الانتخابات والانتقال الديمقراطي في الدول المغاربية: المغرب، الجزائر وتونس نموذجًا
الإشارة المرجعية: أعلوان، فؤاد (2021). الانتخابات والانتقال الديمقراطي في الدول المغاربية: المغرب، الجزائر وتونس نموذجًا. رواق عربي، 26 (2)، 29-41. https://doi.org/10.53833/DGAD7336
خلاصة
من المؤكد أن حدوث ثورة أو حراك ليس كافيًا لإنجاح عملية الانتقال الديمقراطي، إذ يحتاج الأمر آليات عمل قادرة على بلوغ عتبة الإصلاح والتغيير، أبرزها الانتخابات التي تعد مفتاحًا للاستقرار السياسي والاجتماعي وآلية قادرة على ضمان التداول السلمي للسلطة. في ضوء ذلك، تهدف هذه الورقة لبحث مدى قدرة الانتخابات على التأثير في مسارات التحولات السياسية التي تعيشها دول المغرب والجزائر وتونس، ودورها في ضمان انتقال ديمقراطي يؤسس لاستقرار سياسي واجتماعي حقيقي في هذه الدول. ووفق مقاربة منهجية تعتمد المنهج الوصفي التحليلي لوصف وتفسير ظاهرة فشل أو نجاح الانتخابات في تدعيم بناء المؤسسات الديمقراطية، والإحاطة بالبيئة والظروف التي جرت في ظلها الانتخابات في هذه البلدان، تصل الدراسة إلى خلاصات مفادها أن الانتخابات فشلت في إحداث تغيير سياسي حقيقي في المغرب، وتم توظيفها كأداة لإعادة إنتاج النظام السياسي في الجزائر، بالمقابل اعتبرت آلية حقيقية لإنجاح الانتقال الديمقراطي وتأسيس دولة القانون في تونس.
مقدمة
يشير مفهوم «الانتقال الديمقراطي» بمعناه الواسع إلى العمليات والتفاعلات المرتبطة بالانتقال أو التحول من نظام حكم غير ديمقراطي إلى نظام حكم ديمقراطي. ويرتبط هذا المفهوم من الناحية النظرية بمرحلة وسيطة يتم خلالها بناء نظام ديمقراطي جديد عبر إحداث تغييرات جوهرية لمختلف عناصر النظام السياسي مثل البنية الدستورية والقانونية، المؤسسات السياسية، وأنماط مشاركة المواطنين في العملية السياسية. لكن مرحلة الانتقال إلى الديمقراطية قد تشهد صراعات بين الفاعلين السياسيين تعصف أحيانًا بالحلم الديمقراطي،[1] وتدفع للعودة إلى شكل متطور من النظام السياسي القديم. في هذا الصدد يلاحظ الفيلسوف «آلان مينيل» أنه «عندما نعتقد أننا عثرنا أخيرًا على شيء ديمقراطي في عملية الانتقال، ينبغي بالتحديد أن نتوقع أن نرى عكس ذلك، فالقديم الذي كان موجودًا مسبقًا لم يستسلم بعد للتخلي عن الساحة».[2]
في ضوء ذلك، يتوقف نجاح عملية الانتقال الديمقراطي على توفر آليات عمل قادرة على ضمان الاستقرار السياسي وبلوغ عتبة الإصلاح والتغيير. وتعد الانتخابات أهم هذه الآليات، حيث ينطوي الانتقال الديمقراطي على بناء شرعية سياسية جديدة تمر بالأساس عبر الانتخابات التي تعد جوهر الديمقراطية،[3] والمحرك الأساسي للحياة السياسية. في هذا الإطار، ترى «روني فريكوسي» أن الإنجاز الأساسي للفترة الانتقالية يكمن في إجراء انتخابات حرة تعد بحق المحور الراسخ للطابع الديمقراطي للنظام السياسي،[4] كما يؤكد «صامويل هنتنجتون» على أنه لا يمكن الحديث عن وجود تحول ديمقراطي بدون وجود انتخابات حرة ونزيهة، تتسم بقدر عالٍ من الشفافية وتضمن فرصًا متكافئة لكل الأطراف المتنافسة للوصول إلى السلطة.[5]
هكذا، تعتبر «الانتخابات الانتقالية» لحظات حاسمة بالنسبة للبلدان التي تمر بعملية «الدمقرطة»، كما تؤثر نتائجها بشكل محوري على مستقبل الانتقال ومستقبل ترسيخ الديمقراطية.[6] إلا أن تأثير العمليات الانتخابية يكون عكسيًا أحيانًا فتفقد فاعليتها الوظيفية، وبدلًا من تعزيز الاستقرار الوطني وحل الخلافات، فإنها تؤدي إلى زيادة حدة الصراع السياسي. لكن المشكلة لا تكمن في الانتخابات في حد ذاتها، ولكن في السياق الذي تجرى فيه، حيث تتسبب ظروف وممارسات غير ديمقراطية في إعاقة العملية الانتخابية وإفراغها من مضمونها. في هذا الصدد يؤكد «روبرت دال» أن الانتخابات تعتبر ذروة الديمقراطية وليس بدايتها؛ ويوضح أن الانتخابات وإن كانت تعد أحد الشروط الأساسية لاكتمال الشكل الديمقراطي للدولة، فإنها لا تسبق الديمقراطية، ولا تنتج لا الديمقراطية ولا الحريات والحقوق.[7] في الإطار نفسه يوضح «مايكل كوبيدج» أن الانتخابات الحرة والنزيهة تمثل إحدى الآليات الرئيسية للنظام الديمقراطي، إلا أنها لا تكفي بمفردها لقيام ديمقراطية حقيقية، حيث تستوجب توفر أسس وعناصر عديدة من بينها الفصل والتوازن بين السلطات استنادًا إلى مرجعية دستورية واضحة ومستقرة، سيادة حكم القانون، فاعلية مؤسسات الشفافية والمساءلة، ووجود مجتمع مدني فاعل ومستقل.[8]
تبعًا لذلك، يمكن القول أن بلوغ الانتخابات لأهدافها الوظيفية ومساهمتها في إنجاح الانتقال الديمقراطي في البلدان العربية عامة والمغاربية على وجه الخصوص مرتهن بتوفر بيئة داخلية سليمة ومتطلبات سياسية وقانونية لا غنى عنها، تتمثل في دستور توافقي حقيقي، ونظام انتخابي عادل، وسلطة قضائية نزيهة ومستقلة، إضافة إلى مجتمع مدني قوي وفعال. وتعد هذه العناصر بمثابة أولويات يجب توفرها قبل مباشرة العمليات الانتخابية حفاظًا على آمال التغيير والإصلاح السياسي.
تبحث هذه الورقة مدى قدرة الانتخابات على التأثير في مسارات التحولات السياسية التي تعيشها الدول المغاربية، ودورها في ضمان انتقال ديمقراطي يؤسس لاستقرار سياسي واجتماعي حقيقي في هذه الدول، كما تحاول توضيح الأسباب التي تجعل الانتخابات تفشل في بلوغ أهدافها وتحقيق وظائفها المتمثلة في ضمان التداول السلمي للسلطة ،[9] كما تتميز الورقة، عن الدراسات –القليلة– التي عالجت موضوع الانتخابات وعلاقته بالانتقال الديمقراطي، بتحليل العوامل المسئولة عن تحول الانتخابات من آلية ديمقراطية تعمل على تحقيق الاستقرار السياسي، إلى أداة لعرقلة مسارات الانتقال الديمقراطي في مجموعة من الدول المغاربية. وقد تم اختيار المغرب، الجزائر وتونس كنماذج للدراسة، فجميع هذه الدول عرفت حراكًا سلميًا في العشرية الأخيرة أفرز تحولات سياسية ودستورية تزامنت مع تنظيم انتخابات مختلفة الفاعلية الوظيفية. ولأجل ذلك، تحاول الورقة الإجابة على الأسئلة التالية: هل شكلت الانتخابات قفزة نوعية في مسار التحولات السياسية في الدول المغاربية؟ هل تم توفير الظروف القانونية والسياسية والاجتماعية الضرورية لإنجاح العمليات الانتخابية والاستفتائية ودعم فاعليتها الوظيفية؟ هل تم توظيف الانتخابات كأداة لعرقلة الانتقال الديمقراطي وإعادة إنتاج الأنظمة السياسية السابقة؟ ثم ما هي العوامل التي توفرت في النموذج التونسي وافتقرت إليها الحالتان الجزائرية والمغربية إلى حد إفراغ الانتخابات من مضمونها؟
ولتفكيك إشكالية البحث الرئيسية والإجابة على التساؤلات المرتبطة بها ارتأينا اعتماد مقاربة منهجية تعتمد على المنهج الوصفي التحليلي لوصف وتفسير ظاهرة فشل الانتخابات في تدعيم بناء المؤسسات الديمقراطية، والإحاطة بالبيئة والظروف التي جرت في ظلها الانتخابات في هذه البلدان، وكذا التوصل إلى سر فاعلية الانتخابات التونسية ونجاحها في بناء نظام سياسي ديمقراطي حقيقي. وسنتطرق بداية إلى البيئة السياسية والقانونية والاجتماعية التي جرت فيها الانتخابات في الدول الثلاث (أولًا)، ثم نعالج بعد ذلك نتائج هذه الانتخابات وانعكاساتها على الانتقال الديمقراطي في هذه الدول (ثانيًا).
غياب المتطلبات الضرورية الداعمة للفاعلية الوظيفية للعمليات الانتخابية
تعد الانتخابات في مرحلة التحول الديمقراطي عملية بالغة التعقيد؛ كونها تتم في ظل مرحلة انتقالية تختلف طبيعتها حسب طبيعة النظام السابق أو القائم، وطبيعة البنى السياسية والاجتماعية والاقتصادية. فهي مرحلة تحمل موروثًا سلطويًا يصعب التعامل معه بآليات بديهية في الديمقراطيات الراسخة والعريقة. وفي بداية مراحل التحول السياسي قد تلعب الانتخابات دورًا مضادًا، وتساهم في تعثر الانتقال الديمقراطي، فالانتخابات عملية سياسية تتكون من تفاعل مجموعة عوامل قد تؤثر بالسلب أو الإيجاب على فاعليتها.[10]
هكذا يعتبر نجاح مسار التحولات السياسية والدستورية مرهونًا بتوفر بيئة سياسية واجتماعية سليمة تسبق العمليات الانتخابية والاستفتائية وممارسات الديمقراطية –الضرورية لضمان الفاعلية الوظيفية للانتخابات. فعدم تهيئة الظروف الاجتماعية والسياسية الملائمة يؤدي إلى فشل الانتخابات في تثبيت قواعد اللعبة السياسية وتدعيم البناء الديمقراطي.[11] فالانتخابات إحدى آليات الديمقراطية، ولكنها ليست كافيةً لتحقيقها، ولا يعني إجراؤها أن النظام أصبح ديمقراطيًا. فهل توفرت المتطلبات والشروط السياسية والقانونية والاجتماعية الضرورية في دول المغرب والجزائر وتونس لتنظيم «انتخابات ديمقراطية» يمكن اعتبارها أداة حقيقية للانتقال الديمقراطي،[12] وليست مجرد آلية شكلية توظفها الأنظمة السلطوية بهدف إضفاء الشرعية على حكمها؛ عبر توظيف تعددية سياسية متوحشة وإجراء انتخابات دورية فارغة المضمون.[13]
دستور توافقي حقيقي
تعد الأسس الدستورية التي تنظم عمل مؤسسات الدولة وتمنحها الشرعية على رأس الأولويات التي يجب تقديمها على الانتخابات خلال عملية البناء الديمقراطي، فلابد من وجود قانون مسبق أو عقد اجتماعي يحدد العلاقة بين الحاكم والمحكوم ويعتبر بمثابة اللبنة الأساسية في أي عملية تنافسية.[14] وهو ما يتأتى من خلال دستور توافقي ينظم الحياة السياسية، ويضمن الحريات العامة بما يحفظ حقوق جميع فئات المجتمع ويعمل على فصل السلطات، وتحقيق الاستقلال التام للسلطة القضائية.[15]
والواقع أن الأسس الدستورية السليمة توفرت في الحالة التونسية؛ حيث كانت أولى خطوات مسار التحول الديمقراطي بناء مؤسسات انتقالية على أرضية توافقية مشتركة ما بين الجهات الفاعلة على الساحة السياسية والاجتماعية، لتكون طريقًا نحو بناء مؤسسات دائمة. فأُنشئت الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والإصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي وضمت معظم الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني، وساهمت في تمهيد الطريق لانتخاب مجلس وطني تأسيسي،[16] تكون مهمته إدارة المرحلة الانتقالية، وكتابة دستور توافقي يمثل بحق دستور الجمعية التأسيسية المنتخبة.[17] وبناء على ذلك الدستور، أُجريت الانتخابات الرئاسية والانتخابات التشريعية عام 2014 لانتخاب أول برلمان منذ الثورة، وبنيت وفقًا له أولى لبنات الدولة الديمقراطية.
وتوضح التجربة التونسية بجلاء أن نجاح الانتخابات (البرلمانية والرئاسية) في ضمان الانتقال الديمقراطي مرتهن بوضع دستور يعكس إجماعًا وطنيًا واسعًا،[18] وتوازنًا حقيقيًا بين اختصاصات السلطة التنفيذية –الممثلة في رئيس الدولة ورئيس الحكومة–[19] والتشريعية.[20] على الجانب الأخر، تندرج دساتير المغرب والجزائر في إطار دساتير السلطوية العربية التي نجحت في توفير «دساتير بلا دستورانية»، أي دساتير على هامش السلطة، تعد مطية لتحقيق أهدافها السياسية.[21]
بالنسبة للمغرب، فرغم أهمية التعديلات الدستورية التي جاء بها دستور 2011، فإن السلطة التأسيسية الفرعية ممثلة في اللجنة الاستشارية لمراجعة الدستور فشلت –رغم ذلك– في إعادة تأهيل الدستور المغربي، كما أخفقت في جعله قاعدة أسمى؛ فقد شابت عملية إعداد الدستور المغربي الجديد مجموعة من العيوب كرست في النهاية سيطرة الملكية على البناء الدستوري، ما جعل الوثيقة الدستورية الحالية –على حد تعبير الأستاذة رقية المصدق– وثيقة تقديرية.[22] وهو ما يبدو طبيعيًا نظرًا لأن النخبة الحاكمة كانت تعتبر الإصلاحات الدستورية بمثابة «استراتيجية دفاعية»،[23] تهدف لاحتواء الحركات الاحتجاجية والالتفاف على مطالبها؛ حفاظًا على استقرار النظام السياسي. وهو ما أفرغ –في نهايةالمطاف– الإصلاح الدستوري من مضمونه الحقيقي،[24] حتى أن البعض تحدث عن إصلاح الدستور بهدف الحفاظ على الدستور ذاته.[25]
في هذا الإطار نتساءل أي دور للعمليات الانتخابية في إنجاح مسار الانتقال الديمقراطي في ظل هيمنة المؤسسة الملكية على السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية، حيث يتموقع الملك في مركز الحياة السياسية والدستورية بموجب الدستور الجديد. وحتى مع افتراض استقلال السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية عن بعضها البعض بموجب الفصل الأول من الدستور المغربي، فإن خضوعها في الوقت نفسه لسلطة رئيس الدولة يحد من الفاعلية الوظيفية للانتخابات. ثم كيف يمكن أن تساهم الانتخابات التشريعية –على سبيل المثال– في إنجاح مسار الانتقال الديمقراطي في المغرب في ظل القيود التي يفرضها الدستور المغربي على العملية التشريعية. ورغم ضرورة الإقرار بالتعزيز النسبي لصلاحيات البرلمان الدستورية، فإنه يظل مع ذلك خاضعًا للسلطة التنفيذية.[26]
فيما يتعلق بالجزائر التي شهدت تعديلين دستوريين منذ اندلاع ثورات الربيع العربي، فإن دستورها الصادر عام 1996 والمعدل عام 2016، استجابةً للاحتجاجات الشعبية، لا يتوافق على الإطلاق مع آمال الجزائريين في بلوغ عتبة الإصلاح والتغيير، فهو يمنح لمؤسسة الرئاسة (صلاحيات ملكية) ويمكنها من السيطرة على الحكومة ومؤسسات الدولة، كما يحد من آليات مراقبة البرلمان للسلطة التنفيذية.[27] وهو الوضع الذي لم يتغير كثيرًا برغم جرعة الإصلاح التي عرفتها الجزائر من خلال التعديل الدستوري الذي أقره 67% من الجزائريين المشاركين في استفتاء شعبي نُظم في نوفمبر 2020، وسط مقاطعة واسعة؛ حيث لم تتجاوز نسبة المشاركة 24%، وهي الأضعف في تاريخ الاستحقاقات الانتخابية الجزائرية،[28] ما ينزع الشرعية الشعبية عن الدستور المعدل.
ومن خصائص الدستور الجزائري أنه دستور مفصل على مقاس السلطة التنفيذية، بل أكثر من ذلك هو دستور «أكثر من مرن» حيث تم تعديله أكثر من مرة في عهد الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة لغلق الطريق أمام منافسيه، وفسح الطريق أمامه ليصبح رئيسًا مدى الحياة. هكذا تم في عام 2008 إلغاء المادة التي تمنع الرئيس من الترشح لأكثر من عهدتين، وفي عام 2016 تم تعديل هذه المادة مجددًا والعودة إلى نظام العهدتين، ومن المفارقات الغريبة أن الرئيس بوتفليقة ترشح بموجب ذلك التعديل بإعادة ضبط العدّاد على الصفر، معتبرا عهدته الخامسة بمثابة عهدة أولى حسب الدستور المعدل عام 2016،[29] وهو ما ساهم بشكل مباشر في اندلاع احتجاجات شعبية غير مسبوقة في الثاني والعشرين من فبراير عام 2019 شملت أغلب المدن الجزائرية، الأمر الذي أجبر الرئيس بوتفليقة على تقديم استقالته في الثاني من أبريل 2019.
وبرغم التعديلات الهامة التي عرفها الدستور الجزائري عام 2020؛ استجابةً للحراك الشعبي الجزائري، على غرار تحصين الحريات العامة، وتقوية مركز رئيس الحكومة، ودعم مبدأ استقلالية العدالة، وتعويض المجلس الدستوري بالمحكمة الدستورية، وكذا إعادة صياغة النص الدستوري المتعلق بتحديد العهدة الرئاسية في عهدتين فقط؛[30] فإن هذا الدستور لا يرقى ليصبح قانونًا حقيقيًا يعكس إرادة الشعب الجزائري باعتباره مجرد أداة طيعة بيد المؤسسة العسكرية التي تظل المصدر الرئيسي للسلطة بالجزائر، وذلك بالرغم من نصّ المادة السابعة من الدستور على كون الشعب هو مصدر كل السلطات، وبرغم تأكيد الرئيس عبد المجيد تبون أن الإصلاح الدستوري لعام 2020 يتوافق مع متطلبات بناء دولة حديثة.[31]
نظام انتخابي عادل وملائم
يعتبر النظام الانتخابي مؤشرًا هامًا لقياس إرادة الإصلاح السياسي في الديمقراطيات الحديثة،[32] ويمكن القول أن توفر نظام انتخابي يعمل على تحقيق تمثيل عادل لكافة مراكز القوى داخل المجتمع، يعد أساسيًا لضمان الفاعلية الوظيفية للانتخابات. ولابد من اختيار نظام انتخابي يتلاءم مع الظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية للدولة، ويتماشى مع تركيبة المجتمع، ويراعي حقوق الأقليات الإثنية، ويضمن مشاركة عادلة لجميع فئات المجتمع في اتخاذ القرار.
في الديمقراطيات الناشئة، وفي البلاد التي تعيش مرحلة تحول ديمقراطي وتشهد حالة من الانقسامات الاجتماعية الحادة، يكون نظام التمثيل النسبي أكثر فاعلية، كونه يعمل على دمج كافة مكونات المجتمع في مؤسسات الدولة. فعملية إشراك جميع الجماعات المكونة للدولة أمر مفصلي وضروري لتدعيم النظام الديمقراطي، وإذا لم تتوفر فرصة متساوية أمام الجميع للمشاركة في اتخاذ القرار، قد تكون النتائج عكسية، وتزداد حالة الخلاف والصراع داخل المجتمع ويؤثر بالتالي على مسار التحول الديمقراطي.[33]
في تونس تمت إعادة هندسة النظام الانتخابي وفقًا لمتطلبات المرحلة الانتقالية ابتداءً من عام 2011 حيث تم اعتماد نظام التمثيل النسبي لانتخاب المجلس التأسيسي، الذي أوكلت له مهمة صياغة دستور جديد وتنظيم انتخابات تشريعية ورئيسية، وهو ما أتاح التمثيل السياسي لكافة أطياف المجتمع، وتمثيل الأحزاب الصغيرة ومشاركتها في الانتخابات،[34] ناهيك عن ضمان تمثيل للنساء في البرلمان دون الحاجة لاعتماد الكوتا، حيث تشكل المرأة التونسية حاليًا خمس وعشرين بالمئة من إجمالي مقاعده.[35] وقد ساهم القانون الأساسي الانتخابي الصادر عام 2014 في تحقيق هذا الوضع، حيث تفرض مادته الرابعة والعشرين تقديم القوائم الانتخابية على أساس المناصفة والتناوب بين النساء والرجال.
كما يساعد نمط الاقتراع وفق نظام التمثيل النسبي على عدم احتكار السلطة وتكوين حكومة تشاركية، وهو ما يوفر وقاية لهذه الديمقراطية حديثة العهد من الوقوع في فخ النظم «التسلطية الانتخابية» أو«التسلطية التنافسية» المنبثقة بدورها عن انتخابات حرة ونزيهة.[36] أما فيما يتعلق بالجهة المنظمة للانتخابات، فقد تم انتخاب هيئة مدنية مستقلة للإشراف على انتخابات 2011، ثم أول هيئة دستورية منتخبة وهي «الهيئة العليا المستقلة للانتخابات» للإشراف على الانتخابات التشريعية والرئاسية لعام 2014.[37]
وبخصوص المغرب، يمكن القول أنه على العكس من الحالة التونسية التي كانت الظرفية السياسية والاجتماعية تقتضي الاعتماد على نظام القائمة لضمان مشاركة واسعة لكل فئات المجتمع في العمليات الانتخابية بهدف إعداد الدستور وفق مقاربة تشاركية، فإن نمط الاقتراع الحالي القائم على التمثيل النسبي مع أكبر البقايا ساهم في إحداث عدم استقرار سياسي، وحال دون إفراز أغلبية منسجمة قادرة على تشكيل حكومة متضامنة ومنسجمة ومستقرة قادرة على تنفيذ برامجها. ويمكن القول أن نظام التمثيل النسبي المعتمد في المغرب يُمّكن القيادات الحزبية من التحكم في الأدوات الحزبية بشكل أحادي، من خلال تعيين وكلاء اللوائح والتحكم في اللائحة الوطنية للنساء والشباب، وهو ما يتعارض مع مبادئ الديمقراطية. كما يشجع الاعتبارات القائمة على أساس عائلي، عرقي، أو مصلحي في حسم الولاء للقيادة الحزبية. وطبقًا للتجربة المغربية، فإن نظام القائمة لم يحقق الغاية المرجوة منه المتمثلة في زيادة نسبة المشاركة في الانتخابات كما هو الحال في بعض التجارب الدولية، ولم يقلص من عمليات شراء الأصوات.[38]
من جهة أخرى، ورد في الدستور المغربي أن «الانتـخابات الحرة والنزيهة والشفافة هي أساس مشروعية التمثيل الديمقراطي. السلطات العمومية ملزمة بالحياد إزاء المترشحين… وتسهر السلطات المختصة بتنظيم الانتـخابات على تطبيقها».[39] لكن السؤال المطروح هو: ما المقصود بالسلطات المختصة؟ وكيف يتم ضمان نزاهة الانتـخابات؟ ولماذا لا يشرف قضاء مستـقل على تنظيم الانتـخابات؟ كلها تساؤلات لا يجيب عنها الدستور الحالي. هكذا تواصل وزارة الداخلية احتكار الإشراف على العمليات الانتـخابية والاستـفتائية، دون الأخذ بعين الاعتبار بالأصوات الداعية لإنشاء هيئة وطنية مستقلة لتنظيم الانتخابات، كما هو الشأن في تونس (هيئة منتخبة) أو الجزائر (هيئة معينة). وربما ساهم الاستقرار السياسي الذي يشهده المغرب في عدم تلبية النظام السياسي لهذا المطلب.
وارتباطًا بالانتخابات المزمع تنظيمها في أكتوبر القادم، كان المأمول هو إصلاح نمط الاقتراع باعتباره مدخلًا من مداخل الإصلاح السياسي، وذلك عبر التخلي على نظام التمثيل النسبي، الذي كانت الغاية الأساسية منه هي بناء الثقة بين الفاعلين السياسيين، والدفع في اتجاه الوضوح السياسي من خلال اعتماد الاقتراع الفردي على دورتين، وهو ما سيمكن من تقريب المواطن من المؤسسات المنتخبة وتقوية «الأداة الحزبية» وقيام تحالفات حزبية متينة قائمة على تقارب البرامج والأيديولوجيا مما سيؤدي إلى بروز ثنائية قطبية بين أحزاب محافظة وأخرى تقدمية.
إلا أن التعديلات الجديدة على القوانين الانتخابية التي أقرها البرلمان في مارس الماضي، والتي اهتمت بالخصوص بتوسيع الاقتراع الفردي –بدعوى تكريس «ديمقراطية القرب» – واعتماد القاسم الانتخابي الجديد الذي بموجبه تصبح أصوات الفئات التي فضلت عدم المشاركة في الانتخابات محتسبة في تشكيل النتائج،[40] هذه التعديلات تخرج الانتخابات القادمة من سياق الإصلاحات السياسية، وتحولها لمجرد أداة لعرقلة الانتقال الديمقراطي. فبرغم إقرار المحكمة الدستورية بمشروعية القاسم الانتخابي الجديد، فإن عددًا من قياديي الحزب الإسلامي (حزب العدالة والتنمية) الذي يترأس الحكومة يعتبرونه انقلابًا على الديمقراطية، ومسًا بجوهر العملية الديمقراطية وإضعافًا للمؤسسات المنتخبة على حد تعبير رئيس الحكومة سعد الدين العثماني، وحسب تأكيدهم فإن القاسم الانتخابي بصيغته الجديدة يعد نوعًا من التحكم القبلي بهدف منعهم من تصدر الانتخابات المقبلة، وعملية موجهة «من أجل صناعة أوضاع غير ديمقراطية تعيد المغرب عقودا إلى الخلف»، إضافةً إلى أنه «تعديل شاذ لا أساس له في التجارب الدولية المقارنة»، وهو ما سيكرس تعددية حزبية «شكلية» تتكون من أحزاب سياسية ضعيفة غير قادرة على اتخاذ القرار.[41]
وفي الجزائر، تعد مسألة اختيار النظام الانتخابي من أكثر المسائل إثارة للنقاش في عملية الإصلاح السياسي، وبموجب قانون الانتخابات الجديد الذي أقره الرئيس الجزائري في مارس الماضي، سيتم الاعتماد في الانتخابات التشريعية والبلدية المزمع تنظيمها في يونيو 2021 على نظام التمثيل النسبي بالقائمة المفتوحة، الذي يسمح للناخب بترتيب المرشحين داخل القائمة الواحدة حسب رغبته، بخلاف نمط الاقتراع بالقائمة المغلقة المعتمد سابقًا، حيث كان يفرض على الناخب اختيار القائمة وفق الترتيب الذي وضعه الحزب دون أن يكون له حق التصرف فيها. كما يشترط القانون الجديد –الذي يعد متقدمًا مقارنةً مع نظيره المغربي– أن تتضمن كل قائمة خمسون بالمئة ممن تقل أعمارهم عن أربعين عامًا وثلاثة وثلاثون بالمئة من ذوي الشهادات الجامعية.[42]
ومع كل الإيجابيات التي حملها قانون الانتخابات الجديد، إلا أنه أثار نقاشات واسعة بعدما نص على احتساب «الأوراق البيضاء» أو «الأوراق الملغاة» خلال عمليات الفرز في الانتخابات المقبلة، معتبرًا أن الناخب الذي وضع ورقة فارغة قد منح صوته لجميع أفراد القائمة بالتساوي، وهو ما اعتبر خطوة استباقية من قبل النظام السياسي لقرار المقاطعة المتوقع أن يكون واضحًا وفارقًا في الاستحقاقات الانتخابية ليونيو المقبل.[43]
وفيما يخص الإشراف على العمليات الانتخابية، تم للمرة الأولى في تاريخ الجزائر منذ استقلالها عن فرنسا عام 1962، إنشاء هيئة مستقلة تُعنى بتنظيم ومراقبة الانتخابات وهي «السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات» التي تضم خمسون عضوًا من مؤسسات المجتمع المدني بينهم فقط أربعة قضاة. لكنها بصلاحيات محدودة، وينظر إليها كهيئة غير دستورية على اعتبار أن الدستور المعدل عام 2016 أقر إحداث هيئة عليا مستقلة لمراقبة الانتخابات،[44] بشروط تختلف عن الهيئة الحالية التي جرى تشكيلها وتعيين أعضائها في مدة لم تتجاوز أسبوعًا واحدًا، ما اعتبره البعض مناورة من المؤسسة العسكرية لإنجاح الانتخابات الرئاسية التي نظمت في الثاني عشر من سبتمبر عام 2019، وضمان مشاركة واسعة فيها.
ويعتقد الكثيرون أنه إذا كان أحد المطالب الرئيسية للاحتجاجات الشعبية التي عرفتها الجزائر عام 2011 هو تحويل صلاحيات تنظيم الانتخابات إلى سلطة مستقلة تتولى الإشراف على كافة المراحل المتعلقة بالاقتراع، فإن المؤسسة العسكرية صاحبة القرار السياسي والمتحكمة في كل مفاصل الدولة،[45] تدرك جيدًا أنه حتى وإن استجابت لهذا المطلب فذلك لن يغير في الواقع شيئا على الأقل في المدى المتوسط، مادامت هي من يختار أعضاء هذه اللجنة المستقلة،[46] وهي من يتحكم في الإدارة المنسقة لعملية الانتخابات.[47]
سلطة قضائية مستقلة
يُعد توفر سلطة قضائية نزيهة أحد الشروط الأساسية الواجب توفرها قبل مباشرة العمليات الانتخابية، لما تتمتع به من استقلالية وحيادية عن بقية السلطات، الأمر الذي يُمكّنها من ممارسة عملها في الإشراف على العمليات الانتخابية والاستفتائية وتأطير وتنظيم مجرياتها بعيدًا عن تأثيرات وتجاذبات السلطتين التشريعية والتنفيذية، إلا أن واقع الحال يؤكد أن السلطة القضائية في غالبية الدول المغاربية غير مستقلة، ولا يمكن أن تمثل ضمانة لإجراء انتخابات ديمقراطية ونزيهة.
بالنسبة لتونس، فلضمان نزاهة العملية الانتخابية تم تشكيل لجنة مستقلة تعنى بالانتخابات وتقوم بالإشراف عليها، في ظل تحييد للسلطة القضائية والحد من تدخلها في عملية بناء النظام الديمقراطي، إلى أن يتم إصلاح هذه السلطة وتطهيرها من الفساد لضمان مساهمتها بفاعلية في بناء الدولة الحديثة وضمان عدم تحيزها. وهي خطوة اعتبرت غاية في الأهمية وأضفت مصداقية حقيقية على العملية الانتخابية.
وفيما يخص المغرب فإن الأحكام القاسية الصادرة بحق معتقلي الحراك الريفي والمحاكمات الأخيرة لبعض الصحفيين تظهر أن القضاء المغربي لا يزال خاضعًا للسلطة التنفيذية رغم تأكيد الفصل 107 على استقلاليته. وعلى الرغم من التقدم الذي تم إحرازه على هذا المستوى، فإن السلطة القضائية ليست حامية للدستور ولا يمكن اعتبارها ضامنة للحريات الفردية والجماعية وعلى ضوء تحليل هيكلة السلطة القضائية في الدستور الجديد، يمكننا الاستنتاج بأنها ترتبط ارتباطًا عميقًا بسلطة الملك بصفته رئيس الدولة وأمير المؤمنين، وتصدر الأحكام وتُنفذ باسم الملك، رغم أن الدستور الجديد أضاف عبارة «طبقاً للقانون»، وهو ما يعتبر إيجابيًا في حد ذاته.[48]
أما في الجزائر، فرغم أن المادتين 156 و166 من الدستور الجزائري المعدل عام 2016 تضمنان استقلال القضاء وحماية القاضي من كل أشكال الضغوطات والتدخلات التي تمس نزاهة حكمه، وهو ما ترسخ أكثر من خلال الإصلاح الدستوري لعام 2020،[49] فإن طريقة تعامل القضاء مع معتقلي الرأي وبعض رموز المعارضة السياسية، ثم سرعة إصدار الأحكام القضائية في حق رموز النظام السابق بغرض احتواء غضب الشارع، يُظهر مدى حجم تحكم المؤسسة العسكرية في السلطة القضائية.
مجتمع مدني قوي
تلعب مؤسسات المجتمع المدني دورًا كبيرًا في إنجاح عملية الانتقال الديمقراطي وضمان تنظيم انتخابات ديمقراطية تشكل آلية حقيقية لتدعيم البناء الديمقراطي، من خلال وجود منظمات وجمعيات تنشأ بالإرادة الطوعية الحرة للأفراد، مستقلة –نسبيًا– عن السلطة، وقادرة على مراقبة العملية الانتخابية وضمان نزاهتها، والنهوض بالوعي الثقافي لأفراد المجتمع. وقد أصبح مفهوم المجتمع المدني لازمة ضرورية في كل مناسبة يطرح فيها النقاش حول مواضيع الديمقراطية والإصلاح السياسي، وهو ما يبدو طبيعيًا بالنظر لدور مؤسسات المجتمع المدني في تنمية ثقافة المشاركة السياسية وإكساب المواطنين خبرة الممارسة الديمقراطية بما يدعم قيم التحول الديمقراطي.[50]
إلا أن الدول السلطوية بما فيها غالبية الدول المغاربية، باحتكارها للسلطة وافتقارها للأدوات التنظيمية التي تمكنها من تعبئة المجتمع، تسعى دائمًا للسيطرة على مؤسسات المجتمع المدني وإخضاعها لرقابتها من خلال سياسات المنح والمنع التي تمارسها إزاءها. ويضُاف إلى ذلك لجوء هذه الدول –من خلال اتباع أساليب معينة– إلى تعيين رؤساء ومديري تلك المؤسسات من الأشخاص الموالين لها أو القادرين على توجيه سياسات المؤسسة أو المنظمة بما يخدم مصالح النظام السياسي القائم. ولا تكتفي الدول بهذه الممارسات بل تستغل أيضًا سيطرتها على وسائل الإعلام لحجب نشاط بعض مؤسسات المجتمع المدني وإظهار نشاط البعض الآخر.[51]
بالنسبة لتونس، يعتبر الكثيرون أن دور المجتمع التونسي كان حاسمًا في إنجاح الانتقال الديمقراطي، وهو ما بدا واضحًا في نهاية عام 2013 قبل إجراء انتخابات 2014 حين تقدم الاتحاد العام التونسي للشغل واتحاد الأعراف ورابطة حقوق الإنسان والهيئة الوطنية للمحامين بمبادرة الحوار الوطني التي أنقذت تونس من أزمة كانت ستسقطها في فوضى عارمة وستقضي على آمال التونسيين في التغيير والإصلاح.[52]
ويتساءل البعض عن إمكانية الحديث عن قابلية المجتمع التونسي للتحول السياسي، خاصةً مع انتشار ثقافة المواطنة وإضعاف الانتماءات الطائفية والقبلية،[53] وهو ما يفسر تصويت الأفراد في الانتخابات التونسية وفق البرامج السياسية وليس الانتماءات القبلية. فقد جرت الانتخابات في تونس أعوام 2011، 2014 و 2019 على أسس تنافسية محكومة بقواعد العمل السياسي، والصراع ما بين النخب كان صراعًا على المصالح السياسية من خلال برامج وأفكار بعيدًا عن الصراعات الطائفية أو القبلية، ويعود ذلك للتحديث الذي تعرض له المجتمع التونسي، وتمدين المجتمع من خلال إحلال القانون وبناء العلاقات داخل المجتمع على أساس المواطنة، وبناء المؤسسات الاجتماعية التي ساهمت في صهر مكونات المجتمع داخل أطر مدنية، كان لها دور كبير في إضعاف سيطرة القبيلة، وساهم في زيادة فاعلية العملية الانتخابية، وجنبت البلاد الانقسام والصراع المجتمعي، وحصرت الخلافات ما بين الأحزاب والتكتلات السياسية على السلطة.[54]
في هذا الإطار يرى الأستاذ «عبد الله العروي» أن تونس بمجتمعها المتميز بالعقلنة والعلمنة كانت دائمًا أقرب إلى دولة عصرية على الشاكلة الأوروبية. وما ساعد على هذا الوضع هو تبني الدولة التونسية لوحدة التعليم بهدف الوصول إلى إرساء منظومة تربوية عصرية غير نخبوية، وتجنب إقامة نوع من الازدواجية في التعليم.[55] وإذا كانت نسبة استقطاب التلاميذ في المؤسسات الابتدائية والثانوية الخاصة في المغرب تقارب 13.7% ،[56] فإنها تنخفض في تونس إلى حوالي 7.8%، [57] وهو النموذج التونسي الذي اعتبره وزير التربية الوطنية المغربي مثالًا يُحتذى به.
ويؤكد مجموعة من الباحثين أن المعتقدات (بما فيها الدينية) والقيم والمواقف العامة لها تأثير كبير على طبيعة الأنظمة السياسية ومآلات التغيير والإصلاح. وهو ما بدا واضحًا في الحالة التونسية ففي أقل من عشرة أشهر، انتقلت تونس من الحكم الاستبدادي إلى انتخابات حرة ونزيهة وشفافة.[58] ويتساءل آخرون إن كان مرد النجاح النسبي الظاهر حتى الآن للانتقال الديمقراطي في تونس يعود إلى دور المرأة ووزن «الإرث البورقيبي». فقد كان للمرأة التونسية دور أساسي في فوز «الباجي القائد السبسي» رئيس حزب «نداء تونس» بالرئاسة في الانتخابات التي جرت عام 2014 بنسبة 68.55% أمام منافسه المنصف المرزوقي، الذي كان مرشح مناصري الثورة المستمرة والصف الإسلامي –وإن لم يكن ذلك بصفة علانية– فقد صوّتت مليون امرأة من جملة المليون وسبعمائة ألف لمصلحة «الباجي قائد السبسي».[59]
تبعًا لكل ذلك يمكن القول أن قوة وفعالية مؤسسات المجتمع المدني التونسي ساهمت كثيرًا في جعل تونس الاستثناء العربي الوحيد، ويعود الفضل في ذلك إلى مرحلة التحديث العلماني القسري على النمط البيسماركي أو التركي في كل مجالات الحياة بما فيها الديني، خلافًا للبلدان العربية والمغاربية الأخرى مثل المغرب والجزائر التي اقتصر فيها التحديث على الجانب الهيكلي أو الاقتصادي، دون مساس بمنظومة القيم.[60]
بالنسبة للمغرب، يُعد المجتمع المدني مجتمعًا نخبويًا بامتياز؛ حيث لم يتجذر بعد ليصبح واقعًا جماعيًا برغم كافة الإنجازات التي حققها، خاصةً في مجال حقوق الإنسان. كما لا يشكل المجتمع المدني المغربي بنية مستقلة حتى أنه يعد «مجتمعًا مفبركًا» إلى حد ما نتيجة ظهور مجموعة من منظماته بقرار فوقي دون الأخذ بعين الاعتبار خصوصية وطبيعة البيئة المحلية، مما أفرز لنا مفهومًا غامضًا من الناحية النظرية، وغائبًا تقريبًا من الناحية العملية.[61] هكذا، لا يؤثر المجتمع المدني في المجتمع السياسي بشكل عام، حيث يظل موجهًا ومتحكَمًا فيه بشكل كبير، ما يجعل منه مجتمعًا غير فاعل لا يتجاوز مرحلة الانتقاد في أحسن الحالات، ولا يؤثر في عملية اتخاذ القرار السياسي وصناعة السياسات العامة، فأغلب مؤسسات المجتمع المدني في المغرب تابعة للسلطة بشكل أو بآخر.
وما يقال عن المغرب ينطبق تقريبًا على الجزائر حيث يعاني المجتمع المدني من الضعف والعجز عن إعادة إنتاج نفسه في استقلالية عن السلطة/الدولة.[62] وهو ما يبدو طبيعيًا في ظل المشاكل التي يتخبط فيها؛ حيث يعاني المجتمع المدني الجزائري من أزمة هوية ترجع جذورها إلى مرحلة الاحتلال الفرنسي، ومن أزمة مشاركة ناتجة عن عدم رغبة النخبة الحاكمة في إشراك قوى المجتمع المدني في الحياة السياسية المحتكَرة من طرف المؤسسة العسكرية، وكذا من أزمة تكامل تتجلى في خطورة الطابع الانقسامي للمجتمع الجزائري المتميز بسيطرة البنى التقليدية. ولا تساهم المساعدات المادية التي تقدمها الدولة إلا بشكل محدود في تدعيم مؤسسات المجتمع المدني، طالما أن غرضها الأساسي هو السيطرة والاحتواء، من خلال تقديم دعم مالي تفضيلي وفق معادلة الاقتراب والابتعاد من السلطة، ما يُبقي أغلب مؤسسات المجتمع المدني الجزائري في حالة تبعية دائمة للدولة.[63]
أية مساهمة للانتخابات في مسلسل الإصلاحات السياسية والدستورية؟
في ضوء ما سبق، يمكن القول أن البيئة السياسية والاجتماعية والقانونية السليمة والممارسات الديمقراطية الواجب توفرها قبل تنظيم العمليات الانتخابية والاستفتائية قد توفرت إجمالًا في الحالة التونسية، خاصةً فيما يخص دستور توافقي ومجتمع مدني ناضج وفاعل، وهو ما كان حاسمًا في جعل الانتخابات التونسية آلية حقيقية لتدعيم البناء الديمقراطي. بالمقابل افتقدت التجربتين المغربية والجزائرية للشروط الضرورية اللازمة لإجراء انتخابات تمثل بحق أداة للانتقال الديمقراطي الناجح، وهو ما يبدو واضحًا في نتائج وإفرازات الانتخابات في هذه الدول، إلى الحد الذي تحولت معه إلى أداة لتعثر مسلسل الإصلاحات السياسية والدستورية بالمغرب، أو حتى إلى وسيلة بغرض إعادة إنتاج النظام لنفسه كما هو حال الجزائر.
تونس
اعتبرت الانتخابات التونسية –التشريعية والرئاسية– في جميع مراحلها آلية فعالة لإعادة البناء المؤسساتي والقانوني للدولة التونسية، في ظل حالة من التوافق ما بين النخب السياسية على ملامح الدولة التونسية الحديثة، ومشاركة جميع فئات المجتمع في وضع تفاصيل عملية الانتقال الديمقراطي في فهم ووعي سياسي لأدبيات التحول. ولقد ساهمت هذه الانتخابات المستقلة والنزيهة في دخول تونس مرحلة «ما بعد التحول» أي ما يسمى في أدبيات التحول الديمقراطي بـ «تدعيم الديمقراطية».[64] وهو الأمر الذي تجلى بوضوح من خلال انتخاب رئيس بشكل ديمقراطي لا ينتمي إلى الحرس القديم ولا إلى رموز الفساد.
فبعد وفاة الباجي قائد السبسي الذي تم انتخابه عام 2014 في أول انتخابات رئاسية حرة بعد ثورة الياسمين، تم تنظيم انتخابات رئاسية دخل غمارها الأكاديمي قيس سعيد، المناهض الشرس للنظام السابق والداعم القوي لمطالب الثورة التونسية، بتمويل ذاتي بسيط معتمدًا في حملته الانتخابية على مجموعة من المتطوعين الشباب، دون ماكينات إعلامية ولا تكتلات سياسية. وقد كان فوز المرشح المستقل قيس سعيد بالأغلبية الساحقة (72.17%)،[65] في الدورة الثانية من الانتخابات الرئاسية المنظمة في أكتوبر 2019، بمثابة إحياء لآمال الثورة التونسية.
ومن مظاهر مساهمة الانتخابات في إنجاح عملية الانتقال الديمقراطي في تونس إتاحة وسائل الإعلام أمام جميع المتنافسين وفتح المجال أمام جميع أفراد المجتمع للاطلاع على برامج المرشحين والتعرف على أفكارهم من أجل اختيار أفضلهم لحكم البلاد. هكذا تم تنظيم مناظرة بين مرشحين رئاسيين نُقلت مباشرة على شاشات التلفزيون، ما اعتُبر مبادرة ديمقراطية نادرة في العالم العربي، ومنطلقًا أساسيًا لإرساء تقليد ديمقراطي عريق اعتمدته الديمقراطيات المقارنة على مستوى الاستحقاقات الانتخابية الرئاسية بالنظر إلى حجم تأثيراته الإيجابية. لتكون الانتخابات التونسية قد نجحت بذلك في اقتحام حيز ظل حكرًا على النظم الديمقراطية، وتكون تونس قد خطت خطوة إضافية هامة لتثبيت دعامات المسار الصحيح للانتقال الديمقراطي من خلال هذه التجربة الفريدة والدالة على الرغبة في تكريس ثقافة انتخابية جديدة قائمة على الانفتاح والحوار.[66]
المغرب
رغم إجرائها وفق معايير تقنية وقانونية سليمة إلى حد كبير،[67] لم تُسهم الانتخابات في المغرب في إنجاح عملية الانتقال الديمقراطي، وتم إفراغها من مضمونها منذ انتخابات 2011 التشريعية إلى درجة لا يمكن معها الفصل بين العمليات الانتخابية ومشكلات الانتقال غير المكتمل. وإضافة إلى غياب مجموعة من عناصر البيئة السياسية والقانونية السليمة الواجب توفرها قبل إجراء الانتخابات، فإن العديد من المؤشرات، أوضحت أن هناك نية لاستغلال نفوذ النظام السياسي المغربي لتوجيه إرادة الناخبين وضبط مخرجات انتخابات 2016 تحديدًا، بما يخدم مصالحه ورهاناته.[68]
وإذا كانت كل مرحلةِ انتقال ديمقراطي تُنتج معجمَها الخاص وأبجدياتها القانونية والتنظيمية، كما تفرز فاعلين جدد في الميادين السياسية والاجتماعية، وتفسح المجال لتأكيد حضور فئات اجتماعية جدية على غرار المرأة والشباب، فإنه يمكن القول أنه من بين مؤشرات فشل الانتخابات في المغرب ضعف مشاركة المرأة في الحياة السياسية، ما اتضح في تشكيلة الحكومة الجديدة المعينة في أكتوبر 2020، حيث لم تتعد نسبة حضور المرأة في هذه الحكومة سبع عشرة بالمئة، ما يخالف مقتضيات الدستور المغربي الذي يؤكد على المساواة بين الرجل والمرأة،[69] ويجعل المرأة المغربية بعيدة كل البعد عن صنع القرار السياسي، خاصة في ظل عدم تقلد الوزيرات المعينات مناصب ما يعرف بوزارات السيادة أو حتى وزارات القطاعات الاستراتيجية.
وبعد أن لعب الحراك الشعبي الذي عرفه المغرب مع حركة «20 فبراير» دورًا أساسيًا في تراجع دور النخب التكنوقراطية،[70] حيث أعادت انتخابات الخامس والعشرين من نوفمبر عام 2011 للأحزاب السياسية مكانتها في الهندسة الحكومية، وتخلت الدولة لأول مرة في تاريخها عن وزارتي الداخلية والخارجية لصالح وزراء حزبيين، عاد التكنوقراط من جديد للساحة السياسية بحضورهم المؤثر في الحكومة الجديدة التي جرى تعيينها في أكتوبر 2019 حيث بلغت نسبتهم 37.5% من مجموع الوزراء (أكثر من سبعة وزراء)، يشغلون كلهم وزارات السيادة والقطاعات الاستراتيجية، ما يمثل ارتدادًا جديدًا نحو أسلوب «الحكم غير المسيس» الذي انتهى نظريًا مع بروز الثورات العربية وكتابة دستور 2011،[71] بشكل يدفعنا للتساؤل عن الفاعلية الوظيفية للانتخابات ودورها في مسلسل الإصلاحات السياسية في المغرب.
نتساءل أيضًا عن دور الحكومة المنبثقة نظريًا عن هذه الانتخابات في ظل الخلق المستمر لمجموعة من المؤسسات العمومية والهيئات واللجان التابعة مباشرة للمؤسسة الملكية، بشكل يجعل منها حكومة تصريف أعمال بعيدة كل البعد عن وضع السياسات العامة المحددة في برامجها الانتخابية أو المشاركة في اتخاذ القرارات المصيرية.
الجزائر
بالنسبة للجزائر، تعد المؤسسة العسكرية أكبر عائق يحول دون تحقيق تحول ديمقراطي حقيقي، إذ تعتبر نفسها وصية على هذا التحول؛ خدمةً لمصالحها وحفاظًا على امتيازاتها،[72] ويعتقد غالبية المتظاهرين في الحراك السلمي أن هذه الانتخابات هي «تكريس للثورة المضادة وعودة لرموز نظام الرئيس السابق».
في الحقيقة فإن النظام الجزائري كان يسعى فقط من وراء تنظيم الانتخابات إلى دفع المتظاهرين للعودة إلى منازلهم. وبالفعل استطاعت السلطة أن تتفادى في ظل الدستور الحالي، وقانون الانتخابات الحالي، وتشكيلة الجهاز البيروقراطي أية مفاجأة انتخابية. وأثبتت الانتخابات في النهاية أن النظام أعاد فقط إنتاج واجهته المدنية،[73] من خلال انتخاب رئيس يُشكل رمزًا من رموز النظام الحالي.
برزت عدة مؤشرات دالة على نية المؤسسة العسكرية توظيف الانتخابات كأداة لمنع الإصلاحات السياسية التي يطالب بها الحراك، وضمان العودة الشرعية لرموز النظام السابق، فجميع المرشحين للانتخابات الرئاسية كانوا من الحرس القديم ومن «العهد البوتفليقي». وقد تسبب هذا الوضع في مقاطعة واسعة للانتخابات، خاصةً في منطقة القبائل. هكذا أشعلت الانتخابات الحراك الجزائري وبدلًا من كون الانتخابات مفتاحًا لحل الأزمة اعتبرت بداية لأزمة جديدة.
وكانت النتيجة أن أفرزت الانتخابات في الجزائر رئيسًا يبلغ من العمر خمسة وسبعين عامًا، ويرأس حكومة يشك عدد كبير من الباحثين في قدرتها وامتلاكها الصلاحية لممارسة السلطة وإقرار سياسات جديدة تعكس فعلا حالة الانتقال إلى الديمقراطية، فضلًا عن وجود قوى تنازع السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية صلاحياتها واختصاصاتها. وطبعًا تأتي المؤسسة العسكرية في مقدمة هذه القوى، ويكفي هنا استحضار الجنازة المهيبة التي خُصصت لرئيس أركان الجيش الجزائري قايد صالح على شاكلة رؤساء الدول للتأكد من حقيقة من يمسك بالقرار السياسي في الجزائر، إلى درجة نتساءل معها عن الفاعلية الوظيفية للانتخابات الجزائرية.
خاتمة
لم تساهم الانتخابات في إنجاح عمليات الانتقال الديمقراطي في أغلب الدول المغاربية بعد أن فشلت في حجز موقع جوهري لها في الأنظمة السياسية القائمة، حتى أن آليات تشكيل الحكومات ظلت منفصلة –في الواقع– عن نتائج الانتخابات، لا تتأثر بها أو تتقرر في ضوئها. لكن المشكلة لا تكمن في الانتخابات بل في السياق الذي تجري فيه، والذي قد يعمل على تشويه أدائها وفاعليتها ويحولها من آلية لتدعيم البناء الديمقراطي إلى أداة لتعثر هذا البناء. فالانتخابات أداة لتطبيق المبادئ الديمقراطية، هذه المبادئ لا بد أن تسبق أية عملية انتخابية لضمان تحقيقها لأهدافها الوظيفية المتمثلة أساسًا في ضمان تداول سلمي حقيقي للسلطة.
ويمكن القول أن الانتخابات فشلت في إحداث تغيير سياسي حقيقي، ولم تسهم في تدعيم بناء أنظمة ديمقراطية في معظم الدول المغاربية التي عرفت تحولات سياسية ودستورية تزامنًا مع ثورات الربيع العربي؛ وذلك بسبب إجرائها في ظل بيئة سياسية وقانونية واجتماعية غير ملائمة، اتسمت بغياب العديد من الممارسات الديمقراطية الضرورية لدعم الفاعلية الوظيفية للعمليات الاستفتائية والانتخابية.
وينطبق هذا الوضع على المغرب والجزائر، حيث لم تتهيأ الشروط اللازمة لتحقيق الغايات المرجوة من وراء تنظيم الانتخابات، رغم إجراءها وفق معايير تقنية سليمة، وتم توظيفها كأداة للتحكم لا كوسيلة للتغيير؛ ما أدى في النهاية إلى عدم اكتمال الانتقال الديمقراطي في المغرب، وإلى إفراغ الانتخابات من مضمونها في الجزائر بعد إعادة إنتاج النظام السياسي لنفسه. بالمقابل، ساهم توفر دستور تقدمي وديمقراطي موضوع من قبل مجلس تأسيسي منتخب، ونظام انتخابي عادل، ومجتمع مدني قوي وحداثي، إضافةً إلى سلطة قضائية غير خاضعة لإملاءات السلطة التنفيذية وعلى درجة عالية من الاستقلالية، في جعل الانتخابات التونسية آلية حقيقية لإنجاح الانتقال الديمقراطي وتأسيس دولة الحق والقانون. فهل تكسب الانتخابات التونسية الرهان الصعب المتمثل في تدعيم بناء دولة ديمقراطية ومستقرة في الآن ذاته؟ وهل تعصف الانتخابات المزمع تنظيمها هذه السنة في المغرب والجزائر –دون رهانات سياسية حقيقية– بما تبقى من آمال التغيير والإصلاح؟
[2] مينيل، آلان (1996). التحول الديمقراطي: مفهوم إشكالي (Transition démocratique : un concept problématique). في لينيك هيربون (محرر)، التحولات الديمقراطية (Les transitions démocratiques). باريس: دار سيروس، 367.
[3] بليس أوكو، دوكبا (2016). تطورات القاعدة الانتخابية في الأنظمة السياسية الانتقالية: الانتخابات التشريعية في جنوب شرق أوروبا (Les évolutions de la règle électorale dans les systèmes politiques transitionnels:
les élections législatives en Europe du Sud-Est). بوردو: مطبوعات جامعة بوردو، 1.
[4] فريكوسي، روني (2011). المسارات عبر الوطنية للديمقراطية: الانتقال، التعزيز وزعزعة الاستقرار (Parcours transnationaux de la démocratie. Transition, consolidation, déstabilisation). بروكسيل: دار بيتير لانج، 47.
[5] هنتنغتون، صمويل (1993). الموجة الثالثة: التحول الديمقراطي في أواخر القرن العشرين (the Third Wave: Democratization in the Late Twentieth Century ). أوكلاهوما: مطبوعات جامعة أوكلاهوما، 68.
[6] بليس أوكو، دوكبا. مرجع سابق، 20.
[7] ماضي، عبد الفتاح (2007). مفهوم الانتخابات الديمقراطية، اللجنة العربية لحقوق الإنسان، غشت، تاريخ الاطلاع 11 يناير 2021، http://www.achr.eu/old/art220.htm
[8] كوبيدج، مايكل وآخرون (2011). تصور وقياس الديمقراطية: مقاربة جديدة (Conceptualizing and Measuring Democracy: A New Approach). مجلة بيرسبيكتيف أون بوليتيك، 2(9).
[9] طوّر الحكام أدوات وأساليب لتوجيه العمليات الانتخابية –أو ما يسمى في أدبيات السياسة بتكنولوجيا التلاعب «technology of manipulation» – بغرض تحقيق مقاصد غير تلك التي تُرجى من الانتخابات الديمقراطية، وعلى رأسها الحصول على الشرعية والتخفيف من حدة الضغوط المطالبة بالإصلاح. عن: ماضي، عبد الفتاح. مرجع سابق.
[10] ابراهيم الباز، ماجدة (2017). الانتخابات كآلية من آليات التغيير السياسي ودورها في إعاقة التحول الديمقراطي في العالم العربي. نابلس: مطبوعات جامعة النجاح الوطنية، 3.
[11] المرجع نفسه والصفحة ذاتها.
[12] يحتل مفهوم «الانتخابات الديمقراطية» موقع الصدارة في النظم الديمقراطية منذ أن عرف «جوزيف شومبيتر» عام 1950 الديمقراطية على أنها مجموعة من الإجراءات والمؤسسات التي يستطيع الأفراد من خلالها المشاركة في عملية صنع القرارات السياسية عن طريق التنافس في انتخابات حرة.
[13] توفبق إبراهيم، حسنين (2013). الانتقال الديمقراطي: إطار نظري. مركز الجزيرة للدراسات، 24 يناير. تاريخ الاطلاع 1 مارس 2021،
http://studies.aljazeera.net/files/arabworlddemocracy
[14] ماضي، عبد الفتاح. مرجع سابق.
[15] إبراهيم الباز، ماجدة. مرجع سابق، 12.
[16] عياش، عائشة (2016). الإسلام السياسي والتحول الديمقراطي في تونس: قراءة في تجربة حركة النهضة في الحكم. المركز الديمقراطي العربي، سبتمبر. تاريخ الاطلاع 7 أبريل 2021، https://democraticac.de/?p=37201
[17] اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (2015). ماذا تبقى من الربيع؟ مسار طويل نحو تحقيق العدالة الاجتماعية في المنطقة العربية: دراسة حالة مصر وتونس والمغرب. بيروت: منشورات الأمم المتحدة، 35-37.
[18] آمال، جمال، كينسيكي، آنا (2016). نظرية المنعطفات الحاسمة للدمقرطة: دراسة مقارنة لوضع الدستور في مصر وتونس (A Theory of Critical Junctures for Democratization: A Comparative Examination of Constitution-Making in Egypt and Tunisia). مجلة قانون وأخلاقيات حقوق الإنسان، 1، 38.
[19] يملك رئيس الحكومة بموجب الدستور التونسي لسنة 2014 استقلالية أكبر عن رئيس الدولة مقارنة مع دستور المغرب لسنة 2011.
[20] الرديسي، حمادي (2016). تونس بين تدعيم الديمقراطية وتفكك الدولة. مجلة سياسات عربية، 18، 17.
[21] طارق، حسن (2016). دستورانية ما بعد انفجارات 2011: قراءات في تجارب المغرب وتونس ومصر. المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، غشت. تاريخ الاطلاع 08 مارس 2021، https://www.dohainstitute.org/ar/BooksAndJournals/Pages/art738.aspx
[22] المصدق، رقية (2014). انجرافات السلطة التأسيسية (Les dérives du pouvoir constituant ). في عمر بندورو وآخرون، الدستور المغربي الجديد على محك الممارسة (La nouvelle Constitution marocaine à l’épreuve de la pratique). الدار البيضاء: دار النشر مفترق الطرق، 11،9.
[23] يرتبط مفهوم الاستراتيجية الدفاعية عند «ميشيل كروزيه» بسعي الفاعل للتخلص من ضغوط بقية الفاعلين، عبر الاحتماء داخل التنظيم والعمل على توسيع هامش حركته.
[24] يحيل مفهوم الإصلاح الدستوري على تغيير مهم في النسق الدستوري لدولة ما، ويهدف هذا التغيير إلى إحداث تحسينات لتطويره بالحد من اختلالاته وفق مقتضياته. في: ديحاميل، أوليفيي، ميني، إيف (1996). قاموس دستوري (Dictionnaire Constitutionnel). باريس: منشورات ب.ي.ف (PUF)، 1044.
[25] مدني، محمد (2014). دستورانية بدون ديمقراطية: صناعة وتنفيذ الدستور المغربي لسنة 2011 (Constitutionnalisme sans démocratie : la fabrication et la mise en œuvre de la Constitution marocaine de 2011 )، في كاتب غير محدد، الدستور المغربي الجديد على محك الممارسة (La nouvelle Constitution marocaine à l’épreuve de la pratique). الدار البيضاء: دار النشر مفترق الطرق، 35.
[26] المغروي، إدريس وآخرون (2012). دراسة نقدية للدستور المغربي للعام 2011. ستوكهولم: منشورات المؤسسة الدولية للديمقراطية والانتخابات، 6-7.
[27] ميدي، أدلين (2020). أي دستور لجزائر ما بعد بوتفليقة؟ (Quelle Constitution pour l’Algérie de l’après-Bouteflika ?). لو بوان، يناير. تاريخ الاطلاع 28 فبراير 2021، https://www.lepoint.fr/afrique/quelle-constitution-pour-l-algerie-de-l-apres-bouteflika
[28] حذاقة، عبد الحكيم (2020). الجزائر.. ما دلالات المقاطعة الواسعة لاستفتاء الدستور الجديد؟. الجزيرة، نونبر. تاريخ الاطلاع 17 فبراير 2021، www.aljazeera.net/news/politics/2020/11/2/
[29] نوري، إدريس (2019). الجزائر: انتخابات رئاسية أم إجهاض تحول ديمقراطي؟ مبادرة الإصلاح العربي، نوفمبر. تاريخ الاطلاع 4 مارس 2021، https://www.arab-reform.net/ar/publication/
[30] فيما نصت المادة الثامنة والثمانين من الدستور الجزائري المعدل عام 2016 على أن «مدة المهمة الرئاسية خمس (5) سنوات. يمكن تجديد انتخاب رئيس الجمهورية مرة واحدة»، كانت المادة نفسها من الدستور الجزائري المعدل عام 2020 أكثر دقة في تحديد العهدة الرئاسية؛ حيث جاء فيها: «مدة العهدة الرئاسية خمس (5) سنوات. لا يمكن لأحد ممارسة أكثر من عهدتين متتاليتين أو منفصلتين»
[31] بيريز، كارلوطا (2020). النقط الرئيسية للإصلاح الدستوري الجزائري (Les principaux points de la réforme de la constitution algérienne). أتالايار، سبتمبر. تاريخ الاطلاع 14 مارس 2021، www.atalayar.com/fr/content/
[32] زغوني، رابح (2016). النظام الانتخابي كمؤشر لقياس إرادة الإصلاح السياسي في ديمقراطيات الموجة الثالثة: الجزائر نموذجًا. مركز دراسات الوحدة العربية. تاريخ الاطلاع 2 مارس 2021، https://caus.org.lb/ar/
[33] ابراهيم الباز، ماجدة. مرجع سابق، 14.
[34] قارح، كنزة (2016). تأثير النظام الانتخابي على الانتقال الديمقراطي: دراسة حالة تونس 2011-2014. أم البواقي: رسالة ماجستير، كلية الحقوق والعلوم السياسية، 73-74.
[35] وبالرغم من أن هذه النسبة، التي حصلت عليها المرأة التونسية في أعقاب انتخابات أكتوبر 2019، تفوق المعدل العالمي لمشاركة المرأة في البرلمانات فإنها تمثل مع ذلك تراجعًا كبيرًا مقارنةً مع نتائج الانتخابات التشريعية لسنة 2014 حيث بلغت نسبة تمثيلية النساء حوالي %31.
[36] الرديسي، حمادي. مرجع سابق، 17.
[37] المرجع نفسه والصفحة ذاتها.
[38] الطويل، الجيلالي (2020). هل المغرب في حاجة للعودة لنمط الاقتراع الفردي؟. برلمان، فبراير. تاريخ الاطلاع 13 أبريل 2021، https://www.barlamane.com/
[39] الفصل 11 من الدستور المغربي لسنة 2011.
[40] تنص المادة 84 من القانون التنظيمي لمجلس النواب بعد التعديل على توزيع المقاعد على اللوائح الانتخابية بواسطة «قاسم انتخابي» يستخرج عن طريق قسمة عدد الناخبين المسجلين في الدائرة الانتخابية على عدد المقاعد المخصصة لها، وليس كما كان في السابق حيث كان يتم استخراج القاسم انتخابي عن طريق قسمة عدد الأصوات الصحيحة فقط بالدائرة الانتخابية على عدد المقاعد المخصصة لها.
[41] بناصرية، يوسف (2021). معركة «القاسم الانتخابي» في المغرب.. ما موقعه بالنسبة إلى الديمقراطية؟. تي.ار.تي عربي، 23 مارس. تاريخ الإطلاع 20 أبريل 2021، https://www.trtarabi.com/issues
[42] لحياني، عثمان (2021). الرئاسة الجزائرية تنشر القانون الانتخابي الجديد. العربي الجديد، 12 مارس. تاريخ الاطلاع 17 أبريل 2021، https://www.alaraby.co.uk/politics/
[43] ياحي، علي (2021). جدل حول كيفية احتساب الورقة البيضاء في انتخابات برلمان الجزائر. إندبندنت عربية، 25 مارس. تاريخ الاطلاع 19 أبريل 2021، https://www.independentarabia.com/node/205766/
[44] المادة 194 من الدستور الجزائري المعدل عام 2016.
[45] ع.أ.ح (2017). الجزائر ودور الجيش في السياسة.. هل انتهى زمن الانقلابات العسكرية؟. دوتش ويل، سبتمبر. تاريخ الاطلاع 9 مارس 2021، shorturl.at/aIMR9
[46] تنص المادة 201 من الدستور الجزائري المعدل عام 2020 على ما يلي: «يعين رئيس الجمهورية رئيس السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات وأعضاءها، لعهدة واحدة (1) مدتها ست (6) سنوات غير قابلة للتجديد».
[47] نوري، إدريس. مرجع سابق.
[48] مغراوي، إدريس. مرجع سابق، 46.
[49] المادتين 163 و172 من الدستور الجزائري المعدل سنة 2020.
[50] حسن، إيمان (2017). المجتمع المدني والدولة والتحول الديمقراطي: إطار نظري ومفاهيمي. المنامة: منشورات معهد البحرين للتنمية السياسية، 8.
[51] المرجع نفسه، 43.
[52] الرديسي، حمادي. مرجع سابق، 7.
[53] ابراهيم الباز، ماجدة. مرجع سابق، 143-144.
[54] المرجع نفسه والصفحة ذاتها.
[55] الداسر، امحمد (2017). التحول الديمقراطي في دول المغرب العربي. المركز الموريتاني للبحوث والدراسات الإنسانية، يوليوز. تاريخ الاطلاع 7 مارس 2021، http://mabdae.info/2017/07
[56] قسم الدراسات والإحصاء (2019). التربية الوطنية بالأرقام. وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي، 8،6،4.
https://www.men.gov.ma/Ar/Documents/Depliant18-19.pdf
[57] كاتب غير محدد (2019). إقبال متزايد على التعليم الخاص في تونس، ليدرز العربية، 28 ديسمبر. تاريخ الاطلاع 18 أبريل 2021،
https://ar.leaders.com.tn/article/5228
[58] آمال، جمال، كينسيكي، آنا. مرجع سابق، 10، 27.
[59] الرديسي، حمادي. مرجع سابق، 7،5.
[60] المرجع نفسه، 17.
[61] موزاي، بلال (2014). دور المجتمع المدني في عملية التحول الديمقراطي بالمملكة المغربية. مجلة الباحث للدراسات الأكاديمية، 2، 185-186.
[62] نوري، إدريس. مرجع سابق.
[63] مرزوقي، عمر (2015). المجتمع المدني والتحول الديمقراطي في الجزائر: إشكالية الدور. مركز دراسات الوحدة العربية. تاريخ الاطلاع 13 أبريل 2021، shorturl.at/nzDL4.
[64] لينز، جوان، ستيبان، ألفريد (1996). نحو ديمقراطيات راسخة (Toward consolidated democracies). مجلة الديمقراطية، 2، 15.
[65] قرار النتائج الأولية للدورة الثانية للانتخابات الرئاسية 2019، الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، أكتوبر. تاريخ الاطلاع 15 مارس 2021، www.isie.tn/ar/
[66] الزياني، عثمان (2019). تأثير المناظرات التلفزيونية في الانتخابات الرئاسية والممارسة الديمقراطية بتونس. مركز الجزيرة للدراسات، 7 أكتوبر 2019، https://urlz.fr/fthr
[67] تتمثل أهم هذه المعايير في: ضمان سرية الاقتراع، ضمان حرية الاقتراع يوم الانتخابات، ضمان حق المتنافسين في الإشراف على سير الانتخابات في دوائرهم من خلال مندوبيهم، ضمان حماية الدوائر الانتخابية من أي تدخل من أي جهة أو هيئة ما بغرض التأثير على الناخبين لصالح مرشح معين، شفافية ونزاهة عملية فرز الأصوات وإعلان النتائج وإعطاء مهلة مناسبة لتلقي الشكاوى.
[68] جرموني، رشيد (2016). المشهد السياسي بالمغرب بعد الانتخابات البرلمانية. سي.إن.إن، أكتوبر. تاريخ الاطلاع 5 مارس 2021، https://arabic.cnn.com/world/2016/10/12/rachid-jarmouni-opinion-morocco-elections
[69] أو.ل (2019). الحكومة الجديدة: وجود نسائي جائع (Nouveau gouvernement : Une présence féminine famélique ). فينانس، أكتوبر. تاريخ الاطلاع 12 مارس 2021، https://fnh.ma/article/actualite-politique/nouveau-gouvernement-une-presence-feminine
[70] تعد كلمة «التكنوقراط» كلمة يونانية الأصل، وهي مكونة من مقطعين هما: «تكني» بمعنى فني أو تقني و«كراتس» بمعنى سلطة أو حكم؛ وتحيل الكلمة إلى الحكم الفني الممارس عن طريق تأسيس حكومات يكون أغلب وزرائها غير حزبيين من أصحاب الخبرة والاختصاص في مجال ما، مثل: السياحة، الصناعة، الاقتصاد، الفلاحة، والطب؛ فتسمى بذلك حكومة تكنوقراطية أو حكومة كفاءات.
[71] جالي، مصطفى (2019). التكنوقراط والسياسة بالمغرب: تكامل للأدوار أم تهديد للاستقرار؟. مركز الجزيرة للدراسات، 3 أكتوبر، 4-5، https://urlz.fr/fthD
[72] الداسر، امحمد. مرجع سابق.
[73] نوري، إدريس. مرجع سابق.
Read this post in: English