دراسات

العاصمة الإدارية الجديدة: السلطة وتجريد حق الإنسان في المدينة المصرية

حمل هذا المقال كبي دي إف

الإشارة المرجعية: رواق عربي (2024). العاصمة الإدارية الجديدة: السلطة وتجريد حق الإنسان في المدينة المصرية. رواق عربي، 29 (2)، 174- 190. DOI: 10.53833/WBOO4072.

خلاصة

برزت العاصمة الإدارية الجديدة كرمز لقوة الجمهورية الجديدة في مصر ومؤشر على استقرارها السياسي والاقتصادي، لكنها واجهت أيضًا تحديات اختبرت مدى قدرتها على تنفيذ كل هذا. يتمحور التساؤل الرئيسي للمقالة حول مدى التأثيرات الاقتصادية والاجتماعية والعمرانية لإنشاء العاصمة الإدارية الجديدة على عمران القاهرة والمدن المصرية الأخرى. تختبر المقالة مدى صدق الرواية الرسمية للدولة بشأن العاصمة؛ لترتكز على فرضية التأثير المباشر وغير المباشر للمشروع على حقوق المواطنين المصريين في العمران والتنمية الحضرية، فضلًا عن العلاقة السلبية التي نشأت بين المدينة الجديدة والمدن الأخرى السابقة عليها في مصر. وقد اعتمدت المقالة بشكل رئيسي على تحليل خطاب الدولة الممثل في أولئك الذين تولوا مسئولية إنشاء العاصمة الإدارية سياسيًا واقتصاديًا وكذلك إداريًا، بالإضافة إلى التقارير الصحفية التي تناولت مواضيع مختلفة عن المدينة الجديدة ومدى علاقتها باقتصاد الدولة وتأثيرها عليه. استنتجت المقالة أن العاصمة الإدارية الجديدة ليست مجرد مشروع عمراني جديد في مصر، وإنما هي تشكل خطورة حقيقية على بنية المجتمع المصري في القاهرة تحديدًا ومحافظات مصر الأخرى إجمالًا، الأمر الذي يستدعي إعادة تقييم شامل لطبيعة العمران داخل المدينة الجديدة فضلًا عن السياسات المالية والاقتصادية المرتبطة بها.

مقدمة

تبدو رواية الدولة عن العاصمة الإدارية مثالية إلى حد كبير، فتأسيس مدينة جديدة على مساحة ضخمة كتلك لا يستلزم تمويلًا من خزانة الدولة أو أن يؤثر على بنية الاقتصاد الوطني، فضلًا عن كل هذا؛ فإنه سيحل مشاكل القاهرة العمرانية، تلك المشاكل التي ورثتها القاهرة على مدار مئات السنوات دون حل أو تفكيك. لذا فإن مشروع العاصمة يهدف بالأساس لتحقيق نهضة عمرانية شاملة بالمدينة المصرية وتغييرًا جذريًا في طريقة التفكير نحو العمران والتحضر.

في واقع الأمر، تشكل القاهرة عبئًا ثقيلًا عن الدولة المصرية، بما تعانيه من مشاكل تتعلق بالاكتظاظ السكاني، والتكدس المروري، وهي مشاكل ورثتها المدينة جراء سياسات مختلفة في أوقات متعددة، الأمر الذي يجعل التفكير في حلها أمرًا ضروريًا ومثيرًا للاهتمام. على جانب أخر، تكمن مشكلة أخرى تتعلق بطريقة الحل وكيفية تنفيذ هذا الحل على أرض الواقع، خاصة في ظل التغيرات السريعة التي يشهدها الاقتصاد المصري جراء السياسة التي تنتهجها الدولة المصرية في العقد الأخير والتي ولدت بدورها تخبطًا إداريًا عميقًا.

في النهاية لا يمكن التفكير في حل لمشاكل القاهرة دون التعامل معها بطريقة مباشرة داخل حدود المدينة، وبالتالي فإن فكرة إنشاء مدينة أخرى تحمل معها حلولًا للمدينة القديمة يعد أمرًا بحاجة لمزيد من التحليل والدراسة.

إن السؤال الرئيسي الذي يرتكز عليه البحث هو اختبار مدى صدق تلك الرواية، والبحث عن مدى تأثير بناء العاصمة الإدارية الجديدة على بنية الاقتصاد المصري وعمران المدن الأخرى، وبالتبعية تأثير هذا على حقوق المصريين في العمران، وحقوقهم في المدينة والمساحات العامة والسكن الجيد والعدالة العمرانية، وحقهم في المدن الجديدة التي تعمل الدولة على إنشائها أيضًا.

في ظل هذا السياق، فإن تحليل خطاب الحكومة ذاته سيكون هو المنهجية الرئيسية التي ستعتمد عليها المقالة؛ وذلك عن طريق اختبار مدى صدق هذا الخطاب ومقارنته بالواقع العمراني والمعيشي للمدينة الجديدة من خلال الزيارات الميدانية، والتي صاحبها مقابلات متعددة لموظفين وعاملين فيها. تمحورت هذه المقابلات حول ماهية عملهم والصعوبات والتحديات التي تواجههم، ومدى تلبية المدينة، بعمرانها المترامي، لاحتياجاتهم. وتضمنت استطلاعات الرأي أيضًا نقاشات مع «البروكرز» أو الوسطاء العاملين في شركات العقارات؛ دار الحوار معهم حول ماهية الشركات التي تعمل في عمران المدينة الجديدة، وحجم الاستجابة المجتمعية لهذه النوعية من الوحدات السكنية، ماهية الطبقات المستهدفة بالأساس. إلى جانب ذلك، شكلت المقالات الأكاديمية والصحفية التي تناولت العاصمة الإدارية الجديدة بطريقة أو بأخرى، في مجالات مختلفة اقتصادية أو عمرانية، أحد الأسس التي بُنيت عليها المقالة. تلتزم المقالة في البداية بما تصدره الدولة وتتبناه من خطاب رسمي، ومن ثم تختبر مدى طبيعة هذا الخطاب وما إذا كان خطابًا حقيقيًا أم يمكن التشكيك في مصداقيته، بالإضافة إلى الإجابة على سؤال آخر مهم بشأن الهدف الرئيسي من خطاب الدولة هذا؟

يمثل خطاب الدولة في حد ذاته الرواية الأهم بشأن العاصمة الإدارية؛ إذ إنه هو المتحدث الرسمي والوحيد باسم تلك المدينة التي ظهرت كمشروع وطني مصري لا يمكن التشكيك في نواياه، لذا لا يمكن بأي حال من الأحوال تحليل طبيعة العمران في المدينة الوليدة دونما الاشتباك مع رواية الدولة والتعامل معها بجدية. تلك المنهجية أراها ضرورية ويجب الأخذ بها، لعدة أسباب: أولها التأثير العميق الذي يصاحب خطاب الدولة على قطاعات كبيرة من المواطنين المصريين، خاصة مع مساندة الأذرع الإعلامية للدولة. والسبب الثاني هو أن الدولة هي صاحبة الكلمة الأولى والمصدر الرئيسي والأوحد تقريبًا في معرفة طبيعة هذا العمران وتطويراته؛ لذا فإن تنحية خطاب الدولة وتجاهله من شأنه عرقلة الوصول إلى تحليل حقيقي وملموس لتلك الظاهرة. فيما يستند السبب الثالث، والذي أراه محوريًا في ترسيخ تلك المنهجية، إلى السلطة التي تمتلكها الدولة في تنفيذ قرارات محورية كتلك؛ فتنفيذ مشروع العاصمة الإدارية هو في النهاية قرار نابع من سلطة قوية تمتلك زمام الأمور في مصر؛ لذا يجب التعامل معه بجدية ومناقشته بشكل عميق.

من خلال تلك الآلية المنهجية تتوصل المقالة إلى فرضيتين؛ الأولى تتمثل في عمران العاصمة الإدارية ذاته، العمران الإقصائي الذي يخدم طبقة اجتماعية واحدة ترتبط مصالحها الاقتصادية والسياسية مع ما تنتهجه الدولة من سياسات عامة، والذي يمكن استنباطه من طبيعة العمران في المدينة والحيز الجغرافي لمنشآت بعينها داخل حدودها. وتتلخص الفرضية الثانية في أنه قد نشأت علاقة سلبية بين العاصمة الإدارية وبين بقية المدن المصرية؛ إذ بات تطور المدن المصرية أو انهيارها مرهونًا بالعاصمة الإدارية ونشأتها. يمكن قراءة تلك الصورة من خلال عناصر رئيسية، كان أهمها بالتأكيد الاقتصاد وتأثير نشأة العاصمة السلبي عليه، بالإضافة إلى تمهيد الطريق لنمو العاصمة، الطريق الذي جاء على حساب المدن الأخرى من خلال المشاريع التي أعاقت نموها وأثرت عليها بشكل سلبي.

بشكل عام، شكلت دراسة طبيعة العمران وتطوره في القاهرة تحديًا للباحثين نتيجة تراكميتها التاريخية وتعقيدها الاجتماعي، سواءً كانت تلك الدراسات تتعلق بتاريخ المدينة منذ نشأتها حتى يومنا هذا، أو ما اهتم بفكرة التطور العمراني وتشابكاته مع السكان في العصر الحديث. يُقصد بذلك الفترة المحورية في تاريخ المدينة، منذ القاهرة الإسماعيلية التي أسسها الخديوي إسماعيل حتى الأحياء التي تم إنشاؤها في عهد الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك. لقد اهتم مؤرخو العمران بتأصيل تطور القاهرة العمراني، ومن بينهم المؤرخة جانيت أبو لغد التي كتبت «القاهرة: 1001 عام من انتصار المدينة» (Cairo: 1001 Years of the City Victorious[1] وأندريه ريمون في كتابه «القاهرة: تاريخ حاضرة»،[2] ونزار الصياد في كتابه «القاهرة وعمرانها تواريخ وحكام وأماكن».[3] اهتمت تلك الكتب بسرد التطور العمراني للقاهرة –المدينة الألفية– وطبيعة العمران لكل فترة تاريخية فيها. على مستوى آخر، فإن الكتابات التي اهتمت بتحليل موقع القاهرة العمراني والأحياء السكنية غير الرسمية فيها، بالإضافة إلى المدن الجديدة، مارست دورًا مهمًا في تفكيك تركيبة القاهرة العمرانية المعقدة. إذ شارك ديفيد سميز بكتابه الهام «فهم القاهرة: منطق مدينة خارجة عن السيطرة» ( Understanding Cairo: The Logic of a City out of Control) في صياغة منهج فريد في تعامله مع طبيعة العمران في القاهرة بنظرة سياسية، منتقدًا سياسية الإسكان التي تعمل عليها الدولة في المدينة التي تخرج عن السيطرة. وانصب تركيزه على الإسكان غير الرسمي والتطورات التي تعمل عليها الدولة والتي تناقض مفهوم حلها.[4] كذا فإن ديفيد سيمز له كتابًا آخر يحاول حل إشكالية مدن الصحراء التي تسعى مصر لتعميرها، وقد مثّل هذا الكتاب مرجعًا تم الاعتماد عليه لفهم آلية الدولة نحو تعمير الصحراء؛[5] إذ تحتل العاصمة الإدارية الجديدة موقعًا صحراويًا يجعلها كأحد تلك المدن الطموحة للدولة المصرية.

إن التحدي الرئيسية الذي ارتبط بالعاصمة الإدارية الجديدة وطبيعة نشأتها ومراحل تطورها، يتمثل في غياب المعلومات وانعدام الشفافية، وهو الأمر الذي انعكس سلبًا على طبيعة البحث والعمل عليها. رغم ذلك، ظهرت بعض الدراسات المتباينة في جديتها التي تناولت العاصمة الإدارية، واختلفت بين مقالات رأي أخذت منحى صحافي أكثر منه أكاديمي، وبين دراسات أكاديمية. فمنذ عام 2015، وهي السنة التي تم الإعلان فيها عن تدشين مشروع العاصمة الإدارية الجديدة، كتب عدد من الباحثين والصحفيين مقالات حول ماهية هذا المشروع. تلك المقالات كانت أشبه بحوار من طرف واحد، يطرح أسئلة تتعلق بأولويات الإنفاق وطبيعة العمران في الصحراء، والتجارب السابقة التي مرت بها القاهرة ومُنيت فيها بالفشل بسبب سوء الإدارة وعدم التشاور المجتمعي. من بين أبرز تلك المقالات، ما كتبه الأكاديمي والمؤرخ المصري خالد فهمي،[6] إذ كانت المقالة أشبه بأسئلة موجهة للسلطة في مصر حول طبيعة مشروع العاصمة الإدارية الجديدة. في السياق نفسه، شاركت مدى مصر[7] والمنصة[8] عبر عدد من كتابها في نقد فكرة إنشاء مدينة جديدة في الصحراء. كان من بين تلك المقالات أيضًا ما كتبه ياسر الششتاوي عن العاصمة الإدارية الجديدة والتي وصفها على حد تعبيره، بـ «حماقة أخرى».[9] لا يمكن إغفال الصحافة الأجنبية التي أدلت بدلوها هي الأخرى، والتي اتخذت بُعدًا اقتصاديًا أكثر، وربطتها بانهيار العملة المصرية جراء عمليات الاستدانة المستمرة.[10]

أما الدراسات الأكاديمية التي تناولت طبيعة العمران في المدينة، والتي تم الاعتماد عليها في هذه الدراسة كأحد مصادر تحليل العمران الخاص بالعاصمة الإدارية الجديدة، فهي رغم اختلافها تبقى محدودة. وقد مثلت دراسة حسن المولهي[11] إحدى أهم المقالات التي ركزت على دراسة العمران في مدينة القاهرة، لكنها اهتمت أكثر بتحليل العاصمة كنموذج من نماذج مدن النيوليبرالية في مصر، ولم تهتم بالسياق السياسي والاجتماعي الذي شُيدت تحت كنفه تلك المدينة. قدمت ميريت خورشيد دراسة عن العاصمة الإدارية الجديدة في صورة رسالة ماجستير،[12] الأطروحة التي تحدثت عن العاصمة الإدارية الجديدة ضمن سياق تاريخي ومقاربي للمدن السابقة في مصر خاصة مدينة السادات. كانت هناك بعض الأعمال الأخرى، مثل دراسة باتريك لوفريت وكريستيان شتاينر،[13] التي انطلقت من مبدأ تحليلي للعمران داخل حدود العاصمة، لقد كانت تلك المقالة جريئة في طرحها ومنهجيتها، وتركت المزيد من الأسئلة حول طبيعة العمران في المدينة الجديدة.

اللافت في تلك الدراسات أن تاريخ صدورها كان مبكرًا إلى حد ما، إذ تتراوح تواريخ إصدار تلك الدراسات بين 2017 حتى 2020، وهو ما يجعل الحكم على العاصمة الإدارية الجديدة غير مكتمل بصورة نهائية. فالعاصمة المصرية الجديدة التي تشهد تغيرًا سريعًا بسبب الأوضاع الاقتصادية والسياسية المتوترة داخل مصر، تجعل من فكرة الحكم عليها في وقت مبكر نسبيًا كهذا أمرًا ربما يجانب الصواب في بعض الأحيان. تلك الدراسات تناولت العاصمة الإدارية الجديدة ونشأتها ضمن إطار تاريخ التطورات العمرانية لمدينة القاهرة، دون الحديث عنها بشكل مركز واعتبار السياق السياسي في الوقت الراهن لها سياقًا استثنائيًا، وهو ما ستركز عليه تلك الدراسة تحديدًا.

في سياق متصل لا يمكن إغفال الكتابات التي أخذت منحى سياساتي أكبر، مثل ما أنتجه مركز حلول للسياسات البديلة التابع للجامعة الأمريكية في القاهرة في هذا السياق، ويقصد بهذا مقالتي أميرة الهاكع[14] وعلي النادي،[15] إذ اهتما بتحليل الطبيعة الاجتماعية والاقتصادية للعاصمة الإدارية الجديدة.

ارتبطت المدينة الجديدة بغطاء سياسي دفع للتعامل معها باعتبارها مشروعًا قوميًا، رغم أن إنشاء العاصمة الإدارية الجديدة لم يكن نابعًا من قرار مجتمعي شامل، أو مجلس تشاوري يبحث في طبيعة العمران في القاهرة وما تحتاجه؛ وإنما كان قرارًا سياديًا تم البدء فيه دونما النظر لطبيعة العمران في المدينة. الأمر الذي أوجد حالة عدائية بين المواطن العادي في الشارع المصري ومشروع العاصمة، يمكن قراءته واستنباطه من خطاب الناس، وكذا عبر خطاب الدولة ذاته الذي يخاطب المواطن عن ضرورة إنشاء المدينة، وأنها لا تؤثر على دخله الشهري أو حياته الاقتصادية.

يتناول هذا البحث ثلاثة محاور رئيسية متقاطعة، تبدأ بالجانب الاقتصادي باعتباره الجانب الأهم في عملية إنشاء وتطوير المدينة من ناحية ومن ناحية أخرى كون الاقتصاد هو عماد الدولة، يبدأ هذا العنصر بتكلفة البناء التي تتعمد الدولة إخفائها وينتهي بالتأثير سلبًا على المواطن القاطن خارج المدينة، والتي لا يمكن فصل تلك العلاقة بينهما. العنصر الثاني يتناول عمران المدينة نفسها وإلى أي مدى التزمت بالتنوع الاجتماعي والديموغرافي فيه، بتحليل طبيعة المنشآت العمرانية والأحياء السكنية في المدينة بالإضافة إلى تحليل طبيعة بعض المنشآت الضخمة التي رعتها الدولة وتبنت عملية إنشائها كمشاريع قومية داخل المدينة. فيما يحلل العنصر الثالث تأثير إنشاء المدينة الجديدة على أحياء القاهرة والمدن الأخرى في مصر، وإلى أي مدى تأثر العمران وتأثرت طبيعة الحياة الاجتماعية في تلك المدن بسبب العلاقة العمرانية والاقتصادية بين المدينة الجديدة والمدن الأخرى في مصر، وذلك عن طريق تحليل طبيعة وضع هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة ودورها، بالإضافة إلى تسليط الضوء على عناصر أخرى مشتركة بطبيعة الحال داخل المجتمع.

رؤية لمستقبل مصر في إطار الجمهورية الجديدة

في مؤتمر دعم وتنمية الاقتصاد المصري الذي أُقيم في مدينة شرم الشيخ في مارس 2015، تم الإعلان عن التعاقد مع دولة الإمارات العربية المتحدة بشأن إنشاء مدينة جديدة تكون بمثابة عاصمة جديدة للدولة المصرية. إثر ذلك، أُنشئت المدينة تحت اسم مؤقت «العاصمة الإدارية الجديدة» سنة 2016، بموجب القرار الذي حمل رقم 57. وفقًا لهذا القرار تم تغيير نطاق محافظة القاهرة الجغرافي، النطاق الذي غير كذلك من جغرافية محافظة السويس؛ إذ استحوذت المدينة الجديدة على أجزاء من محافظة السويس، فيما أصبحت بعد تغيير نطاقها الجغرافي جزءً من محافظة القاهرة، الوضع الذي يتناسب مع وضعية الدستور الذي يستوجب وجود البرلمان في العاصمة المصرية. تم تقسيم تلك المدينة الجديدة إلى عدد من الأحياء التي تنوعت بين كونها أحياءً حكومية وخاصة، فضلًا عن تلك الأحياء التي تخص الرئاسة المصرية ومقر قيادة الجيش المصري الجديد. تضم المدينة قصرًا رئاسيًا جديدًا وبرلمانًا ومقار وزارية وهيئات حكومية، وسفارات ومقار لشركات القطاع الخاص، ومقرًا جديدًا للبنك المركزي المصري، ثم أحياءً سكنية على هيئة كمبوندات «أحياء سكنية مغلقة» أو أحياءً مفتوحة بطبيعة عمرانية خاصة. تم تخصيص أكثر من 166 ألف فدان لإقامة المدينة الجديدة، وتم على إثرها تأسيس شركة تتولى مسئولية إنشاء المدينة، شركة مشتركة بين هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة التي تتبع وزارة الإسكان، وجهاز مشروعات الخدمة الوطنية وجهاز مشروعات أراضي القوات المسلحة.[16]

رغم أن هذه التجربة العمرانية في القاهرة ليست الأولى من نوعها، إذ سبقتها تأسيس مدن مثل مدينة نصر في عهد الرئيس المصري الأسبق جمال عبد الناصر، ومدينة السادات في عهد الرئيس المصري الأسبق محمد أنور السادات؛ إلا أن سياق إنشاء العاصمة الإدارية الجديدة السياسي والاجتماعي، بالإضافة إلى طبيعتها العمرانية الضخمة تجعل منه نموذجًا استثنائيًا، يصعب مقارنته بأي نموذج آخر. لقد استهدفت الدولة المصرية من خلال هذا المشروع الطموح حل مشاكل القاهرة العمرانية والمرورية، فضلًا عن إنشاء مدينة جديدة من الصفر ذات بنية تحتية مختلفة عن تلك التي تعاني منها القاهرة الكبرى على مدار تاريخها الطويل. وشكّل المشروع، وفقًا لرؤية الدولة المصرية في هذا الوقت، عاملًا مهمًا ورئيسيًا في تأسيس منظومة جديدة أطلق عليها لاحقًا اسم الجمهورية الجديدة. وكان الزخم الإعلامي المصاحب لإنشاء تلك المدينة ضخمًا، في ظل التعبيرات التي تصف المدينة دومًا بكونها أكبر العواصم التي تحتوي على أكبر الأبراج وأكبر المساجد والكنائس وأضخم المسطحات الخضراء. يميل الإعلام الرسمي وشبه الرسمي التابع للدولة إلى وصف العاصمة الإدارية الجديدة بكونها أهم مشروع في تاريخ القاهرة العمراني، باعتباره يمثل حلًا جذريًا لكل مشاكل المدينة القديمة، وموقعًا يليق بعاصمة مصر كدولة تاريخية ومركز إقليمي هام في المنطقة.[17]

بين وعود التمويل الذاتي وأعباء الديون المخفية

ضمن احتفالية المؤتمر الوطني للشباب الذي انعقد في محافظة الإسكندرية في يناير 2023، صرح الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أن العاصمة الإدارية الجديدة لم تكلف الدولة جنيهًا واحدًا. وكرر الرئيس المصري كلامه في الخطاب نفسه بالقسم ثلاث مرات أن الدولة لم تنفق على مشروع العاصمة الإدارية أية تكلفة من ميزانيتها.[18] كان الأساس الذي انطلق منه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بحسب تعبيره هو «بيع الفكرة»؛ أي أن المسألة تتلخص في أنها مجرد فكرة، وتلك الفكرة «حولت التراب لفلوس»، جاء هذا عن طريق تحويل أرض بلا قيمة إلى أرض ذات قيمة عالية وطلب متزايد عليها. لقد سبق هذا المؤتمر بشهرين فقط حديث آخر للرئيس، لمح فيه إلى أن الدولة قادرة على إنشاء عشر مدن مثل العاصمة الإدارية، منوهًا بأن تكلفة إنشائها لا تمثل عبئًا على الدولة لأننا نعيش في دولة ذات طلب عالي على الإسكان.[19] سبق هذا الخطاب حديث هامشي آخر ينطلق من الفكرة نفسها خلال كلمته بجلسة استراتيجية تطوير التعليم الذي عُقد في جامعة القاهرة في يوليو 2018، أن «أقسم بالله» أن العاصمة لم تكلف الحكومة جنيهًا واحدًا، وأن الفكرة استندت إلى أساس «إننا مانخدش من الدولة فلوس ونجيب ليها فلوس».[20]

تلك الرواية التي يتحدث عنها السيسي بشكل شخصي هي الرواية نفسها التي انتهجتها الدولة على لسان مسئوليها على مدار سنوات إنشاء العاصمة خاصة في السنوات الأخيرة، بمن فيهم رئيس الوزراء مصطفى مدبولي أحد المنفذين الفعليين وأصحاب الفكرة لمشروع العاصمة الإدارية الجديدة،[21] بالإضافة إلى خالد عباس رئيس شركة العاصمة الإدارية كذلك، الذي أدلى في أكثر من تصريح صحفي وتلفزيوني بأن العاصمة الإدارية لا تلجأ إلى الدولة أو تحتاج من موازنتها أي مبالغ مشددًا على هذا المبدأ.[22]

تنطلق الحكومة من فرضية أن الدولة، ممثلة في شركة العاصمة الإدارية الجديدة، تبيع الأرض في العاصمة وفي المقابل تأخذ تلك القيمة المالية التي باعت بها تلك الأراضي وتستعملها في وضع بنية تحتية للمدينة الجديدة فضلًا عن مدها بشبكة من المواصلات التي تخدم المدينة وقاطنيها، وبالتالي زيادة أخرى في قيمة الشيء «العاصمة الإدارية» وارتفاع قيمتها السوقية، وبالتالي تستفيد الدولة ويستفيد المواطن دونما أي تكلفة إضافية أو اقتصادية عليه. تبدو تلك الرواية مثالية إلى حد كبير، وتخلو من أي مشاكل اقتصادية أو اجتماعية أو عمرانية كذلك؛ فالبنية التحتية التي تكلف الدولة عادة مليارات الدولارات لن تتكبد الدولة منها أي جنيه واحد، فيما ستستفيد كذلك من ارتفاع قيمة الأرض والعقار مع الوقت دون أي مشاكل تعيق حركة التطور العمراني في المدينة الجديدة. لكن السؤال الأهم، إلى أي مدى تستقيم تلك الرواية؟ وما الذي يخبرنا به الواقع عن طبيعة تلك العلاقة بين شركة العاصمة الإدارية الجديدة والدولة؟ والأهم من ذلك هل يؤثر عمران العاصمة الإدارية الجديدة على حق المواطنين في المدن الأخرى؟

تمويل العاصمة الإدارية: نموذج بلا تكلفة؟

تتضح طبيعة تنفيذ الفكرة أكثر مع تصريح وزير المالية محمد معيط في 2019 في حوار تلفزيوني له، والذي أكد فيه أن المشروع لا يُموَّل من الخزانة العامة للدولة. ويوضح معيط المعادلة البسيطة التي تعتمدها الدولة في مشروع العاصمة الإدارية بأنها تخلق قيمة للأرض؛ شارحًا أنه إذا منح شخص ما قطعة أرض مجانًا، فأخذ هذا الشخص قرضًا لإنشاء البنية التحتية فيها وتطويرها، فإن الأرض هكذا تكون اكتسبت قيمة عالية. وبناءً على هذا بإمكان هذا الشخص بيع تلك الأرض وسداد القرض الخاص به والحصول على مكسب إضافي. وأضاف إلى حديثه أنه فضلًا عن هذا فإنه توجد قيمة إضافية أخرى تتمثل في تواجد الحكومة في هذه المدينة، الأمر الذي جعل الجميع –وفقًا لحديثه– يرغب في التواجد بجانبها، ما ساهم أكثر في زيادة قيمة الأرض. ثم تساءل عما يستفيده المواطن من كل هذا، فأجاب على نفسه بأنه يريد أثناء رؤية مصر 2030 أن يقلل العجز وبالتالي يقلل الاستدانة حتى يتسنى له وضع تلك الأموال في الصحة والتعليم وتحسين الأجور بدلًا من وضعها في تسديد الديون وفوائدها، وهو ما ينعكس على المواطن بالتحسن.[23]

إذًا، فإن الدولة ممثلة في وزير ماليتها تعتمد هذه الاستراتيجية المالية التي تستهدف في النهاية خدمة المواطن على حد تعبيرهم، وبغض النظر عن طبيعة تلك التصريحات أو الاستراتيجية التي تعتمدها الدولة في الترويج لمشروع العاصمة الإدارية، وهو ما سيجري تفنيده في هذا الدراسة تحديدًا، إلا أن اللافت في تلك التصريحات الرسمية هو تخيل رأي معارض لفكرة إنشاء العاصمة الإدارية الجديدة دون الحديث عن طبيعة صاحبه، وبالتالي فهو يوجِه له الحديث بالتحديد بألا يعارض فكرة إنشائها لأنها لا تؤثر عليه. يأتي هذا أيضًا بالتزامن مع إنكار الإعلام الرسمي وشبه الرسمي وجود أي اعتراض شعبي على طبيعة إنشاء العاصمة من خلال بث أفلامًا ترويجية وإعلانات لمواطنين وعمال ومهندسين يستفيدون من العاصمة وعمرانها ويرون فيها مشروعًا قوميًا مهمًا.[24]

التمويل والدين في تطوير العاصمة الإدارية: مقاربة نقدية

قال وزير الكهرباء محمد شاكر، في حضور رئيس الجمهورية ورئيس شركة سيمنس الألمانية، أثناء افتتاح محطة كهرباء العاصمة الإدارية مع عدد من المشروعات القومية في مايو 2018: «احنا كل الفلوس اللي احنا أخدينها احنا أخدينها عن طريق استدانة من البنوك ومن جهات التمويل العالمية»، وأتبع ذلك بقوله: «اللي ساعدنا في هذا الأمر بشدة وزارة المالية، عملت الضمانات المالية وأيضًا توفير جزء من التمويل لبعض الأعمال اللي احنا بنعملها».[25]

أنشئت الدولة في العاصمة الإدارية إحدى أكبر محطات الكهرباء في مصر بقدرة 4800 ميجاوات. وبحسب موقع رئاسة الجمهورية، بلغت تكلفة تمويلها 2.041 مليار دولار، بالإضافة إلى 51.34 مليون جنيه.[26] ولقد جاء هذا التمويل عن طريق تجمع من الشركات مكونًا من سيمنس الألمانية وشركة السويدي وأوراسكوم، وهو الكونسورتيوم «تجمع الشركات» الذي نفذ مهمة جمع التمويل للدولة.[27] لقد كان مشروع محطة كهرباء العاصمة الإدارية الجديدة أحد أكثر المشاريع التي روجت لها الدولة، وكانت بمثابة الروح التي بعثت الحياة في تلك المدينة الضخمة.

إلى جانب مشروع محطة الكهرباء روجت الدولة كذلك –وبالقوة نفسها– لمشاريع النقل للعاصمة، والتي تبعد عن القاهرة 55 كيلومتر تقريبًا، وتنعزل عن الأحياء التي تأخذ من حدود القاهرة موقعًا لها بمساحة صحراوية خالية من السكان ومن المنشآت العمرانية، لذا كان من المهم لدى الدولة أن تجعل من فكرة الوصول إلى العاصمة الإدارية أمرًا يسيرًا وهينًا لدى الطبقة المستهدفة والتي ستتم مناقشتها لاحقًا في الدراسة. انقسمت تلك المشاريع إلى مستويين، وهو تهيئة شبكة طرق وكباري ومحاور لتسهيل الوصول إلى العاصمة بالسيارات الخاصة، فيما تمثل المستوى في صورة  إنشاء مونوريل «القطار المعلق»، وقطار خفيف، فضلًا عن إنشاء قطار سريع آخر يربط العاصمة ببعض المدن المصرية الأخرى.[28]

مشروع المونوريل الذي يربط بين القاهرة القديمة وبين العاصمة الإدارية الجديدة ليسهِّل من عملية التنقل إليها فلقد بلغت قيمة التعاقد عليه بين هيئة الأنفاق وكونسورتيوم «بومبارديه الكندية، أوراسكوم، المقاولون العرب» أكثر من 4.5 مليار دولار.[29] وهو ما يعتمد عليه الموظفون –وفقًا لرواية الدولة– في التنقل إلى المدينة الجديدة منذ انتقالهم إليها، إذ يصلون إليه عن طريق مترو الأنفاق، وتحديدًا من محطة عدلي منصور المحطة الأخيرة في الخط الثالث لمترو الأنفاق، ثم إلى القطار الخفيف فيصلون إلى محطة الفنون والثقافة ثم عن طريق أتوبيسات مخصصة لنقل الموظفين إلى المصالح الحكومية. بصرف النظر عن مدى عملية هذا الخط التنقلي، والذي سيتم الحديث عنه في الجزء التالي من الدراسة، إلا أن هذا المشروع كلف الدولة 1.2 مليار دولار مولتها عن طريق قرض من بنك الاستيراد والتصدير الصيني.[30] فضلًا عن هذا، فإن هناك 4.5 مليار دولار قيمة التعاقد مع هيئة الأنفاق وكونسورتيوم «أوراسكوم وسمنس والمقاولون العرب»، من أجل إنشاء القطار السريع الذي يربط العاصمة الإدارية الجديدة بالمدن الساحلية.[31] على الناحية الأخرى، فإن هناك مشاريعًا أخرى كلفت الدولة 3 مليارات دولار استدانتها الدولة عن طريق وزارة الإسكان المصرية لإنشاء أبراج حي المال في العاصمة الإدارية الجديدة من مجموعة البنوك الصينية الممولة للمشروع بقيادة بنك «أي سي بي سي».[32] لم يتوقف إنشاء الدولة لشبكة من النقل العام للعاصمة عند هذا الحد، وإنما تواصل عن طريق تطوير وإنشاء عدد من المحاور والكباري داخل أحياء القاهرة القديمة والتي تربط المدينة القديمة بالعاصمة الإدارية، لقد عملت الدولة، ولا تزال، على هذا الملف بصورة مكلفة إلى حد كبير، ولا توجد أرقام محددة في هذا الملف.

إلى جانب تلك المشاريع، يوجد مشاريع لا يمكن مناقشة طبيعة تمويلها، فالقصر الرئاسي القائم في الشمال الشرقي للمدينة غير معلوم التمويل،[33] وحينما أثير الجدل في 2019 إثر حركة المقاول المصري محمد علي، رد السيسي: «آه آومال ايه.. أنا عامل قصور رئاسية وهعمل قصور رئاسية.. هي ليا.. بس مش بعمله ليا.. مش باسمي.. مفيش حاجة باسمي.. ده باسم مصر.. باسم مصر».[34]

بالإضافة إلى هذا، مارست الدولة، ممثلة في شركة العاصمة وهيئة المجتمعات العمرانية، دور شركات التطوير العقاري في العاصمة الإدارية من خلال إنشاء عدد من الأحياء السكنية بهدف رفع قيمة المدينة عن طريق تطويرها.[35] كانت تلك المشاريع ممثلة في إنشاء أبراج حي المال بتكلفة 3 مليار دولار استدانتها وزارة الإسكان،[36] وإنشاء الحي الحكومي بتكلفة 3.18 مليار دولار أمريكي تمت عن طريق حصيلة بيع الأراضي للمستثمرين.[37]

الأعباء المالية المخفية

بإلقاء نظرة أكثر عمقًا على هذه الاستراتيجية يتضح أن العملية لم تسر على هذا الشكل المستهدف؛ فقد استدانت الدولة عشرات المليارات من الدولارات من أجل إنشاء خدمات بنية تحتية في تلك البيئة القاحلة لجعلها ذات قيمة. الأمر الذي يظهر أن المعادلة التي تحدثت عنها السلطة كانت على مستوى أضيق من فكرة تلك المشروعات؛ إذ كان لابد من إنشاء شبكة طرق ومواصلات ونقل، فضلًا عن مشاريع الكهرباء والمشاريع الخاصة بشركة العاصمة ذاتها، لرفع قيمة تلك الأراضي أو تهيئتها للسكنى، في ظل عزوف الكثير من المستثمرين عن طبيعة العمل في العاصمة الإدارية، وهو ما يبرزه انسحاب الجانب الإماراتي بعد أشهر قليلة فقط من الإعلان عن مشروع العاصمة الإدارية.[38]

إننا هنا نتعامل مع عاصمة سياسية واقتصادية وليس حيًا سكنيًا يمكن التعامل معه بمنطق المطور العقاري. فرغم أن الدولة ذاتها لم تستدن؛ إلا أن المؤسسات التي عملت على تطوير مشاريع العاصمة الإدارية والتي تعمل بشكل مستقل استدانت باسم الدولة، ومن هذا المنطلق يمكن تفسير حديث وزير الكهرباء في 2018 عن طبيعة تمويل مشاريعه في الطاقة عن طريق ما يسمى بالضمانات المالية مثلما أشرت سابقًا.

تستدين تلك المؤسسات بفضل ضمان وزارة المالية، وهو ما يشكل على الوزارة والموازنة العامة بالتبعية ضغطًا كبيرًا، أي أن الأمر لا يخرج عن كونه ديونًا تتكبدها الموازنة العامة للدولة.[39] في البيان المالي عن مشروع الموازنة العامة لعام 2023 – 2024 تتحدث وزارة المالية نصًا عن هذا الأمر بقولها: «إن التسهيلات والديون المضمونة من الخزانة العامة، هي من أهم مصادر المخاطر التي تتعرض لها المالية العامة، ويلاحظ تزايدها من سنة لأخرى، في ظل تزايد عدد الضمانات المصدر وقيمتها، وتركزها في عدد محدد من الجهات، مما يشير إلى اضطرار وزارة المالية لخدمة القروض نيابة عن الجهات المقترضة في المستقبل».[40]

وفقًا للبيان المالي للموازنة العامة 2023/2024، فإن قيمة القروض التي تضمنها وزارة المالية تشكل قرابة 29% من إجمالي الناتج المحلي، بنظرة أدق يمكن فهم هذا من خلال الأرقام التي أوردتها وزارة المالية في البيان المالي نفسه؛ إذ احتلت هيئة المجتمعات العمرانية –اللاعب الرئيسي في عمران العاصمة الإدارية– المرتبة الثالثة بين أكثر الجهات المستفيدة من الضمانات التي تكفلها وزارة المالية للمؤسسات بقيمة 13%، بالإضافة إلى الهيئة القومية للأنفاق بقيمة 8% والتي عملت على مشاريع نقل في العاصمة الإدارية الجديدة (انظر الشكل البياني).

إذًا لقد مولت الدولة عن طريق استدانة المليارات بفوائد مرتفعة مشروع العاصمة الإدارية، وليس كما تدعي أنها لم تكلف الدولة جنيهًا واحدًا، لقد «تلاعبت بالألفاظ» على حد تعبير محمد جاد الذي جاء تعليقًا على المقاربة نفسها ولكن لعام 2022. فضلًا عن ذلك فإن بعض تلك المشاريع والاستثمارات كان ممولًا من موازنة الدولة نفسها، مثل شبكة الطرق القومية التي تخدم الطريق نحو العاصمة الإدارية الجديدة.[41]

[شكل 1]

المصدر: وزارة المالية المصرية، البيان المالي عن مشروع الموازنة العامة لعام 2023 – 2024.

بسبب كثرة تلك الديوان تضرر الاقتصاد كثيرًا في السنوات الأربع الأخيرة ، مما أدى لانخفاض قيمة الجنيه المصري في أكثر من مرة، حتى وصلت قيمة الدولار إلى 48 جنيهًا مصريًا تقريبًا في عام 2024، وهو الأمر الذي وصل إليه النظام المصري بسبب الإجراءات الاقتصادية المضطربة الناتجة عن كثرة الديون واستحقاقية تسديدها، الأمر الذي يضر المواطن المصري على المستوى الفردي، على عكس ما أشار إليه وزير المالية بأن مصاريف إنشاء العاصمة الإدارية الجديدة لا تكلف الدولة شيئًا فضلًا عن كونها لا تؤثر على المواطن المصري بأي حالة من الحالات.[42]

مدينة ذكية بمعايير عمرانية حديثة أم تجربة عمرانية إقصائية؟

وفقًا لخطاب الدولة الرسمي وشبه الرسمي، فإن العاصمة الإدارية الجديدة تظهر كمدينة جديدة بمعايير عمرانية مختلفة عن القاهرة القديمة، تأتي كمدينة تحقق آمال وطموحات الإنسان المصري في القرن الواحد وعشرين، كمدينة حديثة من الجيل الجديد ذات بنية تحتية قوية مع الخدمات الفعالة التي توفرها المدينة لقاطنيها.[43] لكن إلى أي مدى التزمت المدينة الجديدة، أو بالأحرى العاصمة الجديدة، لمعايير العمران العادل؟ وهنا يُقصد بهذا المصطلح أن يكون عمرانًا يخدم الطبقة الاجتماعية الأدنى بالدرجة نفسها التي يخدم بها الطبقة العليا في المدينة، وفقًا لمتطلبات كل طبقة.

عسكرة مستقبل التخطيط العمراني في مصر

في دراسة لباتريك لوفريت وكريستيان شتاينر عن العاصمة الإدارية، يشير الباحثان من خلال تحليل مواقع المنشآت الحكومية والقصر الرئاسي في المدينة الجديدة لوجود غاية أمنية وراء هذا التموضع الجغرافي لتلك المنشآت؛ إذ تستهدف الدولة من خلال مواقعهم حماية القصر الرئاسي، مقر إقامة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، من أي تقلبات أو ثورات أمنية داخل مصر، وهو ما يتضح وفقًا لتفسيرهما تغيير موقع القصر الذي كان سيحتل قلب المدينة إلى شمالها –الموقع الحالي للقصر.[44] فثورة الخامس والعشرين من يناير، التي سبق وشهدتها القاهرة القديمة، قد تسببت في أزمة ثقة داخل أروقة النظام المصري الحالي، وهو ما تبرزه خطابات الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي نفسه مرارًا وتكرارًا تجاه تلك الثورة.[45]

في كتابه «مدن متمردة» يتحدث ديفيد هارفي عما تغير عمرانيًا في ميدان التحرير رمز الثورة القابع في قلب المدينة القديمة، والذي شهد مظاهرات ضد النظام المصري في أكثر من مناسبة. لقد تغير الميدان عمرانيًا بشكل يجعل من السيطرة الأمنية عليه أكثر سهولة.[46] تبدو تلك الفرضية منطقية عند تحليل مواقع اختيار المنشآت العسكرية التي تخدم طبقة الجيش المصري، والتي تم تأسيسها لآلية أمنية معينة تستهدف الحفاظ عليها ضد أي توترات أمنية.

في جنوب المدينة وعلى مسافة 8 كيلومتر تقريبًا من البرج الأيقوني أشهر معالم العاصمة يرتكز ما يُطلق عليه «الكيان العسكري»، وهو عبارة عن مجمع ضخم يضم مقرًا جديدًا لوزارة الدفاع المصرية، ومباني أخرى سكنية خصصت لكبار القادة وضباط القوات المسلحة رفيعي المستوى. يُطلق على مقر الوزارة الجديد اختصارًا اسم «الأوكتاجون» وهو يأخذ شكل مثمن، وبحسب تحليل لوفريت وشتاينر في الدراسة المذكورة، فإنه يحتل مساحة أكبر من مثيلاتها في العالم. يتكون هذا المجمع من عشرة مبان رئيسية، لعشر قطاعات مختلفة في وزارة الدفاع وتم بناؤه على النمط المصري القديم.

على الخط الدائري نفسه الذي يُشكل الأوكتاجون تلتف حلقة بعمق 900 متر تضم بداخلها عددًا من المجمعات السكنية أُطلق على أحد تلك التجمعات، «كمبوند فيلات كبار القادرة»، وهو عبارة عن 30 فيلا ضخمة، إلى جانب عدد من الملاعب المختلفة وحمام سباحة داخل الحديقة المركزية التي تتخذ من منتصف الكمبوند مركزًا لها، فضلًا عن المسطحات الخضراء التي تحتل المساحة الأكبر في التجمع السكني. جنوب هذا الكمبوند وداخل الحلقة نفسها هناك واحدًا آخر، أُطلق عليه كذلك «قصور كبار القادة»، الكمبوند الذي يضم 5 قصور كبيرة فضلًا عن حمام سباحة وملعب كرة قدم وملعبا تنس وحديقة للأشجار المثمرة، لا توجد أي معلومات عمن يمتلك تلك القصور أو والفيلات أو طبيعة عمل هؤلاء القادة داخل مبنى وزارة الدفاع المصرية. تضم تلك الحلقة الدائرية أيضًا عددًا آخر من الكمبوندات التي لا يزال العمل عليها جاريًا حتى الآن، إلى جانب عددًا آخر من ملاعب كرة القدم والنوادي التي تخص كبار القادرة وأبنائهم أيضًا، لقد تم الاعتماد على زيارات ميدانية فضلًا عن تصفح موقع جوجل إرث لفهم ديموغرافيا تلك المنطقة من المدينة.

تتسع حلقة أخرى بعمق كيلومتر واحد لتضم عددًا آخر من الكمبوندات التي تختلف طبيعتها العمرانية بين كمبوندات فيلات وكمبوندات عمائر مرتفعة الأدوار والتي تضم أكثر من وحدة سكنية، وهي كذلك مخصصة لضباط الجيش ذوي المناصب الرفيعة في القوات المسلحة المصرية. تضم تلك الحلقة عددًا آخر من الحدائق والملاعب وكذلك المساجد والمدارس. يبدو هذا الجزء الجنوبي من المدينة وكأنما أُعد خصيصًا للجيش وقادته ومؤسساته، بما فيها وزارة الدفاع والأكاديمية العسكرية المصرية وعددًا من المؤسسات العسكرية كذلك، فضلًا عن الوحدات السكنية التي أُعدت لضباط الجيش المصري.

على الجانب الأخر، يتكون شمال المدينة من ثمانية أحياء سكنية مختلفة تأخذ حرف R تبدأ بـ R1 وتنتهي بـ R8. بعض هذه الأحياء مخصص للضباط منخفضي المناصب في الجيش المصري، أو لهؤلاء الذين يعملون في مناطق أخرى خارج العاصمة. يفصل تلك الأحياء النهر الأخضر الذي يمتد على طول 35 كيلومتر كاملًا بمساحة إجمالية قدرها 6200 فدان، بالإضافة إلى محور محمد بن زايد الذي يقع موازيًا له، ويمتد من بوابة العاصمة الإدارية الجديدة الضخمة ومسجد الفتاح العليم حتى موقع الكاتدرائية التي تقع على آخر حدود المرحلة الأولى من المدينة. فضلًا عن تلك الأحياء ضمت المدينة في جزئها الشمالي أيضًا مجمع الوزارات والمؤسسات الحكومية بالإضافة إلى الحي المالي الذي يضم البرج الأيقوني، إلى جانب القصر الرئاسي الأضخم من نوعه في مصر، والذي يتواجد في الجزء الشمالي الشرقي من المدينة.[47]

[شكل 2]

المصدر: الكيان العسكري كما يظهر من جوجل إرث، تاريخ التقاط الصورة 1 يوليو 2024.

فيما تحتوي المدينة على عدد من المنشآت ذات البنية المعمارية الضخمة؛ فإن مسجد الفتاح العليم يعتلي تلك القائمة. المسجد الذي يظهر عند مدخل العاصمة بقبابه الضخمة ومآذنه المرتفعة التي لا تتناسب مع المنسوب المعماري للمسجد، يبدو وكأنه أُعد خصيصًا لخدمة المراسم العسكرية للدولة المصرية، وهو ما يمكن استنباطه كذلك من احتوائه على عدد من الوحدات الخاصة بالمناسبات، والممر الجنائزي الرسمي الذي يمتد إلى ما يقرب من نصف كيلومتر داخل حدود المسجد. لقد تم الترويج للمسجد في الآونة الأخيرة كأحد أكبر المساجد في العالم وأضخمها، الأمر الذي لم يدم طويلًا حتى نافسه مسجد مصر الكبير الذي لا يبتعد كثيرًا عنه، المسجد الذي يحتوي كذلك على أكبر منبر في العالم وأكبر نجفة إضاءة يشهدان –وفقًا لزيارات ميدانية– صلوات عبد الفتاح السيسي في المناسبات الرسمية من آن إلى آخر بجانب قادة الجيش وضباطه. جدير بالذكر أن المسجد الذي تمت طباعته على العملة المصرية فئة العشرة جنيه هو ومسجد مصر لا يمكن للعامة أن يرتادوهم في الصلوات الخمس، وإنما هو مخصص فقط لتلك النوعية من المناسبات الرسمية، ويفتتح فقط أيام الجمعة ليشهد صلاة الجمعة لقادة القوات المسلحة.

من التخطيط العمراني إلى الواقع الاجتماعي

يبدو هذا التقسيم العمراني وكأنه يحمل بين ثناياه أمرًا مختلفًا عن طبيعة التقسيمات العمرانية والإنشائية للمدن، ويختلف أيضًا عن طبيعة المدن الجديدة التي تم إنشائها طيلة عهد الجمهورية، منذ يوليو 52 حتى الآن. ويبرز هذا الأمر أن طبيعة العمران في العاصمة الإدارية استثنائي في التاريخ العمراني للمدن المصرية، إذ تم إعداد المدينة لطبيعة خاصة وحالة سياسية مختلفة بمعايير إنشائية كذلك مختلفة وهو ما سيتم تفنيده في هذا القسم بوضوح.

يمكن فهم طبيعة هذا الأمر من خلال ملاحظة محمد جاد الذي أوردها في فصله «ما الذي جعل العاصمة الإدارية ذات قيمة» ضمن كتاب «تراكم لا ينفع» بشأن ندرة وجود شركات مقيدة في سوق الأوراق المالية ضمن 422 شركة تطوير عقاري في العاصمة. إذ تتنوع شركات التطوير العقاري والإنشائي في العاصمة الإدارية بين شركات خاصة بالحكومة مثل سيتي إيدج والنصر للإسكان والتعمير، وجمعيات سكنية خاصة بهيئات حكومية، كان الهدف من إنشائها هو خلق مجمعات عمرانية لعدد منتقى ومعين من تلك الهيئات الحكومية، إلى جانب الشركات التي تمارس عملها من الباطن مع الجيش وجهات سيادية. يشير محمد جاد إلى عامل مهم آخر يمكن من خلاله فهم وظيفة تلك الشركات داخل أحياء العاصمة، وهو تواريخ تأسيس تلك الشركات، إذ أن بعض تلك الشركات يعود تاريخ تأسيسه إلى وقت حديث، الأمر الذي يمكن فهمه على أنه إنشاء مخصص لهدف معين وفقًا لطبيعة سياسية راهنة.[48]

تعكس تلك المعطيات –فضلًا عن معطيات أخرى سيتم مناقشتها لاحقًا– أمرًا محوريًا في عمران المدينة المصرية الجديدة، وهو أنه تم إعدادها لشريحة اجتماعية معينة دون الأخرى، الشريحة التي يمكن رؤيتها عن طريق الأحياء السكنية فيها. استهدفت تلك المدينة طبقة ضباط الجيش الذين يعتمد عليهم النظام الحالي في إدارة شئونه السياسية والاقتصادية، وكذا طبقة رجال الأعمال الذي يعملون مع الجيش من الباطن، وهي تلك الطبقة الاجتماعية التي اكتسبت ثروتها بشكل سريع ولافت للانتباه في السنوات العشر الأخيرة. تعكس مؤشرات متوسط سعر المتر في العاصمة الإدارية الجديدة تلك الحقيقة، وفقًا لآخر تحديث عن متوسط أسعار الشقق السكنية في العاصمة الإدارية الجديدة فإن الأرقام تشير إلى سعر المتر 505 دولار أمريكي تقريبًا،[49] مقارنة بمتوسط دخل المصريين في العام فضلًا عن حالة التضخم العنيفة التي تشهدها البلاد في السنوات الأخيرة،[50] فإنه يستحيل على الغالبية العظمى من المصريين شراء وحدات سكنية في العاصمة الإدارية الجديدة. وفقًا لأميرة الهاكع، فإن العاصمة الإدارية لم تنجح في خلق فرص عمل لكل الطبقات الاجتماعية؛ الأمر الذي أثر بشكل كبير على الطابع الديموغرافي للمدينة، وينتقص بالتالي من استدامتها الاجتماعية.[51]

ورغم أنه قد تم نقل بعض الموظفين إلى العاصمة الإدارية الجديدة، والتي تبرر الدولة من خلال تلك العملية على تباين اجتماعي داخل المدينة؛ إلا أنه وفقًا لاستطلاعات رأي أجريتها مع عدد من الموظفين في العاصمة فإنهم لا يستعملون المواصلات التي خصصتها الدولة لخدمة سكان المدينة الجديدة بسبب تكلفتها الزائدة، فضلًا عن عدم عمليتها من ناحية الوقت، وأنهم باتوا يعتمدون على وسيلة مواصلات جماعية خاصة تنقلهم من منازلهم إلى موقع عملهم. وغلبًا ما يتم العمل على تأجير ميكروباص يمر على منازلهم واحدًا تلو الآخر ثم يذهبون به جميعًا لأماكن عملهم في العاصمة. ورغم أن الدولة تكفل لكل واحد منهم بدل مواصلات؛ إلا أنهم يدفعونها في هذه الطريقة، الأمر الذي يوفر عليهم الوقت والمال. تعكس تلك التجربة الاجتماعية التلقائية التي نتجت عن معاناة الموظفين العاملين في العاصمة عن خلل في منظومة النقل الذي كلفته الدولة مليارات الجنيهات، واستدانت بسببه من جهات أجنبيه مختلفة. ويبرز أيضًا أن طبيعة هذا النقل لا يعتمد عليه المواطن ذي الدخل المتوسط.

ربما وبسبب هذا روجت الدولة لمدينة بدر كبديل سكني لمتوسطي الدخل الذي يودون العمل في العاصمة الإدارية الجديدة، لكن مشكلة التنقل من مدينة بدر إلى العاصمة التي تبعد عنها 15 كيلومتر ومدة تستغرق من 21 دقيقة إلى 25 دقيقة بالسيارة، لا تفي الغرض العمراني لخلق بيئة اجتماعية متعددة في تلك الجهة. ما زاد من الأمور تعقيدًا أن سعر المتر ارتفع في مدينة بدر 6 آلاف جنيه بواقع 6 أضعاف من سنة 2015 حتى سنة 2024 حيث كان متوسط سعر المتر فيها ألف جنيه،[52] فضلًا عن أن المدينة خدميًا لا ترتقي لاستيعاب كم هائل من المصريين. كل تلك الأسباب جعلت من مدينة بدر مكانًا غير مناسب أو مستقطب لسكان جدد.

فضلًا عن كل هذا، فإن العاصمة الإدارية الجديدة كحال المدن الجديدة في مصر تعتمد على السيارة الخاصة فقط في التنقل، الأمر الذي يجعل من فكرة تعدد أنماط الحياة الاجتماعية فيها أمرًا بالغ الصعوبة، وهو ما يزيدها تعقيدًا. يمكن فهم هذا أكثر من خلال تحليل ظاهرة انتشار الجامعات والمدارس الخاصة في أحياء العاصمة الإدارية الجديدة، المنظومة التي تستهدف طبقة اجتماعية معينة ذات دخل مرتفع. الأمر الأخر الذي تجدر ملاحظته أن العاصمة الإدارية الجديدة لا تضم أيًا من تلك المدارس الحكومية، وإنما كل المدارس التي تضمها العاصمة هي مدارس إما نصف حكومية أو خاصة بشكل كامل بمصروفات تعليمية عالية التكلفة على طبقة الموظفين ومتوسطي الدخل ومحدودي الدخل. علاوة على ذلك فإن الجامعات التي أسست لها فروعًا في العاصمة تستهدف بمصاريفها عالية التكلفة طبقة اجتماعية غنية.[53]

نحن إذًا أمام تجربة عمرانية إقصائية في المقام الأول، تستند على أساس فصل ديموغرافي لسكان بطبيعة اجتماعية معينة، وتجبر الموظفين كذلك بالعمل في العاصمة الإدارية عن طريق نقل الوزارات والمصالح الحكومية إلى تلك المدينة الجديدة، دون مراعاة لظروفهم الإنسانية والاجتماعية، الأمر الذي يهدد من استدامة المدينة في سنواتها القادمة؛ إذ إن الأساس الذي تبنى عليه المدن هو التبيان الديموغرافي والسكاني لقاطنيها، عن طريق إتاحة الفرص لكل طبقات المجتمع بالتواجد في المدينة.

زيادة الأعباء على القاهرة وسكانها

خطاب الدولة عن العاصمة الإدارية الجديدة يصورها باعتبارها حلًا لكل مشاكل القاهرة القديمة، وأنها ستراعي كل المعايير التي تخلت عنها القاهرة القديمة وجعلت منها عبئًا على السكان القاطنين فيها. تمثل العاصمة حلم الدولة المصرية في المدن التي لا تشكل عليها عبئًا من ناحية السكان أو العشوائيات أو البنية التحتية، لذلك تطمح الدولة من خلال هذا المشروع أن تحل كل مشاكل القاهرة، دون الحديث كذلك عن العلاقة بين إنشاء مدينة جديدة وبين ترك مدينة قديمة غارقة في مشاكلها العمرانية وبنيتها التحتية السيئة دون رعاية لها.[54]

تبدو علاقة المدينة الجديدة بالقديمة في مدى تأثيرها السلبي عليها لا تأثيرها الإيجابي، فهي لن تخفف من الاكتظاظ السكاني داخل القاهرة لأنها تستهدف طبقة بعينها، بل إن تواجد العاصمة الإدارية بتلك الكيفية والمعايير صعبت الحياة العمرانية على القاهرة أكثر وأكثر، وعقدت من طبيعتها العمرانية في كثير من الأحيان، الطبيعة التي تكيفها الدولة لخدمة المدينة الجديدة، عن طريق تمهيد الطرق والكباري والمحاور وإزالة عدد من الأحياء جراء هذا. كذلك تواجه المدينة القاهرة مشاكل تتعلق بالمياه وتوجيه الرعاية الكاملة نحو العاصمة بما يضر بالدعم المخصص لأحياء القاهرة فضلًا عن المدن المصرية الأخرى كما سيتم توضيحه في الدراسة.

هيئة المجتمعات العمرانية وأزمة التوزيع غير العادل

في سنة 2015 خصص وزير الإسكان حينها مصطفى مدبولي 641 مليون دولار أمريكي من أجل إنشاء العاصمة الإدارية الجديدة،[55] رأى كثير من المحللين أن تخصيص مثل هذا المبلغ هو بمثابة تناقض لكلمة وزير الإسكان حينها أن العاصمة الإدارية لن تكلف الدولة مليمًا واحدًا. إلا أن هذا المبلغ لم يتم اقتطاعه من ميزانية الدولة بشكل مباشر، وإنما من ميزانية هيئة المجتمعات العمرانية، الجديدة حينها، وهو ما يعد كذلك تلاعبًا بالألفاظ. لقد تم تخصيص هذا المبلغ للبدء في عمليات البنية التحتية في المدينة القاحلة كي يتسنى للشركات الخاصة والحكومية البدء في العمل عليها. أٌنشئت هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة التي تتبع وزارة الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية سنة 1979 بقانون رقم 59،[56] كانت مسئولية هذه الهيئة هو إنشاء المدن والمجتمعات العمرانية الجديدة في الصحراء؛ تنفيذًا لاستراتيجية رئيس مصر حينها محمد أنور السادات بضرورة الخروج من الشريط الضيق وتخفيف الضغط على القاهرة.[57] على مدار السنوات الطويلة لهيئة المجتمعات العمرانية الجديدة أنشئت عددًا من الأحياء والمدن داخل القاهرة وخارجها، لكنها فشلت في حل المشاكل العمرانية للعاصمة فضلًا عن مشاكل المدن الأخرى في الجمهورية. يكشف ديفيد سيمز أن هيئة المجتمعات العمرانية حتى عام 2006 أنشأت 23 مدينة وبلدة بلغ مجموع سكانها 783 ألفًا فقط، بدلًا من 20.6 مليون نسمة الرقم المستهدف.[58] بالإضافة إلى ذلك فإن مهمة هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة، وفقًا لسيمز، أنها تتيح سكنًا لمحدودي الدخل كحل بديل عن تلك المناطق غير الرسمية في المدن المصرية. كما أنها مسئولة أيضًا عن تطوير العشوائيات ومد خطوط المياه وتأسيس البنية التحتية المناسبة لها.[59]

اشتركت هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة ضمن الهيئات العسكرية التي أسست شركة العاصمة الإدارية، وبحسب يزيد صايغ فإن قادة الجيش المتقاعدين هم من يسيطرون على مجريات الأمور في هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة؛ إذ ينتفعون بها من الناحية المالية إلى حد كبير،[60] وهو ما يفسر توائمها مع هيئات عسكرية أخرى. لقد كان مشروع العاصمة الإدارية هو أكبر المشاريع التي اشتركت فيها هيئة المجتمعات العمرانية. والتي تتحمل مسئولية تطوير وإنشاء المدن الجديدة، الأمر الذي يجعلها مسئولة مع وزارة الإسكان المصرية عن كل المدن المصرية، حسب حاجة كل مدينة. ورغم أن ميزانية هيئة المجتمعات العمرانية مستقلة عن الموازنة العامة للدولة؛ إلا أنها تلقت تمويلات مباشرة من وزارة المالية. وتعتمد هيئة المجتمعات العمرانية بشكل رئيسي في تمويل ميزانيتها على بيع الأراضي التي تمتلكها. وهو ما قامت به على سبيل المثال في العاصمة الإدارية الجديدة؛ إذ باعت أراضي للمستثمرين لتمويل مشاريعها داخل المدينة نفسها، رغم أن تلك الأراضي هي ملكية عامة لكل المواطنين ومن المخول لها استخدامها في صالحهم، إلا أنها خالفت هنا هذا المبدأ وهو ما يضر كذلك بطبيعة الملكية العامة.[61]

لكن السؤال الأهم هو كيفية تأثير هذا على المواطنين في المدن والأحياء الأخرى. في 2015 وافقت الحكومة على زيادة بنسبة 100% في ميزانية هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة لتصل إلى 3.59 مليار دولار أمريكي تقريبًا، ولكن في المقابل تم تخصيص 64.1 مليون دولار أمريكي فقط لتنمية الأحياء الفقيرة. الأمر الذي يعد مجحفًا في حق السكان المقيمين في المناطق الفقيرة والتي تعاني من مشاكل عمرانية كبيرة.[62] تأخذ الدولة جانب طبقة أصحاب الثروات والدخول المرتفعة في هذه الاستراتيجية العمرانية، وفوق هذا تتأثر طبقة ذوي الدخول المحدودة وسكان المواقع القديمة في القاهرة جراء عمليات الإنشاء المستمرة التي تخدم العاصمة الإدارية الجديدة. وقد أورد يحيى شوكت في دراسته أن الإنفاق الحكومي للسنة المالية 2016-2017 على المدن الجديدة التي أقامتها الدولة في القاهرة والجيزة والقليوبية «القاهرة الكبرى» كانت أكبر من تلك التي أنفقتها الدولة على البيئة العمرانية القائمة بالفعل في المحافظات الثلاثة نفسها. تتسع الفجوة أكثر مع إيراد تلك الملاحظة، أنه وفقًا للجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء فإن ما يقرب من 750 ألف وحدة سكنية بحالة شاغرة في المدن الجديدة وأكثر من مليون وحدة سكنية في القاهرة الكبرى على الحالة نفسها.[63] ويبرز هذا أن المدن الجديدة ليست بحاجة إلى بناء جديد لأنها تعاني من مشكلة الوحدات الفارغة من السكان. في ضوء هذا، تبدو هذه الاستراتيجية وكأنها مجحفة في حق المدن القديمة.

إن الضرر الذي يصيب المدن الجديدة من جراء إنشاء العاصمة الإدارية الجديدة، لم يتوقف عند عدم العدل في توزيع الإنفاق، وإنما أضر كذلك ببنيتها التحتية بشكل عميق. يتجلى هذا في تلك الإنشاءات الكثيرة التي شهدتها المدن والأحياء الجديدة بهدف خدمة عمران المدينة الجديدة. فعلى مدار السنوات العشر الأخيرة، تم إنشاء عدد ضخم من المحاور والكباري في كل محافظات الجمهورية، إلا أن التركيز هنا سيتم على القاهرة فقط لارتباطه بشكل مباشر مع مشاريع النقل الخاصة بالعاصمة الإدارية. منذ عام 2016 تقريبًا، عملت الدولة على تطوير محاور القاهرة بهدف خدمة الطرق المؤدية إلى العاصمة الإدارية الجديدة، الأمر الذي أضر بشكل مباشر بالسكان المقيمين في بعض الأحياء في المدينة القديمة، بل كان سببًا في تهجيرهم منها إلى مناطق بعيدة عن أماكن عملهم الرئيسية في نطاق القاهرة.[64] في عام 2020 تم إنشاء محور الفردوس الذي يوصل بالقاهرة الجديدة بشكل مختصر وسريع، لقد أعقب هذا المحور إزالة عدد كبير من المقابر في ترب الغفير، وتهجير عددًا من السكان الذين كانوا يعملون ويقطنون داخل تلك الأحواش. وعلى المستوى نفسه فإن قرافة الإمام الشافعي لا تزال حتى الآن تشهد واحدة من أكثر الحركات العمرانية عنفًا في تاريخها، إذ يجري العمل على إزالة كم هائل من الأحواش السكنية والمقابر داخل حي الإمام الشافعي بهدف إنشاء محاور وطرق تسهل من عملية التنقل للعاصمة الإدارية الجديدة.[65]

لا تؤثر العاصمة الإدارية الجديدة فقط على طبيعة العمران في المدينة القديمة، بل يصل الأمر إلى أكثر من ذلك، يشير سيمز عن طبيعة تخضير المدن الصحراوية، وعن صعوبة الأمر في دولة تعاني من مشاكل فقر مياه، وهو الأمر الذي تفاقم أكثر وأكثر بعد إتمام تشييد سد النهضة وملئه.[66] على سبيل المثال، تمثل الحديقة المركزية في العاصمة الإدارية الجديدة بمساحتها الهائلة مستهلك ضخم للمياه، والذي يضر على المستوى الأخر السكان في المدن المصرية الأخرى. ومن المتوقع أن تستهلك العاصمة الإدارية الجديدة أكثر من 500 مليون متر مكعب من المياه سنويًا عند انتهائها، لذا فإن الخطط هي سحب حوالي 200 ألف متر مكعب من المياه يوميًا، وهو ما يؤثر على حاجة الناس للمياه لحساب العاصمة الإدارية.[67]

في سياق متصل، تعرضت القاهرة إبان السنوات العشر الأخيرة إلى عملية ممنهجة لإزالة الأشجار والمسطحات الخضراء فيها، كان الهدف من تلك العملية هو إنشاء طرق ومحاور تخرج من القاهرة نحو المدن الجديدة شرق القاهرة، أدت تلك الحملة لأن أصبح نصيب الفرد في المدينة من المسطحات الخضراء 15 سنتيمتر فقط ومن الأشجار شجرة واحدة.[68] فيما تستهدف العاصمة الإدارية الجديدة من خلال الترويج للمساحات الخضراء فيها لأن يكون نصيب الفرد من المسطحات الخضراء 15 مترًا مربعًا.[69] يظهر هنا سلب الإنسان في المدينة القديمة حقه في تنفس هواء نقي، ما يؤثر على الصحة العامة والفردية للإنسان. تبدو المقارنة وكأنها مجحفة في حق الإنسان المصري منذ نشأة العاصمة الإدارية والعمل عليها، إذ تركز الدولة المصرية على رفع مستوى المعيشة في المدينة الجديدة بغض النظر عن تأثيراتها على طبيعة الحياة في المدن المصرية الأخرى.

خاتمة

في النهاية تبدو الرواية الرسمية للدولة عن العاصمة الإدارية الجديدة مفككة بشكل أكبر الآن؛ إذ اختبرتها الدراسة وفق منهجية محددة، لم تخرج من تحليل الخطابات الرسمية وشبه الرسمية للدولة المصرية على مدار سنوات إنشاء المدينة. لقد أجابت الدراسة على السؤال الرئيسي للبحث، وهو هل صدقت رواية الدولة عن العاصمة؟ اقتصاديًا وعمرانيًا وسياسيًا كذلك. الإجابة هي أنها لم تكن صادقة لاعتبارات كثيرة؛ فلقد أثر بناء المدينة الجديدة على بنية الاقتصاد الوطني في الدولة، وهو ما أثر بالسلب على دخل المواطن الذي يعتمد بطبيعة الحال على العملة المحلية. لقد كانت العاصمة بمثابة المنافس الرئيسي للمواطن على الدخل القومي المصري السنوي، وهو ما تبرزه الدراسة عن طريق تحليل خطابات وزارة المالية، وتقارير السنوات المالية. كما أثرت المدينة عمرانيًا على عموم مساحة القاهرة، إذ كانت بمثابة العامل السلبي الذي عقَّد من مشاكل القاهرة العمرانية أكثر، وأضر بساكنيها وهو ما زاد من معاناة المواطنين أكثر.

وفقًا لذلك، فإن تحليل عمران المدينة الجديدة والبحث في طبيعة إنشاءات الدولة المتعددة فيه كان أحد العوامل الرئيسية للخروج بهذا الاستنتاج. فضلًا عن ذلك، فإن التعمق في دراسة عمران المدينة الجديدة، أفضى لاستنتاج أنها مدينة إقصائية، ذات بنية اجتماعية واحدة؛ إذ يعتمد المشروع بشكل رئيسي على خدمة طبقة اجتماعية بعينها دونما اعتبار للطبقات الاجتماعية الأخرى في المجتمع المصري، وهو ما يهدد استمراريتها كذلك. يعد مشروع العاصمة الإدارية الجديدة في مصر بمثابة خطوة مغامرة لم تراع طبيعة عمران المدينة، ولم تنظر في تجاربه السابقة. ويمكن القول كذلك أن إنشاء العاصمة الإدارية الجديدة أصبح في حد ذاته أكبر المشاكل التي تواجه العاصمة المصرية ذاتها.

[1] أبو لغد، جانيت (1971). القاهرة: 1001 عام من انتصارات مدينة (Cairo: 1001 Years of the City Victorious). برنستون: مطبوعات جامعة برنستون.
[2] ريمون، أندريه (1993). القاهرة: تاريخ حاضرة. دار الفكر للدراسات والنشر والتوزيع.
[3] الصياد، نزار، (2023). القاهرة وعمرانها تواريخ وحكام وأماكن. دار العين.
[4] سيمز، ديفيد (2010). فهم القاهرة: منطق مدينة خارجة عن السيطرة (Understanding Cairo: The Logic of a City Out of Control). القاهرة: مطبوعات الجامعة الأمريكية بالقاهرة.
[5] سميز، ديفيد (2018). أحلام صحراء مصر، تطوير أم كارثة؟ (Egypt’s Desert Dreams: Development Or Disaster?). القاهرة: مطبوعات الجامعة الأمريكية بالقاهرة.
[6] فهمي، خالد (2015). ثمن بناء عاصمة جديدة. مشاهد القاهرة، 3 مارس. تاريخ الاطلاع 1 يونيو 2024، https://cairobserver.com/post/112554756399/the-price-of-building-a-new-capital-city.
[7] محي، مصطفى (2015). عاصمة مصر الجديدة: مدينة للاستثمارات أم لتخفيف الاكتظاظ السكاني (Egypt’s New Capital: A City for Investments or for Alleviating Overpopulation?). مدى مصر، 22 مارس. تاريخ الاطلاع 20 أغسطس 2024، https://www.madamasr.com/en/2015/03/22/feature/economy/egypts-new-capital-a-city-for-investments-or-for-.alleviating-overpopulation/.
[8] لافي، معاذ (2023). ما جدوى إنشاء العاصمة الإدارية. المنصة، 30 يونيو. تاريخ الاطلاع 22 أغسطس 2024، https://almanassa.com/stories/11134.
[9] الششتاوي، ياسر (2023). العاصمة الإدارية الجديدة لمصر حماقة صحراوية أخرى (Egypt’s New Administrative Capital Is Another Desert Folly). داون، 30 يونيو. تاريخ الاطلاع 23 أبريل 2024، https://dawnmena.org/egypts-new-administrative-capital-is-another-desert-folly/.
[10] لويس، نيلل (2024) مدينة جديدة تُنشئ في مصر، لكن هل هذا ما تحتاجه الدولة؟ (A New City is Rising in Egypt. But is it What the Country Needs?). سي إن إن، 20 مارس. تاريخ الاطلاع 20 يوليو 2024، https://edition.cnn.com/world/egypt-new-administrative-capital-spc-intl/index.html.
والش، يي، ديكلان وفيفان (2023) عاصمة جديدة تليق بالفراعنة تنشأ في مصر لكن ما الثمن؟ (A New Capital Worthy of the Pharaohs Rises in Egypt, but at What Price?). ذا نيو يورك تايمز، 21 يونيو. تاريخ الاطلاع 20 أغسطس 2024، https://www.nytimes.com/2022/10/08/world/middleeast/egypt-new-administrative-capital.html.
[11] المولهي، حسن (2019). العاصمة الإدارية الجديدة- القاهرة: السلطة، والتطور العمراني في مواجهة العدالة الاجتماعية، النموذج المصري الرسمي للنيوليبرالية: يمكنك الإطلاع من هنا: https://shorturl.at/Qpc0l .
[12] خورشيد، ميريت (2017). مدينة وديان، عاصمة القاهرة الإدارية الجديدة، دروس من الماضي وللمستقبل (Cairo’s New Administrative Capital Wedian City: Lessons from the Past and for the Future) رسالة ماجستير لم تنشر. بوسطن، الولايات المتحدة الأمريكية.
[13] لويرت، ستينر، باتريك وكريس (2019). العاصمة الإدارية الجديدة في مصر: الاقتصاد السياسي وإنتاج المساحات الحضرية في القاهرة (The New Administrative Capital in Egypt: The Political Economy of the Production of Urban Spaces in Cairo.) ميدل إيست، مواضيع ونقاشات.ص  66-75، https://doi.org/10.17192/meta.2019.12.7933.
[14] الهاكع، أميرة (2021). العاصمة الإدارية الجديدة من منظور الشمول. حلول للسياسات البديلة، 15 مارس. تاريخ الاطلاع 20 أغسطس 2024، https://aps.aucegypt.edu/ar/articles/666/the-new-administrative-capital-from-an-inclusive-perspective.
[15] النادي، علي (2023). المدن الجديدة وإعادة تشكيل النظام الاجتماعي (2): العاصمة الإدارية في مصر. حلول للسياسات البديلة، 25 أبريل. تاريخ الاطلاع 20 أغسطس 2024،https://shorturl.at/py0SD .
[16] الهيئة العامة للاستعلامات (2015). العاصمة الإدارية الجديدة. تاريخ الاطلاع 21 أغسطس 2024، https://shorturl.at/wAGxS.
[17] بيومي، أحمد (2021). عاصمة جديدة ترتقي لمكانة مصر: نموذج مصري يُقتدى به. المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، 8 يونيو. تاريخ الاطلاع 22 أغسطس 2024، https://ecss.com.eg/15071/.
[18] ON (2023). الرئيس السيسي: العاصمة الإدارية حولت التراب لفلوس ومدفعناش جنيه من موازنة الدولة. يوتيوب، 14 يونيو. تاريخ الاطلاع 1 يونيو 2024، https://www.youtube.com/watch?v=hXtEu4Vsnwg.
[19] اكسترا نيوز (2022). كلمة الرئيس السيسي خلال الجلسة الختامية للمؤتمر الاقتصادي مصر (2022). يوتيوب، 25 أكتوبر. تاريخ الاطلاع  1 يونيو 2024، https://www.youtube.com/watch?v=PwadPPRlsQY&t=5961s.
[20] محمد، ياسمين (2018). السيسي: «قسمًا بالله ماخدنا فلوس من ميزانية الدولة لصالح العاصمة الجديدة». مصراوي، 28 يوليو. تاريخ الاطلاع  1 يونيو 2024، https://2u.pw/aoDi9TVV.
[21] حسني، سمير (2023). رئيس الوزراء: العاصمة الإدارية الجديدة لم تكلف الدولة جنيهًا واحدًا. اليوم السابع، 3 أكتوبر. تاريخ الاطلاع 2 يونيو 2024، https://2u.pw/9lq6tUYI.
[22]  هلال، عمرو (2024). خالد عباس: الدولة لم تدفع جنيها واحدا في بناء العاصمة الإدارية الجديدة. الوطن، 28 أبريل. تاريخ الاطلاع 24 أغسطس 2024، https://www.elwatannews.com/news/details/7298161.
[23]  MBC مصر (2019). خاص للحكاية.. وزير المالية يكشف من أين يمول بناء العاصمة الإدارية الجديدة؟ يوتيوب، 8 مارس. تاريخ الاطلاع 2 يونيو 2024، https://www.youtube.com/watch?v=fpQUJrY45IY&ab_channel=MBC%D9%85%D8%B5%D8%B1.
[24] إكسترا نيوز (2023). لماذا العاصمة الإدارية الجديدة؟ فيلم يلخص ما يدور في أذهان المصريين من تساؤلات. يوتيوب، 15 يونيو. تاريخ الاطلاع 22 أغسطس 2024،https://www.youtube.com/watch?v=2BXAnAfh3eE. انظر ايضا: DMC (2022). أفلام وثائقية: فيلم العاصمة الإدارية.. مفتاح حياة جديد. يوتيوب، 27 مارس. تاريخ الاطلاع 22 أغسطس 2024، https://www.youtube.com/watch?v=tRZz3PbtZms.
[25] رئاسة جمهورية مصر العربية (2020). الرئيس يفتتح محطة كهرباء العاصمة الإدارية الجديدة وعدد من المشروعات القومية 24/7/2018. يوتيوب، 20 فبراير. تاريخ الاطلاع 2 يونيو 2024، https://www.youtube.com/watch?v=ffmB5RWBI9k&t=5s.
[26] رئاسة جمهورية مصر العربية (2018). إنشاء محطة كهرباء العاصمة الإدارية الجديدة. تاريخ الاطلاع 2 يونيو 2024، https://2u.pw/KGK0qJDJ.
[27] جاد، محمد (2022) ما الذي يجعل للعاصمة الإدارية قيمة؟. في عمرو عدلي (محرر)، تراكم لا ينفع: سياسات التطوير العقاري في مصر (25 – 54). القاهرة: مؤسسة فريدريش إيبرت، مكتب مصر.
[28] خريطة مشروعات مصر. القطار السريع «العلمين – العين السخنة». تاريخ الاطلاع 20 أغسطس 2024، https://n9.cl/txfno.
[29] فوريمان، كولن (2023). مشروع مونوريل القاهرة يقترب من الانتهاء (Cairo Monorail Nears Completion). Meed، 1 ديسمبر. تاريخ الاطلاع 3 يونيو 2024، https://www.meed.com/cairo-monorail-nears-completion.
[30] ديفيدز، جافين (2019). مصر توافق على قرض بقيمة 1.2 مليار دولار مع بنك التصدير والاستيراد الصيني لمنظومة السكك الحديدية الخفيفة (Egypt Agrees $1.2bn Loan with China’s EximBank for Light Rail System). Meconstructionnews، 20 يناير. تاريخ الاطلاع 2 يونيو 2024، https://meconstructionnews.com/33007/egypt-agrees-1-2bn-loan-with-chinas-eximbank-for-light-rail-system.
[31] جاد، محمد (2022) ما الذي يجعل للعاصمة الإدارية قيمة؟.
[32] الدخاخني، فتحية (2019). مصر: قرض صيني لتنفيذ أبراج العاصمة الجديدة يثير الجدل. الشرق الأوسط، 7 مايو. تاريخ الاطلاع 3 يونيو 2024، https://2u.pw/CxbYP5ER.
[33] الموقف المصري (2018). «إحنا فقرا قوي.. بس هنبني قصور رئاسية جديدة!». فيسبوك، 25 سبتمبر. تاريخ الاطلاع 22 أغسطس 2024، https://www.facebook.com/photo.php?fbid=1533925363374022.
[34] ON (2019). الرئيس السيسي: أنا بعمل قصور رئاسية وبعمل دولة جديدة باسم مصر.. «هي مش قصور محمد علي وبس»، يوتيوب، 14 سبتمبر. تاريخ الاطلاع 3 يونيو 2024، https://www.youtube.com/watch?v=r_CezDnlGxk.
[35] جاد، محمد (2022).
[36] خريطة مشروعات مصر. حي المال والأعمال. تاريخ الاطلاع 20 أغسطس 2024، https://n9.cl/4b2wd.
[37] عمر، شريف (2020). «رئيس العاصمة الإدارية: 800 مليار جنيه تكلفة المرحلة الأولى والدولة لم تتكلف جنيهًا واحدًا». جريدة المال، 5 سبتمبر. مؤرشف من الأصل في 2021-02-12. تاريخ الاطلاع 19 أغسطس 2024، https://2u.pw/eB5Aviep.
[38] عبد العاطي، البحراوي، محمد ومحمد (2016). «العبار» خرج من «العاصمة الإدارية» بسبب أزمة «التمويل». المصري اليوم، 25 يناير. تاريخ الاطلاع 4 يونيو 2024، https://almasryalyoum.com/news/details/1622906.
[39] عبد الجواد، أحمد (2024). موازنات الظل: كيف تسيطر هيئات مصرية على موارد عامة بعيدًا عن ميزانية الدولة. درج، 6 يونيو. تاريخ الاطلاع 25 يونيو 2024، https://2u.pw/oEKiH2nS.
[40] وزارة مالية جمهورية مصر العربية. بيان الموازنة العامة للدولة لسنة 2023-2024. https://shorturl.at/y8uU7.
[41] جاد، محمد (2022).
[42] والش، يي، ديكلان وفيفان (2022). عاصمة جديدة تليق بالفراعنة تُنشأ في مصر لكن ما الثمن؟.
[43] صالح، أمين (2021). عاصمة من ذهب.. تخطيط العاصمة الإدارية كأول مدينة ذكية تضمن تجربة عيش مميزة لقاطنيها.. المدينة الأكبر في الشرق الأوسط تستوعب 6.5 مليون مواطن.. وتجمع البيانات من خلال أجهزة الاستشعار عن بعد. اليوم السابع، 15 يونيو. تاريخ الاطلاع 18 أغسطس 2024، https://2h.ae/ehgN.
[44] لويرت، ستينر، باتريك وكريس (2019). العاصمة الإدارية الجديدة في مصر: الاقتصاد السياسي وإنتاج المساحات الحضرية في القاهرة (The New Administrative Capital in Egypt: The Political Economy of the Production of Urban Spaces in Cairo.) ميدل إيست، مواضيع ونقاشات. ص 66-75، https://doi.org/10.17192/meta.2019.12.7933.
[45] CBC Egypt (2021). السيسي عن أحداث يناير 2011: البلد كانت هتضيع مننا.. دا كان خراب ودمار. يوتيوب، 28 ديسمبر. تاريخ الاطلاع 22 أبريل 2024، https://www.youtube.com/watch?v=ZZZf6dvxkNg.
[46] هارفي، ديفيد (2017). الحق في المدينة. ترجمة ل. صبري، مراجعة و. كوبي ومحمد خيدون. الشبكة العربية للأبحاث والنشر، بيروت.
[47] لويرت، ستينر، باتريك وكريس (2019). العاصمة الإدارية الجديدة في مصر: الاقتصاد السياسي وإنتاج المساحات الحضرية في القاهرة.
[48] جاد، محمد (2022).
[49] عقار ماب (2024). أسعار العقارات في العاصمة الإدارية الجديدة. تاريخ الاطلاع 4 يونيو 2024، https://aqarmap.com.eg/ar/neighborhood/cairo/new-administrative-capital/.
[50] الغول، وائل (2024). «انخفاض التضخم».. لماذا لم يشعر المواطن المصري بتأثير البيان الحكومي. الحرة، 9 أبريل. تاريخ الاطلاع 4 يونيو 2024، https://2u.pw/i6jMOLRO.
[51] الهاكع، أميرة (2021). العاصمة الإدارية الجديدة من منظور الشمول. حلول للسياسات البديلة، 15 مارس.
[52] عقار ماب (2024). أسعار العقارات في مدينة بدر. تاريخ الاطلاع 4 يونيو 2024، https://aqarmap.com.eg/ar/neighborhood/cairo/badr-city/.
[53] بروبرتي فايندر (2024). كل ما يجب أن تعرفه عن جامعات العاصمة الإدارية الجديدة. تاريخ الاطلاع 24 أغسطس 2024، https://2u.pw/66DCzoS1.
[54] تعلب، ابتسام (2021). برلمانية: العاصمة الإدارية الجديدة تساهم في حل مشكلات القاهرة. المصري اليوم، 9 فبراير. تاريخ الاطلاع 29 أغسطس 2024، https://www.almasryalyoum.com/news/details/2252734.
[55] حمزة، أيمن (2015). المجتمعات العمرانية تخصص 5 مليارات جنيه لـ«العاصمة الإدارية» في الموازنة الجديدة. المصري اليوم، 6 يوليو. تاريخ الاطلاع 5 يونيو 2024، https://2u.pw/todzTQwh.
[56] نبذة عن الهيئة، هيئة المجتمعات العمرانية، تاريخ الاطلاع 23 أغسطس 2024، https://lands.nuca.gov.eg/ar/About.aspx.
[57] جابر، محمد (2006). جغرافية العمران الريفي. القاهرة: مكتبة الأنجلو المصرية.
[58] سميز، ديفيد (2018). أحلام صحراء مصر، تطوير أم كارثة؟ (Egypt’s Desert Dreams: Development Or Disaster?). القاهرة: مطبوعات الجامعة الأمريكية بالقاهرة.
[59] سميز، ديفيد (2018). أحلام صحراء مصر، تطوير أم كارثة؟.
[60] صايغ، يزيد (2019). أولياء الجمهورية: تشريح الاقتصاد العسكري المصري. مركز كارنيغي للشرق الأوسط.
[61] جاد، محمد (2022).
[62] صايغ، يزيد (2019). أولياء الجمهورية: تشريح الاقتصاد العسكري المصري. ص 314. مركز كارنيغي للشرق الأوسط.
[63] المولهي، حسن (2019). العاصمة الإدارية الجديدة- القاهرة: السلطة، والتطور العمراني في مواجهة العدالة الاجتماعية، النموذج المصري الرسمي للنيوليبرالية.
[64] لافي، معاذ (2023). قراءة في مستقبل المدينة العمراني… ما الذي ينتظر القاهرة. درج، 19 يونيو. تاريخ الاطلاع 25 يويو 2024، https://2u.pw/y43hA9IT.
[65] عبد الناصر، محمد (2024). صورة ترصد أحدث محاور القاهرة الجديدة لربطها بشرق القاهرة. مصراوي، 6 يونيو. تاريخ الاطلاع 23 أبريل 2024، https://n9.cl/14fiv.
[66] سكاي نيوز عربية (2024). رئيس الوزراء الإثيوبي يعلن اكتمال بناء سد النهضة. سكاي نيوز عربية، 26 أغسطس. تاريخ الاطلاع 28 يوليو 2024، https://2u.pw/BHtufO1E.
[67] صايغ، يزيد (2019). أولياء الجمهورية: تشريح الاقتصاد العسكري المصري. ص 314.
[68] لافي، معاذ (2023). أين ذهبت أشجار القاهرة، درج، 10 يناير. تاريخ الاطلاع 26 يونيو 2024، https://2u.pw/S32k3qXj.
[69] أبو علي، أحمد (2024). خالد عباس: نصيب الفرد من المسطحات الخضراء في «العاصمة الإدارية» من أعلى المعدلات العالمية. بوابة التكنولوجيا المالية، 22 يناير. تاريخ الاطلاع 26 يونيو 2024، https://2u.pw/XuvLvBnv.

Read this post in: English

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى