تناقضات منهجية في فهم الريف المصري: إعادة النظر في التحديات التي تواجه النساء في المجال العام
الإشارة المرجعية: حسين، حسن (2022). تناقضات منهجية في فهم الريف المصري: إعادة النظر في التحديات التي تواجه النساء في المجال العام. رواق عربي، 27 (2)، 11-25. https://doi.org/10.53833/SDIK2735
خلاصة
رغم الجهود الملحوظة لإدماج المرأة في مختلف مناحي الحياة العامة، تُعَدّ مشاركة النساء الريفيات متدنية مقارنةً مع قريناتهن الحضريات، ومع الرجال عمومًا. تفترض هذه الورقة أن الشابات الريفيات يواجهن تمييزًا مضاعفًا: أولًا، من خلال حرمانهن من التمكين في مجال الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الأساسية التي تيسر مشاركتهن في الحياة العامة، وثانيًا، التمييز بسبب عدم إحاطة معظم الأبحاث بكامل التحديات التي تواجههن. بالاستعانة بالبحث النوعي الإثنوغرافي البنائي الذي أجريناه في ثلاث قرى ريفية في مصر، تستكشف هذه الدراسة واقع الشابات المحرومات وترصد التحديات الفريدة وغير المعترف بها التي يواجهنها على صعيد المشاركة في الحياة العامة. وفضلًا عن استعراض التحديات المشتركة بين معظم النساء، تُظهر الاستنتاجات التحديات الخاصة تحديدًا بالشابات الريفيات. وتشكّل بعض هذه التحديات عقبة مباشرة أمام مشاركة النساء في الحياة العامة، كالافتقار إلى بطاقة الهوية والزواج المبكر ومحدودية الحركة، بينما تفرض تحديات أخرى قيودًا غير مباشرة على مشاركتهن العامة، كالأعراف الاجتماعية وهجرة الأزواج وتكاليف الزواج.
مقدمة
تعد المشاركة المدنية في عمومها متدنية في أوساط المصريين؛ إذ أفاد ما نسبته 3.6 في المائة فقط من مجموع السكان سبق لهم التطوع. ولا تحظى الشابات اللواتي تتراوح أعماهن بين 18 و25 عامًا في ريف مصر، بوجه خاص، بقدر وافٍ من التمثيل في الأنشطة المدنية.[1] وخلص المسح الوطني، الذي أُجري مؤخرًا للشباب في مصر، لوجود فجوة واسعة بين الجنسين في مشاركة الشابات الريفيات؛ إذ تقتصر المشاركة على 1.5 في المائة من هؤلاء الشابات، مقارنةً مع 13.1 في المائة منها في أوساط الشباب.[2] وتعوق عدة عوامل مشاركة المرأة في الحيز العام، قد يكون بعضها مشتركًا بصرف النظر عن النوع الاجتماعي والموقع، من قبيل التعليم والدخل والطبقة. وتميل الدراسات التي تتناول المشاركة السياسية لتطبيق العوامل الاجتماعية والاقتصادية باعتبارها نموذجًا كميًا وتفسيريًا للسلوك من أجل تخمين المشاركة العامة وفهمها. فيما تنحصر عوامل أخرى في النساء الريفيات؛ كالثقافة والأعراف الاجتماعية وأدوار النوع الاجتماعي. وكما هو الحال في معظم المجتمعات السلطوية والأبوية المسلمة والعربية في الشرق الأوسط، تحظى الشابات في ريف مصر بهامش أقل بكثير من الحرية من الرجال، خاصةً فيما يتعلق بالقيود المفروضة على الحركة.[3] ويتسم هذا السياق بالتعقيد بحكم الدور الذي يؤديه الزواج باعتباره أحد أهم الأحداث الاجتماعية في حياة الشباب، لا سيما الشابات.[4] فبالنسبة للشابات في مصر، يُعدّ الزواج مؤشرًا على بلوغ سن الرشد، الذي يحظين فيه بالاعتراف باعتبارهن بالغات، ويحصلن فيه على بعض الفرص المواتية للمشاركة في الحياة العامة، في ظل قدر أقل من رقابة الأسرة وقيودها.[5] وتشكل قدرة الشابات المحدودة على الوصول إلى أحياز عامة آمنة في المناطق الريفية سببًا آخر في القيود الاجتماعية المفروضة على مشاركتهن في الحياة العامة.[6] وتقتضي دراسة هذه العوامل، التي تنحصر في النساء والسياق تحديدًا، اعتماد منهجية مناسبة لفهم الطريقة التي تعوق مشاركة النساء الريفيات فهمًا أفضل. وتثير الورقة أسئلة عما إذا كانت النساء الريفيات الأقل حظًا يواجهن تحديات إضافية تعطّل مشاركتهن العامة، مقارنةً مع الرجال وقريناتهن في المناطق الحضرية. وتُلقي هذه الورقة، التي توظف منهجية نوعية وبنائية مركبة، الضوء على بعض هذه العوامل غير المعترف بها لتوضيح طريقة عرقلة مشاركة النساء الأقل حظًا في ريف مصر، والتي قد لا تتطرق الأبحاث الكمية المنشورة إليها. وتوفر الورقة معرفة أصيلة بالطريقة التي تتصور فيها النساء الريفيات الأقل حظًا الصراعات المحددة التي تعوق مشاركتهن في الحياة العامة.
حسب المتعارف عليه في معظم الأدبيات، تُعدّ المشاركة الكاملة والفعالة للمرأة في الحياة العامة إحدى مسائل حقوق الإنسان، التي لا غنى عنها في الحكم الديمقراطي. ورغم ذلك، لا تزال أعداد تمثيل النساء في مصر متدنية نسبيًا، مقارنة مع النساء في بلدان أخرى في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.[7] وقد ركّز الجدل الدائر حول مشاركة المرأة في مصر، على مدى تاريخه، على مدى إسهامها في صنع القرار ورسم السياسات في المؤسسات العامة، كالبرلمان أو المجالس المحلية أو الحكومة. وبناءً على ذلك، تقاس مشاركة المرأة، عادةً، من ناحية الحقوق القانونية التي تسمح لها بالتصويت والتعبير عن رأيها والترشح للمناصب التي يجري شغلها بالانتخاب. ورغم أهمية الإطار القانوني لضمان حق المرأة في المشاركة، لا يعدّ القانون وحده كافيًا لكفالة ممارسة الحقوق القانونية عمليًا على أرض الواقع. فضلًا عن ذلك، لا تقتصر مسائل النوع الاجتماعي والجنسية، حسب الافتراض الذي تسوقه سعاد جوزيف، على المسائل القانونية، وإنما تثير مسائل لها علاقة بالممارسة أيضًا.[8] وترى جوزيف أن ما يكفله القانون من ناحية المبدأ، وما تعيشه النساء في الواقع العملي غالبًا ما يكونا مختلفين. فالتركيز على الحقوق القانونية التي تتيح للنساء التصويت والترشح للمناصب التي يجري شغلها بالانتخاب يطرح شاغلين، يتعلق أولهما بتمكين المرأة، فيما يتعلق الثاني بتقييم التحديات التي تقف في طريق مشاركتها.
في البداية، يفضي التركيز على الحقوق القانونية من أجل زيادة مستوى تمثيل المرأة إلى أوجُه من التفاوت على صعيد تمكين المرأة. فالأدلة تشير لأن زيادة تمكين المرأة غالبًا ما يؤدي لارتفاع مستوى مشاركة النساء في المؤسسات العامة، والسماح لهن بالإسهام في صنع القرارات ورسم السياسات التي تؤثر على حقوقهن وحياتهن.[9] ومع ذلك، كثيرًا ما تستند الفرضيات التي تتناول مشاركة المرأة في هذه المؤسسات إلى مسألة الحقوق، بالنظر إلى أن النساء يمثلن نصف تعداد السكان، بدلًا من تمحورها حول الاحتياجات والمتطلبات التي تستدعي مشاركة المرأة.[10] وفي هذا الخصوص، تضطلع الدول بدور الوساطة في تقديم الخدمات الأساسية من أجل وضع هذا التمكين موضع التنفيذ. وكي يتسنّى لنا فهم دور الوساطة الذي تؤديه الدول على صعيد مشاركة المرأة، علينا النظر إلى المصالح المتعددة والمتضاربة التي يجري تمثيلها وتجسيدها في المجتمع. ومن الأهمية كذلك أن نقرّ بالممارسات المتناقضة التي تنفذها مختلف الأجهزة فيما يتصل بالنساء بصفة عامة والنساء الريفيات الأقل حظًا بصفة خاصة. ويُعد التعليم الأساسي، باعتباره محددًا أساسيًا من محددات المشاركة العامة، مثالًا وجيهًا يثبت وجود التناقض بين القانون والممارسة. فبينما يشكل التعليم الأساسي أحد الحقوق التي يحميها القانون وتمنحها الدولة دون مقابل، لا تحظى الشابات الريفيات بقدر وافٍ من التمثيل فيه.[11] ويقدم الباحثون تفسيرات معقولة لهذا التمثيل المنقوص للشابات في ريف مصر، بما يشمله من معدلات التسرب المرتفعة من المدارس في أوساط النساء والفتيات في ريف مصر، وتدنّي نوعية التعليم.[12] وتتوافق هذه الفرضية مع النتائج التي خلص إليها مسح الشباب في مصر، الذي صدر مؤخرًا؛ إذ لا يستطيع 50 في المائة من الشباب الذين قضوا خمس سنوات فقط في المدارس القراءة، في حين يعجز 40 في المائة عن أداء العمليات الحسابية الأساسية.[13] وتفترض سماح البحيري أن التعليم العام غير المرضي يقدّم تفسيرًا آخر. ويرجع انعدام الرضا في حد ذاته إلى عوامل عدة، من بينها ضعف دور قطاع التعليم العام الذي يرزح تحت أعباء ثقيلة في تهيئة الطلبة، لا سيما الطالبات، للمشاركة في المجتمع. ومما يزيد من تعقيد هذه المشكلة أن أساليب التدريس التي تفتقر إلى الفعالية وغيرها من الأبعاد المتعلقة بنوعية التعليم قد تكون أكثر مواتاة للأولاد من البنات.[14] بالإضافة إلى ذلك، قد لا يضطلع التعليم المدرسي في السياقات السلطوية بالدور نفسه الذي يؤديه في معظم المجتمعات الديمقراطية. فالأنظمة السلطوية تقلل من القيمة والأهمية التي تُعزى للتعليم في السياقات السلطوية، التي تتأثر فيها الاستثمارات في رأس المال البشري بطرق مهمة حسب نوع النظام الذي يتبوأ سدة الحكم.[15] ومن الأمثلة على ذلك، وحسب الافتراض الذي يضعه نديم مرشاق، فإن معظم الأنظمة السلطوية تركز على فرص الالتحاق بالمدارس، بدلًا من تركيزها على النوعية والتحصيل. في المقابل، يشدد باحثون آخرون على الدور المهم الذي يؤديه التعليم في بعض السياقات السلطوية في المنطقة، باعتبار أن المدرسة قد توفر حيزًا لمشاركة المرأة.[16]
ثانيًا، يسهم التركيز على الحقوق القانونية باعتبارها شكلًا من أشكال مشاركة المرأة في الحيز العام في غياب الأبحاث والمقاربات المنهجية المتنوعة التي تملك القدرة على دراسة التحديات الفريدة الأخرى التي تواجه النساء على المستوى المحلي. فالأبحاث المحدودة المتاحة تضع نصب عينيها على قياس التحديات العامة التي تؤثر على مشاركة المرأة بصفة عامة، بينما تغفل عن وضع التحديات التي تواجهها النساء في حياتهن اليومية وفي أسرهن ومجتمعاتهن في الاعتبار. فحسبما ترى ليلى أبو لغد، فإن معظم الأبحاث التي تتناول مشاركة المرأة تركز على الصورة الكبرى وعلى ما إذا كان ثمة قصور في الديمقراطية في السياق الكلي للمنطقة العربية، في حين تولي قدر ضئيل من الانتباه لمسائل المجتمعات المحلية، وكيفية ممارسة الشابات للمواطَنة.[17] ورغم بروز الأدبيات الحديثة التي تتطرق إلى القدرات التنظيمية والمدنية لدى الجماعات، فإن تركيز جانب كبير من الأبحاث على ظاهرة المشاركة العامة في التنشئة الاجتماعية السياسية وعلم النفس السياسي تعود أصوله إلى دراسة سلوك الأفراد كل على حدة. ويميل هذا التقليد البحثي لعزل الأفراد عن سياقهم الاجتماعي الذي يمكن فيه بلوغ مستوى أفضل من فهم مشاركتهم وسلوكهم باعتبارهما جزءً من محيطهم الاجتماعي.[18] وتفترض سعاد جوزيف أنه برغم تمكن النساء المحرومات من فرص التمكين تاريخيًا من الحصول على بعض الحقوق القانونية في المشاركة في الحياة العامة (من قبيل التصويت والترشح للمناصب التي يجري شغلها بالانتخاب والحصص القانونية)، فلا يزال العديد من الصراعات التي يخضنها في سبيل المشاركة المتساوية يفتقد للاعتراف. وزيادةً على ذلك، تعاني النساء الريفيات الأقل حظًا من أشكال الخطاب الذي يفرض القيود عليهن، ويسهم في تشكيل أدوارهن في الحياة العامة. ويبين ذلك كيف أن غياب الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية يؤثر على حياة الشابات وأدوارهن داخل مجتمعاتهن. وتشكل عبارة «المرأة الريفية» وسمًا يثير الجدل بالنسبة للشابات في الريف. فبينما قد يفترض البعض أن هذا الوسم «لا يزيد عن كونه لغة»، فهو يمثل صراعًا تدور رحاه حول القيم والأيديولوجيات المتضاربة فيما يتصل بالنساء الريفيات. فاللغة، وحسبما تطرحه مارغريت غريس وجون ليني، تبني وتولّد ثقافة الهيمنة وقيمها وأيديولوجياتها في أوساط نساء الريف. واللغة ليست مجرد وسيلة محايدة من وسائل التعبير، بل تُعرف على أنها موقع للصراع الذي تُسمع فيه بعض الأصوات أو صور الخطاب وتسود فيه، على حين يجري إسكات غيرها وقمعه.[19] أخيرًا، تميط الأدبيات اللثام عن الحاجة إلى منهجية مناسبة لبلوغ فهم أفضل للصراعات غير المعترف بها التي تخوضها النساء الريفيات والتي تعوق مشاركتهن. فثمة حاجة إلى منهجية تيسر للنساء الأقل حظًا أن يتصورن ويشكّلن الطريقة التي يختبرن فيها تحديات محددة في حياتهن اليومية.
المشكلة والمنهجية
تضع الأدبيات أعلاه مشاركة المرأة في سياقها. فمن جهة، تبين هذه الأدبيات أهمية التمكين السياسي للمرأة باعتباره شرطًا من شروط الحكم الديمقراطي. كما تُبرز كيفية قياس تمكين المرأة من ناحية الحقوق القانونية التي تُمنح للنساء، كالحق في التصويت والترشح للمناصب التي يجري شغلها بالانتخاب والمشاركة في اتخاذ القرارات العامة. ومن جهة أخرى، تُظهر الأدبيات المذكورة ثغرة تشوب الأبحاث التي تدرس تحديات محددة تحول بين النساء الريفيات وبين المشاركة في الحياة العامة. وتنشأ هذه الفجوة عن ميل منهجية الأبحاث إلى دراسة التحديات التي تواجهها النساء الريفيات على صعيد المشاركة في الحياة العامة. وثمة تقليدان بحثيان يتمايز الواحد منهما عن الآخر في دراسة المشاركة العامة: يركز السائد منهما على السمات الفردية، كالتعليم والدخل والطبقة، فيما يتمحور الأقل بروزًا حول تأثير السياق والشبكات الاجتماعية.[20] وتندرج هذه الورقة ضمن التقليد الثاني وتدلي بدلوها فيه. وتبيّن الورقة كيف أن استخدام التقليد البحثي الأول، الذي يُعدّ كميًا في العادة، قد يسهم في المشكلة التي تنطوي على سوء فهم تحديات معينة تواجه الشابات في المناطق الريفية. وبينما يمكن أن يساعد النموذج التفسيري للسمات الفردية في تقييم الاشتراطات المشتركة للمشاركة في الحياة العامة (من قبيل التعليم والدخل والطبقة)، فهو يتخلف عن الإحاطة بالتحديات الأخرى غير القابلة للقياس الكمي التي تواجه الشابات في المناطق الريفية. وقد اقترحت في بحث آخر أنه ثمة اختلافات جوهرية بين هذين التقليدين البحثيين من ناحية دراسة المشاركة السياسية للمرأة في المجتمعات الريفية.[21] ولذلك، تُلقي هذه الدراسة الضوء على العقبات غير المعترف بها التي تواجه النساء على صعيد المشاركة في مصر، التي يفتقرن فيها إلى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الأساسية التي تكفل لهن المشاركة في مختلف الأنشطة السياسية في الحيزين الخاص والعام ، وكيف أن هذه الصراعات لم يجرِ التطرق إليها في معظم الأبحاث بعد. وييسر وضع هذه الدراسة في سياقها السلطوي فهم كيف أن المقاربات السائدة حاليًا للمشاركة السياسية لا تبين الطريقة التي تشارك الشابات من خلالها في الحياة العامة في مصر، وفهم الأسباب التي تقف وراء ذلك.
وتسترشد المنهجية التي توجّه هذه الدراسة النوعية الإثنوغرافية الظاهراتية بنموذج البحث الطبيعي، إذ تعمل النساء بنشاط على تشكيل ما يخصهن من معانٍ وتجارب للتحديات الاجتماعية والاقتصادية، وحيث ينشأ المعنى من الحالات الاجتماعية ويجري التعامل معه من خلال العمليات التفسيرية.[22] وحسب الفرضية التي تضعها إيفونا لينكولن وإيغون غوبا، يفهم الباحثون ذوو النزعة الطبيعية الواقع باعتباره واقعًا متعددًا ومركّبًا اجتماعيًا، وبالتالي ذاتيًا.[23] وفضلًا عن ذلك، لاختيارنا لمنهجية البحث الطبيعي أهميته وصلته؛ إذ يدرس طريقة تفاعل السياق مع التجربة التي يخوضها الإنسان في خلق واقعه الإنساني وتشكيله.[24] وكان لهذه المنهجية فائدتها في فهم المشاركة العامة للنساء الريفيات من وجهة نظرهن، وليس من وجهة نظر الباحث. وبناءً على ذلك، نوظف المنهجيات الظاهراتية التي ساعدت النساء على التفكير في التجارب التي يعشنها وأتاحت الفرصة لنا للكشف عن هذه التجارب الحية. ونستند إلى أربع عشرة مقابلة من البيانات التي جمعناها في بحثنا الرئيسي السابق من أجل تقييم المشاركة السياسية، والتعليم غير النظامي وريادة الأعمال في أوساط النساء الريفيات في مصر، والذي أجريناه بين عامي 2017 و2018. وقد شاركت تسع وأربعون امرأة من ثلاث قرى ريفية في هذه الدراسة. وأُجريت المقابلات مع هؤلاء النساء في مواقعهن باللغة التي يتحدث المؤلف بها –وهي اللغة العربية– بمساعدة ثلاث مساعِدات بحث تم توظيفهن لهذه الغاية. واضطلعت مساعِدات البحث الثلاث بدور حاسم الأهمية في اختيار المشاركات، وتنظيم المقابلات وتيسير وصولنا إلى الشابات وأسرهن لإجراء المقابلات معهن. وقد استرشدنا في عملية اختيار المشاركات في هذه الدراسة بالهدف الذي توخيناه في الخروج بدراسة معمّقة للتجارب التي تعيشها النساء على صعيد التحديات اليومية التي يواجهنها في المشاركة العامة أو المدنية. ويكمن السبب المنطقي وراء اختيار محافظة الفيوم الريفية في أنها تعدّ واحدة من أفقر المحافظات في مصر، وتضم نسبة مرتفعة من الشابات المهمشات. فجغرافيًا، تقع الفيوم في شمال صعيد مصر. ولغايات اختيار المشاركات، استخدمنا إطارًا هادفًا لأخذ العينات، بحيث يضع في الاعتبار العمر والخلفية التعليمية والمتغيرات الاجتماعية والاقتصادية في الاعتبار، حيث كان اهتمامنا ينحصر في إجراء المقابلات مع الشابات المهمشات. ويوظف منهج البحث في هذه الدراسة أساليب مفتوحة للتأكد من وصف أوضاع المشاركات ووجهات نظرهن الذاتية على وجه التفصيل. وتتيح الأساليب المفتوحة المشاركة المطوّلة مع المشاركات في الميدان، كما كانت هذه الأساليب متوافقة مع الطبيعة النوعية لهذه الدراسة واعتباراتها الظاهراتية والإثنوغرافية. وفي التحليل الذي أجريناه، نصف الطريقة التي تتحدد الهوية الجماعية من خلالها والكيفية التي تتشكل فيها الأدوار والهويات الاجتماعية التي تحملها الشابات في محافظة الفيوم الريفية. ولبلوغ عرض أفضل لروايات الشابات عن مختلف أشكال الخطاب الذي يتطرق إلى حياتهن اليومية، يأتي المبحث التالي في صورة «الكتابة ضد الثقافة»، وهي عملية تصفها أبو لغد على أنها مشروع سياسي أكثر منها مشروع وجودي.[25] ونحن نعتمد الاستراتيجية ثلاثية المناهج التي تطرحها أبو لغد في الكتابة ضد الثقافة: الخطاب والممارسة، والروابط، والإثنوغرافيات الخاصة (Ethnographies of the Particular). وحسبما تلاحظه أبو لغد، تكمن إحدى الفوائد الرئيسية التي تؤتيها هذه الاستراتيجية في قدرتها على مساعدة الباحثين على تفادي المشكلة العامة التي يفرزها الإفراط في التعميم. وحسب تفسير أبو لغد، فإن المرء حينما يخرج بتعميم من التجارب التي يعيشها عدد لا يزيد عن بضعة أشخاص في مجتمع ما والمحادثات التي يُجريها معهم؛ فإنه يميل إلى تسطيح الاختلافات القائمة بينهم والهيمنة عليهم. وتمكّن استراتيجية «الخطاب والممارسة» الباحثين من إدراك البيانات المتنافسة المتعددة مع ما تنطوي عليه من تداعيات فعلية على جماعات بعينها في المجتمع. وحسبما تؤكده أبو لغد، تشهد استراتيجية «الروابط» تحولًا في النظرة، بحيث تتضمن الظواهر السائدة في المجتمع، والتي لا تنحصر في الروابط التاريخية، بل تتعداها إلى الروابط الوطنية وعبر الوطنية بين الأشخاص والأشكال الثقافية والمكان وغيره من القضايا العامة أو السلع الأساسية في سياق النقاش الذي نبسطه في المبحث التالي. ولذلك، لا تقتصر الغاية المنشودة من استراتيجية «الإثنوغرافيات الخاصة» ببساطة على تفضيل العمليات الجزئية التي تنطوي على عرض حياة النساء على العمليات الكلية؛ وإنما توظف الكتابة الإثنوغرافية التي تعكس المشاركة المطولة مع المشارِكات، وتقدم خطابًا ينمّ عن الألفة، إذ تعبر بشكل أفضل عن أعمال النساء اللواتي يعشن حياتهن الخاصة، وتقرّب لغة الحياة اليومية من الجمهور المستهدف في هذا البحث. وأخيرًا، فأسماء المشاركات والقرى الواردة في هذه الورقة أسماء مستعارة للأسماء الحقيقية.
التحديات التي تواجه نساء الفيوم في المشاركة بالمجال العام
نادرًا ما تظهر النساء في الحيز العام برغم وجودهن بأعداد كبيرة في القرى الثلاث المستهدفة. ففي أثناء المقابلات، روت النساء تحديات شتى تُحدّ من مشاركتهن في الحياة العامة. ونجمع في هذا المبحث تلك التحديات على الوجه الذي طرحته هؤلاء النساء، ضمن ست فئات، لنفسر الأسباب وراء عدم تواجد المرأة في الحيز العام.
تزوير الانتخابات والتحرش الجنسي
أشارت جميع المشاركات من القرى الثلاث تقريبًا إشارة صريحة أو ضمنية إلى تزوير الانتخابات حينما حوّلنا مسار النقاش إلى مشاركتهن في الحياة العامة، ورويْن حوادث مختلفة عكست انتشار تزوير الانتخابات على نطاق واسع في مصر. ووفقًا لإيميلي هانفر-بيرتون وسوزان هايد وريان جابلونسكي، يأخذ تزوير الانتخابات والتلاعب فيها من جانب الأنظمة السلطوية أشكالًا عدة.[26] ومع ذلك، فقد تشتد حدة هذه الأشكال حينما تُستخدم ضد النساء من أجل تخويفهن والحد من مشاركتهن.[27] إيمان، وهي امرأة متزوجة تبلغ من العمر خمسة وعشرين عامًا ومن سكان قرية الحلم، سلطت الضوء على صورة واحدة من صور تزوير الانتخابات، حين تحدثت عن تجربتها في الإدلاء بصوتها. وروت إيمان هذه القصة لتبرر الأسباب التي دفعتها لاتخاذ قرارها بشأن الإحجام عن المشاركة في الأنشطة السياسية التي ترعاها الدولة:
«بصراحة، نحن [النساء في الفيوم] لا نشارك في الانتخابات بسبب انتشار تزوير الانتخابات الذي يبدو واسع النطاق هنا … لقد حضروا في أثناء فترة الانتخابات ليسألونا عما إذا كنا نحمل بطاقة الهوية الوطنية أم لا. وعندما أجبنا بالإيجاب، أخذونا في شاحنة إلى المدرسة [مركز الاقتراع] وأعطونا عشرين جنيهًا [ما يعادل أربعة دولارات تقريبًا في وقت الحادثة وقبل تراجع قيمة الجنيه المصري في عام 2016] … وكيلو من السكر وزجاجة من زيت الطهي وطلبوا منا التصويت لشخص كان اسمه مكتوبًا بخط اليد على ورقة صغيرة أعطوها لنا. بصراحة، قررت أن أذهب وأحصل على النقود ومواد البقالة. وعندما وصلنا إلى المدرسة، طلبوا منا النزول من الشاحنة وترك الجنيهات العشرين ومواد البقالة إلى ما بعد التصويت وعودتنا إلى القرية… أدليتُ بصوتي، ولكنني لن أذهب مرة أخرى أبدًا لأنني لم أحب ذلك».
وتؤيد رواية إيمان ما تؤكده ليسا بلايدز وصافيناز الطاروطي من أن موسم الانتخابات في مصر ينظر إليه البعض كما لو كان فرصة لتحقيق دخل إضافي من خلال استقطاب الناخبات، وخاصة الفقيرات منهن، بصورة غير قانونية.[28] وبينما يشكل المثال الذي ساقته إيمان صورة من صور التزوير الانتخابي الذي قد يرحب بعض الناخبين به، حسبما تراه بلايدز والطاروطي، فقد وصفت المشاركتان حنان ونورا أساليب تزوير الانتخابات من زاوية أشد خطرًا (بمعنى التحرش الجنسي والتعرض للوصم). فقد روت حنان، وهي امرأة متزوجة تبلغ الثانية والعشرين من عمرها ومن سكان قرية الأمل، كيف أن كل امرأة تخاف من التحرش الجنسي في يوم الانتخابات، وذلك على خلاف أسلوب الرشاوى الانتخابية. وقالت حنان إنها لم تُدلِ بصوتها ولم تشارك في أي انتخابات عامة قط. وفي الحقيقة، قالت أن أسرتها منعتها على الدوام من الذهاب إلى الانتخاب لأن يوم الانتخابات يشهد الكثير من «المسخرة والتحرش». واستطردت حنان القول: «… إنهم [النظام] يفعلون ذلك بالاستعانة بالبلطجية لمنع النساء من الوصول إلى مراكز الانتخاب وإجبارهن على الخوف من الفضيحة». ويثبت هذا ما تؤكده بلايدز والطاروطي، أن الانتخابات تشهد مستويات عالية من التحرش بالنساء بواسطة البلطجية المستأجرين. وفي سياق متصل، تحدثت نورا، وهي امرأة متزوجة تبلغ الثانية والعشرين من عمرها ومن سكان قرية الأمل، عن ظاهرة الوصم التي تحيط بالانتخابات. فقد ذكرت نورا، ومثلها في ذلك مثل حنان، أنها لم تدلِ بصوتها قط ولن تفعل ذلك أبدًا. وحتى تخبرني ضمنًا بأنها تعتقد أن الانتخابات عملية لا معنى لها، وجّهت السؤال إلي: «لماذا يجب علي ذلك؟»، مردفةً:
«ألا تذكر ما حصل بعد [ثورة] الخامس والعشرين من يناير؟ هل تذكر حينما فضحوا تلك الشابات اللواتي شاركن في الاستفتاء على الدستور وأولئك اللواتي احتججن على النظام؟ لقد أخضعوهن لفحص العذرية!… الجميع سمع بذلك في مختلف وسائل الإعلام… تخيل لو أنني شاركت معهن، ماذا أخبر عائلتي؟ ما من شك في أنها كانت ستذبحني»
وتمثل الشواهد التي عرضتها حنان ونورا عقبة واحدة من عقبات متعددة تحد من مشاركة النساء، لا سيما في مجتمعات ريفية محافظة كقريتهما في ريف الفيوم. وتثبت روايتهما مدى فعالية النظام في توظيف الاستراتيجيات القائمة على التهديد لتخويف النساء من المشاركة؛ إذ يُنظر إلى التهديد بالتعرض للتحرش الجنسي أو الخضوع لفحص العذرية باعتباره أمرًا يُلحق العار بالمرأة وبأسرتها. ومع ذلك، فبينما لا تنحصر التجربة التي خاضتها إيمان وحنان ونورا في الشابات في الفيوم، بالنظر إلى أنها قد تؤثر على النساء في المجتمعات الحضرية والريفية الأخرى في مصر، هناك في الحقيقة عقبات ينفرد الناس في الفيوم بها.
تاريخ من انعدام الثقة
من المواضيع المشتركة، التي ذكرتها غالبية المشاركات، تاريخ من انعدام الثقة بين سكان الفيوم والحكومات الوطنية المصرية المتعاقبة، منذ اغتيال الرئيس الأسبق أنور السادات في عام 1981، مرورًا بانتخاب الرئيس السابق محمد مرسي في عام 2012 وانتهاءً بالإطاحة به في عام 2013. وفي هذا السياق، أشارت نادية، وهي أرملة في الستينيات من عمرها، ومن سكان قرية البيضاء ووالدة إحدى المشاركات في بحثنا هذا –نيّرة، إلى تدهور الحالة الاقتصادية في الفيوم. وحددت نادية عقديْ الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي باعتبارهما العقدين اللذين تعتقد أن الفيوم شهدت تغيرًا جذريًا إلى الأسوأ خلالهما. موضحةً:
«هل تصدق أن بني سويف [المحافظة المجاورة]، التي كانت أفقر محافظة في مصر كلها، غدت الآن أفضل منا؟ لديهم طرق وخدمات أفضل مما لدينا هنا في الفيوم. ولدى الشباب هناك مجموعة متنوعة من الوظائف والفرص الاقتصادية المتاحة أمامهم. كانت الفيوم وجهة سياحية لنخبة المصريين الذين كانوا يحضرون للسباحة وصيد الأسماك في بحيرة قارون الرائعة، بمن فيهم الملك فاروق [آخر ملوك مصر قبل الانقلاب العسكري في عام 1952] الذي كان له قصر شتوي هنا في الفيوم. أما اليوم، فليس لدينا مدارس ولا مياه للشرب، والخدمات الطبية متردية ولا تتوفر إلا في مركز المدينة، والطرق سيئة مثلما ترى، ولا توجد سياحة بالمرة، وباتت جميع الأراضي بورًا وغير صالحة للزراعة، وتحولت البحيرة إلى مستنقع لا يصلح لصيد السمك، ولا يوجد وظائف على الإطلاق. فهرب [هاجر] أبناؤنا للعمل في ليبيا والأردن وإيطاليا، حيث ينتهي بهم المطاف موتى هناك ويرجعوا جثثًا هامدة. ولذلك، أردت أن تحصل نيرة على قرض صغير لتشغيل مشروع أعمال صغير في المنزل لكي تدفع ثمن جهازها وتتمكن من الزواج»
وسألتُ نادية عما حصل وأدى إلى هذه الظروف المتردية. فابتسمت وتوقفت لحظة، ثم سألت بأسلوب ساخر، «ألا تعرف؟» وعندما تعمدت ألا أجيبها، أومأت برأسها نحو جمال، زوج إحدى المشاركات في بحثنا، وقالت «أخبره» وأجاب جمال بكلمة واحدة: «الاستبداد» واستطردت نادية القول: «نعم، لأننا [الناس في الفيوم] إرهابيون». وواصلت حديثها: «لقد اغتلنا السادات، وفجّرنا أمريكا، وفجرنا قنبلة في كنيسة الشهيدة بياتريس في القاهرة». ولكي توضح لي الأسباب التي تقف وراء تصوير الناس في الفيوم في صورة الإرهابيين، قالت: «بل إننا دعمنا جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية ورئيسها مرسي». وقد فهمت ما كان يكمن وراء سخريتها عند هذه اللحظة. وحينما طلبت من نادية التوسع في شرح العلاقة بين هذه التواريخ والأوضاع والأحداث المحددة وتردي الظروف الاقتصادية والاجتماعية، أوضحت أن «تدهور الأحوال المعيشية في الفيوم يعد نتيجة لإهمال الحكومة المتعمد للمحافظة منذ اغتيال الرئيس المصري الأسبق السادات في أعقاب فتوى أصدرها الشيخ عمر عبد الرحمن». ثم شرحت نادية وجمال العلاقة بين الشيخ عبد الرحمن والرئيس مرسي، والأوضاع المتدهورة وانعدام الثقة المتبادل بين الحكومة والناس في الفيوم؛ استهلا حديثهما بشرح الرابط بين الفيوم والشيخ عبد الرحمن، الإسلامي المصري الضرير المشهور. فقد عُين الشيخ عبد الرحمن، الذي كان في سابق عهده إمام مسجد في إحدى قرى الفيوم، في منصب أستاذ في فرع جامعة الازهر بالفيوم بعدما نال شهادة الدكتوراه. وعقب اغتيال السادات في عام 1981، اعتقلت الحكومة المصرية الشيخ عبد الرحمن. وأُطلق سراحه بعد ذلك، ثم رحل إلى الولايات المتحدة. وفي عام 1993، أُدين وحكم عليه بالسجن مدى الحياة على خلفية التخطيط والتحريض على شن الهجوم على مركز التجارة العالمي في نيويورك. وتوفي في أحد السجون الأمريكية في شهر فبراير 2017.[29] ومنذ عام 2012، وفي أثناء الانتخابات الرئاسية المصرية –عندما أعلن الشيخ عبد الرحمن دعمه للمرشح محمد مرسي وهنأه بعد ذلك على انتخابه لمنصب الرئيس– جرى ربط عبد الرحمن ومن ثم الفيوم ربطًا وثيقًا بمرسي. وفضلًا عن ذلك، مثّلت الفيوم أعلى المحافظات في نسبة التصويت لصالح محمد مرسي.[30] كما وعد مرسي، في أول خطاب ألقاه بصفته رئيسًا، أنصار الشيخ عبد الرحمن بأنه سوف يطلق سراحه من السجن في الولايات المتحدة. وأجرى مرسي، في الأسبوع الأول من تقلّده منصب الرئيس، أول زيارة رسمية إلى الفيوم، حيث ألقى خلالها الخطبة وأدى صلاة الجمعة في أحد مساجدها. وأشارت نادية إلى أن «العسكر» ما زالوا يكنّون قدرًا متزايدًا من الكراهية تجاه الناس في الفيوم منذ اغتيال السادات حتى اليوم الذي أجريت المقابلة معها. وقالت نادية إن هذه الكراهية «بلغت ذروتها بعد انتخاب مرسي، خاصةً عندما حضر إلى هنا في الفيوم بعد أن صار رئيسًا على الفور»، وأضافت: «كان [مرسي] الرئيس الوحيد الذي جاء إلى الفيوم». وقالت نادية وجمال إنهما صوّتا لصالح مرسي، موضحين «إنها كانت المرة الأولى والأخيرة التي أدلي بصوتي فيها» على حد تعبير كل منهما. وحين سؤالهما عن السبب الذي حدا بهما إلى اتخاذ هذا القرار بالامتناع عن المشاركة في الانتخابات بعد تلك المرحلة، وعما إذا كانا قد شاركا في أي من الانتخابات التي عُقدت بعدها، أجاب جمال عن هذا السؤال بقوله: «لا، قلنا لك إننا لن نشارك مرة أخرى أبدًا… من قد يشارك في مسرحية هزلية كهذه». ولكي يتسنى لي فهم ما إذا كان هذا الشعور يشكل موقفًا عامًا في أوساط الناس في الفيوم، أو ينحصر في نادية وجمال فقط، سألتهما عما إذا كانت ابنتها وزوجته يتقاسمان معهما الموقف نفسه بشأن الانتخابات. فأجاب جمال، «إنهم [النظام العسكري] لا يفرقون بين الكبير أو الصغير، فكلنا نلقى معاملة قاسية. ولكنهم يبذلون المزيد من الجهود لاستغلال الشباب وحصر مسعاهم في انتخابات لا معنى لها أو في مراكز شبابية لا فائدة منها … فأجهزتهم الأمنية الوحشية تقمع أي مشاركة مجتمعية حقيقية». ووافقت نادية جمال بشأن المعاملة القاسية التي يتعرض الشباب لها في الفيوم، مركزةً على العدد الهائل من الشباب «المعتقلين» و«حالات الاختفاء القسري» من الفيوم، ولكنها لم تُرِد تقديم أي تفاصيل في هذا الشأن.
تسلط الروايات التي سردتها نادية وجمال الضوء على مختلف الاستراتيجيات التي دأبت الأنظمة السلطوية على توظيفها في سبيل تقييد المشاركة في الحياة العامة، حسب التصور الذي يراه هولغر ألبريخت.[31] وكما هو حال نادية، أفصحت عدة شابات عن انعدام الثقة المتبادل بين الناس في الفيوم وما يسمّينه «الحكومة العسكرية». ففي لقاء مع شابات في قرية الأمل، ادعت رشا وزينب أن عدم اكتراثهما بشأن المشاركة في الأنشطة التي ترعاها الدولة يعود للمعاملة القاسية التي تلقيانها بسبب ارتدائهما النقاب. وقالت رشا: «لا أنتمي أنا وصديقاتي إلى الإخوان المسلمين، إلا أن مسئولي الحكومة العسكرية يعاملوننا معاملة سيئة لأنهم يظنون خطأً أننا عضوات في منظمة الإخوان المسلمين المحظورة».
الهوية الوطنية والجنسية
تمثل الهوية الوطنية موضوعًا معقدًا آخر، يرتبط ارتباطًا وثيقًا بتدني مشاركة النساء في الأنشطة المدنية التي تنظمها الدولة؛ فالعديد من الشابات في القرى الثلاث لا يحملن أي وثائق حكومية –من قبيل بطاقة الهوية الوطنية أو شهادة الميلاد أو عقد الزواج. وأوضحت النساء اللواتي أُجريت المقابلات معهن بأن الزواج المبكر الذي لا يتم توثيقه، والخدمة العسكرية الإلزامية، والانحدار من أصول ليبية؛ تمثل ثلاثة عوامل متشابكة تسهم في افتقارهن إلى بطاقات الهوية وغياب مشاركتهن في الحياة المدنية، وتتقاطع مع عدة مجالات أخرى من حياتهن اليومية في ريف الفيوم. وبينما قد يشير هذا الموضوع المعقد إلى امتلاك هؤلاء النسوة لـ«جنسية منقوصة»، يبدو أن الزواج المبكر غير الموثق والخدمة العسكرية الإلزامية والانحدار من أصول ليبية يعدّ واقعًا يحظى بالاعتراف والقبول على نطاق واسع بين جميع من عقدت المقابلات معهم في الفيوم، بمن فيهم الشابات والآباء والأمهات والأزواج وغيرهم من الأفراد الذين أجريت محادثات غير رسمية معهم في أثناء فترة إقامتي في الفيوم. ويمثل الزواج المبكر في ريف صعيد مصر ظاهرة اجتماعية ناشئة عن التقاليد الأسرية والنزعة الاجتماعية المحافظة، التي تفرز أثرًا سلبيًا على مختلف جوانب حياة الشابات، بما فيها فرص التعليم والمشاركة السياسية. وقالت عدة شابات قابلتهن أن زيجاتهن غير موثقة، وإن هذا يعد أمرًا شائعًا في قراهن. وتمثل القصص التي روتها منّة ونبيلة بُعدين من أبعاد هذه المشكلة المعقدة. فعلى الرغم من تباين الظروف المحيطة بالزيجتين غير الموثقتين لهاتين المرأتين، فهما تتقاسمان التبعات نفسها. فمنة، وهي أم لطفلين وتبلغ التاسعة عشرة من العمر ومن سكان قرية الأمل، تزوجت من ابن عمها حينما كانت في السادسة عشرة من عمرها، ولا تملك هي أو زوجها أو طفلاهما شهادات ميلاد. ولم يسجل والدا زوجها ميلاده قط؛ كي يتفادوا الخدمة العسكرية الإلزامية. وقد يختار الآباء والأمهات في صعيد مصر الإحجام عن تسجيل ميلاد أبنائهم لدى الدولة للنأي بهم عن الخدمة في الجيش، لكي يمدّوا يد العون في أعمال الزراعة.[32] وبينما قد تساعد هذه الممارسة الشباب على تجنب الخدمة العسكرية الإلزامية، فهي تقصيهم، دون قصد، من الأهلية الضرورية التي تيسر لهم الاستفادة من الاستحقاقات الاجتماعية، كالالتحاق بالمدارس العامة أو الحق في الحصول على بطاقة هوية وطنية. وشرحت منة حالة زوجها قائلة: «لا يستطيع العمل بدوام كامل، وهو يعمل حاليًا في قطاع البناء باليومية… في بعض الأحيان، نبقى لأسابيع دون مورد للعيش، ولكن والدته تدعونا للأكل والشرب مع بقية العائلة [الممتدة]». وحين سألت منة منذ متى هي وزوجها وابناها يعيشون مع حماتها، أجابت «تزوجت هناك ولا زلت أسكن هناك منذ ذلك الحين». وعندما سألتها عن حجم الأسرة، ردت بقولها «حماتي وأبنائها التسعة مع زوجاتهم وأطفالهم يعيشون كلهم في المنزل نفسه… إنه منزل كبير». وعلى خلاف منة، تحمل نبيلة، وهي أم لثلاثة أطفال وتبلغ من العمر 24 عامًا ومن سكان قرية الحلم، شهادة ميلاد وبطاقة هوية وطنية. ورغم ذلك، لا تملك نبيلة عقد زواج لإثبات صحة زواجها الذي مضت عليه ثماني سنوات؛ لأنها تزوجت من رجل من قرية مجاورة لا يحمل شهادة ميلاد ولا بطاقة هوية وطنية. ونتيجةً لذلك، يفتقد أطفالها لشهادات ميلاد أيضًا. وأوضحت نبيلة أنه برغم كونها تحمل شهادة ميلاد وبطاقة هوية إلا أن زواجها غير موثق؛ لأن والديْ زوجها، كما هو حال والديْ منة، قررا الامتناع عن تسجيله بعد ولادته. إلا أن والدي زوجها لديهما سببًا مغايرًا لقرارهما هذا؛ تقول نبيلة: «زوجي ووالداه ليبيون، ولكنهم ولدوا كلهم هنا»، وحين سألت نبيلة عن الأسباب التي حدت بهما في حينه للإحجام عن تسجيل زواجهما لدى السفارة الليبية في القاهرة، أجابت بقولها «إنه لا يحمل وثائق ليبية كذلك… وهناك الكثير من الناس في القرى المجاورة ممن ينحدرون من أصول ليبية، ولكنهم يعيشون هنا لأن أراضيهم ومنازلهم موجودة هنا». وتابعت ذلك بسؤال نبيلة عن السبب الذي حدا بها إلى عدم تسجيل أطفالها في بطاقة هويتها بدلًا من ذلك، فأجابت في نبرة تحمل الكثير من السخرية والغضب «لا تكفي شهادة ميلادي وبطاقة هويتي لتسجيلهم لأنهم [الحكومة] يسجلون المواليد على اسم الأب، وليس في وسعي منح الجنسية لأطفالي». وأوضحت نبيلة بعد ذلك أن زوجها وجميع إخوته يذهبون للعمل والتجارة في ليبيا بين الفينة والفينة حيث تتاح فيها فرص أوفر، مقارنةً مع الفيوم. وعزت نبيلة السبب وراء عدم إقبالها على المشاركة في الأنشطة المدنية التي ترعاها الدولة إلى ولائها الأقوى لليبيا، نظرًا لأن زوجها وأسرته الممتدة كلها، والتي تعد هي الآن أحد أفرادها، ليبيون. وبالمثل، جاءت عدة شابات من قرية الحلم وقرية البيضاء على ذكر غياب الانتماء في أوساط أسرهن باعتباره أحد الأسباب التي تدفعهن للشعور بأن التصويت لا يشكل التزامًا مدنيًا. ومع أن العديد من الرجال في القرية يحملون الجنسية المصرية باعتبارها شرطًا مسبقًا للإقامة في مصر، فهم يعتقدون أن أصولهم تنحدر من ليبيا. وسألت عن الإمكانية المتاحة أمام الشابات للاستفادة من الجهود التي تبذلها الدولة والمنظمات غير الحكومية المحلية لدعم إصدار بطاقات الهوية الوطنية. فأشارت هؤلاء النسوة إلى صعوبات جمة واجهنها في الحصول على بطاقة الهوية الوطنية من خلال هذه الجهات. وقالت رشا، وهي امرأة متزوجة في الرابعة والعشرين من عمرها ومن سكان قرية الأمل:
«حين رأيت إعلانًا نشرته إدارة حكومية في الفيوم عن إصدار بطاقات الهوية مجانًا للنساء الفقيرات في القرى الريفية، تطوعت لإقناع خمس عشرة امرأة من صديقاتي للحضور معي إلى تلك الإدارة الحكومية من أجل تقديم طلبات للحصول على بطاقات الهوية… ورتبت مع زوجي أمور المواصلات وساهمت جميع النساء في دفع أجرة السائق لأخذنا إلى مركز المدينة لتقديم طلبات الهوية والعودة بنا. ولكن المسئولين رفضوا قبول أي من الطلبات أو حتى الاطلاع عليها. وعندما أردت فهم السبب وراء رفضهم والتحقق مما كان يجب علينا أن نفعله، صرخ الرجل في المكتب في وجهي: «سوف نحتجزكن إذا جئتم إلى هنا مرة أخرى»… لذا، عدت بالنسوة إلى قريتنا»
وحينما سألت رشا عما إذا كانت قد سلّمت بالأمر بعد هذه الحادثة، أجابت: «ما الذي ينبغي فعله؟» فرغم عدم وجود أي قيد قانوني، لا ترحب السلطات بالنساء اللواتي يحضرن في جماعات للحصول على بطاقات الهوية بالمجان. وقد يكمن السبب وراء هذا القرار في الخوف من أن الإسلاميين قد يستغلون الأعداد الهائلة من النساء الريفيات الأميات من خلال إساءة استخدام بطاقات هوياتهن للتدخل في الانتخابات العامة وفي غيرها من القرارات العامة.[33] ويبدو أن هذا يتوافق مع ما قالته رشا من قبل –أن المسئولين الحكوميين يربطون النساء اللاتي يرتدين النقاب ربطًا خاطئًا بمنظمة الإخوان المسلمين المحظورة، ويعاملونهن بالتالي معاملة قاسية. وفضلًا عن ذلك، تميط هذه الحادثة اللثام عن ضرورة إجراء المزيد من النقاش حول مدى كفاية منظمات حقوق المرأة وفعاليتها في تمكين النساء الريفيات.
الأعراف الاجتماعية القمعية وأدوار النوع الاجتماعي
يسلط النقاش الوارد أعلاه الضوء على وقائع شتى تسهم في إقصاء المرأة من الأنشطة المدنية التي تتعهدها الدولة، حسب التجارب التي خاضتها النساء في قرى ريف الفيوم. كما تحدثت هؤلاء النسوة بشأن عدة قضايا أخرى تعوق مشاركتهن فيما اعتبرنه «مشاكل قراهن». فبينما قد لا تتطلب المشاركة في الأنشطة المدنية المحلية وجود وثائق الدولة كشرط مسبق، أفادت الشابات بأن أدوار النوع الاجتماعي تحدّ من مشاركتهن في مجتمعاتهن المحلية. وتمثل أدوار النوع الاجتماعي عقبة رئيسية تَحول بين الشابات في ريف الفيوم وبين المشاركة في الحياة العامة. وتشير البيانات لأن النساء يتعرضن للقمع قبل الزواج وبعده. وبينما احتجت ندى رمضان بأن الزواج، الذي يمثل مؤشرًا رئيسيًا على بلوغ سن الرشد، يعدّ أحد أهم الأحداث الاجتماعية في حياة الشباب في المجتمعات السلطوية الأبوية، مثل مجتمع مصر، ويُعتبر أساسيًا للمشاركة في الحياة العامة في ظل قدر أضيق من الرقابة الأسرية؛[34] أشارت الشابات لأنهن واجهن العديد من التوقعات المرتبطة بالنوع الاجتماعي، والتي تحد من دورهن قبل الزواج وبعده. وحسب الافتراض الذي تضعه نوال السعداوي، تشمل التوقعات المرتبطة بالنوع الاجتماعي في مصر التوقع بأنه يتعين على المرأة ملازمة بيتها حتى تتزوج، والتزامها بتفوُّق الذكر، وتحملها المسئولية عن جميع أعمال المنزل.[35] وتسهم هذه الممارسات في التصور العام بأن مجتمعًا ما، وبالأخص مجتمعًا ريفيًا، هو مجتمع أبويّ يهيمن عليه الذكور هيمنة شاملة، وينتهج القمع بحق النساء. وأثناء المقابلات، أوردت النساء سردًا يتضمّن عدة قضايا يعتقدن أنها تسهم في الاضطهاد الاجتماعي، بما يتضمنه من إخضاع المرأة، والنزعة الاجتماعية المحافظة، وصلة القرابة وثقافة هيمنة الذكور. وأشارت هؤلاء النساء، أكثر من مرة، إلى هذه القضايا باعتبارها قيودًا تحد من مشاركتهن في الحياة العامة، وأن الرجال لا يواجهونها. وأشارت البيانات إلى أن الشابات في ريف الفيوم يُتوقع منهن أن يتماشين مع هذه الأعراف الاجتماعية وأن يسلّمن بتفوق الذكور عليهن، بصرف النظر عن العمر. وبيّنت النساء أن أقوى أفراد الأسرة هو الأب فيما يسمى المجتمعات الأبوية، وأن قوته تمتد لتشمل الإخوة الذكور والأعمام وأبناء العمومة. وكانت غالبية النساء اللاتي قابلتهن في مسار هذه الدراسة متزوجات في سن صغيرة، حيث تواتر ذكر الزواج المبكر باعتباره أحد النتائج المتمخضة عن قضايا الاضطهاد الأربع المذكورة في المقابلات التي عقدتها مع هؤلاء النسوة. وشرحت أمينة، وهي امرأة متزوجة تبلغ من العمر خمسة وعشرين عامًا ومن سكان قرية الحلم، كيف أن الزواج المبكر يمكن اعتباره أصل الكثير من المشاكل التي تواجهها النساء في ريف الفيوم، مع أنها فرّقت بين «الضحايا من النساء» و«الأمهات الحاكمات»:
«كنت على خطأ في اعتقادي أنني سأكون حرة حين أتزوج. فقبل زواجي، لم يكن يُسمح لي بالخروج من المنزل بمفردي. ولم تسنح لي أي فرصة للتمتع بالحياة أو بالمبلغ المتواضع من المال الذي كنت أجنيه من العمل في الخياطة لكي أوفره لزواجي. خُطبت وأنا في الخامسة عشرة من عمري ثم تزوجت وأنا ابنة سبع عشرة سنة. ولي الآن أربع بنات. وأساعد زوجي في مشروعه الصغير لتربية الدواجن معظم الوقت وأؤدي الأعمال المنزلية التي لا تنتهي. لقد انتقلت من سيطرة أبي وأمي إلى اضطهاد حماتي. إنها امرأة، ولكنها تبسط سيطرتها على الجميع في المنزل: أنا وزوجي، وأشقائه وزوجاتهم وكل أحفادها وحفيداتها. وهي تدير كل شأن من الشئون في حياة جميع المقيمين في هذا المنزل. وفي الحالات القليلة التي تكون فيها خارج المنزل، توكّل زوجة ابنها الأكبر بإدارة المنزل بأكمله في أثناء غيابها عنه. وإذا كانت زوجة ابنها الأكبر خارجة معها، فهي توكل زوجة ثاني أكبر أبنائها. إن السكن مع أسرة زوجي ليس أمرًا سهلًا، الكثير من المسئوليات المنزلية والكثير من المشاكل»
وتعدّ قصة أمينة مفيدة بوجه خاص كونها تلقي الضوء على الاضطهاد الذي تتعرض له بحكم سكنها مع عائلة زوجها الممتدة، وتؤيد الدعوة التي توجهها صبا محمود لتفكيك مؤسسة الأسرة النووية والممتدة؛ باعتبارها مصدرًا رئيسيًا من مصادر اضطهاد المرأة في المجتمعات الريفية العربية.[36] كما سلطت أمينة الضوء على أوجه المعاناة التي تعيشها الشابات حينما يحاولن كسب المال من أجل زواجهن في سن مبكرة. فعلى غرار أمينة، ذكرت نساء عدة أن غيرة النساء الأخريات من داخل الأسرة الممتدة أو الحي من الأنشطة العامة التي يؤدينها تسبب مشاكل أخرى مع حمواتهن وأزواجهن، وبالتالي تحد من مشاركتهن في الحياة العامة.
محدودية التنقل والحركة
ركزت النساء على «التنقل غير المريح» باعتباره جانبًا آخر لا يحد من مشاركة المرأة في الأنشطة السياسية الوطنية والتصويت في الانتخابات وحسب، بل يقلص كذلك من فرص التطوع في الأنشطة المحلية التي ينظمها «نادي المرأة» الوحيد الموجود في المركز الشبابي بالقرية المجاورة. قالت زينب: «سمعت من باب المصادفة بوجود نادٍ للمرأة في قرية أخرى، ولكن كيف أستطيع أن أذهب إلى هناك مع الرجال؟» وسلطت زينب الضوء على الصعوبة وانعدام اللياقة والعار الذي يربطه المجتمع بالانتفاع من نادي المرأة المذكور لأنه يقع «بجوار مقهًى مليء بالرجال الذي يترددون عليه ويتسكعون حوله طيلة الوقت… وما هو سوى غرفة بائسة عليها لافتة حكومية جميلة براقة تزخر بالألوان، ولكنك لن تجد امرأة واحدة فيه أبدًا». وبينما يتوافق الادعاء الذي تسوقه زينب مع مصطلح «الواجهة التجميلية» (window dressing) الذي صكّه ألبريخت ويعبر فيه عن صورة من صور المجتمع المدني الذي يخضع للاستغلال؛ تؤكد مارثا برادي أن الشابات في ريف مصر يملكن قدرة أقل على الوصول إلى المراكز الشبابية، أو يجري إقصاؤهن بشكل تام في بعض المجتمعات.[37] فتصبح الكثير من المراكز الشبابية أحيازًا تقتصر على الرجال، بسبب الثقافة والأعراف الاجتماعية. وحسبما يرد على لسان برادي «يغدو الحيز العام بحكم الأمر الواقع حيز للرجال». وفضلًا عن ذلك، تنظر الشابات وأسرهن إلى المراكز الشبابية كما لو كانت مؤسسات تابعة للدولة، حسبما نقلته برادي عنهن. كما أشارت المشاركات إلى أن هجرة الأزواج تحد من حركة الشابات. وتؤثر هجرة الأزواج بسبب الفرص الاقتصادية المحدودة في الفيوم تأثيرًا سلبيًا على حركة هؤلاء النسوة، ومن ثم على مشاركتهن. وأفصحت النساء عن أن أصهارهن لا يسمحون لهن بقضاء الوقت في شئون لا ضرورة لها من وجهة نظرهم، بينما أزواجهن مسافرون للعمل خارج الفيوم. وعلاوةً على ذلك، أكدت النساء أن هجرة أزواجهن للعمل في الخارج قد تجلب سلوكيات ومواقف جديدة، سواء كانت سلبية أم إيجابية، إلى قراهن. فأولئك الذين يسافرون إلى البلدان الأوروبية قد يعودون بمواقف ليبرالية تجاه أدوار النوع الاجتماعي تصطدم مع تلك الأدوار التي شكّلها المجتمع في قراهم، في حين قد يجلب المسافرون إلى البلدان العربية قيمًا محافظة تجاه أدوار النوع الاجتماعي. وقد تتواءم هذه المواقف المتضاربة مع النظرية التي يضعها بروكس كليم وكاثرين بولزيندال بشأن العلاقة القائمة بين التعلم السياقي والأيديولوجي وتغيير المواقف السائدة تجاه أدوار النوع الاجتماعي.[38] وقد بحثت هذه الدراسة في الآثار التي يفرزها السياق على تغير المواقف التي يتبناها البالغون على صعيد اتجاهات الرأي وافترضت أن المواقف السائدة تجاه أدوار النوع الاجتماعي لها آثار مهمة في سياق المؤسسات الأسرية.
الأعباء الاقتصادية
حسبما ذكرته نساء الفيوم آنفًا، لا يُتوقع من المرأة تأدية جميع الأعمال المنزلية وتربية الأطفال وحسب، بل غالبًا ما يُتوقع منها المساهمة في إعالة أسرتها أيضًا. وفضلًا عن ذلك، تحوّل الأعباء المالية المفروضة على كاهل الشابات، لا سيما التكلفة العالية التي تستتبعها الزيجات، الزواج إلى إجراء يثير الإرباك والحيرة. فقد عبّرت النساء عن مدى الإرباك والحيرة التي يوقعهن فيها هذا الإجراء الذي يضعهن بين المطرقة والسندان، رغم أن الزواج قد لا يكون من اختيارهن. ففي المقام الأول، يتعين على الشابات العمل جاهدات حتى يجمعن التكاليف المالية المترتبة على الزواج (الأثاث والفرش والسكن والحفلة). وتؤكد ديان سينغرمان أن تكلفة الزواج في ريف مصر تبلغ في المتوسط أربعة أضعاف ونصف الناتج القومي الإجمالي لكل فرد، وخمسة عشر ضعف إنفاق الأسرة السنوي لكل فرد.[39] وتزداد صعوبة هذا الوضع بالنسبة للشابات اللاتي يقل حظهن من التعليم؛ إذ يُتوقع منهن الزواج في سن أصغر من قريناتهن اللواتي يمضين سنوات أطول في التعليم قبل زواجهن، لكي تتسنى لهن فرصة أفضل لإيجاد فرصة عمل مناسبة. وبالإضافة إلى ذلك، تشعر الشابات بالضغط بسبب البنية الاجتماعية لحتمية زواج الفتاة في المجتمعات الريفية، حيث يُعتبر أن «القطار قد فات» الفتاة إن هي لم تتزوج قبل بلوغها العشرين من عمرها. قالت صباح، وهي امرأة متزوجة في التاسعة عشرة من عمرها ومن سكان قرية البيضاء: «كنت أخشى من أن أصبح عانسًا إن لم أتزوج قبل سن العشرين». وخلال هذه «الحالة الحدّية»، حسب المصطلح الذي صكّته سينغرمان، تبقى الشابات معتمدات في شئونهن المالية على أسرهن التي تمول جانبًا كبيرًا من تكلفة زواجهن. وهذا يتماشى مع الرواية التي سردتها نادية، أم نيرة، من قبل، حينما صرّحت بأن السبب الذي حدا بها إلى السماح لابنتها بالمشاركة في مشروع صغير يدرّ الدخل عليها كان يتمثل في تمكينها من المساهمة في تكاليف زواجها. ويفرز عبء تكلفة الزواج، والضغط الاجتماعي الذي يشكله الزواج الحتمي للفتيات في المجتمعات الريفية، عواقب هائلة على مشاركة الشابات في الحياة العامة كمًّا ونوعًا. ففي العديد من الحالات، لا يتسنى لهؤلاء الشابات أي وقت فراغ للمشاركة في الأنشطة العامة غير مدفوعة الأجر، بالنظر إلى أنهن يرزحن تحت الضغط الذي يجبرهن على ادخار كل ما يكسبنه من مال على مدى فترة تزيد عن خمس سنوات لكي يجمعن هن وأهلهن ما يكفي لتسديد تكاليف زواجهن. ويتعين على المراهقين عيش حياتهم بحسب القواعد والأخلاقيات التي يمليها أهلهم والقيم السائدة في مجتمعهم عليهم؛ لأنهم يعتمدون اقتصاديًا على أهلهم ولا يُعدّون بالغين حتى يتزوجوا. وقد عبّرت نيرة، وهي امرأة متزوجة في الرابعة والعشرين من عمرها ومن سكان قرية البيضاء، عن ذلك تعبيرًا واضحًا:
«كيف أستطيع أن أقضي أي وقت في الخارج وأنا منغمسة في أعمال المنزل وأعمل لقاء 15 جنيهًا في اليوم [ما يعادل ثلاثة دولارات في ذلك الحين] في مزارع مختلفة في القرية لكي ادخرها لزواجي؟ من المخجل تمامًا أن أذهب وأمرح مثل الفتيات الأخريات وأمي تقتطع جزءً من معاشها التقاعدي المتواضع وتعمل جاهدة مع إخوتي لجمع تكاليف زواجي. لم أستطع فعل ذلك، ولو أتيح لي أن أفعله للامني المجتمع الذي أعيش فيه»
وبينما لا يترك هذا الحال المتردي لبعض النساء وقتًا للمشاركة في أنشطة الحياة العامة، فهو يشجع الشابات الأخريات على المشاركة في مختلف الأنشطة المدنية المدفوعة الأجر. فعلى منوال إيمان التي أدلت بصوتها لصالح مرشح بعينه في إحدى جولات الانتخابات العامة لقاء الحصول على عشرين جنيهًا وبعض مواد البقالة، شاركت أميمة ودرية، وهما شابتان من قرية البيضاء، في مراقبة الانتخابات في جولة من جولات الانتخابات العامة لأنهما كانتا تظنان أنهما ستتلقيان تعويضًا أو منفعة شخصية ما. وأميمة امرأة متزوجة ولديها ابن، ودرية أرملة لديها طفلان. وقد شاركت أميمة والأمل يحدوها في أن تحصل على بدل مالي يومي، وأن يساعدها المرشح في إيجاد فرصة عمل لها إذا ما فاز في الانتخابات. كما كانت درية تأمل في الحصول على شيئين من مشاركتها في مراقبة الانتخابات:
«كنت سعيدة للغاية عندما علمت اختياري للمراقبة في يوم الانتخابات في المدرسة الابتدائية في قريتي. توفي زوجي في حادث السنة الماضية وأنا أكافح في سبيل الحصول على معاشه لأنه لم يكن يحمل بطاقة هوية وطنية… وقالت إحدى جاراتي إنني أنا وطفليّ مؤهلون لتلقي معاش استثنائي، ولكنني لم أتمكن مطلقًا من تقديم طلبي بسبب الإجراءات البيروقراطية الحكومية المعقدة. ولذلك، كنت آمل في أن يساعدني المرشح في تقديم طلب للحصول على هذا المعاش الاستثنائي لكي أربي طفليّ… وفي يوم الانتخابات، تركت طفليّ عند جارتي لكي تعتني بهما وأنا في المدرسة أراقب الانتخابات. ولكن كل ما حصلت عليه في نهاية ذلك اليوم كان وجبة ومشروبًا. وعندما سألت زميلتي –أميمة– عن البدل المالي اليومي، أخبرها فريق المرشح أن المراقبة كانت عملًا تطوعيًا. شعرت بالسوء بعدما قضيت اليوم بطوله بعيدة عن طفليّ بلا طائل. لو كنت أعرف، لما أقدمت على ذلك مطلقًا»
وبينما تمثل هذه الحالات الثلاث –حالة إيمان التي أدلت بصوتها ومراقبة الانتخابات في حالة أميمة ودرية– صورتين من أبرز صور المشاركة السياسية، فمن الممكن أن دوافع المنفعة الشخصية لدى هؤلاء النسوة الثلاث قد أثرت على نوعية مشاركتهن. كما تُبرز هذه الحالات الثلاث أهمية استخدام منهجية بحث مغايرة لدراسة المشاركة في الحياة العامة. وتعدّ رغبة المرء في نفع الآخرين واستعداده للتطوع بوقته وبذل طاقته في ذلك عنصرين مهمّين في التمييز بين المشاركة الخاصة أو العامة للحصول على مكسب شخصي، وبين المشاركة المدنية التي يشارك المواطنون فيها في حياة المجتمع العامة لتحسين الظروف التي يعيشها الآخرون.[40] وبينما يمكن اعتبار هذه المشاركة مشاركة سياسية فاعلة عند تطبيق منهجية كمية، تختلف النتيجة في حال استخدام منهجية تسمح للنساء بتشكيل التجارب التي يخضنها بأنفسهن. ففي حالة هؤلاء النساء، لم تفرز مشاركتهن أي تغيير في الموقف الذي قد يدفعهن إلى مواصلة المشاركة في المستقبل، ويمكن اعتبارها بناءً على ذلك مشاركة مدنية غير فعالة وفقًا للمعايير التي يضعها جون غاستيل وبيتر ليفين.[41] وأخيرًا، قد تبين الأمثلة التي عرضناها أعلاه مدى تعقيد المشاركة في الحياة المدنية في الحالات التي لا يجري فيها الوفاء باحتياجات الإنسان الأساسية أيضًا. ففكرة التطوع بعيدة عن تصور أولئك الذين يعملون من أجل الحصول على لقمة العيش. علاوةً على ذلك، تظهر الروايات التي أدلت بها النساء المذكورات مدى تداخل قضية الهوية مع مشاكلهن الاقتصادية والاجتماعية، وتبين مدى تشابك الكفاح الذي تخوضه المرأة في سبيل المشاركة في الحياة العامة.
الخلاصة
أوضحت الروايات التي سردتها النساء في النقاش السالف كيفية فهم المشاركات في هذه الدراسة المسائل الاجتماعية والثقافية والسياسية التي تؤثر على حياتهن وأدوارهن داخل مجتمعاتهن. وسلطت هذه الروايات الضوء على مواطن التوتر بين أشكال الخطاب التي يشكلها المجتمع ويعمل على إدامتها، وغيرها من أوجه الخطاب المتصلة بالأدوار التي تضطلع المرأة بها في المجتمعات الريفية. ويرد الاقتراح بأن الدور «غير المرئي» –أو «غير المعترف به» إن كان لنا أن نستخدم تعبيرًا آخر– الذي تؤديه النساء الريفيات لا يشير لضعف المشاركة، وإنما يعكس بنية اجتماعية لأدوار هؤلاء النساء. وتتعرض النساء الريفيات المحرومات لأعراف اجتماعية مستشرية، غالبًا ما يبدو أنها تتعارض مع دور عام تؤديه هؤلاء النساء وتقلل من قيمته. وتحد هذه الأعراف الاجتماعية المستفحلة، وما يقترن بها من نظام الأسرة الأبوي السائد، من حركة النساء وتنقلهن للمشاركة في الحيز العام والاضطلاع بدور متساوٍ فيه على المستويين الوطني والمحلي. وتعد قضية الجنسية والهوية الوطنية قضية مشتركة بين جميع النساء، وتتداخل مع الحقوق الثقافية والسياسية والاقتصادية، إذ تسهم في إعاقة مشاركة المرأة في الحياة العامة في المجتمعات الريفية. وثمة تباين واضح على صعيد تمكين المرأة بين النساء الريفيات ونظيراتهن في المناطق الحضرية. وينطوي هذا التباين على ممارسة التمييز بحق النساء الريفيات، إذ يحرمهن من حقوقهن الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الأساسية في المشاركة في الحياة العامة. وفي الوقت نفسه، لا تتناول معظم الأبحاث الصراعات التي تخوضها هؤلاء النساء تناولًا وافيًا. وقد كشفت النقاشات النقاب عن الحاجة الماسّة إلى اعتماد مقاربات مختلفة تملك القدرة على الاطّلاع على الواقع الذي تعيشه النساء، والتجارب اليومية التي يمرُرن بها؛ من أجل بلوغ مستوى أفضل من فهم التحديات الفريدة وغير المعترف بها التي يواجهنها على صعيد المشاركة المتساوية في الحياة العامة. وفضلًا عن ذلك، أظهرت الروايات التي أدلت النساء بها أن مفهوم الجنسية بات قائمًا على النوع الاجتماعي، ويسهم في الصراعات التي تخوضها المرأة لكي تضطلع بدورها على قدم المساواة مع الرجل. وأخيرًا، قدمت هذه الدراسة عدة اقتراحات وأضافتها إلى النظرية والممارسة في ميدان التنمية الدولية، وتحديدًا فيما يتعلق بالأبحاث المتقاربة التي تُعنى بحقوق المرأة. وينبغي لواضعي السياسات على مستويي الحكومات الوطنية والدولية والمجتمع المدني الدولي أن يكونوا على وعي بالمسائل التي لا تحظى بالاعتراف وتعوق مشاركة النساء الريفيات في الحياة العامة.
هذا المقال كتب في الأصل باللغة الانجليزية لرواق عربي
[2] المصدر السابق.
[3] برادي، مارثا (2005). تهيئة أحياز آمنة وبناء الأصول الاجتماعية للشابات في العالم النامي (Creating Safe Spaces and Building Social Assets for Young Women in the Developing World). فصلية دراسات المرأة (Women’s Studies Quarterly)، 33 (2)، ص. 35-49.
[4] أوبرميير، كارلا (1992). الإسلام والمرأة والسياسة: ديموغرافيا البلدان العربية (Islam, Women, and Politics: The Demography of Arab countries). مجلة مراجعة السكان والتنمية (Population and Development Review)، 1 (18)، ص. 33-60.
[5] رمضان، ندى (2012). تصوُّر مصر الجديدة وتعريفها: المرأة والنوع الاجتماعي في انتفاضة الخامس والعشرين من يناير والفترة الانتقالية (Envisioning and Defining New Egypt: Women and Gender in the January 25th Uprising and the Transitional Period).
[6] المصدر السابق.
[7]منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي، الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (2019). المشاركة السياسية للمرأة في مصر: العقبات والفرص وحساسية النوع الاجتماعي في مؤسسات سياسية مختارة (Women’s Political Participation in Egypt: Barriers, opportunities and gender sensitivity of select political institutions). منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي، ص. 1-73.
[8]جوزيف، سعاد (1996). النوع الاجتماعي والجنسية في دول الشرق الأوسط (Gender and citizenship in Middle Eastern States). تقرير الشرق الأوسط (Middle East Report)، ص. 4-10.
[9]المصدر السابق.
[10]بارغين، أوليفيير، وديلفين بوتين، وهايغز تشامبو (2019). المشاركة السياسية للمرأة والتمكين داخل الأسرة (Women’s Political Participation and Intrahousehold Empowerment). مجلة اقتصاديات التنمية (Journal of Development Economics)، 12 (1)، ص. 109-141.
[11]البحيري، سماح (2020). إلقاء نظرة متعمقة على منهاج مادة الاحتمالات المرتقب لقطاع التعليم الأساسي في مصر (Providing Insights into the Intended Curriculum of Probability for Basic Education Sector in Egypt). المجلة الدولية لتعليم الرياضيات (International Journal of Mathematics Education)، 15 (2)، ص. 67-89.
[12]المصدر السابق.
[13]المصدر السابق.
[14]غينزبيرغ، مارك بي، ونجوى م. مجاهد (2021). أشكال الخطاب العالمي وإصلاح التعليم في مصر (Global Discourses and Educational Reform in Egypt). مجلة أبحاث التعليم في منطقة المتوسط (Educational Scholarship across the Mediterranean)، ص. 171-195.
[15]مرشاق، نديم (2020). السلطوية والتعليم وحدود التنشئة الاجتماعية السياسية في مصر (Authoritarianism, education and the limits of political socialisation in Egypt). مجلة السلطة والتعليم (Power and Education)، 12 (1)، ص. 39-54.
[16]عدلي، فدى (2019). إنهاء استعمار أسئلتنا/إنهاء استعمار إجاباتنا (Decolonizing Our Questions/Decolonizing Our Answers). مجلة النوع الاجتماعية والتعليم (Gender and Education)، 31 (4)، ص. 452-457.
[17]أبو لغد، ليلى (2010). الحياة الاجتماعية الفاعلة «لحقوق المرأة المسلمة»: نداء إلى الإثنوغرافيا، دون الجدل، مع حالات من مصر وفلسطين (The Active Social Life of “Muslim Women’s Rights”: A Plea for Ethnography, Not Polemic, with Cases from Egypt and Palestine). مجلة دراسات المرأة في الشرق الأوسط (Journal of Middle East Women’s Studies)، 6 (1)، ص. 1-45.
[18]ليك، رونالد وروبرت هاكفيلدت (1998). رأس المال الاجتماعي والشبكات الاجتماعية والمشاركة السياسية (Social Capital, Social Networks, and Political Participation). مجلة علم النفس السياسي (Political Psychology)، 19 (3)، 567-584.
[19]غريس، مارغريت، وليني جون (1998). بناء النساء الريفيات وإعادة بنائهن في أستراليا: سياسة التغيير والتنوع والهوية (Constructing and Reconstructing Rural Women in Australia: The Politics of Change, Diversity and Identity’). مجلة «سوسيولوجيا روراليس» (Sociologia Ruralis)، 38 (3)، ص. 351-370.
[20]حسين، حسن (2022). مجالات غير تقليدية للمشاركة العامة: دراسة حال من ريف مصر (Unconventional Avenues for Public Participation: A Case Study from Rural Egypt). مجلة اللقاءات الاجتماعية (The Journal of Social Encounters)، 6 (1)، ص. 49-61.
[21]للاستزادة حول السياق الريفي في مصر، انظر محمد، حسن (2017). شبكات التواصل الاجتماعي غير الرسمية، والتعليم المدني والمشاركة السياسية للمرأة (Informal social networks, civic learning, and women’s political participation). رسالة دكتوراه. تم الاسترجاع من موقع أطروحات بروكويست (ProQuest).
[22]كوهين، لويس، ولورانس مانيون وكيث موريسون (2000). منهجيات البحث في التعليم (Research Methods in Education). نيويورك: روتلدج فالمير.
[23]لينكولن، إيفونا وإيغون غوبا (1985). البحث الطبيعي (Naturalistic Inquiry). سيج.
[24]غيفين، ليزا (2008). موسوعة سيج لمنهجيات البحث النوعي (The Sage Encyclopedia of Qualitative Research Methods). منشورات سيج.
[25]أبو لغد، ليلى (1991). الكتابة ضد الثقافة (Writing Against Culture). في ريتشارد جي. فوكس (محرر)، استعادة الأنثروبولوجيا: العمل في الزمن الحاضر (Recapturing Anthropology: Working in the Present). سانتا في، نيومكسيكو: مطبعة مدرسة الأبحاث الأمريكية.
[26]هانفر-بيرتون، إيميلي، وسوزان هايد، وريان جابلونسكي (2018). مراقبة الانتخابات: العنف الانتخابي، وانتصار أصحاب المناصب وتداعيات ما بعد الانتخابات (Surviving Elections: Election Violence, Incumbent Victory and Post-Election Repercussions). المجلة البريطانية للعلوم السياسية (British Journal of Political Science)، 48 (2)، ص. 459-488.
[27]سانيال، بولامي (2016). الانتخابات البرلمانية في مصر، 2015 (Parliamentary Elections in Egypt, 2015). مجلة المراجعة المعاصرة للشرق الأوسط (Contemporary Review of the Middle East)، 3 (4)، ص. 445-454.
[28]بلايدز، ليسا، وصافيناز الطاروطي (2009). مشاركة المرأة في الانتخابات في مصر: آثار النوع الاجتماعي على استقطاب الناخبين وحشدهم (Women’s electoral participation in Egypt: the implications of gender for voter recruitment and mobilization). مجلة الشرق الأوسط (The Middle East Journal)، 63 (3)، ص. 364-380.
[29]بريستون، جوليا (2017). عمر عبد الرحمن، رجل الدين الضرير الذي أدين بالتآمر على شن «حرب الإرهاب الحضري» توفي عن عمر يناهز اثنين وسبعين عامًا (Omar Abdel Rahman, Blind Cleric Found Guilty of Plot to Wage “War of Urban Terrorism” dies at 78). نيويورك تايمز، تاريخ الاطلاع 18 فبراير 2022، https://www.nytimes.com/2017/02/18/world/middleeast/omar-abdel-rahman-dead.html
[30]المصدر السابق.
[31]ألبريخت، هولغر (2013). السخط على الآلة: المعارضة السياسية في ظل السلطوية في مصر (Raging Against the Machine: Political Opposition Under Authoritarianism in Egypt). سيراكوز، نيويورك: مطبعة جامعة سيراكوز.
[32]المصدر السابق.
[33]مقابلة، أغسطس 2017.
[34] المصدر السابق.
[35] السعداوي، نوال (2007). الوجه الخفي لحواء: المرأة في العالم العربي (The Hidden Face of Eve: Women in the Arab World). لندن: كتب زد.
[36] محمود، صبا (2011). سياسة الصلاح: الصحوة الإسلامية والذات النسوية (Politics of Piety: The Islamic Revival and the Feminist Subject). برينستون: مطبعة جامعة برينستون.
[37] المصدر السابق.
[38] كليم، بروكس وكاثرين بولزيندال (2004). التحول في المواقف تجاه أدوار النوع الاجتماعي في الولايات المتحدة: استبدال الجماعات والتغيير البنيوي الاجتماعي والتعلم الأيديولوجي (The transformation of US gender role attitudes: Cohort replacement, social-structural change, and ideological learning). مجلة أبحاث العلوم الاجتماعية (Social Science Research)، 33 (1)، ص. 106-133.
[39] سينغرمان، ديان (2007). الواجبات الحتمية للزواج: الممارسات والهويات الناشئة في أوساط الشباب في الشرق الأوسط (The Economic Imperatives of Marriage: Emerging Practices and Identities Among Youth in the Middle East). مركز وولفنسون للتنمية.
[40] أدلر، ريتشارد وجودي غوغين (2005). ما الذي نعنيه «بالمشاركة المدنية»؟ (What Do We Mean By “Civic Engagement”?). مجلة التعليم التحويلي (Journal of Transformative Education)، 3 (3)، ص. 236-253.
[41] غاستيل، جون وبيتر ليفين (2005). كتيب الديمقراطية التداولية: استراتيجيات المشاركة المدنية الفعالة في القرن الواحد والعشرين (Deliberative Democracy Handbook: Strategies for Effective Civic Engagement in the Twenty-First Century). سان فرانسيسكو، كاليفورنيا: مطبعة جوسي-باس.
Read this post in: English