[43]
- تقديم الخدمات: ركزت المنظمات الحقوقية على تقديم ثلاثة أنواع رئيسية من الخدمات لدعم الحركات الاحتجاجية: الخدمات القانونية، الخدمات التنظيمية، والتشبيك. وقد شكلت الخدمات القانونية أكثر ما تم تقديمه من جانب المنظمات الحقوقية وتضمنت الدفاع عن المتظاهرين أو العمال بعد احتجازهم أو ملاحقتهم أمنيًا نتيجة المشاركة في الاحتجاج بأشكاله المختلفة، أو تقديم الدعم القانوني للمفصولين من عملهم نتيجة الاحتجاج أو نشاطهم النقابي. كما تم تقديم الدعم القانوني والاستشاري حينما حاول العمال تحدي سلطة الاتحاد العام للنقابات الذي تسيطر عليه الدولة عن طريق الطعن في الانتخابات أو محاولة إنشاء نقابات مستقلة عن الاتحاد.[44] بحسب تعبير زين
وفرت المساعدات القانونية التي قدمتها المنظمات الحقوقية للحركة الاحتجاجية فرصة لتطوير مواجهة السلطوية والنخب التي تسيطر على الحكم والثروة. وكان بإمكان الفئات الاجتماعية المستضعفة مثل الفلاحين والعمال والأقليات الدينية ومجتمع المثليين والنساء الوصول إلى المساعدات القانونية لدعم نضالهم/ن من خلال الحصول على المساعدة التقنية. وقد دافعت المنظمات بالفعل عن تلك الفئات في معاركها ضد قهر النظام وانتهاك حقوقهم/ن باسم الدين والثقافة والأعراف والتقاليد والمعايير المجتمعية. في هذه الحالات استخدمت المنظمات القانون كأداة مضادة في مواجهة تقييد وانتهاك الحريات الأساسية.[45]
بجانب الخدمات القانونية، قدمت المنظمات الحقوقية الخدمات اللوجستية والتثقيفية والتنظيمية كاستضافة الاجتماعات أو تقديم الدعم العيني لأنشطة الاحتجاج مثل تقديم الطعام أو المأوى للمعتصمين أو المضربين (على سبيل المثال، دعم مركز هشام مبارك الاعتصام أمام البرلمان في 2009 و2010). كما أدى المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية دورًا مركزيًا في تنسيق الحركة العمالية منذ إنشائه، لا سيما بعد ثورة 2011، إذ قدم المركز الدعم القانوني للعمال، بالإضافة لبناء قدراتهم من خلال تنظيم دورات وورش تدريبية لتثقيف العمال حول حقوقهم وواجبتهم، كما عمل المركز على بناء قدرات العديد من قيادات الحركة العمالية في مصر. إلى جانب دور المركز في التشبيك بين الحركة العمالية والحركات الأخرى مثل الحركة النسوية وحركة حقوق الإنسان عامة.[46]
كما شكلت خدمات التشبيك نوعًا ثالثًا من الخدمات، إذ حاولت المجموعات والمنظمات الحقوقية توسيع القدرة الاتصالية للحركة الاحتجاجية من خلال تعريفها على آخرين من الأطراف الفاعلة، سواء أطراف رسمية مثل أعضاء البرلمان، أو أعضاء غير رسمية من المجتمع المدني والسياسي مثل أعضاء الأحزاب والنقابات ووسائل الإعلام. على سبيل المثال، في 2012 طلبت نقابة الباعة الجائلين في القاهرة مساعدة قانونية ومناصرة من المبادرة المصرية للحقوق الشخصية لتعديل قانون الباعة الجائلين. من جانبها قدمت المبادرة الاستشارات القانونية وخدمات التشبيك من خلال ربط العديد من نقابات الباعة الجائلين في عدد من المحافظات بجماعات داعمة لها. كما استضافت المبادرة عددًا من الاجتماعات للتنسيق بين النقابة وعدد من الأطراف المختلفة.[47]
- التقاضي الاستراتيجي: يتضمن التقاضي الاستراتيجي، ويسمى أحيانًا بتقاضي الأثر (impact litigation)، اختيار قضية معينة والتقدم بها للمحكمة بغرض إحداث تغيير واسع النطاق في المجتمع. ويهدف ذلك لاستخدام القانون كوسيلة لإحداث أثر دائم يتجاوز مجرد الفوز بالقضية محل النظر. مما يعني أن قضايا التقاضي الاستراتيجي تهتم بالأثر الذي تتركه على السكان والحكومات على النطاق الأوسع بالقدر نفسه الذي تهتم به بكسب القضايا نفسها.[48]
تم استغلال التقاضي الاستراتيجي في مجالين رئيسيين، أولها مأسسة المكاسب المادية التي حققتها الحركة العمالية، وبالتحديد قضية 2009،[49] التي تلزم الدولة بوضع حد أدنى لأجور العمال بمقتضى قانون العمال رقم 12 لسنة 2003.[50] وقد شكل هذا الحكم مثالًا للنجاح في ترجمة إضرابات فئوية وخالية من التنسيق عمت أرجاء البلاد منذ 2004 للمطالبة بتحسين الأجور وظروف العمل. أما المجال الآخر فكان دحر سياسات نيولبرالية سابقة، خصوصًا في مجال خصخصة المشروعات المملوكة للدولة، بالتحديد في تدخل المبادرة المصرية للحقوق الشخصية في مجال الصحة في 2007–2008، حين طعنت على قرار الحكومة بتحويل هيئة التأمين الصحي إلى شركة قابضة تتولى مسئولية الرعاية الصحية؛ إذ اعتبر القرار تمهيدًا لخصخصة الهيئة الحكومية القائمة بأعمال التأمين الصحي، ورفعت المبادرة دعوى أمام المحكمة الإدارية، تطلب إلغاء قرار رئيس الوزراء، وقد ربحت الدعوى في 2008.[51]
يوضح/توضح إسلام أن «التقاضي الاستراتيجي مثّل أداة مؤثرة، لها تأثير عميق وبعيد المدى على سياسات الدولة، وتوحيد مطالب الحركات الاحتجاجية وترجمتها إلى سياسات فعلية. ويمكن اعتبار أن الحركة الحقوقية نجحت في بعض الأحيان في تحقيق التغيير وترك بصمتها وترجمة مطالب فئوية ومتفرقة إلى سياسات مؤثرة».[52] بينما يضيف/تضيف جهاد أن
المنظمات الحقوقية قد تحدت سلطة الدولة القمعية أمام المحكمة الدستورية العليا باستخدام التقاضي الاستراتيجي وفي محاولة لمقاومة الاستغلال الاقتصادي والاجتماعي والقمع السياسي. ورغم التضييق الأمني والسلطوي وسيطرة الدولة على القضاء بعد 2013 والعمل على تنحيته وإضعاف دوره؛ إلا أن قضية تيران وصنافير أعادت التقاضي الاستراتيجي إلى الواجهة مرة أخرى. إذ حقق المحامون انتصارًا بعدما قضت المحكمة الدستورية العليا ببطلان قرار الدولة بتسليم الجزر إلى المملكة العربية السعودية ومخالفة قواعد السيادة.[53]
ورغم الدعم والخدمات التي قدمتها الحركة الحقوقية للاحتجاجات؛ فإن التفاعل بين الحركتين ظل محدودًا. ويتفق مع ذلك معظم الحقوقيين الذين تم إجراء المقابلات معهم. إذ فشلت الحركتان في التعاون والتآلف من أجل تحقيق التغيير. بالتأكيد تفاعلت الحركتان معا وقدمت الحركة الحقوقية أشكالًا مختلفة من الدعم، إلا أنها فشلت في النهاية في جعل الحركات الاحتجاجية، الاقتصادية تحديدًا، تتبنى خطابًا حقوقيًا شاملًا على نحو يمكنها من تجاوز محدودية المطالب الجزئية على مستوى المصنع الواحد أو المؤسسة الواحدة أو الفئة الواحدة، خاصةً في ظل الانغلاق السياسي وضعف التكوينات السياسية مثل الأحزاب والجماعات السياسية التي كان من المفترض أن تمارس الدور القيادي والتنظيمي في مأسسة وتوحيد خطاب ومطالب الحركة الاحتجاجية، وذلك من أجل تحقيق التغيير.[54] في هذا السياق يضيف/تضيف جهاد
امتلكت الحركة الحقوقية منذ بداية الألفية مواردًا مختلفة، بشرية ومالية وتنظيمية، نتيجة توطيد علاقتها بالمنظمات الدولية واعتمادها على التمويل الأجنبي في الغالب، ولكنها فشلت في بناء قاعدة جماهيرية أو في نشر ثقافة ومفاهيم حقوق الإنسان في مصر، رغم فترات الانفتاح السياسي والأمني النسبي التي شهدته الدولة من 2008 حتى 2013. بعبارة أخرى حافظت المنظمات الحقوقية على منظور نخبوي ضيق. حتى عندما دعمت حركات العمال والحركات الاحتجاجية المختلفة، لم تقترب بما يكفي من العمال بشكل مباشر، وإنما اكتفت بالتعامل مع بعض الأشخاص من العمال وضمهم للحركة الحقوقية. وبالتالي عجزت عن التواصل مع دوائر واسعة ومتنوعة من الفئات المستهدفة.[55]
وقد كان من المفترض أن تمارس الحركة الحقوقية باعتبارها كيانات مؤسسية ومنظمة وتضم قادة وسياسيين ونشطاء ومثقفين دورًا في التواصل مع الجماهير وتوفير الإطار العام الجامع لمطالبهم وتوحيد الخطاب لتتمكن الاحتجاجات من تحقيق الاستمرارية والتغيير السياسي والاقتصادي الشامل، خاصة في ظل حالة الركود السياسي وأفول التنظيمات الحزبية التقليدية وعنف الدولة ضد التنظيمات السياسية غير الحزبية، مما أدى لبروز مصطلح المجتمع المدني والتأكيد على دوره كوسيط بين المواطنين والدولة والمساعدة في نشر قيم المواطنة والمشاركة والمساهمة في إحداث عملية التحول الديمقراطي، والعمل على توحيد مطالب وخطابات الاحتجاجات وتوفير القيادة. وحتى بعد انتفاضة يناير وما حققته من انفتاح المجال العام وإتاحة مساحة من التفاعل بين القوى والفئات المختلفة، لم تتمكن المنظمات الحقوقية من صياغة خطاب حقوقي شامل تعكسه الاحتجاجات الفئوية التي استمرت وازدادت عددًا حتى 2014.[56]
استكمالًا لهذا النقاش وعلى حسب تعبير زين
أدت التعبئة الجماهيرية والاحتجاجية غير المسبوقة التي شهدتها مصر عام 2011 إلى إيجاد فرصة مثالية لتطور الحركة الحقوقية وفرصة لنشر قيم حقوق الإنسان ونشر جهود ونشاطات المنظمات. ولفت انتباه الرأي العام باستخدام أساليب مختلفة. لكن المنظمات استمرت تمارس الدور نفسه الذي كانت تمارسه قبل الثورة. لا يمكن إنكار أن المنظمات الحقوقية حققت بعض الانتصارات بعد الثورة بتسليط الضوء على بعض القضايا، لكن في المجمل فشلت الحركة الحقوقية في توسيع نطاقها وتنويع نشاطها وأدواتها بما يتلاءم مع السياق السياسي.[57]
بالمثل يسلط/تسلط نور الضوء على تاريخية انتفاضة يناير ومحدودية حركة واستغلال المنظمات لتلك اللحظة التاريخية، فيشير/تشير إلى أن انتفاضة يناير 2011
أتاحت فرصة تاريخية للتطور والتفاعل؛ إذ شهدت مساحة ومجال عام يفوق أي مساحة ومجال في أي عهد سياسي سابق للتفاعل بين الأطراف المختلفة مثل الأحزاب والمنظمات الحقوقية والحركات الاجتماعية والمنظمات غير الحكومية في ظل غياب القمع والتحكم الأمني. وكان هناك جهود متنوعة للمنظمات الحقوقية، إلا أنها لم تكلل كلها بالنجاح. وقد انعكس ذلك على فشل المنظمات في تسليط الضوء على قانون الجمعيات الأهلية أو وضعه على قائمة أولويات صناع القرار وإحراز أي تغيير هيكلي في هذا الملف. وبمجرد أن عادت السلطة للسيطرة على المجال العام في 2013 اتضح أن مجهودات الحركة الحقوقية كانت مؤقتة وقصيرة الأجل، لا يمكننا إسقاطها من الحسبان كما لا يجب المبالغة في قيمتها.[58]
فشل الحركة الحقوقية في بناء قاعدة جماهيرية وتأسيس حركة احتجاجية مستمرة
منذ نشأتها في منتصف الثمانينيات، حققت الحركة الحقوقية في مصر عددًا من النجاحات على مدار عقود؛ إذ نجح نشطاء حقوق الإنسان نسبيًا في التأثير على الخطاب العام من خلال تقاريرهم الدورية ودعوتهم وحملاتهم بشأن الانتهاكات، كما نجحوا أيضًا في تعميم بعض المفاهيم المتعلقة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والمواطنة والمصطلحات المتعلقة بحقوق الإنسان. ونجحت الحركة في إحراز انتصارات قضائية من خلال تقديم المساعدة القانونية للضحايا ومن خلال التقاضي الاستراتيجي. ومع ذلك، لم يتمكن هؤلاء النشطاء من التأثير بشكل ملحوظ على السياسات الاقتصادية والاجتماعية الفعلية. كما لم يتمكنوا من تقليل الانتهاكات المستمرة. علاوة على ذلك لم تنجح الحركة في تأسيس جذور قوية في المجتمع أو بناء علاقات مع الأطراف المختلفة، مما أفقدها القاعدة والتأييد الشعبي وظلت رأسًا بلا جسد. بل لم تنجح في بناء حركة احتجاجية مستمرة ومؤسسة تعزز التحول الديمقراطي في مصر وتمنع الارتداد السلطوي.[59] في هذ الجزء، يتم مناقشة العوامل الهيكلية والداخلية التي أدت إلى تعثر الحركة الحقوقية في تأسيس علاقات جماهيرية قوية وتدعيم الحركات الاحتجاجية.
العوامل الهيكلية
- قمع الدولة: عملت المنظمات الحقوقية المصرية، منذ نشأتها في الثمانينيات، في بيئة سياسية قمعية، وما تزال. فمع مجيء منتصف التسعينيات، أصبح التغيير في موقف الحكومة تجاه منظمات حقوق الإنسان المحلية ملحوظًا ووصل انزعاج النظام من الحركة إلى مستويات جديدة. إذ نما عدد المنظمات وأسست روابط قوية مع المجتمع الدولي، واستفادت بشكل متزايد من الضغط الدولي على النظام. أما على الصعيد الداخلي، فقد بدأت المنظمات تتعاون بشكل وثيق مع أحزاب المعارضة والنقابات المهنية، كما يتضح بشكل أكثر فعالية في مقاومتهم لقانون الصحافة رقم 95 لعام 1995 وحملتهم في مراقبة انتخابات مجلس الشعب عام 1995. ولجأت منظمات حقوق الإنسان الأكثر ديناميكية بشكل متزايد إلى التقاضي العام في المحاكم كوسيلة فعالة لمواجهة النظام.[60]
نتيجة لذلك، بدأ النظام في تضييق الخناق على حركة حقوق الإنسان في وقت مبكر من عام 1995 من خلال الترهيب وحملات التشويه في الصحافة الحكومية وردع المنظمات المانحة عن التعاون مع المنظمات المحلية. وبدءً من عام 1998، انخرط النظام في حملة كاملة لتقويض حركة حقوق الإنسان بعدما نشرت المنظمة المصرية لحقوق الإنسان تقريرًا موسعًا عن حادثة عنف طائفي مروعة في قرية الكشح التابعة لمحافظة سوهاج في أغسطس 1998. لم يكشف التقرير عن تفاصيل واحدة من أسوأ حالات العنف الطائفي في مصر فقط، وهو موضوع سياسي ممنوع الحديث عنه في حد ذاته، ولكنه كشف أيضًا عن تعرض المئات من المواطنين للتعذيب على يد قوات أمن الدولة لأسابيع بعد الحادث. وردًا على التقرير، تم استدعاء حافظ أبو سعدة، الأمين العام للمنظمة، من قبل أمن الدولة والتحقيق معه وتوجيه الاتهامات إليه واحتجازه لمدة ستة أيام قبلما يُطلق سراحه بكفالة وتأجيل المحاكمة. كان استجواب أبو سعدة تحذيرًا لمجتمع حقوق الإنسان بأن المعارضة القوية والتمويل الأجنبي لن يتسامح فيهما النظام.[61]
يتفق الحقوقيون والحقوقيات المشاركون في تلك المقابلات على أن السلطات مارست دورًا محوريًا في تقويض وإضعاف الحركة الحقوقية في مصر، إذ يشير/تشير إسلام لأن
السلطات نجحت في تقويض الدعم الشعبي لحركة حقوق الإنسان في مصر من خلال مهاجمة الناشطين والحقوقيين والمنظمات عبر وسائل الإعلام التي تسيطر عليها الدولة. وقد استهدف هذا الهجوم بشكل أساسي جبهتين، إذ تم انتقاد المنظمات لاعتراضها على انتهاكات حقوق المشتبه بهم في دعم الجماعات الإسلامية المسلحة. واتهم مسئولو الحكومة المنظمات بتقديم المساعدة والدعم للإرهابيين. وتركز الخط الثاني من الهجوم على العلاقات الخارجية للمنظمات المحلية، خاصة اعتمادها على التمويل الأجنبي وقد أدى ذلك التشويه لخلق هوية وهمية للمنظمات الحقوقية المصرية تعزز من صورتهم كخونة للمصلحة الوطنية، وهو ما أثر بشدة في افتقاد الحركة الحقوقية للدعم الشعبي.[62]
ورغم نجاح انتفاضة يناير 2011 في الإطاحة برأس النظام، إلا أنها في النهاية عجزت عن تغيير المؤسسات الاقتصادية والاجتماعية المهيمنة، وعادت سيطرة الأجهزة الأمنية غير الخاضعة للمساءلة على الحياة المدنية والسياسية مرة أخرى. وبعد 2013 كانت السلطوية قد تمكنت مرة أخرى، وانتهي المطاف بالعديد من القادة الثوريين والنشطاء من منظمات المجتمع المدني والحركات الاجتماعية في السجن كما واجهوا ملاحقات أمنية وقضائية مستمرة. وهيمن الجيش والأجهزة الأمنية على المجال العام والعملية السياسية. وقد أثر ذلك سلبًا على المجتمع المدني ومنظمات حقوق الإنسان بشكل خاص. وتقلصت المكاسب التي حققها المجتمع المدني وحركة حقوق الإنسان في الفترة 2011 – 2013. إذ أصدر النظام قوانين وقرارات –سيتم تسليط الضوء عليها بمزيد من التفصيل في الجزء التالي– هدفت للسيطرة على المجتمع المدني بشكل كامل وإضعافه. وقادت السلطات حملات إعلامية لتشويه سمعة المعارضة، ركزت تلك الحملات في البداية على جماعة الإخوان المسلمين ثم امتدت لتشمل شباب الثورة وحركة حقوق الإنسان. جاء ذلك في وقت شهد انتهاكات لحقوق الإنسان لم يسبق لها مثيل في نطاقها وشدتها، بما في ذلك عمليات القتل خارج نطاق القضاء من جانب قوات الأمن، والتعذيب المنهجي والمروع في أماكن الاحتجاز، والاحتجاز الاحتياطي الطويل غير القانوني لآلاف الأشخاص، والاختفاء القسري، والانتهاكات في السجون.[63]
وخلال الأشهر الأخيرة من عام 2016، تعاونت الحكومة وأجهزة الأمن لتجميد أصول ما لا يقل عن ستة مدافعين بارزين عن حقوق الإنسان وثلاث منظمات حقوقية. وفي العام نفسه، مُنع ما لا يقل عن خمسة عشر ناشطًا حقوقيًا من مغادرة البلاد، وتم استدعاء آخرين للاستجواب. واجهت هذه المنظمات والأفراد اتهامات محتملة بتقويض مؤسسات الدولة وتلقي أموال أجنبية تضر بالأمن القومي.[64] وكانت المنظمات غير الحكومية التي يُشتبه في انتمائها أو تعاطفها مع جماعة الإخوان المسلمين –والتي تعمل في الغالب على التنمية والخدمات الاجتماعية– قد عانت بالفعل من حملة قمع شديدة في عام 2014، حينما جمدت الحكومة أصول أكثر من ألف جمعية وفرع. وقدمت بعض هذه الجمعيات خدمات صحية وتعليمية لملايين الأشخاص لسنوات طويلة.[65]
- الإطار القانوني: منذ نشأتها في الثمانينيات، واجهت الحركة الحقوقية في مصر نضالًا قانونيًا مستمرًا مع السلطة. فقد تغير قانون الجمعيات الأهلية عدة مرات منذ الستينيات، وفي كل مرة يأتي التغيير لزيادة القيود على تنظيم وعمل منظمات المجتمع المدني وحقوق الإنسان. فقد خضعت المنظمات غير الحكومية للقانون 32 الصادر عام 1964 والذي حظر على منظمات المجتمع المدني العمل على القضايا السياسية والدينية، كما أنشأ سلطة رقابية تعين من جانب الحكومة لمراجعة ماليات المنظمات غير الحكومية وأنشطتها. وحظر على المنظمات الحصول على تمويل من الخارج أو التواصل مع منظمات أجنبية دونما الحصول على تصريح من الدولة.[66] وفي أوائل عام 1995 أصدرت الإدارة التشريعية بوزارة العدل قرارًا بشأن وضع ما يسمى بالشركات المدنية، ينص على أنه إذا لم يتم تسجيلها بموجب قانون الجمعيات، فإنها ستكون عرضة للملاحقة القضائية. وقد حاولت المنظمة المصرية لحقوق الإنسان منذ نشأتها التسجيل في قانون الجمعيات إلا أنه تم تجاهل طلبها للتسجيل كمنظمة أهلية. ومنذ ذلك الحين، أشار مسئولو الحكومة عادةً إلى منظمات حقوق الإنسان المحلية على أنها منظمات غير قانونية.[67]
وفي عام 1999 تم تمرير القانون 153 الذي ينظم أنشطة المنظمات غير الحكومية. وقد أكد القانون الجديد القيود المفروضة في قانون 1964 وزاد عليها؛ فعمل القانون الجديد على منع منظمات المجتمع المدني من الانخراط في أي نشاط سياسي تقتصر ممارسته على الأحزاب السياسية، وأي نشاط نقابي تقتصر ممارسته على النقابات. علاوة على هذا فإن أية منظمة «تهدد الوحدة الوطنية أو تخالف النظام العام والآداب العامة» يمكن حلها بموجب القانون. وأخيرًا، فيما يتعلق بالتمويل الأجنبي، وهو المورد الرئيسي لبقاء معظم المنظمات، فإن القانون الجديد استمر في حظر الحصول على التمويل الأجنبي أو التواصل مع الخارج دون الحصول على موافقة الحكومة.[68]
في 2002 مررت الحكومة القانون الثالث الخاص بالجمعيات الأهلية رقم 84. ولم يكن هذا القانون سوى تأكيدًا على القيود التي فرضها قانوني 1964 و1999. ففرض أحكامًا قاسية بالسجن على ممارسة النشاط المدني بدون موافقة السلطات ومن غير التسجيل في القانون الجديد، وأجاز للحكومة حل تلك المنظمات. وكما في القانون السابق فإنه يحظر على المنظمات أيضًا ممارسة النشاط السياسي أو النقابي.[69] وكانت محصلته أن العديد من المنظمات لجأت إلى مراوغة القانون بالتسجيل كمكاتب محاماة أو شركات تجارية. وفي 2003 قررت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية التسجيل في القانون الجديد، إلا أن وزارة التضامن الاجتماعي ظلت تعيد الأوراق بالبريد وتطلب المزيد من الشروط لقبولها وبعد عملية طويلة استمرت 6 أشهر رفض تسجيل المبادرة بدون إبداء أسباب. وفي مطلع 2004 كانت معظم المنظمات المسجلة بموجب قانون 2002 تواجه اعتراض الوزارة على بعض البرامج وإيقافها. وكانت الأوراق المرسلة إليها تحول مباشرة إلى أمن الدولة، فتتعامل المنظمات مع مسئولي أمن الدولة دون وسيط، وهذا بالإضافة إلى مستوى من البيروقراطية كان مقصودًا لجعل أي نشاط يتسم بالكفاءة مستحيلًا.[70]
ويؤكد/تؤكد نور على ذلك، فيقول/تقول «لم يكن قانون 2002 إلا تأكيد على القوانين السابقة والتي هدفت إلى عرقلة عمل المنظمات. ونتيجة للقيود التي فرضها هذا القانون اضطرت العديد من المنظمات للتسجيل كمكاتب محاماة أو شركات تجارية أو شركات استشارات بدلًا من التسجيل كجمعية أهلية. وبالتالي تم خلق اتجاه من المنظمات بشكل غير رسمي وبعيد عن رقابة وقيود الوزارة».[71]
لم تستمر الانفراجة الأمنية وانفتاح المجال العام الذي شهدته مصر ما بين 2011 و2013. فمع سيطرة المؤسسة العسكرية على السلطة، صعدت الحكومة معركتها القانونية مع المنظمات الحقوقية حين أصدرت وزارة التضامن الاجتماعي إنذارًا في يوليو 2014 يدعو جميع المنظمات غير الحكومية للتسجيل بموجب قانون 2002 في موعد غايته نوفمبر من العام نفسه، وإلا واجهت العواقب القانونية، التي قد تشمل الإغلاق وأحكام السجن.[72] أسفر ذلك عن شروع منظمات دولية في إغلاق مكاتبها في مصر والانتقال إلى بلدان أخرى. كما قرر مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان نقل جميع برامجه الإقليمية والدولية إلى الخارج.[73]
في العام نفسه، أعدت الحكومة قانونًا جديدًا أشد قمعية للسيطرة على الجمعيات الأهلية، وأقر البرلمان القانون في نوفمبر 2016 ووقعه رئيس الجمهورية ليصبح ساريًا في 29 مايو 2017. وانتهك مشروع القانون دستور 2014 (وهو الدستور الذي مررته السلطة العسكرية ذاتها بعد استيلائها على السلطة لتعود بعد ذلك وتنتهكه) فيما يخص الحق في تكوين الجمعيات بمجرد الإخطار بدون الحاجة إلى موافقة السلطات. كما يسمح مشروع القانون بالتدخل الإداري على هيئة «لجان تنسيقية، تعمل فعليًا على منح ممثلي وزارة الداخلية والأمن الوطني مقعدًا في كل اجتماع لمجالس إدارات المنظمات غير الحكومية». بالإضافة لذلك، يجوز لتلك اللجنة الاعتراض على أي مانح أو اتفاقية تمويل لأية منظمة غير حكومية، والاعتراض على أنشطتها. كما وصلت العقوبات في هذا القانون إلى عقوبات بالحبس قد تصل إلى 15 عام وغرامات تصل إلى 100 ألف جنيه. ويشير هذا المشروع لرغبة الحكومة في السيطرة التامة على المنظمات الأهلية، وتحويلها من منظمات غير حكومية إلى كيانات شبه حكومية خاضعة للأجهزة الأمنية والإدارية، وتجعل الحكومة هي المدير الفعلي لها.[74] وبعد ضغط دولي ومحلي تم تعديل القانون وتقليل القيود نسبيًا، وأصدر القانون 149 لسنة 2019.[75]
يتفق كلا من جهاد وزين وإسلام على استمرار مقاومة المنظمات للقيود والعراقيل البيروقراطية التي استهدفت السيطرة على منظمات حقوق الإنسان، ويذكر/تذكر جهاد أنه «برغم عودة القبضة الأمنية والقمعية للدولة ومطاردة الحقوقيين قانونيًا وأمنيًا والتهديد بالإغلاق في حالة عدم التسجيل في قانون الجمعيات؛ استمرت العديد من الجمعيات في رفض التسجيل ورفض الانصياع للقيود القانونية والخضوع لمراقبة وزارة التضامن الاجتماعي».[76]
ويؤكد/تؤكد نور على ذلك بقولهم أن «مواصلة الدولة انتهاك وملاحقة الحقوقيين واستخدام العنف قد أثر بالفعل على حجم وأنشطة المنظمات الحقوقية التي كانت تعمل من داخل مصر. فبينما توسعت المنظمات في الفترة التي تلت 2011 في الأنشطة والفعاليات، اضطرت تلك المؤسسات لتقليص نشاطها وتقليل عدد أفرادها بعد 2013، نتيجة اشتداد موجة القمع والملاحقة».[77]
العوامل الذاتية
لا يمكن رد ضعف منظمات حقوق الإنسان في تأسيس قاعدة جماهيرية وتأييد شعبي، وبالتالي عدم قدرتها على توحيد ومأسسة مطالب الحركة الاحتجاجية، إلى قمع الدولة والمعارك القانونية فقط؛ إذ عاصرت المنظمات فترات انخفض فيها مستوى العنف والتعسف من جانب السلطات نسبيًا وتمتعت بمساحة أكبر للحركة. فعلى سبيل المثال، مثلت الفترة 2011-2013 مرحلة انفتاح سياسي، وتمتعت الحركة الحقوقية فيها بالحرية في ممارسة نشاطها؛ ورغم ذلك لم تنجح الحركة الحقوقية في تأسيس علاقات مع الجماهير. في هذا الجزء تتم مناقشة التحديات الداخلية لمنظمات حقوق الإنسان والتي من أهمها التمويل الأجنبي، الحوكمة الداخلية، وإشكالية التمثيل والمسائلة.
- التمويل الأجنبي: يكاد الجدل المحيط بالتمويل الأجنبي أن يكون الأطول أمدًا في أدبيات المنظمات غير الحكومية بشكل عام، وفي مصر على وجه التحديد. وقد تم توجيه العديد من الانتقادات لاعتماد تلك المنظمات على التمويل الأجنبي، وإلقاء اللوم على مجتمع المانحين الدولي لتحويلها إلى منظمات مهنية وما يتصل بذلك من إشكاليات. وقد تعرضت المنظمات غير الحكومية في مصر، خاصة في مجال حقوق الإنسان، للانتقاد نتيجة اعتمادها على التمويل الأجنبي، الأمر الذي يعرض أولوياتها وأنشطتها لخطر التوقف مع تغير أولويات وأجندات المانحين، ومن ثم فإن تأثيرها لا يكون مستدامًا أو فعالا.[78] علاوة على ذلك، يثير اعتماد المنظمات الحقوقية على التمويل الأجنبي إشكالية تحويل المسائلة ووضع الأجندات، فبدلًا من أن تكون تلك المنظمات مسئولة أمام مجتمعاتها والفئات التي تمثلها تتحول المسائلة في اتجاه المانحين. وقد يفرض المانحون أجندات أو موضوعات لا تناسب السياق الذي تعمل فيه المنظمات ولا تلبي احتياجات الجماهير.[79] بالإضافة لذلك، تثير مسألة التمويل الأجنبي خطر نشوء علاقة زبونية أو استغلالية، فمن الممكن أن تتحول المنظمات إلى زبائن على حساب التزامها الصادق بترقية الأجندة الحقوقية. وباعث القلق الرئيسي هنا هو أن الاعتماد على التمويل الأجنبي من شأنه دفع تلك المنظمات غير الحكومية لتكييف هياكلها وجداول أعمالها وبرامجها مع اهتمامات مموليها، سواءً كانوا حكومات أجنبية أو مؤسسات خاصة، بدلًا عن التصدي لمشكلات حقيقية في سياقها الصحيح.[80]
إلا أن هذه الانتقادات لا تراعي السياق القانوني الذي يعرقل التمويل المحلي. إذ وضعت قوانين العمل الأهلي في مصر، منذ قانون 1964، ووزارة التضامن الاجتماعي عراقيل عدة مقابل حصول المنظمات على التمويل من الخارج أو الداخل عن طريق جمع التبرعات أو تنظيم معارض وفعاليات عامة مثل حفلات جمع الأموال. تتطلب هذه النشاطات موافقة مسبقة وإجراءات معقدة. [81] كما تجد المنظمات العاملة في المجال الحقوقي بصفة خاصة صعوبة شديدة في التماس التمويل من الشركات ورجال الأعمال المحليين، الذين يترددون في تقديم تمويل لمنظمات تفضح انتهاكات الدولة لحقوق الإنسان؛ خوفًا من العواقب السلبية لهذا التمويل على شركاتهم، ناهيك عن علاقاتهم القوية المعتادة مع الدولة، في ظل سعي الشركات الكبرى إلى الحفاظ على علاقات ودية مع المفاصل الحاكمة لشبكات الفساد والمحاباة وأغلبيتها واقعة تحت تأثير أو سيطرة النظام الحاكم.[82]
- مشكلة الحوكمة الداخلية: تواجه منظمات حقوق الإنسان عدد من مشكلات الحوكمة الداخلية من أهمها فاعلية مجالس الإدارة، ومدى وضوح دور وصلاحيات المديرين التنفيذين والمؤسسين. فتواجه مجالس الإدارة تحديات جدية. فعادة ما يتم الخلط بين مجالس الإدارة والإدارات التنفيذية، بحيث تهيمن الإدارة التنفيذية على الإدارة وتلغي دور مجالس الإدارة. وفي بعض الحالات لا يتم تشكيل مجلس إدارة من الأساس. وقد تؤثر تلك المشكلات على مسألة اتخاذ القرار داخل المؤسسات، إذ يؤدي غياب الفصل بين المسئوليات والسلطات التنفيذية والإدارية إلى غياب القنوات التي تعكس الديمقراطية والتشاركية في اتخاذ القرار. ويؤدي ذلك في النهاية لإعادة إنتاج السلطوية والإقصاء داخل المؤسسات التي من المفترض أن تواجه وتحارب السلطوية والقمع.[83]
يُرجع الحقوقيون والحقوقيات المشاركين في المقابلات بعض مشكلات الإدارة الداخلية لمنظمات حقوق الإنسان بنسبة كبيرة إلى قمع الدولة وتعاملها السلطوي مع المنظمات وسعيها للسيطرة عليها، ويسلط/تسلط مجد الضوء على ذلك بالقول أن «رغبة الدولة في السيطرة على المنظمات وإخضاعها من خلال القوانين المختلفة أدت إلى مراوغة المنظمات والتسجيل كشركات أو مكاتب محاماة وهي كيانات لا يشترط هيكلها القانوني وجود مجلس للإدارة. وحتى في حالة بعض المنظمات التي أبدت الاستعداد للتسجيل بموجب هذا القانون القمعي، فقد تم حرمانها من الموافقة على التسجيل واضطرت للجوء إلى المحاكم طوال سنوات لاكتساب صفة الجمعية المسجلة».[84]
أخيرًا، تواجه الحوكمة الداخلية للمنظمات الحقوقية مسألة دور المدير التنفيذي وصلاحياته وخاصة في ظل ضعف أو غياب مجلس إدارة فعال والذي يؤدي إلى توسع في مسئوليات وسلطات المدير التنفيذي، وتسيطر على المنظمة مجموعة مركزية تختلف من حيث المسمى الوظيفي والأعضاء. بالإضافة إلى ذلك يمثل تشبث المؤسسين بالإدارة أحد أهم التحديات؛ فكما هو الحال في معظم المنظمات، تبدأ المنظمة الحقوقية كمبادرة يؤسسها ناشط أو مجموعة من الناشطين الذين يبذلون كل جهد ممكن، كمؤسسين، لتطوير وتعزيز المنظمة التي بدأت كمجرد فكرة. يكرس المؤسسون الوقت والجهد ويواجهون المخاطر من أجل المؤسسة، ومن ثم فهم يلتصقون بمنظماتـهم، ولا يتركون منصب الرئيس. وحتى إذا اتخذ الرؤساء قرارًا صادقًا بالرحيل لمتابعة مسيرة مهنية شخصية أو لتحقيق طموحات أكاديمية، فإن المؤسسات قد تواجه تحدي العثور على بديل. وفي غياب مجالس الإدارة، لا توجد آلية واضحة لانتقاء رئيس جديد. ورغم أن بعض المنظمات حاولت تمكين العديد من أفراد العاملين وتفويضهم لحضور الاجتماعات مع المانحين وأصحاب المصلحة، إلا أن الرجوع للمؤسسين يستمر لطلب النصح وصياغة المواقف والاستراتيجيات التي تعزز تماسك المنظمة.[85]
- مشكلة التمثيل والمساءلة: تمثل قضية مساءلة المنظمات غير الحكومية، والحقوقية خاصة، قضية هامة أمام تحديد أشكال وآليات المسائلة أمام الدوائر والفئات التي تزعم الدفاع عن حقوقها. وفي حالة المنظمات الحقوقية فإن الدائرة المركزية تتمثل عادة في الضحايا والناجين من الانتهاكات الحقوقية. وقد انشغلت الحركة الحقوقية المصرية بقضايا التمثيل والمساءلة أمام دوائر جماهيرها منذ مولدها، فقد نجم تفتت المنظمة المصرية لحقوق الإنسان عن خلاف محتدم حول هذه القضايا تحديدًا، قضايا التمثيل والشرعية. فمن جهة كان هناك المنادون بمنظمة واسعة العضوية، لحشد الجماهير ودمج حقوق الإنسان ضمن النضال الشعبي الحقيقي. ومن جهة أخرى دافع بعض النشطاء عن منظمة مغلقة ومهنية.[86]
ومع أن معظم منظمات حقوق الإنسان في مصر تتبنى نموذج المنظمات المغلقة المهنية القائمة على الخبرة، إلا أنها تمكنت من بناء علاقات تمثيلية مع عدد من الدوائر الجماهيرية. وقد تطورت هذه العلاقات من خلال أنشطة المنظمات وبرامجها للتقاضي والمساعدة القانونية والمناصرة وبناء القدرات والتدريب الصيفي للطلبة، إلخ. وبمرور الزمن استطاعت المنظمات والمدافعون الحقوقيون التواصل مع شبكات من العمال والطلاب والنساء وضحايا التعذيب والاحتجاز وعائلاتهم.[87] ورغم ذلك، فإن هؤلاء لا يمكنهم مساءلة المنظمات بسهولة نظرًا لافتقارهم إلى القنوات والقدرات اللازمة للقيام بمثل هذه المساءلة.[88] في هذا السياق يختلف/تختلف جهاد مع زين بخصوص نوع آخر من القضايا يتعلق التمثيل، إذ يذهب/تذهب جهاد إلى أن
تنقسم نوعية القضايا التي تعمل عليها المؤسسات إلى عدة محاور؛ أولًا قد تتناول المؤسسات قضايا لا تمثل احتياجات الجماهير ولا تعكس الواقع الفعلي السياسي والاجتماعي، وتخصص لها موارد وأنشطة وفعاليات. أما الإشكالية الأخرى فهي كون بعض الحقوقيين انتقائيون بشأن القضايا التي يعملون عليها. إذ يرفض البعض العمل على قضايا معينة تتعلق بالهوية السياسية أو الجنسية للضحايا. فعلي سبيل المثال أثير جدال بين المنظمات والحقوقيين حول الدفاع عن المنتمين لجماعة الإخوان المسلمين بعد الهجمة القمعية التي شنتها الدولة ضدهم بعد 2013. كما قد يرفض البعض تمثيل والدفاع عن أعضاء مجتمع الميم وذلك لاعتبارات اجتماعية وثقافية.[89]
بينما يجادل/ تجادل زين بأن «المجتمع الحقوقي في مصر لا يواجه إشكاليات جادة تتعلق بالتمثيل أو الانتقائية في اختيار ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان. فعلي سبيل المثال تفاعلت المنظمات الحقوقية مع الانتهاكات المختلفة التي مارستها الدولة ضد الإخوان المسلمين بعد الاستيلاء على السلطة من خلال إصدار بيانات تستنكر الانتهاكات والمطاردات الأمنية، ومن خلال تقديم الدعم القانوني والبحثي ومحاولة فضح تلك الانتهاكات».[90]
تلك التحديات الهيكلية والداخلية أثرت على علاقة الحركة الحقوقية بالحركة الاحتجاجية؛ فقمع الدولة وتعسفها ورغبتها في السيطرة على المنظمات غير الحكومية من خلال قوانين العمل الأهلي أسفر عن تحجيم وإضعاف دور الحركة الحقوقية وقدرتها على ممارسة أنشطتها والتواصل مع الجماهير والفواعل السياسية المختلفة. فيما أثرت التحديات الداخلية على طريقة عمل المنظمات نفسها؛ إذ أدى التحول المهني للفصل بين الحقوق والتركيز على قضايا لا تهم الجماهير في بعض الأحيان. كما أن مصادر تمويل منظمات المناصرة وتجمعاتها حاسمة الأهمية فيما يتعلق بمصداقيتها في أعين من يُفترض أنها تدعمهم، خصوصًا وأن معظم التمويل أجنبي، ومن ثم فهو موضع للتساؤلات السياسية (وربما القانونية). وأخيرًا أدى التحول المهني للمنظمات الحقوقية إلى خلق هوية مختلفة لتلك المنظمات أدت إلى اختلاف المصالح والرؤى بين المنظمات وبين الطبقات التي تمثلها من المهمشين والطبقات الدنيا. فتزعم بعض المنظمات تمثيل تلك الطبقات دون الانخراط وتأسيس روابط حقيقية مستدامة معهم، ودون إيجاد فرصة لتلك الفئات للتعبير عن نفسها وما تحتاج إليه. الأمر الذي أسفر عن نشوء حالة من الاغتراب والزبونية.[91]
تلك العوامل مجتمعة شكلت أهم أسباب فشل الحركة الحقوقية في مصر في بناء قاعدة شعبية جماهيرية، وفي ممارسة دور الوساطة لمساعدة الحركة الاحتجاجية في توحيد ومأسسة مطالبها التي تميزت بالفئوية والمحدودية، وإمدادها بالأطر اللازمة لتحقيق التغيير والفاعلية. الأمر الذي ساهم، بشكل جزئي، في عودة السلطوية مرة أخرى بعد 2013.
خاتمة
خلصت الدراسة إلى أن الحركة الحقوقية المصرية شهدت تطورًا وتوسعًا على مدى أربعة عقود منذ نشأتها، إذ ركزت على مزيد من الحقوق والفئات المستهدفة وطورت من آلياتها في الدفاع عن حقوق الإنسان. بالمثل تبلورت الحركة الاحتجاجية ونشطت بمجيء القرن الحادي والعشرين، إلا أنها افتقدت لعوامل التأثير والتغيير؛ إذ تميزت بالتشرذم وفئوية المطالب وغياب القيادة والإطار التنظيمي، بالرغم من زخمها. أما فيما يتعلق بالعلاقة بين الحركتين، فقد تميزت بالمحدودية، إذ فشلت الحركة الحقوقية في تأسيس روابط عميقة مع الحركة الاحتجاجية التي ظلت رأسًا بلا جسد. ويرجع ذلك إلى عوامل هيكلية تتمثل أولًا في قمع الدولة وتضييق الخناق على الحركة الحقوقية ونشاطها وتفاعلها مع الأطراف المختلفة، وثانيًا في الإطار القانوني الذي عمل على فرض قيود قوية على عمل المنظمات وحصولها على التمويل وتواصلها مع الجهات المحلية والدولية المختلفة مستهدفًا إصابة المنظمات بالشلل. كما سلطت الورقة الضوء على عدد من العوامل الداخلية التي تنبع من الحركة نفسها، ومن أهمها اعتماد المنظمات الحقوقية على التمويل الأجنبي، وقصور دور مجالس الإدارة، وعدم وضوح صلاحيات المديرين التنفيذين وتشبث المؤسسين بالإدارة، ومشكلة التمثيل والمسائلة.
وقد أثرت تلك التحديات على علاقة الحركة الحقوقية بالحركة الاحتجاجية من عدة جوانب؛ فأدى قمع الدولة الأمني والقانوني لتحجيم نشاطات المنظمات وقدرتها على التفاعل والتشبيك مع القواعد الجماهيرية، فيما أثرت التحديات الداخلية على طريقة عمل المنظمات نفسها. وقد شكلت تلك العوامل أهم أسباب فشل الحركة الحقوقية في مصر في ممارسة دور الوساطة لمساعدة الحركة الاحتجاجية في توحيد ومأسسة مطالبها التي اتسمت بالفئوية والمحدودية. الأمر الذي ساهم بدوره في عودة السلطوية مرة أخرى بعد 2013.
[2] العجاتي، محمد (2014). الحركات الاحتجاجية في مصر: المراحل والتطور. في عمرو الشوبكي (محرر). الحركات الاحتجاجية في الوطن العربي. بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية. ص 216.
[3] زايد، أحمد (2012). الحركات الاجتماعية في مصر: دراسة في التطور والتحولات. القاهرة: دار الشروق. ص 120.
[4] يسير، محمد (2023). المنهج الوصفي التحليلي. المؤسسة العربية للعلوم ونشر الأبحاث. تاريخ الاطلاع 15 نوفمبر 2023، https://blog.ajsrp.com/?p=35302.
[5] تايلور، فيرتا وفان دايك، نيلا (2004). انهض: الذخيرة التكتيكية للحركات الاجتماعية (Get up: Tactical Repertoires of Social Movements). في ديفيد سنو، وآخرون (محررون)، دليل بلاكويل للحركات الاجتماعية (The Blackwell Companion to Social Movements). نيو جرسي: بلاكويل للنشر. ص268.
[6] المرجع السابق.
انظر أيضًا، ديلا بورتا، دوناتيلا ودياني، ماريو (2019). الحركات الاجتماعية: مقدمة. نيرة محمد صبري (مترجم) القاهرة: مؤسسة هنداوي. ص 228-230.
[7] بلومر، هربرت (1995). الحركات الاجتماعية (Social Movements). في ليمان، س.م. (محررون)، الحركات الاجتماعية: انتقادات، مفاهيم. ودراسات الحالة (Social Movements: Critiques, Concepts. And Case Studies (. لندن: بالجريف ماكميلان، ص 60.
[8] تلي، تشارلز (1994). الحركات الاجتماعية كمجموعات محددة تاريخيًا من العروض السياسية(Social Movements as Historically Specific Clusters of Political Performances). مجلة بيركلي لعلم الاجتماع. ص 1-30.
[9] تورين، آلان (1976). إنتاج المجتمع. إلياس بديوي (مترجم)، دمشق: وزارة الثقافة والإرشاد الثقافي القومي، ص 525-558.
[10] آشتي، فارس (2014). الحركات الاحتجاجية في لبنان بين السياسي والاجتماعي، في عمرو الشوبكي (محرر). الحركات الاحتجاجية في الوطن العربي. بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، ص169.
[11] إبراهيم، سعد الدين (1995). المجتمع المدني والتحول الديمقراطي في الوطن العربي. القاهرة: مركز ابن خلدون للدراسات الإنمائية، ص 5.
[12] عياش، عبد عامر وجاسم، محمد أديب (2010). دور مؤسسات المجتمع المدني في مجال حقوق الإنسان (دراسة مقارنة). مجلة جامعة تكريت للحقوق. 6(2)، ص 6.
[13] المرجع السابق.
[14] الفالح، متروك (2002). المجتمع والديمقراطية والدولة في البلدان العربية: دراسة مقارنة لإشكالية المجتمع المدني في ضوء تريف المدن. بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، ص 26.
[15] ميرسر، كلير (2012). المنظمات غير الحكومية والمجتمع المدني وإرساء الديمقراطية: مراجعة نقدية للأدبيات (NGOs, Civil Society and Democratization: A Critical Review of Literature). التقدم في دراسات التنمية (Progress in Development Studies). 39(2)، ص151-160.
[16] حسن، بهي الدين (1996). نحو استراتيجية منسجمة لحركة حقوق الإنسان في مصر. رواق عربي. عدد 3، ص 48.
[17] هكس، نيل (2006). شبكة حقوق الإنسان عبر الوطنية وحقوق الإنسان في مصر (Transnational Human Rights Networks and Human Rights in Egypt). في أنتوني تيرادو وعمرو حمزاوي (محرران). حقوق الإنسان في العالم العربي: أصوات مستقلة (Human Rights in the Arab World: Independent Voices). بنسلفانيا: مطبعة جامعة بنسلفانيا، ص 76.
[18] مصطفى، تامر (2006). حصلت على الحقوق؟ دعاوي المصلحة العامة وحركة حقوق الإنسان المصرية (Got Rights? Public Interest Litigation and the Egyptian Human Rights Movement). في أنتوني تيرادو وعمرو حمزاوي (محرران). حقوق الإنسان في العالم العربي: أصوات مستقلة (Human Rights in the Arab World: Independent Voices). بنسلفانيا: مطبعة جامعة بنسلفانيا، ص 158-159.
[19] منصور، خالد. مرجع سابق.
[20] المرجع السابق.
[21] شاش، ياسمين (2017). مولد وتطور وتحديات الحركة الحقوقية في مصر. مبادرة الإصلاح العربي، 4 أغسطس. تاريخ الاطلاع 15 مارس 2024، https://shorter.me/ZcjuF.
[22] منصور، خالد. مرجع سابق.
[23] حسن، بهي الدين (2006). مسألة أخلاقيات حقوق الإنسان: الدفاع عن الإسلاميين (A Question of Human Rights Ethics: Defending the Islamists). في أنتوني تيرادو وعمرو حمزاوي (محرران). حقوق الإنسان في العالم العربي: أصوات مستقلة (Human Rights in the Arab World: Independent Voices). بنسلفانيا: مطبعة جامعة بنسلفانيا، ص 42.
[24] مصطفى، تامر (2006). مرجع سابق. ص 158-159.
[25] منصور، خالد (2017). مرجع سابق.
[26] المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية (2010). حكم رفض خصخصة الهيئة العامة للتأمين الصحي. 17 يوليو. تاريخ الاطلاع 15 مارس 2024، https://ecesr.org/799321/.
[27] عبد العاطي، سها (2018). استغلال الحراك الثوري: تأثير المنظمات الحقوقية في مصر ما بعد الثورة. مبادرة الإصلاح العربي. 24 مايو. تاريخ الاطلاع 15 مارس 2024، https://shorter.me/IgW6B.
[28] إبراهيم، سلافة (2021). ديناميات العقد الاجتماعي المصري: كيف أثرت التغيرات السياسية على الفقراء (The dynamics of the Egyptian social contract: How the political changes affected the poor). تنمية العالم. 138 (2021). ص 3-4.
[29] عبد الله، نادين (2022). الاحتجاجات العمالية. في هالة بيومي، كارين بنفالا (محرران). أطلس مصر المعاصرة. القاهرة: مركز الدراسات الاقتصادية والقانونية والاجتماعية والتوثيق. تاريخ الاطلاع 15 مارس 2024، https://books.openedition.org/cedej/5270?lang=en.
[30] الجزيرة (2002). مسيرات شعبية لدعم الانتفاضة الفلسطينية قبل القمة. 23 مارس. تاريخ الاطلاع 15 مارس 2024، https://shorturl.at/nuLNQ.
[31] سبوتنك عربي (2023). مِن القاهرة هنا بغداد… هكذا عبر الشعب المصري عن رفض الغزو الأمريكي للعراق. 21 مارس. تاريخ الاطلاع 15 مارس 2024، https://shorter.me/CBb5k.
[32] فؤاد، هشام (2020). ثلاث مظاهرات ضد التوريث. الاشتراكي، 20 سبتمبر. تاريخ الاطلاع 15 مارس 2024، https://revsoc.me/politics/gdan-thlth-mzhrt-dd-ltwryth/.
[33] العجاتي، محمد (2014). مرجع سابق. ص 239.
[34] عبد الله، نادين (2022). مرجع سابق.
[35] العجاتي، محمد (2014). مرجع سابق. ص 242.
[36] عبد الله، نادين (2017). الحركة النقابية في مصر في ضوء ثورة يناير 2011: السيطرة والاحتواء وحدود المقاومة. معهد عصام فارس للسياسات العامة والشئون الدولية. ص 10-11.
[37] بسيوني، مصطفي (2023). عودة النقابات المستقلة في مصر. موقع صفر. 21 ديسمبر . تاريخ الاطلاع 21 أغسطس 2024، https://alsifr.org/independent-unions-egypt.
[38] المرجع السابق. ص 254.
[39] رغم تحليل تطور منظمات حقوق الإنسان منذ الثمانينيات؛ وجدت الدراسة صعوبة في تحديد أو التوصل إلى عدد تقريبي لمنظمات حقوق الإنسان ويرجع ذلك لعدة تحديات من أهمها البيئة السياسية والقانونية والأمنية التي تعمل في ظلها المنظمات. وقد أدى ذلك إلى اتخاذ وتسجيل معظم هذه المؤسسات في صورة أشكال قانونية مختلفة مثل مكاتب محاماة أو شركات. وبالتالي لا تتوافر إحصائيات أو بيانات دقيقة لعدد منظمات حقوق الإنسان.
[40] زايد، أحمد (2012). مرجع سابق. ص 120.
[41] مجد، مقابلة شخصية تم إجرائها من خلال برنامج جيتسي، مارس 2024.
[42] نور، مقابلة شخصية تم إجرائها وجهًا لوجه، أبريل 2024.
[43] عادلي، عمرو (2016). الحركة الحقوقية والسياسة التنازعية في مصر. مبادرة الإصلاح العربي. 16 يناير. تاريخ الاطلاع 15 مارس 2024، https://shorter.me/Ln1z-.
[44] المرجع السابق.
[45] زين، مقابلة شخصية تم إجرائها وجهًا لوجه، أبريل 2024.
[46] المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، تاريخ الاطلاع 31 مايو 2024، https://ecesr.org/.
[47] عادلي، عمرو (2016). مرجع سابق.
[48] شبكة حقوق الطفل العالمية. ماذا يعني التقاضي الاستراتيجي. تاريخ الاطلاع 15 مارس 2024،
https://archive.crin.org/ar/dl/ldlyl-lqnwny/mdh-yny-ltqdy-lstrtyjy.html.
[49] في عام 2009، أقام أحد العمال دعوى قضائية ضد الحكومة المصرية طالب فيها بتحديد حد أدنى للأجور. جادل العامل بأن عدم وجود حد أدنى للأجور يخالف الدستور المصري الذي ينص على حق العمال في أجر عادل. رفضت الحكومة الدعوى، مما أدى لإحالتها إلى المحكمة الدستورية العليا. وفي عام 2010، حكمت المحكمة الدستورية العليا لصالح العامل وألزمت الحكومة بتحديد حد أدنى للأجور.
المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية (2010). الحكم الخاص بإلزام الحكومة بوضع حد أدني للأجور. 30 مارس. تاريخ الاطلاع 15 مارس 2024، https://ecesr.org/799306/.
[50] المرجع السابق.
[51] حكم رفض خصخصة الهيئة العامة للتأمين الصحي. مرجع سابق.
[52] إسلام، مقابلة شخصية تم إجرائها من خلال برنامج سيجنال، مارس 2024.
[53] جهاد، مقابلة شخصية تم إجرائها وجهًا لوجه، مايو 2024.
[54] جهاد، مقابلة شخصية تم إجرائها وجهًا لوجه، مايو 2024.
إسلام، مقابلة شخصية تم إجرائها من خلال برنامج سيجنال، مارس 2024.
مجد، مقابلة شخصية تم إجرائها من خلال برنامج جيتسي، مارس 2024.
نور، مقابلة شخصية تم إجرائها وجهًا لوجه، أبريل 2024.
[55] جهاد، مقابلة شخصية تم إجرائها وجهًا لوجه، مايو 2024.
[56] العجاتي، محمد (2014). مرجع سابق. ص 216.
[57] زين، مقابلة شخصية تم إجرائها وجهًا لوجه، أبريل 2024.
[58] نور، مقابلة شخصية تم إجرائها وجهًا لوجه، أبريل 2024.
[59] منصور، خالد. مرجع سابق.
[60] مصطفى، تامر (2006). مرجع سابق. ص 162-163.
[61] المرجع السابق.
[62] إسلام، مقابلة شخصية تم إجرائها من خلال تطبيق سيجنال، مارس 2024.
مجد، مقابلة شخصية تم إجرائها من خلال برنامج جيتسي، مارس 2024.
[63] الفجيري، معتز (2019). مهمات الدفاع عن حقوق الإنسان في مصر في سياق الأزمة. رواق عربي. 15 يناير 2019، https://shorter.me/VlrIx.
[64] منظمة العفو الدولية (2016). مصر: حملة لم يسبق لها مثيل على المنظمات غير الحكومية. 23 مارس. تاريخ الاطلاع 15 مارس 2024،https://www.amnesty.org/ar/latest/press-release/2016/03/egypt-unprecedented-crackdown-on-ngos/.
[65] أدهم، خليفة (2013). تجميد أموال 1055 جمعية أهلية بالبنوك تنفيذًا لحكم القاهرة للأمور المستعجلة. الأهرام، 23 ديسمبر. تاريخ الاطلاع 15 مارس 2024، https://gate.ahram.org.eg/News/434082.aspx.
[66] منشورات قانونية (1964). قانون الجمعيات والمؤسسات الخاصة رقم 32 لسنة 1964. تاريخ الاطلاع 15 يناير 2024، https://manshurat.org/node/166.
[67] شاش، ياسمين (2017). مولد وتطور وتحديات الحركة الحقوقية في مصر. مرجع سابق.
[68] منشورات قانونية (1999). قانون الجمعيات والمؤسسات الأهلية رقم 153 لسنة 1999. تاريخ الاطلاع 15 مارس 2024، https://manshurat.org/node/154.
[69] منشورات قانونية (2002). قانون الجمعيات والمؤسسات الأهلية رقم 84 لسنة 2002. تاريخ الاطلاع 15 مارس 2024، https://manshurat.org/node/308.
[70] شاش، ياسمين (2017). مولد وتطور وتحديات الحركة الحقوقية في مصر. مرجع سابق.
[71]نور، مقابلة شخصية تم إجرائها وجهًا لوجه، أبريل 2024.
[72] شاش، ياسمين (2017). مولد وتطور وتحديات الحركة الحقوقية في مصر. مرجع سابق.
[73] مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان (2014). المركز ينقل برامجه الإقليمية والدولية خارج مصر. 9 ديسمبر. تاريخ الاطلاع 15 مارس 2024، https://shorter.me/QqHRm.
[74] منشورات قانونية (2017). تنظيم عمل الجمعيات وغيرها من المؤسسات العاملة في مجال العمل الأهلي 70 لسنة 2017. تاريخ الاطلاع 15 مارس 2024، https://manshurat.org/node/24867.
المبادرة المصرية للحقوق الشخصية (2014). مشروع قانون للجمعيات الأهلية يخضعها لسيطرة الحكومة والأجهزة الأمنية. 9 يوليو. تاريخ الاطلاع 15 مارس 2024، https://shorter.me/SB8Ts.
[75] منشورات قانونية (2019). قانون تنظيم ممارسة العمل الأهلي 149 لسنة 2019. تاريخ الاطلاع 15 مارس 2024،https://manshurat.org/node/61248.
[76] جهاد، مقابلة شخصية تم إجرائها وجهًا لوجه، مايو 2024.
[77] نور، مقابلة شخصية تم إجرائها وجهًا لوجه، أبريل 2024.
[78] موهانتي، رانجيتا (2002). المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية (Civil Society and NGOs). المجلة الهندية للعلوم السياسية. 63 (2\3)، ص 213- 225.
[79] سليمان، لينا (2013). المنظمات غير الحكومية والأوهام الكبرى للتنمية والديمقراطية (The NGOs And the Grand Illusions of Development and Democracy). الجمعية الدولية لأبحاث القطاع الثالث. 24 (2013)، ص 245- 250.
[80] قرني، بهجت (2012). إشكالية التمويل الأجنبي. السياسة الدولية. 22 فبراير. تاريخ الاطلاع 15 مارس 2024، https://www.siyassa.org.eg/News/2201.aspx.
[81] قانون الجمعيات والمؤسسات الخاصة رقم 32 لسنة 1964. مرجع سابق.
قانون الجمعيات والمؤسسات الأهلية رقم 153 لسنة 1999. مرجع سابق.
قانون الجمعيات والمؤسسات الأهلية رقم 84 لسنة 2002. مرجع سابق.
قانون تنظيم ممارسة العمل الأهلي 149 لسنة 2019. مرجع سابق.
[82] برات، نيكولا (2007). المنظمات غير الحكومية لحقوق الإنسان و«الجدل حول التمويل الأجنبي» في مصر (Human Rights NGOs and the ‘Foreign Funding Debate’ in Egypt). في أنتوني تيرادو وعمرو حمزاوي (محرران). حقوق الإنسان في العالم العربي: أصوات مستقلة (Human Rights in the Arab World: Independent Voices). بنسلفانيا: مطبعة جامعة بنسلفانيا، ص 119.
[83] مبادرة الإصلاح العربي (2017). معضلات مستعصية: قضايا الحوكمة الداخلية في المنظمات الحقوقية المصرية. 26 أكتوبر. تاريخ الاطلاع 15 مارس 2024، https://shorter.me/InRPw.
[84] مجد، مقابلة شخصية تم إجرائها من خلال برنامج جيتسي، مارس 2024.
[85] معضلات مستعصية: قضايا الحوكمة الداخلية في المنظمات الحقوقية المصرية. مرجع سابق.
[86] هكس، نيل (2006). مرجع سابق.
[87] منصور، خالد. مرجع سابق.
[88] كويتيل، جوانا (2014). التجريب والابتكار في مساءلة منظمات حقوق الإنسان في أمريكا اللاتينية (Experimentation and Innovation in the Accountability of Human Rights Organizations in Latin America). المجلة الدولية لحقوق الإنسان. 11(20). ص 315.
[89] جهاد، مقابلة شخصية تم إجرائها وجهًا لوجه، مايو 2024.
[90] زين، مقابلة شخصية تم إجرائها وجهًا لوجه، أبريل 2024.
[91] عادلي، عمرو (2016). مرجع سابق.
Read this post in: English