دراسات

حق الأفراد في الولوج إلى العدالة الدستورية ودوره في حماية الحقوق والحريات بالمغرب

حمل هذا المقال كبي دي إف

الإشارة المرجعية: العبدلاوي، عبد الكريم (2022). حق الأفراد في الولوج إلى العدالة الدستورية ودوره في حماية الحقوق والحريات بالمغرب. رواق عربي، 27 (3)، 67-81. https://doi.org/10.53833/TKYA9371

خلاصة

تستهدف هذه الدراسة إبراز مكتسبات التجربة المغربية فيما يتعلق بحق الأفراد في الولوج إلى العدالة الدستورية من خلال آلية الدفع بعدم دستورية مقتضى تشريعي معين، وضوابط هذا الحق، وشروط قبوله، في مقارنة ببعض الأنظمة القضائية الدستورية، وتحديدًا القضاء الدستوري الفرنسي. ثم أخيرًا حدود مساهمة هذه الآلية في صون وحماية الحقوق والحريات. وهو ما يقتضي منا تباعًا، استخدام المنهج المقارن للوقوف على أوجه التشابه والالتقاء والتباعد بين القضاء الدستوري المغربي ونظيره الفرنسي، فضلًا عن الاستئناس بالقضاء الدستوري المصري كلما أمكن. بينما نوظف المنهج القانوني لتحليل النصوص الدستورية والقانونية، وكذا الأحكام القضائية المتعلقة بآلية الدفع بعدم الدستورية، من حيث إجراءات وشروط إثارتها، وكذلك حدودها. وقد أفضت نتائج الدراسة لبروز بعض الإشكاليات التي قد تعترض الأفراد أثناء محاولتهم الوصول للعدالة الدستورية، من قبيل الطعون التعسفية غير الجدية التي تستهدف فقط إطالة أمد التقاضي، خصوصًا مع احتمال تضخم الطعون. وتثبت الدراسة أن ولوج الأفراد للعدالة الدستورية مرتبط بإدراكهم لضرورة الاستخدام الصحيح لآلية الدفع بعدم الدستورية؛ تجنبا لإغراق المحكمة بطعون كيدية.

مقدمة

يشكل موضوع الحقوق والحريات اهتمام كل مشرع دستوري؛ باعتبار أن الدستور هو القانون الأسمى والضامن لهذه الحقوق والحريات. وأضحت العدالة الدستورية تحتل صلب الرهانات المتعلقة بالإقرار الفعلي لدولة الحق والقانون، وبرزت أهمية دور القضاء الدستوري، في حماية حقوق المواطنين، بتنقيح المنظومة القانونية من المقتضيات التشريعية غير الدستورية.[1]

في هذا السياق، تبرز أهمية الدفع بعدم دستورية القوانين في بعدها الوظيفي، الذي يتجسد في حماية حقوق وحريات الأفراد من الانتهاكات الناتجة عن وجود تشريع معين موصوم بعدم الدستورية. الأمر الذي ينسجم إلى حد كبير مع التوجهات الحديثة للعدالة الدستورية، بتمكين المواطنين من الولوج إلى القضاء الدستوري عن طريق الدفع بعدم دستورية القوانين.[2] وبذلك يصبح القضاء الدستوري الضمانة الأهم لحماية الحقوق والحريات الأساسية المكفولة بموجب الدستور، بممارسته رقابة سابقة –بفرض وجوب عرض مشاريع القوانين عليه قبل إصدارها– أو رقابة لاحقة –على القوانين النافذة في صورة الدفع بعدم دستورية نصوص القوانين.[3]

وفي واقع اعتراف غالبية الدول بحق المواطنين في اللجوء للقضاء الدستوري للدفع بعدم دستورية القوانين؛ فإن اعتماد المشرع الدستوري المغربي للرقابة القضائية اللاحقة على دستورية القوانين، وإتاحته ممارسة هذا الحق للأفراد، يُمثل نقلة نوعية يُفترض منها تحقيق عدالة دستورية مواطنة، بحيث يكون المواطن في قلب معادلة تحصين حقوقه. إلى جانب ما يمثله من تكريس لوعي المواطنين بحقوقهم والتزاماتهم، وانعكاسات ذلك إيجابًا في تكريس الأمن والاستقرار القانوني للدولة.[4] ويُطرح هنا تساؤلًا بشأن إسهام آلية الدفع بعدم دستورية القوانين، باعتبارها ضمانة أساسية لمراقبة مدى مطابقة المقتضيات التشريعية لمبادئ وأحكام الدستور، في حماية الحقوق والحريات الأساسية للأفراد؟

يتولد عن هذه الإشكالية الرئيسية تساؤل فرعي؛ هل يمكن للقيود الإجرائية على آلية الدفع بعدم الدستورية أن تعرقل الإسهام الإيجابي لها في تحقيق العدالة الدستورية؟ وتحديدًا في ظل تعثر مشروع القانون رقم 15/86،[5] وما استتبعه من نقاش انتهى بقرار المحكمة الدستورية رقم 18/70 المتعلق بمشروع القانون،[6] والذي قضى بعدم دستورية بعض بنوده.

لتفكيك هذه الإشكالية، ينبغي لنا التعرض لهذه الآلية في ضوء دستور 2011، والضوابط والحدود الإجرائية لآلية الدفع بعدم الدستورية بناء على الفصل 133 من الدستور. [7]مستحضرين في الآن نفسه، التجارب المقارنة في هذا الخصوص، وتحديدًا تجربة المجلس الدستوري الفرنسي في أعقاب التعديل الدستوري لعام 2008، والذي تضمن عدة إصلاحات، من بينها توسيع الرقابة على دستورية القوانين عن طريق «مسألة الأولوية الدستورية»، الذي تم تبنيه من خلال الفصل 1-61 من الدستور الفرنسي، ودخل حيز التنفيذ بالقانون التنظيمي المؤرخ في 10 ديسمبر 2009.[8]

وتم استخدام المنهج المقارن للوقوف على أوجه التشابه والالتقاء والتباعد بين القضاء الدستوري المغربي ونظيره الفرنسي، وإبراز مواطن القوة والضعف بينهما. إلى جانب الاستئناس بالقضاء الدستوري المصري، كلما أمكن، وكلما اقتضت ضرورة البحث وسلامة العرض. بينما سيتم توظيف المنهج القانوني لتحليل النصوص الدستورية والقانونية، وكذا الأحكام القضائية التي تتعلق بآلية الدفع بعدم الدستورية، سواء من حيث إجراءات وشروط إثارتها أو من حيث حدودها.

وقبل الخوض في محاولة الإجابة عن إشكالية الدراسة وسؤالها الفرعي، حري بنا معرفة المقصود بالعدالة الدستورية. إن العدالة الدستورية أضحت ركيزة أساسية عبر مختلف دول العالم لتعزيز الحماية القضائية للحقوق والحريات، وفي نشأة الدولة الدستورية، التي تكفل للأفراد حق اللجوء للقضاء الدستوري؛ ليعرضوا عليه أمرهم ويطلبوا منه إنصافهم من ظلم أو اعتداء أو انتهاك يعتقدون وقوعه على حقوقهم.[9] وفي ندوة نظمها المجلس الوطني لحقوق الإنسان بالمغرب، حول المحكمة الدستورية، عرّف «دومينيك روسو» العدالة الدستورية بأنها «هي تلك المعطاة لأشخاص يعينوا ويراقبوا ويعاقبوا عدم الملائمة الدستورية لأعمال صدرت عن السلطات العامة، وبصورة خاصة القوانين التي يقرها البرلمان». [10]بينما يُعرّفها ميشيل فروموطون بأنها «مجموعة من التقنيات والمؤسسات التي تراقب علاقة الحكومة بالبرلمان بهدف حماية الحقوق والحريات». [11]

سياق إقرار ولوج الأفراد للعدالة الدستورية

فرض سياق الإصلاحات السياسية في المغرب، في أعقاب دستور 2011، ضرورة تحصين حقوق المواطنين بالانتقال من مجرد التنصيص الدستوري على حقوق وحريات بعينها، إلى وضع وتحديد الآليات والضمانات العملية لحمايتها؛ سواء من خلال المؤسسات المتخصصة، أو عبر تدخل المواطن نفسه. ونص دستور 2011 على مجموعة من الحقوق والحريات العامة، وخصص لها الباب الثاني بأكمله، بعنوان الحقوق والحريات الأساسية، والذي اشتمل على اثنين وعشرين فصلًا، تتضمن مختلف أنواع الحقوق والحريات، سواء المرتبطة بالحقوق المدنية والسياسية، أو المتعلقة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية، كما أنه حمل في طياته جملة من الامتيازات لصالح أفراد المجتمع وهيئاته المدنية. وبغض النظر عن مدى اتساع مجال هذه الحقوق والحريات، أو تفصيلها كما يراها البعض، أو حتى التنصيص عليها على مستوى أسمى قانون (الوثيقة الدستورية)؛ فإن ثمة سؤال يطرح نفسه هنا بشأن الضمانات التي منحها هذا الدستور.

وقبل الحديث عن تلك الضمانات، والتي تعتبر آلية الدفع بعدم الدستورية أحد أهمها، فلا ضير من الإشارة إلى التطور التاريخي للقضاء الدستوري المغربي؛ إذ تميزت التجربة المغربية بهيمنة الرقابة السياسية اللاحقة، من خلال الفحص الإجباري أو الاختياري لدستورية القوانين التنظيمية والعادية والمعاهدات الدولية والأنظمة الداخلية لمجلسي البرلمان، إلى جانب مراقبة صحة انتخابات أعضاء البرلمان وعمليات الاستفتاء. وفي المقابل ظلت طرق الرقابة القضائية على دستورية القوانين منعدمة، سواء عبر آلية الدفع الفرعي أو بطريقة الدعوى المباشرة. [12]

ويعود مبدأ الرقابة على دستورية القوانين في المغرب لمشروع دستور 1908، والذي دسْتر هذا المبدأ من خلال منحه «مجلس الشرفاء» مهمة مراقبة جميع الأعمال الصادرة عن «مجلس الأمة».[13] إلا أن هذه الفكرة لم تدخل حيز التنفيذ سوى في دستور 1962، أول دستور يضعه المغرب بعد الاستقلال؛ إذ استحدث «الغرفة الدستورية» بالمجلس الأعلى للقضاء باختصاصات محدودة في مجال الرقابة على دستورية القوانين، اقتصرت على وجوب الرقابة السابقة لكل من القوانين التنظيمية والقوانين الداخلية للبرلمان، وهو الأمر الذي تم تكريس نطاقه وحدود تطبيقه لاحقًا في دستوري 1970 و1972.

وتزامنًا مع دستور 1992، شهدت هذه الرقابة تطورًا ملحوظًا بإسنادها لـ «المجلس الدستوري»، وهو هيئة مستقلة عن التنظيم القضائي العادي تم استحداثها، وأُضيف إليها في مجال هذا الاختصاص إمكانية المراقبة الاختيارية للقوانين العادية بإحالة من سلطات سياسية معينة، وفق شروط محددة، وهو الأمر الذي تم تكريسه لاحقًا في دستور 1996. [14]

ومع إقرار دستور 2011، اكتمل صرح الرقابة على دستورية القوانين في المغرب؛ بعدما ارتقى بالمجلس الدستوري ليصبح محكمةً دستورية، وبعدما خفف المشرع الدستوري من القيود على الرقابة الدستورية الاختيارية، لتتضمن مراقبة دستورية الاتفاقيات الدولية. وعلاوة على ذلك، جعل هذه الرقابة تجمع بين الرقابة السياسية السابقة على صدور الأمر بتنفيذ القوانين، وبين الرقابة القضائية التي تتم بواسطة الدفع بعدم الدستورية الذي يثار أمام المحاكم أثناء النظر في قضية بشأن القانون الذي سيطبق في النزاع، إذا ما كان القانون يمس الحقوق والحريات التي يضمنها الدستور، وزاد هذا الاختصاص توسعًا ليشمل –بموجب القانون التنظيمي المتعلق بالمحكمة الدستورية– الرقابة على دستورية الأنظمة الداخلية للمجالس المنظمة بموجب قوانين تنظيمية. وهكذا يمكن تمييز تاريخ القضاء الدستوري المغربي بين ثلاث مراحل أساسية: المرحلة الأولى، هي مرحلة الغرفة الدستورية في نطاق الدساتير الثلاثة: 1962 و1970 و1972. بينما الثانية هي مرحلة المجلس الدستوري في نطاق دستوري 1992 و1996. وأخيرًا، مرحلة المحكمة الدستورية التي أتى بها دستور 2011.[15] ولأن المقام هنا لا يتسع للحديث بإسهاب عن كل المراحل التي قطعها القضاء الدستوري المغربي، سينصب تركيزنا على مرحلة إحداث المحكمة الدستورية، والتي من خلالها سيتاح للأفراد حق الولوج للعدالة الدستورية. فالمغرب ظل متأثرًا بالنموذج الفرنسي في القضاء الدستوري، والمتمثل في تكريس الرقابة السياسية والحذر في إقرار الرقابة القضائية على دستورية القوانين؛ خوفًا من عدم الاستقرار القانوني. [16] إذ لم يتم الاعتراف الدستوري بالرقابة القضائية في فرنسا إلا بموجب التعديلات الدستورية لسنة 2008 ومقتضيات القانون الأساسي رقم 1523 سنة 2009، والتي منحت للمجلس الدستوري سلطة الرقابة اللاحقة على دستورية القوانين وفقًا لأسلوب الدفع الفرعي بعدم الدستورية في إطار ما سمي بـــــ «مسألة الأولوية الدستورية».[17] ما يطرح تساؤلًا بشأن المستجدات التي أتت بها المحكمة الدستورية.

تجربة المحكمة الدستورية

عند النظر للتجربة المغربية في مجال القضاء الدستوري، يمكن القول أنها تميزت بهيمنة الرقابة السياسية اللاحقة، من خلال الفحص الإجباري، أو الاختياري، لدستورية القوانين والمعاهدات الدولية والأنظمة الداخلية لمجلسي النواب والمستشارين، إلى جانب مراقبة صحة انتخاب أعضاء البرلمان وعمليات الاستفتاء.[18]

ويمكن القول بأن الدساتير المغربية، بدايةً بدستور 1962 وصولًا لدستور 1996، قد أجمعت على عجز الأفراد عن التقاضي أمام الغرفة الدستورية، ثم أمام المجلس الدستوري للطعن في دستورية قانون معين، سواء عن طريق دعوى أصلية (دعوى الإلغاء) أو عن طريق الدفع (رقابة الامتناع). وهو ما تغير في دستور 2011؛ والذي نص في الفصل 129 على استحداث محكمة دستورية تمارس الاختصاص المسند إليها في فصول الدستور وبأحكام القوانين التنظيمية. وهكذا، أضاف الدستور الجديد إلى المحكمة الدستورية اختصاصًا لم يكن مألوفًا في الدساتير السابقة؛ والمتعلق بالنظر في كل «دفع يتعلق بعدم دستورية قانون أثير أثناء نزاع»، أو ما يُعرف بــ«الرقابة عن طريق الدفع».[19]

لقد ارتقى دستور 2011 بجهاز مراقبة دستورية القوانين من مجلس دستوري إلى محكمة دستورية تمارس اختصاصات جديدة على قدر كبير من الأهمية، منها ما يعد توسيعًا للاختصاصات الأصلية مثل الرقابة السابقة لدستورية المعاهدات الدولية، ومنها ما غيّر من طبيعة القضاء الدستوري؛ فبعدما كانت الرقابة التي يمارسها تقتصر على الرقابة السياسية الوقائية السابقة على صدور الأمر بتنفيذ القوانين،[20] أضاف دستور 2011 مجموعة من الاختصاصات الجديدة من أهمها صلاحية البت في الدفع بعدم دستورية قانون بعد صدور الأمر بتنفيذه أثناء النظر في نزاع معروض أمام القضاء، وذلك إذا دفع أحد الأطراف بأن القانون المُطبق في النزاع يمس بالحقوق والحريات التي يكفلها الدستور. بمعنى آخر، نحن أمام دعوى قضائية، وأحد الأطراف دفع بأن القانون المطبق أو الذي سوف يطبق على الموضوع، قد يمس بالحقوق والحريات التي يضمنها الدستور، ينبغي على المحكمة حينها وقف البت في الموضوع، وانتظار قرار المحكمة الدستورية بعد إحالة الأمر إليها. وهكذا، يتم الدفع بعدم الدستورية باعتباره آلية من آليات الرقابة القضائية اللاحقة، كإجراء يتقدم به المدعي في دعوى منظورة أمام إحدى المحاكم المختصة، ويطعن بمقتضاه بعدم دستورية نص أو نصوص قانونية لها ارتباط بالدعوى المنظورة أمام المحاكم المذكورة وفقًا للإجراءات القانونية المستخدمة حسب كل تشريع.[21]

وبما أن لجوء المواطنين للقضاء الدستوري، عن طريق آلية الدفع بعدم الدستورية، أصبح حقًا معترفًا به في غالبية الدول، إذ أثبتت الرقابة القضائية على دستورية القوانين نجاعتها في التجارب المقارنة؛ فقد اتجهت معظم الدول إلى إقرارها والتشريع بها، وكذلك فعل المشرع الدستوري المغربي، فقد اعتمد الرقابة القضائية اللاحقة على دستورية القوانين من خلال منح الأفراد الحق في ممارسة هذا الدفع، الأمر الذي يشكل في نظرنا نقلة نوعية تؤسس لتحقيق عدالة دستورية يكون فيها المواطن في قلب معادلة تحصين حقوقه بشكل إيجابي.[22]

وبالنظر للتجربة الدستورية الفرنسية، والتي استوحى منها المشرع الدستوري المغربي العديد من المقتضيات، فإن التعديل الدستوري لعام 2008 والذي دخل حيز التنفيذ في مارس 2010، منح المجلس الدستوري اختصاصًا جديدًا بإمكانية الدفع من طرف المتقاضين بعدم دستورية القوانين، أو ما يعرف باسم «سؤال الدستورية ذات الأولوية». الأمر نفسه سيتبناه دستور 2011 في المغرب،[23] إذ أتاح هذا التعديل للأفراد الحق في الدفع أمام محاكم القضاء العادي والقضاء الإداري بعدم دستورية النصوص التشريعية التي تخل بحقوقهم وحرياتهم الدستورية.[24]

وتبرز أهمية التجربة الفرنسية من كونها قد جرت في سياق سياسي وقضائي وفكري فلسفي وإقليمي أكثر تقدمًا، بما في ذلك وجود محكمة أوربية لحقوق الإنسان. [25] الأمر الذي دفع المشرع الدستوري المغربي لاستخلاص الدروس منها، وبالتالي المساهمة في إنجاح التجربة المغربية التي تواجهها تحديات أكثر بكثير من مثيلاتها الفرنسية.

وبجانب استلهام هذا التحول النوعي في العدالة الدستورية الفرنسية، فإن المتتبع يلحظ تأثر المشرع الدستوري المغربي في مجال القضاء الدستوري، إلى حد كبير، بالتجربة الأنجلوساكسونية، والتي تعتمد مبدأ الرقابة القضائية على دستورية القوانين وأعمال السلطات العامة.

وفي ظل محدودية قدرة القضاء الإداري في حماية المواطنين من تعسف الدولة، فقد ارتفعت الأصوات الحقوقية لتطالب بإقرار آليات دستورية جديدة تعزز وتصون الحقوق والحريات. فرغم الدور الإيجابي للقضاء الإداري في حماية الحقوق والحريات، وفي تشجيع الأفراد على مجابهة شطط وتعسف السلطات الإدارية؛ إلا أنه نظرًا للصعوبات العملية التي تعترض هذا الدور؛ برزت ضرورة إقرار آلية عملية للطعن في القانون المخالف للدستور، وليس مجرد الطعن في القرار الإداري غير الشرعي.[26]

إن الأخذ بآلية الدفع بعدم دستورية القوانين أمر يتماهى مع المكانة المتميزة التي منحها دستور 2011 للحقوق والحريات، الأمر الذي دفع البعض لاعتباره دستور الحقوق والحريات بامتياز. إذ لم يكتف هذا الدستور بإقرارها، وإنما عمل على وضع الضمانات الأساسية لحمايتها من الشطط والتجاوزات، وذلك باستعراض مجموعة من الآليات والضمانات الكفيلة بتمكين المواطنين من ممارسة تلك الحقوق المكفولة في الدستور، الأمر الذي ينسجم مع التزامات المغرب الدولية. ويحيلنا هذا لسؤال حول ماهية الحدود والضمانات الإجرائية لآلية الدفع بعدم الدستورية حسبما أقرها دستور 2011.

ضوابط وخصوصيات الدفع بعدم الدستورية عبر قانون 15-86

يتجلى المغزى الحقيقي من إرساء آلية الدفع بعدم الدستورية في حماية الحقوق والحريات من تجاوزات التشريع، إذ لا قيمة لأي تشريع لا يحفظ حقوق الإنسان وكرامته.[27] كما أن طريقة الدفع التي أقرها المشرع الدستوري لصالح الأفراد، عبر الطعن في دستورية أو عدم دستورية نص تشريعي سيطبق على نزاع معروض أمام محاكم الموضوع، تُمكّن من إنهاء ظاهرة انفلات القوانين من الرقابة على دستورية القوانين، والتي قد تشكل خطرًا حقيقيًا على الحقوق والحريات. ويعد الدفع بعدم الدستورية وسيلة أساسية من وسائل الرقابة القضائية اللاحقة التي أقرها المشرع الدستوري المغربي لصالح الأفراد. فما هي ضوابط وحدود القواعد العامة الإجرائية لهذه الآلية، على ضوء مشروع القانون التنظيمي 16/85، خاصةً في أعقاب السجال والجدل الذي أثاره مشروع القانون بين المحكمة الدستورية والمؤسسة التشريعية. [28]

في هذا السياق، تتميز دعوى الدفع بعدم دستورية القوانين بنوع من الخصوصية؛ إذ ترتبط بوجود نص قانوني أو تنظيمي يراد تطبيقه على نزاع منظور أمام محاكم الموضوع، يطعن بمقتضاها المدعي بعدم دستورية ذلك النص، وفقًا لإجراءات قانونية معمول بها حسب كل تشريع. وذلك إذا تبين للمدعى أن ذلك القانون يمسّ حقوقه أو حرياته.

وتعود مرجعية العدالة الدستورية –أو الرقابة القضائية على دستورية القوانين– للولايات المتحدة الأمريكية، والتي عايشت سوابق تاريخية نظرًا لكونها مستعمرة بريطانية مضطرة للعمل بقوانين البرلمان الإنجليزي، وبالتالي الخضوع لأوامر التاج، وترتب على ذلك شعور الأمريكيون بأن من حقهم المطالبة بإبطال ما يرونه لا يتوافق مع دستور 1787، فكانوا يطالبون القضاء الأمريكي الحكم بعدم دستورية بعض قوانين البرلمان الإنجليزي. وهو الأمر الذي استغلته المحكمة الاتحادية العليا مع القضية الشهيرة المعروفة بقضية «ماربوري ضد ماديسون»؛ إذ حكم القاضي مارشال رئيس المحكمة الاتحادية العليا سنة 1870 بعدم دستورية قانون اتحادي لمخالفته للدستور. [29]

وبداية، نشأ هذا النوع من الرقابة القضائية وتطور في أمريكا وإنجلترا، ثم انتقل إلى أوروبا عن طريق دستور النمسا لسنة 1920، ثم تبنته بعض الدول العربية على رأسها الكويت في دستور سنة 1962، تم الدستور المصري لسنة 1971، مرورًا بالدستور القطري واليمني والسوداني، وانتهاءً بدساتير ثورات الربيع العربي في كل من المغرب وتونس والأردن وسوريا ثم الجزائر.

وفي 2008، أدخل المشرع الدستوري الفرنسي تعديلًا دستوريًا جوهريًا تضمن عدة إصلاحات، من بينها توسيع الرقابة على دستورية القوانين عن طريق السؤال ذي الأولوية الدستورية أو «مسألة الأولوية الدستورية» (Question de Prioritaire de Constitutionalité)، والذي تم تبنيه في الفصل 61-1 من الدستور الفرنسي. ودخل حيز التنفيذ بالقانون التنظيمي المؤرخ في 10 ديسمبر 2009، والذي عدّل قانون 7 نوفمبر 1958 المنظم للمجلس الدستوري. وفي 16 فبراير 2010 صدر مرسومًا يوضح إجراءات إثارة مسألة الأولوية الدستورية أمام مختلف المحاكم. وبهذا التعديل صار المجلس الدستوري الفرنسي يمارس نوعين من الرقابة الدستورية؛ رقابة سابقة من خلال إحالة القوانين إلى المجلس للنظر في دستوريتها قبل صدور القانون، واللاحقة من خلال إحالة القوانين إلى المجلس للنظر في دستوريتها بعد صدور القانون.

ورجوعًا للدستور المغربي لعام 2011، نجد أن الفصل 133 نص على أن «تختص المحكمة الدستورية بالنظر في كل دفع متعلق بعدم دستورية قانون، أثير أثناء النظر في قضية، وذلك إذا دفع أحد الأطراف بأن القانون، الذي سيطبق في النزاع، يمس بالحقوق وبالحريات التي يضمنها الدستور. يحدد قانون تنظيمي شــــــــروط وإجراءات تطبيق هذا الفصل».

وحسب النص الدستوري، فإن تحديد شروط وإجراءات تطبيق هذا الفصل، يتطلب إصدار قانون تنظيمي يوضح إجراءات وكيفية الدفع بعدم الدستورية أمام مختلف أنواع المحاكم، ويحدد مراحل وإجراءات الإحالة إلى المحكمة الدستورية. فمن له الحق في ذلك؟ وماهي الحقوق والحريات التي يمكن أن تشكل أساسًا للدفع بعدم الدستورية؟

وفي يوليو 2016، تم إيداع مشروع القانون التنظيمي رقم 15-86، والمتعلق بكيفية ممارسة وإجراءات آلية الدفع بعدم الدستورية في مجلس النواب، [30]والذي صادق عليه في قراءة أولى في أغسطس 2017، ثم في فبراير 2018 إثر قراءة ثانية بعد إدخال التعديلات التي اقترحها مجلس المستشارين. وتم إحالته بعد ذلك للمحكمة الدستورية، والتي قضت بعدم دستوريته في قرارها رقم 18/70 بتاريخ 6 مارس 2018.[31]

ودون الدخول في تفاصيل قرار المحكمة الدستورية بشأن مشروع القانون التنظيمي والمواد التي أقر بدستوريتها، أو تلك التي اعتبرها غير مطابقة للدستور، فقد عمل مشروع القانون في نسخته الجديدة على الأخذ بعين الاعتبار قرار المحكمة الدستورية، سواء فيما يتعلق بالشروط الموضوعية للدفع بعدم الدستورية أو الشروط الشكلية. ففيما يتعلق بأصحاب الحق في الدفع بعدم الدستورية، نجد أنه طبقًا للفقرة الثالثة من الفصل 133 من الدستور المغربي، يحق لكل شخص طرف في دعوى معروضة أمام إحدى محاكم المملكة أن يثير الدفع بعدم دستورية قانون ساري المفعول من شأن تطبيقه على النزاع أن يمس إحدى الحقوق والحريات التي يضمنها الدستور.[32]

ويعني ذلك أن المشرع الدستوري لم يتح آلية الدفع بعدم الدستورية لعموم المواطنين، وإنما منحها للمتقاضين فقط، وهي تقتصر على المدعي والمدعى عليه وكل متهم أو مطالب بالحق المدني والمسؤول المدني في الدعوى العمومية. حارمًا بعض الأطراف من حق إثارة هذا الدفع، وعلى رأسها النيابة العامة، خلافًا للمشرع الدستوري الفرنسي الذي خولها هذا الحق، خصوصًا بعد الجدل الفقهي والبرلماني الذي أثارته «المسألة الدستورية ذات الأولوية» حول أحقية النيابة العامة في هذا الشأن.

وتجدر الإشارة هنا لأن النيابة العامة في التجربة الفرنسية لم يسبق لها أن طرحت سؤال الدفع بعدم الدستورية، وإنما اقتصرت على إبداء الرأي في الدفع وهو رأي مؤثر.[33] إلا أن المحكمة الدستورية، ومن خلال قرارها رقم 18/70 أكدت أحقية النيابة العامة في إثارة حق الدفع بعدم الدستورية؛ إذ جاء في هذا القرار أن المقصود بأطراف الدعوى يجب تحديده استنادًا إلى قانون المسطرة المدنية والجنائية والنصوص الأخرى التي تجعل من النيابة العامة طرفًا رئيسًا حسب الحالة، إلى جانب أطراف أخرى يتوافر فيها شرطي الصفة والمصلحة، وباعتبار أن النيابة العامة تعد طرفًا في الدعوى العمومية، فقد يشملها تعبير مدعي أو مدعى عليه. في الوقت نفسه، ورغم إتاحة الطعن للأطراف في القضية، إلا أن القاضي العادي لا يمكنه إثارة هذا الدفع تلقائيًا. بينما يمكن لكل طرف من الأغيار، له مصلحة في إثارة الدفع، التدخل في الدعوى الدستورية، بما في ذلك أمام المحكمة الدستورية، شريطة أن يكون الدفع قد أثير من أحد أطراف الدعوى.[34]

إلا أن البعض يذهب لتأكيد عدم أحقية النيابة العامة في إثارة الدفع بعدم الدستورية، معللين ذلك بكون النيابة العامة ليست متقاضيًا مثل باقي المتقاضين.[35] فالنيابة العامة تدافع عن القوانين الجاري العمل بها، وهو ما لا يُتصور معه إمكانية مبادرتها للدفع بعدم دستورية قانون ما، وإنما كل ما بإمكانها هو إبداء رأيها في دفع معين، والذي ينبغي أن يكون مكتوبًا ومسببًا، بأن تعارضه أو تؤيده، أو تسند النظر لقاضي الموضوع. أي أن الدور الرئيس للنيابة في نظر هؤلاء يقتصر على إبداء الرأي في الدفع. وهو الدور الذي يجب أن تضطلع به بكل عناية؛ فالنيابة في الأساس  تدافع عن القانون الذي يتلاءم مع الدستور، فهي كغيرها مقيدة بالفصل 6 من الدستور الذي تنص فقرته الثالثة على أن «تعتبر دستورية القواعد القانونية وتراتبيتها ووجوب نشرها مبادئ ملزمة». [36]وفي واقع الأمر، لا يُتصور إمكانية أن تؤيد النيابة العامة دفعًا بعدم دستورية قانون حرّكت على أساسه متابعة، أو قدمت موجبات لتطبيقه. [37]

في المقابل، نجد أن المشرع الدستوري الفرنسي حرم قضاة الموضوع من إثارة مسألة الأولوية الدستورية من تلقاء أنفسهم، حتى وإن كانت مخالفة النص الدستوري واضحة في النص التشريعي، ملقيًا بتبعة إثارتها على عاتق المتقاضين وحدهم. قاصدًا بذلك نفي صفة النظام العام عن «مسألة الأولوية الدستورية»، على خلاف القضاء الدستوري المصري الذي يعتبر الدفع بعدم الدستورية من الدفوع المتعلقة بالنظام العام، وبالتالي ينبغي على القاضي إثارتها من تلقاء نفسه أثناء أية مرحلة من مراحل الدعوى، وإن تنازل صاحب المصلحة نفسه عن إثارتها.[38]

تأسيسًا على ما سبق، يمكن القول أن آلية الدفع بعدم الدستورية هي وسيلة من وسائل الرقابة القضائية اللاحقة، تتم بعد دخول القانون حيز التنفيذ. أقرها المشرع الدستوري المغربي لصالح الأفراد للطعن في عدم دستورية نص تشريعي. بمعنى آخر أن مجال الدفع هذا متاح للمتقاضي متى توافرت فيه الصفة والمصلحة، وتعلق الأمر بالمساس بالحقوق والحريات التي يكفلها الدستور.[39]

وفي هذا الشأن، أوضح القاضي الدستوري المغربي، في قراره رقم 18-70 الصادر في 6 مارس 2018، أن الدفع بعدم الدستورية يمكن إثارته أثناء النظر في أي قضية، أي أمام جميع المحاكم المغربية بكل أنواعها ودرجاتها، بما في ذلك المحكمة الـعـسكرية والمحاكم المالية لدى ممارستها لاختصاصاتها قضائية، وكذا المحكمة الدستورية نفسها أثناء بتها في منازعات انتخابية برلمانية. [40]

يترتب على ذلك عدم إمكانية إثارة الدفع بعدم الدستورية بخصوص أحكام القانونين التنظيميين الخاصين بمجلسي البرلمان بسبب سبق البت في دستوريتهما، إلا في حالة تغيير ظروف القانون أو الواقع. والأمر نفسه يسري على القوانين التي كانت موضوع مراجعة سابقة، في حين لا يندرج فحص دستورية المراسيم ضمن اختصاصات المحكمة الدستورية، سواء في إطار الرقابة السابقة أو اللاحقة، وإن تعلقت بالعملية الانتخابية.

يبدو أن المشرع الدستوري المغربي أستلهم تجربة القضاء الدستوري الفرنسي وسار على نهجه، فوفقًا لنص المادة 61/1 من الدستور الفرنسي المعدل في 23 يوليو 2008، تم تقييد إثارة مسألة الأولوية الدستورية وإمكانية قبولها بضابط محدد، مؤداه أن يكون محلها الأحكام التشريعية التي تنتهك الحقوق والحريات التي يكفلها الدستور، أي التي صدرت في صورة تشريع. ومن ثم فإن نطاقها لا يشمل اللوائح والمراسيم الصادرة عن السلطة التنفيذية ولا يجوز الدفع بعدم دستوريتها. بينما يبدو الوضع في مصر أفضل حالًا مما هو عليه في المغرب وفرنسا. إذ أخضعت المحكمة الدستورية العليا في مصر جميع اللوائح الصادرة عن السلطة التنفيذية للرقابة الدستورية، شأنها في ذلك شأن القوانين الصادرة عن السلطة التشريعية. ويحدد المشرع الدستوري المصري نطاق الدفع بعدم الدستورية بالنصوص التشريعية واللوائح المتعارضة مع الدستور بما فيه من مبادئ وأحكام وحقوق وحريات، أيا كان نوعها أو طبيعتها، طالما جاء النص عليها في صلب الدستور أو في مقدمته. وبذلك يكون نطاق تطبيق نظام الدفع بعدم الدستورية في مصر أوسع وأشمل.[41]

البعد الإجرائي للدفع بعدم دستورية القوانين

تدخل آلية الدفع بعدم الدستورية ضمن الطعون القضائية، وبالتالي يشترط فيها اتباع الإجراءات نفسها المتبعة أمام المحاكم. وبالرجوع لمشروع القانون التنظيمي 15-86 وقرار المحكمة الدستورية رقم 18-70 بشان مدى دستورية هذا المشروع، يتعين على رافع دعوى الدفع بعدم الدستورية مراعاة جملة من الشروط الشكلية والموضوعية الواجب احترامها. فالمادة 5 من مشروع القانون التنظيمي تضمنت شروطًا شكلية وموضوعية لقبول الدفع، [42]إذ ألزمته بتقديم الدفع بعدم الدستورية في صورة مذكرة مكتوبة، وبصيغة مستقلة ومعللة، ومرفقًا بالمستندات والأدلة التي تبرره، وهو ما يعبر عنه بالطلب المستقل والمكتوب والمعلل. [43]

ولعل علة المشرع الدستوري في تقديم الدفع بعدم الدستورية بطلب مستقل ومكتوب ومعلل هو من جهة فصل معالجة الدفع عن النزاع الأصلي، ومن جهة أخرى لإتاحة الفرصة أمام المحكمة للتحقق من جدية الدفع بعدم الدستورية؛ إذ أن تحديد مثير الدفع على وجه الدقة للنص التشريعي محل الدفع، وأوجه انتهاك النص القانوني الواجب تطبيقه على النزاع للحقوق والحريات التي يكفلها الدستور، من شأنه إتاحة القدرة للمحاكم للتأكد من جدية الدفع بعدم الدستورية.

وفي هذا الإطار يبدو أن النظام القانوني المصري أكثر بساطة ومرونة من نظيريه الفرنسي والمغربي؛ إذ يتشابه هذان النظامان في اشتراط أن يكون الطلب المتضمن للدفع بعدم دستورية نص تشريعي، موضحًا ومعللًا للأسباب التي دفعت مقدم الدفع بعدم الدستورية لتقديم دفعه حتى يسهل تقدير جديته من عدمها. في المقابل، كان المشرع المصري أكثر مرونة في كونه لم يشترط إبداء الدفع بعدم الدستورية في طلب مستقل عن الطلب الأصلي، مجيزًا إثارة هذا الدفع في مذكرة الدعوى نفسها، في صورة طلب من بين الطلبات المضافة لصحيفة الدعوى. كما أجاز المشرع الدستوري المصري أجاز الدفع بعدم الدستورية في محضر الجلسة، أثناء نظر قاضي الموضوع في الدعوى الأصلية، شريطة أن يُبدي مثير الدفع بعدم الدستورية دفعه بصورة واضحة ولا يكتنفها الغموض. [44]

أما فيما يتعلق بإثارة الدفع بواسطة محام، فقد رأت المحكمة الدستورية بالمغرب عند فحصها لمشروع القانون التنظيمي 16-85 حول الدفع بعدم الدستورية أن المادة 5 من المشروع لا تخالف الدستور، شريطة أن تُفسر بأنها تمنح لمُثير الدفع حرية الاختيار بين الاستعانة أو عدم الاستعانة بمحام لتوقيع مذكرة الدفع. ويبدو أن الاستعانة بمحام في قضايا الدفع بعدم الدستورية من جانب المتقاضين، تعد مسألة أساسية على الأقل أمام المحكمة الدستورية بسبب تبادل المذكرات والمرافعة الشفوية.[45]

أما بالنسبة لأداء رسوم خاصة على صحيفة الدفع، فعلى غرار دعاوى الإلغاء أمام المحاكم الإدارية، المعفاة من الرسوم، يمكن اعتبار آلية الدفع بعدم الدستورية مسألة تخدم المصلحة العامة المتمثلة في تطهير الترسانة القانونية من قانون مخالف للحقوق الدستورية،[46] وبالتالي يجب أن تكون معفاة أيضًا.

وفي هذا الصدد نشير إلى أن المجلس الوطني لحقوق الإنسان في مذكرته المتعلقة بالدفع بعدم الدستورية، أقر بإعفاء الطلب من الرسوم القضائية، معللًا رأيه بالاستناد للملاحظة العامة رقم 32 للجنة حقوق الإنسان لسنة 2007 في تفسير المادة 14 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، التي ترى في إحدى فقراتها أن فرض رسوم على الأطراف، يؤدي بحكم الأمر الواقع لحرمانهم من الوصول إلى العدالة. [47]

وعلى هذا المستوى، ورغم أن الفصل 133 من الدستور المغربي قد أقر بحق كل المتقاضين بالولوج للعدالة الدستورية؛ لم يتبن المشرع الدستوري المغربي إثارة الدفع بعدم الدستورية بصورة مباشرة أمام المحكمة الدستورية، إذ لا وجود في المغرب للدعوى المباشرة خلافًا لمصر وألمانيا وإسبانيا وغيرها. فإذا كان من حق الأفراد الولوج إلى العدالة الدستورية، لا يُتصور في المقابل وصول كل طلبات الطعن بعدم الدستورية إلى المحكمة الدستورية دون آليات تصفية؛ للتأكد من مدى جديتها، وما قد ينتج عن ذلك من تضخم في طلبات الدفع بعدم الدستورية، ويؤثر سلبًا على بقية اختصاصات المحكمة الدستورية. وهو ما يطرح جملة من التحديات أمام ولوج الأفراد للعدالة الدستورية، بعضها مرتبط بطبيعة الرقابة القضائية ذاتها، والبعض الآخر يرتبط بمعطيات عملية. إذ أن فتح باب اللجوء إلى المحكمة الدستورية –وإن كان يشكل ضمانة مهمة في حماية الحقوق والحريات وبالتالي تقدمًا ملموسًا في تكريس دولة الحق والقانون– قد يؤدي لإغراق مختلف المحاكم إذا ما ارتفع عدد الدعاوى بشكل كبير، أو كانت الطعون غير جدية.[48] وما يستتبع ذلك من تضخم للطعون، وتراكم القضايا المحالة على المحكمة الدستورية، الأمر الذي يطرح إشكالية التوفيق بين حماية الحقوق والحريات من جهة، ومراعاة النجاعة القضائية والآجال المعقولة من جهة أخرى. وهناك تجارب بعض المحاكم الدستورية شاهدة على ذلك، لاسيما تلك التي أخذت بنمط الدعوى المباشرة، أو تلك التي وسعت من إمكانية التظلم الدستوري ليشمل حتى المقررات الصادرة عن السلطتين التنفيذية والقضائية؛ فالمحكمة الدستورية الألمانية تتلقى سنويًا حوالي ستة آلاف تظلم، لا يصل منها سوى 2,4% لنتيجة إيجابية، أي أن ما يفوق على 97% من تلك التظلمات يكون مآلها الرفض أو عدم القبول.[49]

لذا، فإن عملية تقدير الجدية في آلية الدفع بعدم الدستورية وتوجيهها بشكل يضمن النجاعة القضائية يمكن أن يسهم في تحقيق العدالة الدستورية. وفي هذا الشأن، أسند مشروع القانون التنظيمي 15-86 المتعلق بالدفع بعدم الدستورية عملية التصفية لمحكمة النقض موكلًا لها دورًا مزدوجًا؛ فهي تبت مباشرةً في الدفوع التي تثار بمناسبة قضية معروضة أمامها، وفي الدفوع التي تحال إليها من جانب محكمة أول درجة أو ثاني درجة. وفي هذه الحالة فهي تعمل على فحص جديتها، في أجل غايته ثلاثة أشهر ببعد إبلاغ المحكمة التي أثير الدفع أمامها، وتوكل للمحكمة الدستورية مرفقًا بالمذكرات ومستنتجات أطراف الدعوى. [50]

بيد أن المحكمة الدستورية اعتبرت في قرارها رقم 18-70 الصادر بتاريخ 12 مارس 2018 أن تقدير الجدية الموكول للهيئة المحدثة بمحكمة النقض يحولها لمراقـب أولي للدستورية؛ نظرًا لصعوبة تحديد العناصر الشكلية للجدية، وارتباط تقديرها بالموضــــــــــــــــــوع ولـيس بالشكل.[51] وبذلك قضت المحكمة الدستورية في قرارها السالف بعدم دستورية آلية التصفية المنصوص عليها في المادة 11 من مشروع القانون التنظيمي المتعلق بتحديد شروط وإجراءات الدفع بعدم الدستورية.[52]

وحسب قرار المحكمة الدستورية فإن آلية التصفية إذا ما أسندت لمحكمة النقض، قد تؤدي لانتقاص استئثار المحكمة الدستورية بصلاحية المراقبة اللاحقة، وحرمانها بالتالي من ممارسة اختصاصها كاملًا عبر دفعها لمباشرة النظر في موضوع الدفوع المقبولة دون رقابة شكلية عليها.

وبناءً على تعليلاته، استنتج القاضي الدستوري أن التوفيق بين الحق في إثارة الدفع بمناسبة قضية معروضة على محكمة ما من جهة، واختصاص المحكمة الدستورية بالبت شكلًا وموضوعًا في الدفوع الدستورية المحالة عليها، وسن متطلبات النجاعة القضائية وحسن سير العدالة وسرعة البت في الدفوع وإصدار قرارات بشأنها في وقت مناسب؛ يقتضي من المشرع حصر نطاق الشروط التي يتحقق القاضي من استيفائها لإثارة الدفع في القضايا التي لا تشكل عناصر تقدير أولي للدستورية، وفي استحداث آلية كفيلة بإرساء نظام التصفية بالمحكمة الدستورية على أن يحدد قانون تنظيمي تشكيلها وضوابطها.[53]

وتأسيسًا على هذه المعطيات والحيثيات، ومن منطلق أن اختصاص النظر في كل دفع بعدم الدستورية الموكول للمحكمة الدستورية هو اختصاص عام، يشمل النظر في الدفوع المحالة إليها شكلًا وموضوعًا، ولا يوجد في الدستور ما يشرع لتجزئ هذا الاختصاص المتدرج في ولايتها الشاملة، أو ما يبرر نقله لتعين الجهة المحددة له دستوريا؛ فإن تدخل مشروع القانون التنظيمي في هذا المجال ينحصر فقط في موضوع الشروط والإجراءات بما تتضمنه من شكليات.

فإن القاضي الدستوري يستنتج بشكل ضمني أن اختصاص محكمة النقض يتوقف فقط عند: أولًا: فحص المشروعية –بمعنى فحص الإجراءات الشكلية من حيث إقامة الدعوى واتصالها بالدعوى الأصلية، وثانيًا: أخذا بمبدأ مركزية المراقبة الدستورية القبلية واستئثار المحكمة الدستورية بالمراقبة اللاحقة،[54] فإنه بموجب الفقرة الأولى من المادة 13 من مشروع القانون التنظيمي يتم وقف البت في الدعوى في القضية المعروضة أمامها لحين صدور قرار القاضي برد الدفع أو لحين صدور قرار المحكمة الدستورية القاضي برفض الدفع.

الجديد في هذا السياق، بعد تدخل القاضي الدستوري بموجب القرار 18-70، أنه اعتبر أن مسألة استحداث هيئة بمحكمة النقض للبت في الجدية، وإحالة القضية إلى المحكمة الدستورية التي نص عليها مشروع القانون التنظيمي 15-86 في المادة 11 ليست مطابقة للدستور، لاعتبار أن هذا الأمر سوف يحول الهيئة المذكورة لمراقب سلبي للدستورية، نظرًا لصعوبة تحديد العناصر المشكلة للجدية، وارتباط تقديرها بالموضوع وليس بالشكل.[55] وبالتالي فإن الأصل أن تتم الإحالة شكلًا وموضوعًا بشكل عام من جانب محكمة النقص إلى المحكمة الدستورية بعد التحقق من الشروط التي يتحقق القاضي من استيفائها لإثارة الدفع، والتي لا تشكل عنصر تقدير أولي للدستورية، مثل التأكد من مجموعة من الشروط الشكلية، كشرط الصفة، المصلحة، اتصال الدفع بالدعوى الأصلية، المذكرة المكتوبة، أداء الرسوم القضائية، إلخ. كذا فإن الفحص أمام محاكم الموضوع لا يتطلب بحثًا معمقًا، ولا يسمح بهامش كبير للتقدير، يكفي أن تكون هناك عدم الدستورية ليحيل القاضي الدفع إلى المحكمة الدستورية.[56]

وفي هذا السياق يمكن القول أن اشتراط المذكرة المستقلة والمعللة يفرض على محاكم الموضوع فحص توفر الدفع على الشروط المطلوبة، أي شرط كون المقتضى التشريعي المطعون في دستوريته قابل للتطبيق على النزاع المعروض في البداية، ثم تبين مذكرة الدفع أن المقتضى لم يسبق فحص دستوريته، أو هناك تغييرًا في الظروف في حالة ما إذا سبق فحصه. وأخيرًا أن ترى ما إذا كانت المذكرة تتضمن تعليلًا سطحيًا أو متعمقًا بانتهاك القانون لحق يضمنه الدستور أو الالتزامات الدولية المصادق عليها. وأن عليها فحص جدية النزاع ظاهريًا دون تعمق، ولكن أيضًا دون سطحية.

وبالنظر إلى القضاء الدستوري الفرنسي، نجد أنه فرّق بين دور قاضي الموضوع في الجهات القضائية الأدنى، ودور القاضي في مجلس الدولة وفي محكمة النقض. فبينما يطلب من قاضي الموضوع في المحاكم الأدنى درجة التحقق من عدم تجريد المسألة من الطابع الجدي لها، فإنه يطالب الهيئات القضائية العليا –مجلس الدولة ومحكمة النقض– بالتحقق من توفر عنصر الجدية فيها.[57] ويصرح الفقه الفرنسي في هذا الصدد بتفاوت درجة التعمق في تحليل مضمون الدفع بين نوعين من الجهات القضائية؛ فبينما يكتفي قضاة الدرجة الأدنى بمعاينة مدى توفر أدنى إشارة من الجدية، فإن دور قضاة مجلس الدولة ومحكمة النقض يمتد للبحث في العناصر التي تؤكد بوضوح توفر عنصر الجدية.

وبحسب المشرع الدستوري المغربي فإن قاضي الموضوع تنحصر مهمته في إحالة الأمر إلى المحكمة الدستورية، ووقف النظر في النزاع المعروض عليه، لحين البت في الدفع المثار، ابتداءً من تاريخ صدور المقرر القضائي الذي يأذن فيه لمثير الدفع بتقديم دفعه أمام المحكمة الدستورية.

وتتميز إجراءات التقاضي أمام المحكمة الدستورية بالعلنية، ما عدا في الحالات التي تقرر فيها المحكمة سرية الجلسة طبقًا لنظامها الداخلي، لظروف تختص المحكمة بتقديرها، إما بمبادرة منها أو استجابةً لطلب أحد الأطراف؛ حفاظًا على علنية الجلسات الذي يعد من مبادئ المحاكمة العادلة، والتي لا ينبغي الخروج عنها سوى بمبرر تقتضيه مصلحة عامة أو ظروف خاصة للقضية. بينما في فرنسا، تم توسيع العلنية لتشمل العالم أجمع، إذ يتم تسجيل سمعي بصري مباشر للجلسة التي تجرى في يوم الثلاثاء من كل أسبوع بإحدى قاعات المجلس الدستوري، ويتم الاحتفاظ بهذا التسجيل على موقع المجلس.[58] وفيما يتعلق بمسطرة التقاضي أمام المحكمة الدستورية، التي تتميز بالعلنية كما سبقت الإشارة، فإنها تأخذ الطابع الكتابي من خلال تبادل المذكرات الجوابية والتعقيبية عبر مذكرة الدفع المقدمة من جانب أطراف الدعوى، ومن خلال إدلاء رئيس الحكومة ورئيس مجلس النواب ورئيس مجلس المستشارين بملاحظات كتابية تخص موضوع الدفع.

وبعد استكمال مختلف مراحل الدفع يبت القاضي الدستوري في دعوى الدفع بعدم دستورية المقتضى التشريعي المراد تطبيقه على القضية المثارة أمام قاضي الموضوع، والذي يمس حقوق وحريات مقدم الدفع، فإن تبين للقاضي الدستوري مطابقة المقتضى التشريعي للدستور، فإنه يحكم برفض الدعوى الدستورية. على الوجه الأخر، إن رأى القاضي أن المقتضى التشريعي يحمل مخالفة للنص الدستوري، فإنه يحكم بعدم دستوريته عبر قرار يتم تبليغه للمحكمة المثار أمامها الدفع وللملك ولرئيس الحكومة ورئيسي كل من مجلس النواب ومجلس المستشارين، إلى جانب أطراف الدعوى. إلا أن السؤال الذي يطرح نفسه هنا، هو ما المقصود بالحقوق والحريات التي لا ينبغي المساس بها من أي مقتضى تشريعي؟ خصوصا إذا علمنا أن نصوص الدستور في كل دول العالم تنص على الحقوق والحريات بصورة مجملة ومقتضبة. فهل يُقصد بها مختلف الأحكام والمبادئ المضمنة في ديباجة الدستور وفي الباب الأول والباب الثاني المخصص للحقوق الأساسية والحريات؟. بمعنى آخر، ألا يجوز للأفراد الدفع بعدم الدستورية إذ تعلق الأمر بالانتقاص من حقوق غير منصوص عليها في الدستور؟ خاصةً وأن الدفع مقرون بوقوع ضرر يمس الحقوق المنصوص عليها بصريح العبارة في صلب الوثيقة الدستورية. إن الإجابة عن هذه التساؤلات تقتضي منا توضيح قائمة الحقوق المنصوص عليها في الدستور المغربي بالإضافة للحقوق المنصوص عليها في الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب. وأخيرًا استقراء واستحضار القضاء الدستوري المقارن، خصوصًا الفرنسي، وما كشفت عنه التجربة الفرنسية فيما يخص الحقوق التي تمت إثارتها في مسألة الأولوية الدستورية.

إن الحقوق المضمونة في دستور 2011 تتجاوز الحقوق المذكورة في الباب الثاني من الدستور، والمخصص للحقوق والحريات، حتى أن دستور 2011 أُطلق عليه دستور الحقوق؛ لتضمنه على مبادئ وحقوق منصوص عليها في الديباجة وفي أبواب أخرى متفرقة.[59] ففي ديباجة الدستور نجد التزامات ضمنية بحقوق أساسية انطلاقًا من مبادئ المشاركة والتعددية، والنص على أن المملكة المغربية –العضو العامل والنشيط في المنظمات الدولية– تتعهد بالتزام ما تقتضيه مواثيقها من مبادئ وحقوق وواجبات، وتؤكد على تمسكها بحقوق الإنسان كما هي متعارف عليها عالميًا.[60] كما تلتزم المملكة بحماية منظومتي حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني والنهوض بهما، والإسهام في تطويرهما، مع مراعاة الطابع الكوني لتلك الحقوق وعدم قابليتها لتجزئ وتلتزم بجعل الاتفاقيات الدولية، حسبما صادق عليها المغرب وفي نطاق أحكام الدستور وقوانين المملكة وهويتها الوطنية الراسخة، تسمو فور نشرها على التشريعات الوطنية. كما تؤكد المملكة التزامها بالعمل على ملائمة هذه التشريعات حسبما تتطلبه تلك المصادقة.[61]

جدير بالذكر، أنه لا جدال فيما يخص القيمة القانونية التي تتضمنها ديباجة الدستور؛ إذ يمكن اعتمادها ضمن الكتلة الدستورية المرجعية للحقوق والحريات، وبالتالي فإن تتيح هذه الديباجة لمثير الدفع الطعن في دستورية أي مقتضيات قد يرى أنها تنتهك مبادئ التعددية أو المساواة. كما تسمح هذه الديباجة بالدفع فيما يخص الحقوق والحريات المضمنة في الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب، الأمر الذي يعد انسجامًا مع مبدأ سمو المعاهدات الدولية، وهو المنحى نفسه الذي تبناه القضاء الدستوري الإسباني، الذي توسع في تحديد النصوص الضامنة للحقوق والحريات العامة لتشمل المعاهدات الدولية والدستور والقوانين التنظيمية، إلى جانب القوانين العادية والمراسيم والقوانين الداخلية.[62] والأمر نفسه بالنسبة للقضاء الدستوري الفرنسي، إذ اعتبر المجلس الدستوري أن قائمة الحقوق والحريات المكفولة في الدستور يجب تحديدها انطلاقًا من مكونات الكتلة الدستورية، والتي تتشكل من الدستور، وديباجته، وما أحالت إليه، مثل ميثاق البيئة –الصادر سنة 2004 والمدرج بالدستور الفرنسي بمقتضى التعديل الدستوري لسنة 2008– والإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمواطن.[63]

ورجوعًا للدستور المغربي، نجد أن أبوابه المختلفة قد تضمنت عدة حقوق أخرى؛ ففي الباب الأول نجد مبادئ أخرى كمرجعية للدفع ضد أي مقتضيات تخالف، أو تفسير ينتهك، مضمون الحقوق، ومنها مبدأ حرية ممارسة الشعائر الدينية لكل شخص، ومبادئ المساواة أمام القانون، ومبدأ سمو القواعد الدستورية ومبدأ عدم رجعية القوانين، وحرية تأسيس الأحزاب وغيرها من الحقوق.[64] فيما يضم الباب الثاني حقوقًا أخرى، أو تأكيدًا لما جاء في التصدير، وهي تتنوع بين حقوق ترتب التزامات على السلطات، وحقوق تتضمن التزامات ببذل عناية، إلا أن المقام لا يتسع لتفصيل تلك الحقوق والحريات.

على هذا المستوى تبرز مكانة الحقوق والحريات المنصوص عليها في الاتفاقيات الدولية فيما يخص آلية الدفع بعدم الدستورية كفرصة موازية لملائمة التشريع،[65] وقد اعتبر المجلس الوطني لحقوق الإنسان أن الدفع بعدم الدستورية يعد توسيعًا لمجال تطبيقها بتبني تعريف واسع وشامل لعبارة الحقوق والحريات التي يضمنها الدستور، حتى يمكن إدماج الحقوق والحريات المُعترَف بها عالميًا، بما في ذلك تلك المضمونة من جانب المواثيق والاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب. [66]ويُحسب للمجلس الوطني لحقوق الإنسان رؤيته هذه؛ إذ تمنح لمصادقة المغرب على الاتفاقيات الدولية أثر فعلي، في سبيل ملائمة التشريع الداخلي مع التزامات المغرب الدولية.[67] وفي هذا الصدد نجد أن دستور 2011 عمل على إدراج العديد من المبادئ الواردة في المواثيق الدولية لحقوق الإنسان في صلب أحكامه بما في ذلك ميثاق المحكمة الجنائية الدولية، وهو ما يتضح، على سبيل المثال، في المقارنة بين الفصل الثاني والعشرين منه، والذي ينص في فقرته الأخيرة على أنه «يعاقب القانون على جريمة الإبادة، وغيرها من الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب وكافة الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان والممنهجة لحقوق الإنسان» مع المادة الخامسة من روما الأساسي المحكمة الجنائية الدولية.[68]

بيد أن جانبًا من القضاء الدستوري المغربي يذهب لاعتبار أن الاتفاقيات الدولية لا تسمو على الدستور المغربي، وإنما تعادله، مستحضرًا ما ورد في تصدير الدستور من كون الاتفاقيات الدولية (المصادق عليها والمنشورة) تسمو على التشريعات الوطنية؛ «في نطاق أحكام الدستور وقوانين المملكة وهويتها الوطنية الراسخة». موضحًا بذلك أن عبارة «قوانين المملكة» يجب ألا تُفهم على أنها تعني قوانين المملكة عمومًا؛ وإنما تنحصر في «قوانين المملكة المستمدة من الدين الإسلامي».[69] وانطلاقًا من كون كافة الحقوق والحريات الواردة في الدستور أساسية ولا تقبل التجزئة؛ فإن المحكمة الدستورية هي التي ينبغي عليها في الأساس، من خلال القضايا التي ستعرض عليها، مواصلة تحديد مضمون ومدى حدود هذه الحقوق والحريات، خصوصًا وأن هذه الأخيرة تتميز بصياغة لغوية فضفاضة.

خاتمة

إن المشرع الدستوري المغربي باستحداثه لآلية الدفع بعدم الدستورية، من خلال المحكمة الدستورية التي أسند إليها الدستور ممارسة رقابة قضائية لاحقة، قد اتبع نهج المشرع الدستوري الفرنسي، والذي كان يتبع الرقابة السياسية حتى عام 2008، حين أقر التعديلات الدستورية التي أسست لمسألة الأولوية الدستورية. وبمقتضى دستور 2011، أصبحت المحكمة الدستورية تحتكر مجال الرقابة على دستورية القوانين، سواء تعلق الأمر بالرقابة الوقائية السابقة (الرقابة السياسية)، أو الرقابة القضائية اللاحقة عن طريق الدفع الفرعي أو رقابة الامتناع. ولم يسندها إلى المحاكم، وإنما أوكلها حصرًا إلى المحكمة الدستورية؛ فكانت الخطوة الأولى نحو تعزيز العدالة الدستورية وولوج الأفراد إليها، وبالتالي ضمان الحقوق والحريات التي كفلها الدستور وحصّنها من الانتهاك، من خلال وضع إطار قانوني وإجرائي ينظم هذه الآلية، والذي يتمثل في مشروع القانون التنظيمي رقم 15-86، والذي أصدرت المحكمة الدستورية بشأنه قرارها رقم 18/70، بعدما تم إحالته إليها للتأكد من مدى مطابقته لأحكام الدستور.

وبهذا المعنى تتحقق العدالة الدستورية، والتي تستهدف في المقام الأول توفير الحماية لحقوق المواطن وحرياته الأساسية، من خلال تطهير المنظومة التشريعية والترسانة القانونية عمومًا من كافة الشوائب، بما فيها الدستورية؛ الأمر الذي يسهم في تحقيق الأمن القانوني، ويضمن استقرار المراكز القانونية للأفراد وقدرتهم على مواجهة كل نص يهدد مصالحهم. كما أن العمل بأسلوب الدفع بعدم دستورية قانون ما قد يفضي لمزيد من التوسع في نطاق دستورية فروع القانون الأخرى، كما سيحدث تقارب أكبر بين القانون الدولي، لا سيما القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدستوري؛ نظرًا للازدياد المتوقع لوتيرة ملائمة دستور وقوانين المملكة مع الاتفاقيات الدولية، التي جعلها الدستور المغربي تسمو على التشريعات الوطنية، بما يمهد لتوسيع مضمون ونطاق الحقوق والحريات، فضلًا عما سيكتسبه الاجتهاد القضائي الدستوري المغربي من ثراء وخصوبة.

وخلص استعراضنا لآلية الدفع بعدم الدستورية، حسبما وردت في دستور 2011، وشروط وإجراءات استعمالها من خلال مشروع القانون التنظيمي رقم 15-86، ومن خلال قرار المحكمة الدستورية رقم 18-70 بشأن مدى دستورية المقتضيات التي تضمنها المشروع السالف الذكر؛ لوجود بعض الإشكالات حول مدى إسهام آلية الدفع بعدم الدستورية في حماية الحقوق والحريات الأساسية، وبالتالي تحقيق ولوج الأفراد للعدالة الدستورية. أبرز تلك الإشكاليات المُحتمل بروزها في المغرب عند العمل بآلية الدفع بعدم دستورية القوانين، تتجلى في كيفية التعاطي مع الطعون الكيدية أو التعسفية الفارغة، والتي لا ترمي سوى لربح الوقت وإضاعة الزمن القضائي، وبالتالي مراعاة النجاعة القضائية والآجال المعمول بها، خصوصًا مع تراكم القضايا المعروضة على المحكمة الدستورية واحتمال تضخم الطعون. ولعل تجارب بعض المحاكم الدستورية المقارنة خير دليل على ذلك؛ فالمحكمة الدستورية الإسبانية مثلًا تتلقى سنويًا آلاف التظلمات يكون مصير معظمها عدم القبول، والأمر نفسه ينسحب على المحكمة الدستورية الألمانية، والمحكمة الدستورية العليا في مصر، والتي تتسم بتوسيع إمكانية الدفع بعدم الدستورية، ليتضمن إلى جانب المقتضيات التشريعية المقررات الصادرة عن السلطتين التنفيذية والقضائية.

في السياق نفسه، فإن المجلس الدستوري في فرنسا، برغم عملية التصفية التي تمارسها محكمة النقض ومجلس الدولة قبل إحالة مسألة الأولوية الدستورية إلى المجلس الدستوري، أصدر خلال ثمان سنوات من تطبيق مسطرة الدفع 605 قرار في مقابل إصدار 754 قرار على مدار 58 سنة في مجال الرقابة السياسية على دستورية القوانين.

تأسيسًا على ما سبق، فإن التجسيد الفعلي لآلية الدفع بعدم الدستورية، كضمانة لصيانة الحقوق والحريات، يتوقف على تهيئة الظروف المناسبة لتفعيلها إلى جانب الشروط والإجراءات السالفة. ولعل في مقدمتها تدريب القضاة والمحامين والأساتذة الباحثين لتمكينهم من مواكبة التجربة وسبر أغوارها ومفاتيحها، وكذا دراسة الاجتهادات القضائية المقارنة وتفسيرات المحاكم الدولية والإقليمية والوطنية بهدف تقديم المذكرات وتفحصها والبت فيها أو التعليق عليها، والذي يعد شرطًا لا محيد عنه. كذا فإن نجاح التجربة مرهون بإدراك المواطنين بأهمية آلية الدفع بعدم الدستورية، وضرورة استعمالها بشكل صحيح تجنبًا لإغراق المحاكم بطعون متعسفة وغير جدية، قد تشكل عبئًا إضافيًا على كاهل المحاكم، خاصةً في أعقاب قرار المحكمة الدستورية رقم 18-70، والذي أقر بمسئوليتها عن تقدير جدية الدفوعات، الأمر الذي سيؤثر لا محالة على قدرة المحكمة الدستورية في معالجة الطعون بالسرعة المناسبة وداخل الآجال المعقولة.

[1] افقير، فضيلة (2022). دعوى الدفع بعدم دستورية القوانين في القضاء الدستوري الجزائري من المجلس الدستوري إلى المحكمة الدستورية. مجلة الدراسات القانونية (صنف ج) المجلد 8 العدد 1، 141.
[2] زعنون، عبد الرفيع (2019). ولوج الأفراد للعدالة الدستورية ودوره في حماية الحقوق والحريات بالمغرب. مجلة جيل حقوق الإنسان، العدد 36، 11.
[3] كيوة، عبد المنعم (2016). القيود الدستورية في تحديد القانون، الضوابط، الحقوق والحريات الأساسية في الدساتير الحديثة بالبلدان العربية. دراسة مقارنة ضمن الكتاب السنوي للمنظمة العربية للقانون الدستوري، المنظمة العربية للقانون الدستوري. تونس، ص. 143.
[4] بلفقيه، عبد الحق (2019). دعوى الدفع بعدم دستورية نص تشريعي ما بين رؤية المشرع المغربي وتدخل القاضي الدستوري. دراسة مقارنة. طنجة: مطبعة سبارطيل، الطبعة الثانية، 17.
[5] يتعلق الأمر بمشروع القانون التنظيمي رقم 15/86 بشأن تحديد شروط وإجراءات الدفع بعدم دستورية قانون، في نسخته الأخيرة التي أحيلت إلى المحكمة الدستورية بمقتضى رسالة رئيس الحكومة المسجلة بأمانتها العامة في 14 فبراير 2018
[6] يتعلق الأمر بقرار المحكمة الدستورية عدد 18/70 المتعلق بمشروع القانون التنظيمي رقم15/86 حول الدفع الصادر بتاريخ 6 مارس 2018، والمنشور على موقع المحكمة الدستورية.
[7] ينص الفصل 133 من الدستور المغربي على أن «تختص المحكمة الدستورية بالنظر في كل دفع متعلق بعدم دستورية قانون، أثير أثناء النظر في قضية، وذلك إذا دفع أحد الأطراف بأن القانون، الذي سيطبق في النزاع، يمس بالحقوق وبالحريات التي يضمنها الدستور. يحدد قانون تنظيمي شروط وإجراءات تطبيق هذا الفصل».
[8] يتعلق الأمر بالقانون الأساسي رقم 1523 لسنة 2009 والصادر بتاريخ 1 ديسمبر 2010 والمتعلق بشروط وإجراءات إثارة «مسألة الأولوية الدستورية» في فرنسا.
[9] سالمان، عبد العزيز (2009). نظم الرقابة على دستورية القوانين، دراسة مقارنة. دار سعد سمك للمطبوعات القانونية والاقتصادية، ص:19
[10] المجلس الوطني لحقوق الإنسان بالمغرب (2012) بعنوان «عملية التفكير في المحكمة الدستورية» (Le procesus de reflexion sur la Cour constitutionnelle). تاريخ الزيارة، 27 أكتوبر 2022. www.cndh.org.ma
[11] ناصر، إلهام (2021). العدالة الدستورية، الموسوعة السياسية. تاريخ الزيارة 27 أكتوبر 2022. www.political-encyclopedia.org
[12] زعنون، عبد الرفيع. مرجع سابق، 112.
[13] يعتقد بعض الفقهاء الدستوريين في المغرب أن الإرهاصات الأولى لفكرة القضاء الدستوري في المغرب، بدأت مع مشروع الدستور الذي وضعه الوطنيون المغاربة سنة 1908، وطالبوا السلطان عبد الحفيظ بإقراره؛ إذ أوكل هذا المشروع لمجلس الشرفاء «مهمة مراقبة القوانين التي يصدرها «مجلس الأمة»»، ونص على أن تلك القوانين «لا يمكن أن يصدر الأمر بتنفيذها إلا بعد مصادقة «مجلس الشرفاء»».
[14] المدور، رشيد (2016). تطور الرقابة الدستورية في المغرب، الغرفة الدستورية – المجلس الدستوري – المحكمة الدستورية. مجلة دراسات دستورية، المجلد الثالث، العدد السادس، 11.
[15] العبدلاوي، عبد الكريم (2020). محاضرات في القانون الدستوري لطلبة الفصل الثاني. الكلية متعددة التخصصات بالرشيدية، جامعة المولى إسماعيل، مكناس.
[16] أتركين، محمد (2013). دعوى الدفع بعدم الدستورية في التجربة الفرنسية، الإطار القانوني والممارسة القضائية. الدار البيضاء: مطبعة النجاح الجديدة، 13.
[17] يتعلق الأمر بالتعديل الدستوري الذي عرفته فرنسا سنة 2008، حين تم تعديل الدستور في 23 يوليو 2008، بموجب التشريع الدستوري رقم 724 لسنة 2008 بشأن «تحديث مؤسسات الجمهورية الخامسة» وقد أتاح هذا التعديل للأفراد الحق في الدفع أمام محاكم القضاء العادي والإداري بعدم دستورية النصوص التشريعية التي تخل بحقوقهم وحرياتهم الدستورية. سمي هذا الحق بــــ«المسألة الأولية الدستورية» أو «المسألة ذات الأولوية الدستورية».
[18] زعنون، عبد الرفيع. مرجع سابق، 11
[19] بوزيان، عليان وبوراس، عبد القادر (2018). أثر الدفع بعدم الدستورية في تحقيق الأمن القضائي لحقوق المواطنة، دراسة مقارنة لدساتير الدول المغاربية. مجلة البحوث والدراسات، المجلد 15، العدد 02، ص: 27.
[20] المدور، رشيد. مرجع سابق، 13.
[21] بلفقيه، عبد الحق. مرجع سابق، 17.
[22] إسماعيل، مصطفى محمود (2021). المسألة الأولية الدستورية في التشريع الفرنسي «دراسة مقارنة بالنظام القانوني المصري». المجلة الدولية للفقه والقضاء والتشريع، المجلد 2، العدد 1، 164-192.
[23] النويضي، عبد العزيز (2019). المحكمة الدستورية ومسألة الدفع بعدم دستورية القوانين. الدار البيضاء: مطبعة النجاح الجديدة. الطبعة الأولى، 29.
[24] إسماعيل، مصطفى محمود. مرجع سابق، 171.
[25] النويضي، عبد العزيز. مرجع سابق، 104.
[26] زعنون، عبد الرفيع. مرجع سابق، 13.
[27] بلفقيه، عبد الحق. مرجع سابق، 69.
[28] زعنون، عبد الرفيع. مرجع سابق، 15.
[29] تعود أحداث هذه القضية لعام 1800، بعد انتخابات الرئاسة التي هُزم فيها الرئيس جون آدامز، المعروف باتجاهه لتقوية السلطة المركزية الفيدرالية، أمام توماس جفرسون، الذى كان مؤيدًا للاتجاه الآخر الداعي إلى اللامركزية وتدعيم سلطات الولايات. ولضمان استمرار خطه السياسي بعد رحيله عن المنصب، وقع الرئيس آدامز قرارات تعيين بعض القضاة المناصرين لهذا الفكر في آخر ليلة له في المنصب. طالب القضاة في دعوى رفعوها أن تصدر المحكمة العليا برئاسة القاضي مارشال أمرًا قضائيا لتسليمهم قرارات التعيين. وعليه أصدر حكمًا بارعًا في بابه بالاعتراف بحق القضاة في التعيين، ولكنه رفض طلبهم بأن تأمر المحكمة بتسليم قرارات التعيين، على اعتبار عدم دستورية القانون الذي يخول للمحكمة سلطة إصدار هذه الأوامر بصفة أصلية، أي أن القاضي استبعد النص التشريعي لصالح النص الدستوري عند حدوث التعارض. وأسس هذا الحكم لفكرة سلطة القاضي في الرقابة على دستورية القوانين والتشريعات، وانتقلت الفكرة بعد ذلك إلى العديد من الدول.
[30] تنبغي الإشارة إلى أن البرلمان يتألف من غرفتين، الغرفة الأولى تُسمى مجلس النواب، فيما تُسمى الغرفة الثانية بمجلس المستشارين.
[31] يمكن الاطلاع على القرار الكامل للمحكمة الدستورية، عدد 18/70 الصادر بتاريخ 12 مارس 2018، من خلال الموقع الرسمي للمحكمة الدستورية: www.courconstitutionel.ma
[32] النويضي، عبد العزيز. مرجع سابق، 104.
[33] سكانفيك، فريدريك (2010). هل سؤال الدستورية حقا أولوية؟. الأخبار القانونية، العدد 26، ص 1460.
[34] النويضي، عبد العزيز. مرجع سابق، 169.
[35] يتحدد دور النيابة العامة أمام المحاكم المدنية بالفصول من 6 إلى 10 من قانون المسطرة المدنية؛ إذ يمكنها أن تكون طرفًا رئيسيًا أو أن تتدخل كطرف منضم (الفصل 6)، كما يحق لها استعمال كل طرق الطعن عدا التعرض عندما تتدخل تلقائيًا مدعية أو مدعى عليها في الأحوال المحددة بمقتضى القانون (الفصل 7). وهي تتدخل كطرف منضم في جميع القضايا التي يأمر القانون بإحالتها إليها طبقًا لـ (الفصل 9). للمزيد حول دور النيابة العامة، راجع: النويضي، عبد العزيز. مرجع سابق، 170.
[36] المرجع السابق.
[37] المرجع السابق، 171.
[38] إسماعيل، مصطفى محمود. مرجع سابق، 172.
[39] زعنون، عبد الرفيع. مرجع سابق، 14.
[40] في مذكرة للمجلس الوطني لحقوق الإنسان، والذي يفضل طريقة الإحالة المباشرة إلى المحكمة الدستورية، يقترح المجلس أن تستحدث المحكمة الدستورية لجنة لدراسة قبول الدفوعات بعدم الدستورية، يترأسها عضو من أعضاء المحكمة يعينه رئيسها، على أن تفحص قبول أو رفض الدفع بعدم الدستورية في أجل لا يتعدى 10 أيام من تاريخ تلقي قرار الإحالة. راجع النويضي، عبد العزيز. مرجع سابق، ص:186.
[41] الشرقاوي، سعاد (2012). القانون الدستوري وتطور النظام السياسي المصري، الكتاب الأول. القاهرة: دار النهضة العربية، ص:189.
[42] راجع مشروع القانون التنظيمي رقم 15/86.
[43] أنظر الفقرة الأولى من المادة 5 من مشروع القانون التنظيمي رقم 15/86 بشأن الدفع بعدم الدستورية.
[44] إسماعيل، مصطفى محمود. مرجع سابق، 176.
[45] النويضي، عبد العزيز. مرجع سابق، 104.
[46] المرجع السابق نفسه، 176.
[47] انظر تفاصيل مذكرة المجلس الوطني لحقوق الإنسان حول القانون التنظيمي للدفع بعدم الدستورية، منشورة على الموقع الرسمي للمجلس www.cndh.org.ma
[48] سليمان، عصام (2018). «الولوج إلى العدالة الدستورية، الرهانات الجديدة للرقابة البعدية على دستورية القوانين» ، 182.
[49] أشركي، محمد (2018). «الولوج إلى العدالة الدستورية، الرهانات الجديدة للرقابة البعدية على دستورية القوانين» ، 36.
[50] المادة 11 من مشروع القانون رقم 15/86 المتعلق بتحديد شروط وإجراءات الدفع بعدم الدستورية.
[51] قرار المحكمة الدستورية رقم 18/70 المتعلق بالبت في مطابقة مشروع القانون التنظيمي رقم 15/86، مرجع سابق 10.
[52] راجع حيثيات القرار على الموقع الإلكتروني للمحكمة الدستورية. www.cour-constitutionnelle.ma
[53] قرار المحكمة الدستورية رقم 18/70 المتعلق بالبت في مطابقة مشروع القانون التنظيمي رقم 15/86، مرجع سابق 10.
[54] بلفقيه، عبد الحق. مرجع سابق.
[55] وتعنى الرقابة السلبية على الدستورية أن قرار عدم إحالة الدفع من محكمة النقض سينظر إليه باعتبار مطابقة القانون للدستور، وهو أمر لا يمكن أن تبت فيه إلا المحكمة الدستورية نفسها.
[56] المرجع السابق.
[57] كايس، الشريف (2019). شرط الجدية في الدفع بعدم الدستورية. مجلة المجلس الدستوري، العدد 12، 15.
[58] النويضي، عبد العزيز. مرجع سابق، 104.
[59] المرجع السابق نفسه، 127.
[60] تصدير الدستور المغربي لسنة 2011.
[61] تصدير الدستور المغربي لسنة 2011.
[62] بن الشريف، مصطفى (2012). الرقابة على دستورية القوانين، الرقابة السياسية والرقابة القضائية. المجلة المغربية للسياسات العمومية، العدد 8، 77.
[63] النويضي، عبد العزيز. مرجع سابق، 128.
[64] المرجع السابق.
[65] المرجع السابق، 136.
[66] مذكرة المجلس الوطني. مرجع سابق.
[67] ينبغي هنا الإشارة لأهم الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان التي صادق عليها المغرب وهي: الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري، والتي صادق عليها المغرب في 18 ديسمبر 1970. والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والذي تمت المصادقة عليه بتاريخ 3 مايو 1979. والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية ولاجتماعية والثقافية، الذي تمت المصادقة عليه بتاريخ 3 مايو 1979. واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، والتي تمت المصادقة عليها بتاريخ 21 يونيو 1993. لمزيد من الاطلاع على جميع الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب، راجع الموقع الرسمي للمندوبية الوزارية المكلفة بحقوق الإنسان: www.didh.gov.ma
[68] اشركي، مرجع سابق، 43.
[69] المرجع السابق، 45.

Read this post in: English

اظهر المزيد

عبدالكريم العبدلاوي

أستاذ باحث بالكلية متعددة التخصصات بالرشيدية، جامعة مولاي إسماعيل – مكناس، المغرب.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى