بدأت المرحلة الانتقالية في ليبيا منذ أكثر من 8 سنوات. وبدلًا من بناء دولة جديدة ديمقراطية تحقق أهداف الثورة وتحترم حقوق الإنسان؛ أصبحت ليبيا بلدًا تمزقه الانقسامات السياسية والصراعات المسلحة، ويغص بالمليشيات وجماعات التطرف العنيف، ويعاني من انتهاك حقوق الإنسان وإفلات الجناة من العقاب في ظل عجز مؤسسات الدولة الهشة عن فرض سيادة القانون. افتقرت المرحلة الانتقالية للتوافق بين أطراف الصراع، الذي بدونه لن يمكن التوصل لتسوية سياسية شاملة تنهي معاناة الليبيين الذين أنهكهم النزاع وغياب الأمن والاستقرار. كما أخفق المجتمع الدولي في إدارة ملف السلام والمصالحة السياسية في ليبيا، واعتادت أطراف الصراع المشاركة في الاجتماعات الدولية وإبرام الاتفاقات تلو الأخرى والنكوص عنها. حاول الليبيون كتابة الدستور، في ظل دوامات الاستقطاب السياسي والعنف. وبعد سنوات من الجدل، أصدرت الهيئة التأسيسية في صيف 2017 مشروع دستور لا يحترم حقوق الإنسان. لم يذهب المشروع للاستفتاء، وبرغم أن المجتمع الدولي كان قد بدأ يسقط من حساباته ضرورة إقرار الدستور أولا، وأصبح يركز على عقد الانتخابات باعتبارها حلًا للكابوس الليبي؛ إلا أن المعارك التي اندلعت فجأة في الرابع من أبريل الماضي تجعل المشهد الليبي يبدو أكثر قتامة.
في أعقاب الصراعات المسلحة والحروب الأهلية والثورات الشعبية والاستقلال الوطني، تظهر الحاجة لمعالجة آثار الماضي والانقسامات السياسية، ومحاسبة المسئولين عن انتهاكات حقوق الإنسان. وذلك بهدف تعزيز السلام المجتمعي ومعالجة أسباب الاستقطاب؛ عبر تأسيس عقد اجتماعي جديد يعزز الديمقراطية ويحمي الحريات وحقوق الإنسان. وتتم في إطاره إعادة هيكلة مؤسسات الدولة السياسية والقضائية والأمنية، ووضع آليات دستورية للقضاء على التمييز بين المواطنين ومكافحة الفساد، فضلًا عن قواعد التنافس السلمي على الوصول للسلطة وتداولها. لهذا يكون تعديل الدستور، أو صناعة دستور جديد، أحد أبرز المراحل والأهداف السياسية في الدول والمجتمعات التي تسعى لإنهاء النزاع المسلح والتحول لدول ديمقراطية تقوم فيها الأطراف السياسية بحل صراعاتها دون اللجوء للوسائل العنيفة، عبر صناديق الاقتراع في انتخابات حرة وعادلة وفقًا لقواعد الديمقراطية.
شهدت السنوات التي أعقبت نهاية الحرب الباردة في 1989 عددًا كبيرًا من عمليات بناء الدساتير، ليس فقط في أوروبا الشرقية، بل شهدت العديد من الدول في أمريكا الجنوبية وأفريقيا وآسيا عمليات بناء الدساتير في أعقاب تحولات سياسية جذرية، بعضها نتيجة صراعات.[1] وبرغم الخبرات العديدة المتوافرة الآن في صناعة الدساتير؛ إلا أنه لا توجد وصفة دستورية واحدة يمكنها التعاطي مع السياقات المتباينة والظروف المختلفة بين الدول عند كتابة الدستور. حيث تؤثر السياقات والخبرات المختلفة لكل مجتمع على طريقة اختيار الجمعية التأسيسية أو لجنة الخبراء أو المؤسسة التي ستتولى كتابة الدستور، وما إذا كانت المجموعة التي ستقوم بمهمة كتابة الدستور تتمتع بالاستقلال وتمثل مختلف مكونات المجتمع. كما تتأثر عملية بناء الدستور ومضمونه بالتحيزات السياسية والأيديولوجية للأفراد والأطراف المشاركة في الصياغة، وبقدر التزامهم بقيم العدالة والديمقراطية وبالمعايير الدولية لحقوق الإنسان، وبمدى رغبة الأطراف المتصارعة في التفاوض والوصول إلى تسوية سياسية وبسط السلم وسيادة القانون ومحاسبة المتورطين في انتهاكات حقوق الإنسان وتنفيذ تدابير العدالة الانتقالية.
وتوجد عوامل أخرى مؤثرة مثل التدخل الخارجي وكيفية تفاعل الأطراف المحلية معه، بالإضافة إلى الأوضاع الاقتصادية وما إذا كانت البلاد تعاني من انقسامات إقليمية وتشهد مطالب بالحكم الذاتي في أقاليم مختلفة. فقد تخشى المجموعات الإثنية والأقليات المختلفة من تجاهل الأغلبية لحقوقها، لذا فإنها تسعى للتفاوض على الحقوق والمطالب خلال مفاوضات السلام وفي مرحلة كتابة الدستور؛ لتجنب تهميشها في المستقبل خلال مناقشات برلمان تحت سيطرة الأغلبية.[2]
في المقابل، قد يأتي التركيز على تحقيق أحد الأهداف الرئيسية لعملية المفاوضات، وهو الوصول لاتفاق السلام، على حساب أهداف أخرى لا تقل أهمية مثل كتابة دستور جيد يحظى بإجماع مختلف مكونات المجتمع. وهو ما حدث في تجربة البوسنة والهرسك؛ إذ أدى التركيز على التوصل إلى اتفاق دايتون للسلام في 1995 إلى عدم بذل الاهتمام اللازم لبناء قواعد الديمقراطية في الدستور بشكل سليم يعزز حقوق المواطنة ويلتزم بالمعايير الدولية لحقوق الإنسان. وهو ما تم الانتباه إليه في وقت متأخر بعد إقرار الدستور.[3] وبرغم ذلك، فقد يكون من المتعذر خوض عملية بناء الدستور قبل إبرام اتفاق سلام بين الأطراف المتنازعة، وقد يتم الاعتماد في المرحلة الانتقالية على دستور مؤقت يضع أهداف محددة أمام واضعي الدستور الدائم كما في حالة نيبال، وقد تمهد خارطة الطريق المجال لكتابة الدستور، مثلما فتح اتفاق بون لعام 2001 المجال لكتابة دستور أفغانستان. لكن هناك استثناء في حالة موزمبيق حيث قامت الحكومة في 1990 بوضع الدستور أولًا بهدف دفع المتمردين للمفاوضات والسلام.[4]
ويثير الخلاف حول الهوية إشكاليات متعددة حين تسعى الأقليات الإثنية والعرقية والدينية إلى أن يعترف الدستور بلغاتها ورموزها وتاريخها كجزء أصيل من هوية الشعب/الأمة؛ حيث تلقى أحيانًا مقاومة من الأغلبية. كما تثير الهوية والجدل حول تعريفها وتأثيرها على التشريع وحقوق الإنسان خلافات في بعض تجارب كتابة الدستور، مثل الخلاف على الهوية الوطنية في العراق خلال كتابة الدستور بعد إسقاط نظام صدام حسين والغزو الأمريكي. وقد شهدت مناقشات صياغة الدستور العراقي جدلًا حول قضايا الهوية شمل موقع الدين في الدستور، وهو ما أثار قلق دعاة حقوق الإنسان والحريات الفردية.[5] ومؤخرًا تكرر الجدل حول الدين والدولة والهوية في تجارب كتابة دساتير دول عربية أخرى مثل مصر وتونس وليبيا، كما سنرى لاحقًا.
أيضًا فإن إجراء الانتخابات قبل كتابة الدستور، الذي يضع القواعد والأطر المتفق عليها بين الأطراف المختلفة لإجراء الانتخابات وتداول السلطة وصلاحيات الهياكل المنتخبة، قد تكون له في بعض التجارب عواقب وخيمة على موقع الديمقراطية والحقوق والحريات في الدستور. فقد تفرز الانتخابات أغلبية برلمانية لديها موقف عدائي تجاه المنظومة الدولية لحقوق الإنسان ولقيم الديمقراطية؛ وهو ما يظهر تأثيره في طريقة تشكيل الجمعية التأسيسية لكتابة الدستور وتعمد إقصاء القوى السياسية والمجتمعية الأضعف.
كتابة الدساتير في سياق الربيع العربي
بعد اندلاع انتفاضات الربيع العربي، سرعان ما أصبح المجال العام رهن الاستقطاب الحاد بين قوى الإسلام السياسي وما يُعرف بالقوى المدنية. واحتدم الجدل حول طبيعة الدولة، مدنية أم دينية، وموقع الشريعة الإسلامية في الدستور والموقف من الحريات العامة والخاصة. في عام 2011 بدأت تونس ومصر وليبيا خوض فتراتها الانتقالية، بكل ما فيها من ارتباك وتخبط وفقدان للأمن ومعاناة من تدهور الأوضاع الاقتصادية. وتفاوتت التجارب الثلاث في مدة الفترة الانتقالية التي استغرقتها لكتابة الدستور وإجراء الانتخابات، وفي مدى احترام النص الدستوري الذي أنجزته كل دولة لقيم الديمقراطية والمساواة وحقوق الإنسان والأهداف المعلنة للثورات، فضلًا عن التباين في الالتزام بتنفيذ ما ينص عليه الدستور بعد إقراره.
شهدت تجربة كتابة الدستور في مصر، في أعقاب ثورة 25 يناير 2011، جدلًا بين القوى الثورية والأحزاب الليبرالية واليسارية والإسلامية حول أيهما ينبغي إجراؤه أولًا؛ الدستور أم الانتخابات البرلمانية. وحسمت نتيجة استفتاء 19 مارس 2011 النتيجة لصالح إجراء الانتخابات البرلمانية أولًا. وفازت جماعات الإسلام السياسي بأغلبية مقاعد البرلمان وهيمنت على تشكيل الجمعية التأسيسية، وفي 2012 كتبت دستورًا مشوهًا يعادي الديمقراطية ويعصف بالحريات وحقوق الإنسان.[6] وبعد الإطاحة بحكم الرئيس محمد مرسي وجماعة الإخوان المسلمين، هيمنت القوات المسلحة على مقاليد الحكم، وتم تعطيل دستور 2012 وتشكيل لجنة جديدة لإجراء تعديل على الدستور. وبالرغم من أن باب الحقوق والحريات في دستور 2014 يتضمن صياغات أفضل من دستور 2012؛ إلا أن الدستور يحتوي على ثغرات تسمح بتقييد حقوق الإنسان والانتقاص منها.[7] لكن برغم ذلك لم يتم تفعيل أو احترام مواد الحقوق والحريات في الدستور، وضرب النظام الحاكم عرض الحائط بالتزامات مصر الدولية في مجال حقوق الإنسان، فضلًا عن الضمانات الدستورية.[8] وفي 2019 أجريت تعديلات على الدستور لتمديد فترة حكم الرئيس الحالي بالمخالفة للقواعد التي نص عليها الدستور نفسه.[9]
الاستقطاب في تونس كان أقل حدة، مقارنةً بحالة مصر، وبشكل براجماتي اكتفت حركة النهضة الإسلامية، صاحبة الأغلبية في الجمعية التأسيسية للدستور، بالنص الوارد في الدستور على أن تونس دولة حرة لغتها العربية ودينها الإسلام، ولم تتمسك بمطلب النص في الدستور على مرجعية الشريعة الإسلامية بالنسبة للعملية التشريعية. كما تراجعت حركة النهضة عن التمسك بصياغات أخرى متشددة تتعلق بالتجديف والمرأة؛ وذلك تحت ضغط المجتمع المدني والقوى السياسية.[10] برغم ذلك فإن المرحلة الانتقالية في تونس لم تكن يسيرة، وشهدت عنفًا سياسيًا وحوادث اغتيال قياديين سياسيين علمانيين؛ مما أدى إلى أزمة سياسية طاحنة. ولكن تم تجاوزها بفضل وساطة أربع منظمات مجتمع مدني تونسية؛ مما ساهم في إقرار مسودة الدستور في يناير 2014. وهنا يبرز دور المجتمع المدني القوي في تونس في المرحلة الانتقالية. كما ألقت أحداث الإطاحة بحكم جماعة الإخوان المسلمين في مصر في صيف 2013 بظلالها على تفكير قيادة حركة النهضة، وجعلتها أكثر مرونة في التعاطي مع مبادرة المجتمع المدني وتنفيذ خارطة الطريق التي نصت على استقالة حكومة النهضة كجزء من التسوية السياسية.
بناء دستور ما بعد الثورة في السياق الليبي
فيما تمتلك مصر خبرة دستورية طويلة وتميز الجدل حول الدستور في تونس بدور بارز للمجتمع المدني، كما أن كلا البلدين لديهما حركات وأحزاب سياسية تتفاوت في قدرتها على التنظيم والحشد، وخاصةً جماعة الإخوان المسلمين في مصر وحركة النهضة في تونس. فإن ليبيا ما بعد القذافي بدأت المرحلة الانتقالية وهي تملك خبرة دستورية قصيرة الأجل، انقطعت مع بداية حكم القذافي الذي كان يحكم بلا دستور. كما أن ليبيا حُرمت لعقود طويلة من حرية تكوين الأحزاب السياسية أو منظمات المجتمع المدني، كما أنها لم تشهد من قبل تنظيم انتخابات رئاسية؛ وهو ما جعل الشعب الليبي يبدأ مرحلة ما بعد القذافي دون توافر الخبرات الدستورية والسياسية والحقوقية والموارد التنظيمية التي تمتعت بها دول أخرى في سياق ما يُعرف بالربيع العربي. فضلًا عن أثر استمرار الصراعات المسلحة والانقسامات السياسية الحادة على عملية النقاش المتواصلة –منذ سنوات– حول الدستور.
خلال فترة الاستقلال في بداية خمسينيات القرن الماضي، تشكلت في أكتوبر 1950 جمعية تأسيسية ليبية مكونة من 60 عضوًا يمثلون الأقاليم الرئيسية الثلاث، إقليم برقة في الشرق وإقليم طرابلس في الغرب وإقليم فزان في الجنوب، بنسبة 20 عضوًا لكل إقليم. وتم إقرار الدستور في أكتوبر 1951 قبل شهرين تقريبًا من إعلان استقلال ليبيا في 42 ديسمبر 1951. وتم إجراء تعديل جوهري في الدستور عام 1963 لإلغاء الصيغة الفيدرالية بين أقاليم ليبيا الثلاثة، وأصبح الملك إدريس السنوسي قائدًا للمملكة الليبية الموحدة. ولكن في عام 1969 قام العقيد معمر القذافي بانقلاب عسكري أطاح بالملك؛ لتبدأ ليبيا حقبة جديدة سلطوية تتبنى العنف وتعادي التعددية السياسية وتُجرِّم النشاط الحزبي والسياسي. وكان من أبرز الإجراءات التي قام بها الانقلاب العسكري هي إعلانه إسقاط دستور 1951. لكن قائد الانقلاب لم ير ضرورة لوجود وثيقة دستورية للبلاد، وفضّل أن يحكم البلاد بدون دستور في ظل ما عُرف بـــ “النظام الجماهيري”، الذي ابتكره وصاغه في كتابه الأخضر الشهير الذي يمتلأ بالمزاعم التي تكتسي ثوب الفكر السياسي مثل أن النظام الجماهيري سيمكّن الشعب من حكم نفسه بنفسه، عبر “المؤتمرات الشعبية” دون الحاجة لإطار دستوري أو حتى مجلس نيابي يضم نواب الشعب المنتخبين.
قبل اندلاع الثورة الليبية الشعبية في 17 فبراير 2011 ضد حكم القذافي، شهدت ليبيا مطالبات من النخب السياسية والقضائية لوضع دستور للبلاد.[11] وحاول القذافي التعاطي مع تلك الدعوات في إطار سعيه لإخماد تأثيرها على المواطنين، في ظل موجات التفاؤل التي عمت المنطقة ودول الجوار، بعد نجاح ثورتي تونس ومصر في الإطاحة بحكم الرئيسين زين العابدين بن علي وحسني مبارك.[12] في هذا السياق كان من الطبيعي أن يكون إعداد دستور للبلاد أحد المطالب الرئيسية التي عبرت عنها الجماعات السياسية والحقوقية منذ الأيام الأولى للثورة. وفي 3 أغسطس 2011 قام المجلس الوطني الانتقالي، الذي تولى إدارة شئون البلاد وحاز على الاعتراف الدولي، بإصدار الإعلان الدستوري الأول، وذلك حتى قبل تحرير سائر الأراضي الليبية. واعتبر بعض المراقبين أن الإعلان الدستوري الصادر في أغسطس 2011، قد دشن لتجاهل الموروث الدستوري للبلاد، في مسار النقاش الدستوري في أعقاب الثورة.[13] ويرى البعض في ليبيا أنه كان يجب على المجلس الوطني الانتقالي أن يقوم بتفعيل العمل بدستور الاستقلال الصادر 1951 بعد تعطيل القذافي له لنحو 42 عامًا، حيث يذهب أصحاب هذا الاتجاه إلى أن المسار الدستوري الطبيعي يقتضي البناء على دستور الاستقلال الصادر عام 1951.[14]
نص الإعلان الدستوري على أن يتم تشكيل الهيئة التأسيسية، التي ستتولى صياغة مشروع الدستور الدائم، عبر التعيين بقرار من المؤتمر الوطني العام. لكن قبل أيام من انتخاب المؤتمر الوطني العام؛ قام المجلس الوطني الانتقالي بتعديل على الإعلان الدستوري، ليكون تشكيل الهيئة التأسيسية بالانتخاب، ولن يتم يقوم البرلمان باختيارهم كما كان مقررًا.[15] وهو ما اعتبره البعض انتقاصًا من صلاحيات المؤتمر الوطني العام.[16] ونص التعديل على أن تصدر قرارات الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور بأغلبية ثلثي الأعضاء زائد واحد. كما نص التعديل الدستوري على تمديد المهلة الممنوحة لصياغة الدستور لتصبح مائة وعشرين يومًا، أي نحو 4 شهور، منذ عقد الهيئة التأسيسية اجتماعها الأول. وفي يوليو 2012 تمت انتخابات المؤتمر الوطني العام الذي يضم 200 عضو، وفي أغسطس تمت إجراءات تسليم السلطة من المجلس الانتقالي إلى المؤتمر الوطني العام.[17] وكانت الأحزاب والقوى السياسية الرئيسية التي تصدرت نتيجة الانتخابات هي تحالف القوى الوطنية المحسوب على ما يُعرف في ليبيا بالتيار الليبرالي، بقيادة رئيس الوزراء السابق محمود جبريل، وفاز بـ 39 مقعدًا، بالإضافة إلى حزب العدالة والبناء الممثل للتيار الإسلامي وفاز بـ 17 مقعدًا، فيما فاز حزب الجبهة الوطنية بثلاثة مقاعد.[18]
انقسامات سياسية ومتاهات قانونية ودستورية
في 20 يوليو 2013 أصدر المؤتمر الوطني العام القانون رقم 17 لسنة 2013 بشأن انتخاب الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور.[19] نص قانون الهيئة التأسيسية على أن يكون عدد أعضاءها 60 عضوًا يمثلون الأقاليم الرئيسية، إقليم برقة في الشرق وإقليم طرابلس في الغرب وإقليم فزان في الجنوب، بنسبة 20 عضوًا لكل إقليم. يتم انتخاب أعضاء الهيئة بالاقتراع السري المباشر وفقًا للنظام الانتخابي الفردي القائم على نظام الأغلبية البسيطة، ويكون الفائز بالمقعد المرشح الذي يحصل على أعلى عدد من الأصوات، وعند التساوي تجرى القرعة بين المتساوين. وخصص القانون ستة مقاعد للنساء، أي 10% فقط من عدد أعضاء الهيئة، كما نص القانون على وجوب تمثيل الجماعات الليبية ذات الخصوصية الثقافية واللغوية وهي الأمازيغ والتبو والطوارق. ويرى البعض أن القانون أخفق في تمثيل مكونات الشعب الليبي بالشكل الذي يرضي جميع المكونات المجتمعية، وخاصةً الأقليات الثقافية واللغوية. وأعلن المجلس الأعلى لأمازيغ ليبيا رفضه للقانون وقرر مقاطعة انتخابات الهيئة التأسيسية وعدم ترشح الأمازيغ لشغل المقعدين المخصصين لهم.
بمرور الوقت تفاقمت حدة الانقسام السياسي في ليبيا، وبرزت جماعات التطرف العنيف التي استغلت الفراغ السياسي والأمني في أعقاب انهيار الدولة في 2011، وارتكبت جرائم وانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان. وشهد الصراع في ليبيا تطورًا نوعيًا في فبراير 2014 عندما طالب اللواء السابق خليفة حفتر بأن يتولى الجيش زمام الأمور لحين إجراء انتخابات جديدة في البلاد. وبعد نحو 3 شهور أعلن حفتر في 16 مايو 2014 عن انطلاق عملية عسكرية أطلق عليها اسم عملية “كرامة ليبيا” في مدينة بنغازي للقضاء على ما أسماه سيطرة المتطرفين على الدولة وإنقاذ البلاد من الفوضى، وسعى لتجميد عمل السلطة التشريعية المنتخبة. وفي تلك الآونة نال حفتر دعم قبائل المنطقة الشرقية والعسكريين الغاضبين من قانون العزل السياسي الصادر في نوفمبر 2013، ومن ظاهرة الاغتيالات السياسية التي استهدفت بعض كبار الضباط. وفي الجانب المقابل؛ اتهم المؤتمر الوطني العام حفتر بالسعي لإعادة النظام القديم والقضاء على الثورة والقوى التي تمثلها. وردًا على عملية الكرامة؛ دشنت القوى والجماعات الإسلامية في يوليو 2014 عملية “فجر ليبيا” واستطاعت السيطرة على العاصمة طرابلس في غرب ليبيا وأعلنت أن مجلس النواب المنتخب غير شرعي ودعت المؤتمر الوطني العام المنتهية ولايته لاستئناف نشاطه وتشكيل الحكومة؛ فانتقل مجلس النواب إلى مدينة طبرق التي تقع في الشرق. وهكذا ترسخ الانقسام السياسي بين حكومتين في الشرق والغرب.
في هذا السياق السياسي المضطرب، كان على الهيئة التأسيسية أن تواصل عملها وتخوض مناقشاتها حول دستور ليبيا الجديدة الذي يحقق آمال الشعب الليبي في تحقيق أهداف الثورة في إنجاز التحول الديمقراطي وتعزيز حقوق الإنسان. واستمر عمل الهيئة التأسيسية نحو 3 سنوات، أصدرت خلالها أكثر من مشروع للدستور قبل إقرار المشروع النهائي في يوليو 2017. يمكن القول أنه لا توجد سيطرة واضحة لجماعة سياسية أو تيار أيديولوجي محدد بين أعضاء الهيئة التأسيسية. فالأغلبية بينهم غير مسيسة ولا تنتمي تنظيميًا لتكتلات سياسية. وقد نشبت خلافات بين أعضاء الهيئة ورئيس الهيئة، وحسمت ساحات القضاء بعض هذه الخلافات، التي كان بعضها بسبب عقد اجتماعات الهيئة خارج ليبيا أو حول النصاب القانوني اللازم لاعتماد نصوص مشروع الدستور، كما أصدر القضاء قرارًا بإقالة رئيس الهيئة بسبب حمله للجنسية الأمريكية. وبرغم مساعي ومزاعم عدم الانحياز لأطراف الصراع؛ إلا أن بعض الأعضاء يرون أن قرارات الهيئة تأثرت بتغير الأطراف السياسية والعسكرية المهيمنة على بعض المناطق.[20]
توصلت أطراف الصراع الليبية قبل نهاية 2015 إلى اتفاق سياسي يمنح الهيئة التأسيسية مهلة حتى موعد غايته 24 مارس 2016 للانتهاء من المشروع والتوافق عليه، وفي حال لم تستطع الهيئة التوافق على مشروع للدستور يتم تشكيل لجنة مصغرة من 5 ممثلين عن كل من مجلس النواب ومجلس الدولة وبمشاركة من مجلس الوزراء للتداول وللوصول إلى حل. برغم ذلك لم تستطع الهيئة التأسيسية إنجاز مشروع الدستور في الوقت المقرر، وبعد ماراثون طويل أعلنت عن المشروع النهائي في 29 يوليو 2017 بتصويت 43 عضوًا.[21]
في ظل الانقسامات السياسية والصراعات العسكرية المتواصلة بين أطراف عديدة، تعرضت مسيرة صياغة وإقرار الدستور للعديد من العراقيل الإجرائية والمناورات القانونية التي لم تنته بالإعلان عن إصدار المشروع النهائي؛ فبعد نحو أسبوعين من الإعلان عن إصدار المشروع النهائي للدستور، أصدرت محكمة استئناف البيضاء قرارًا بإلغاء إحالة المشروع إلى مجلس النواب.[22] وبعد نحو 6 شهور أخرى، أسقطت المحكمة العليا الليبية في 14 فبراير 2018 قرار محكمة استئناف البيضاء. ولكن لم تلبث أن ظهرت عقبة جديدة بسبب قانون الاستفتاء على الدستور.
وفقًا للتعديل السابع على الإعلان الدستوري؛ فبمجرد انتهاء الهيئة التأسيسية من صياغة مشروع الدستور يتم طرح مشروع الدستور للاستفتاء عليه بنعم أو لا خلال ثلاثين يومًا من تاريخ اعتماده.[23] فإذا وافق الشعب الليبي على المشروع بأغلبية ثلثي المقترعين تصادق الهيئة على اعتباره دستورًا للبلاد، ويُحال إلى مجلس النواب لإصداره. وإن لم تتم الموافقة عليه تقوم الهيئة بإعادة صياغته وطرحه مرة أخرى للاستفتاء خلال مدة لا تتجاوز ثلاثين يومًا من تاريخ إعلان نتائج الاستفتاء الأول. إلا أن مجلس النواب تأخر في تحقيق النصاب القانوني اللازم لإقرار القانون. وذهب البعض إلى اتهام رئيس مجلس النواب عقيلة صالح بالسعي لتأجيل التصويت على القانون وتأجيل الاستفتاء، بعد فشل محاولاته لحل الهيئة التأسيسية، وذلك “خشية أن تتسبّب خريطة الطريق الدستورية والانتخابات بتهميشه”.[24]
في نهاية المطاف أصدر مجلس النواب قانون الاستفتاء في سبتمبر 2018، ثم أجرى في نوفمبر 2018 تعديلات جوهرية على شروط عملية الاستفتاء. ففي التعديل الدستوري العاشر اعتمد مجلس النواب نظام الدوائر الثلاث التاريخية (طرابلس وبرقة وفزان) في تنفيذ عملية الاستفتاء على الدستور، وينال مشروع الدستور ثقة الشعب إذا صوت له بنعم أغلبية ثلثي الأصوات الصحيحة للمقترعين على ألا تقل نسبة التصويت بنعم عن 50%+1 من المقترعين بكل دائرة من الدوائر الثلاثة، وهو شرط قد يعرقل تمرير الدستور في حالة عدم الوصول للنسبة المطلوبة في أي من الدوائر الثلاث، كما أن هذا التقسيم وشروطه يخالف الإعلان الدستوري الذي اشترط موافقة ثلثي المقترعين في سائر ليبيا.
تخبط المجتمع الدولي وعدم التزام الأطراف الليبية
في الوقت الذي كانت فيه الهيئة التأسيسية على وشك الانتهاء من مشروع الدستور، كانت فرنسا تشهد في نهاية يوليو 2017 محادثات بين رئيس حكومة الوحدة الوطنية فايز السراج وقائد الجيش خليفة حفتر، وذلك برعاية الرئيس الفرنسي. وقد اتفق السراج وحفتر آنذاك على وقف إطلاق النار وإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية في أقرب وقت ممكن. وذلك دون الإشارة إلى ضرورة وجود إطار دستوري ديمقراطي يضع القواعد التي سيتم بناءً عليها تنظيم الانتخابات وضمان نزاهتها، وتحديد سلطات الرئيس والمجلس التشريعي. ولكن لم يستطع الطرفان تنفيذ الاتفاق واستمر الغموض مهيمنًا على مصير التسوية السياسية وإنهاء المرحلة الانتقالية وحل أزمة الشرعية في ليبيا.
وفيما كانت تتفاقم مخاوف المجتمع الدولي من استمرار حالة عدم الاستقرار الأمني والانقسام السياسي في ليبيا، بما يحمله ذلك من تهديدات أمنية محتملة على جيرانها، فضلًا عن تواصل تدفق موجات الهجرة غير النظامية عبر المتوسط؛ كان مبعوث الأمم المتحدة إلى ليبيا غسان سلامة قد أعلن في سبتمبر 2017 عن خطة أممية من عدة مراحل لإنهاء المرحلة الانتقالية التي طال أمدها. وشملت بنود الخطة تعديل الاتفاق السياسي ثم عقد مؤتمر وطني جامع للأطراف المختلفة؛ بغية التوصل للتوافق، وتوقعت الخطة أن يقوم مجلس النواب بإيلاء الأولوية لإصدار تشريع لإجراء الاستفتاء على الدستور والانتخابات البرلمانية والرئاسية. وذكرت الخطة أن الفرصة ستكون متاحة أمام هيئة صياغة مشروع الدستور لمراجعة وتنقيح عملها اعتمادًا على الملاحظات والاقتراحات التي ستقدم أثناء المؤتمر، ووضع سلامة مدى زمني لا يتجاوز عام واحد لتنفيذ بنود الخطة.[25] وقد أقرت اللجنة الرباعية المعنية بليبيا –التي تضم الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي والاتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية– خطة سلامة في اجتماع مشترك في نيويورك.[26] وينسجم موقف السراج مع رؤية البعثة الأممية، وقد سعى سلامة لإقناع حفتر بدعم الخطة في لقاء بالقاهرة؛ إلا أن قائد الجيش مثّل عقبة أمام تنفيذ الخطة، بإعلانه عدم الاعتراف بالانتخابات التي تجريها اللجنة الوطنية للانتخابات في طرابلس، كما شهدت بنغازي مظاهرات لتأييد حفتر ومطالبات بتعيينه مباشرةً كرئيس للبلاد دون انتخابات.[27]
برغم وجود عوامل كان يمكن أن تسهم في تفعيل الخطة مثل رغبة المجتمع الدولي في إنهاء الأزمة الليبية، وملل الشعب الليبي من طول الفترة الانتقالية وخشيته من استمرار الفوضى؛ انتهت مهلة العام دون إنجاز وعود البعثة الأممية بالتوصل إلى التسوية السياسية والاستفتاء على الدستور وإجراء الانتخابات. وفي إطار سعي البعثة الأممية إلى إجراء حوار ليبي حول سبل إنهاء المرحلة الانتقالية، قدمت الدعم للمسار التشاوري للملتقى الوطني الليبي، والذي نتج عنه مقترحات متنوعة للمواطنين الليبيين بشأن التعاطي مع أزمة الاستحقاقات الدستورية والانتخابية.[28] لكن البعثة أخفقت في إقناع الفرقاء السياسيين بضرورة الوصول لتوافق سياسي والسعي المشترك لتنفيذه في خطوات مدروسة وملموسة. حيث لا تمتلك الأطراف والمؤسسات الليبية الإرادة السياسية اللازمة لإنهاء المرحلة الانتقالية، وتجاوز المصالح الشخصية والتركيز على مصلحة ليبيا وشعبها. كما اعتادت الأطراف الليبية أن تلتقي في مباحثات مشتركة تنتهي بوعود واتفاقات –لا تفي بها– لإنهاء المرحلة الانتقالية وإجراء الاستفتاء وتنفيذ انتخابات برلمانية ورئاسية؛ لتنتهي آلام المرحلة الانتقالية التي يترقب الليبيون انتهاءها منذ سنوات.
كانت الأطراف الرئيسية الأربعة الليبية، رئيس حكومة الوحدة الوطنية فايز السراج وقائد الجيش الوطني الليبي خليفة حفتر ورئيس مجلس النواب عقيلة صالح، ورئيس مجلس الدولة ومقره طرابلس خالد المشري، قد اجتمعوا في باريس في مايو 2018 مع الرئيس الفرنسي ومبعوث الأمم المتحدة إلى ليبيا غسان سلامة، واتفقوا على ما يُعرف بالإعلان السياسي في شأن ليبيا. ونص الإعلان على اتفاق الأطراف المشاركة على “وضع الأسس الدستورية للانتخابات واعتماد القوانين الانتخابية الضرورية بحلول 16 سبتمبر 2018 وإجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية في 10 ديسمبر 2018”.[29]
وضعت الأطراف المشاركة في اجتماع باريس جدولًا زمنيًا افتقر –بالإضافة للواقعية– لوضع استراتيجية ملموسة للقضاء على الانفلات الأمني والتعاطي مع وجود فصائل مسلحة عديدة قد تحول دون إتمام عملية الاستفتاء والانتخابات. كما حذرت مجموعات حقوقية من أن استمرار تشظي قطاع الأمن واستمرار الإفلات من العقاب على الجرائم المرتكبة من جميع الأطراف ستجعل اتفاق باريس بلا قيمة.[30] وبالفعل أخفق اتفاق باريس في تنفيذ الاستفتاء والانتخابات في التواريخ المحددة.
وقبل نهاية 2018، أعلن سلامة أنه سيتم عقد المؤتمر الوطني الليبي في الأسابيع الأولى من 2019 تمهيدًا لتنظيم الانتخابات في ربيع العام نفسه. ويرى سلامة أنه يمكن عقد الانتخابات حتى لو لم يتم الاستفتاء على الدستور، وذلك عبر تفاهم “الليبيين على قاعدة دستورية أخرى قد نجدها في الإعلان الدستوري أو في مكان آخر لكي تجري الانتخابات بكامل الشفافية”.[31] لم ينعقد المؤتمر الوطني كما وعد سلامة، ولم تتخذ أية إجراءات ملموسة لعقد الانتخابات في الربع الأول من 2019، أو في أي وقت آخر، كما لم يتم التفاهم بين الأطراف السياسية على موعد الاستفتاء أو على قاعدة دستورية لإجراء الانتخابات في وقت قريب. لكن البعثة الأممية أعلنت في 28 فبراير 2019 عن اجتماع في أبو ظبي برعاية سلامة بين السراج وحفتر، أفضى إلى الاتفاق على إنهاء المرحلة الانتقالية من خلال انتخابات عامة. وذلك دون مزيد من التفاصيل الملموسة التي يحتاجها الشعب الليبي ليتأكد من أن هذا “الاتفاق” بعكس الاتفاقات السابقة؛ يتسم بالجدية ويتمتع بتوافر الإرادة السياسية اللازمة لتنفيذه.
وفي الرابع من أبريل الماضي، بعد فترة وجيزة من “اتفاق” أبو ظبي، فاجأ حفتر الجميع بإصدار أوامره إلى القوات التابعة له بالتحرك صوب طرابلس معلنًا أن هدف التحرك العسكري هو تطهير العاصمة من الميليشيات والقضاء على الإرهاب. وفي الوقت الذي بدأت فيه قوات حفتر تحركها، كان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش في زيارة لطرابلس للإعداد لمؤتمر المصالحة الوطنية في منتصف أبريل، والذي كان من المتوقع أن يشارك فيه حفتر.[32]
وقد تواترت التقارير عن تأييد بعض الدول العربية والعواصم الغربية لقوات حفتر وأشار بعضها إلى تلقيها دعمًا عسكريًا من بعض الحلفاء.[33] وقد أصدر السراج مذكرة توقيف بحق حفتر، كما أدان ما وصفه بصمت المجتمع الدولي إزاء زحف قوات الجيش الوطني تجاه العاصمة واتهم فرنسا بدعم حفتر، وتعهدت الميلشيات التابعة لحكومة السراج بالدفاع عن طرابلس. وبعد مرور أكثر من شهر دون أن ينجح حفتر في تحقيق السيطرة على طرابلس، أصدرت الرئاسة الفرنسية في 8 مايو بيانا يدعو إلى وقف غير مشروط لإطلاق النار. وبعد سقوط مئات القتلى وأكثر من ألفي جريح ونزوح أكثر من 55 ألف شخص، أصدر الاتحاد الأوروبي في 13 مايو بيانا اعتبر فيه أن هجوم قوات حفتر على طرابلس “تهديدًا للأمن والسلم الدوليين”.[34]
لم يتضح بعد مصير دعوات وقف إطلاق النار، إلا أنه سيغدو من قبيل العبث أن تعتقد الأطراف الدولية أنه في حال تنفيذ وقف إطلاق النار وتراجع قوات حفتر إلى موقعها قبل الرابع من أبريل، سيمكن العودة ببساطة إلى النقطة التي انتهى عندها مسار المفاوضات في فبراير الماضي في أبو ظبي. لا مناص عن بداية مسار مختلف للمفاوضات وبحث سبل التسوية السياسية انطلاقًا من الوضع الجديد الذي يتشكل حاليًا في ليبيا.
الحقوق والحريات في مشروع الدستور
بعد 4 أبريل 2019 وفي ظل المعارك الدائرة بالقرب من طرابلس، لا يوجد مجال لحديث جاد عن فرص الذهاب بمشروع الدستور الذي أنجزته الهيئة التأسيسية إلى صناديق الاستفتاء. لكن بالتأكيد سيسعى الليبيون، بعد التوصل لاتفاق سلام، لكتابة دستور للبلاد. وسيكون من المفيد حينها تقييم تجربة تشكيل الهيئة التأسيسية وتأمل مشروعها. أزمة الدستور الليبي لا تتعلق فقط بالانقسامات السياسية والصراعات بين الفصائل المختلفة، وإخفاق المجتمع الدولي في مساعدة الشعب الليبي على إنهاء المرحلة الانتقالية الممتدة من نحو 8 سنوات دون أفق واضح لنهايتها. هناك أيضًا ما يثير القلق العميق بشأن موقع الحقوق والحريات في مشروع الدستور الذي أنجزته الهيئة التأسيسية. ومن أبرزها المسائل المتصلة بموقع الشريعة الإسلامية في الدستور، وتأثيرها على حقوق الإنسان والحريات، وحقوق المواطنة والنساء، والضمانات الدستورية لحماية الحقوق والحريات، فضلًا عن حقوق الأقليات.
احتلت الشريعة الإسلامية موقعًا بارزًا في الخطاب السياسي والثوري منذ بداية الثورة.[35] واستغرق الوصول إلى توافق حول موقع الشريعة الإسلامية في الدستور عدة سنوات من فترة عمل الهيئة التأسيسية، وتعرضت صيغة مادة الشريعة لتعديلات ومناقشات متواصلة.[36] وفي مشروع الدستور الذي صدر في أبريل 2016 تم تعديل صيغة المادة 8 لتصبح كالتالي: “الإسلام دين الدولة، والشريعة الإسلامية مصدر التشريع وفق المذاهب والاجتهادات المعتبرة شرعًا، من غير إلزام برأي فقهي معيّن منها في المسائل الاجتهادية. وتفسّر أحكام الدستور وفقًا لذلك”. وتتسم هذه الصيغة بالالتباس فيما تعنيه بالمذاهب والاجتهادات المعتبرة شرعًا، وكيف يتم تحديد المذاهب والاجتهادات التي ينبغي على المُشرّع الالتزام بها، ومن سيقوم بتحديدها. وكانت هناك محاولة لإضافة نص يتم بموجبه تشكيل لجنة عليا للإفتاء. ثم ظهرت الصيغة المعدلة في المشروع النهائي في 2017 التي نصت في المادة 6 على أن “الإسلام دين الدولة والشريعة الإسلامية مصدر التشريع” كما حصن المشروع المادة من التعديل مستقبلًا.[37] ويبدو أن النقاشات المماثلة حول موقع الشريعة الإسلامية في الدستور، والتي شهدتها مصر بشكل خاص، قد أثرت على مناقشات الهيئة الليبية التي لم تستطع الفكاك من المناخ التقليدي السائد في المنطقة إزاء التفكير في موقع الدين في الدستور والتشريع، والاستعداد للتضحية بحقوق الإنسان إرضاءً لنمط التفكير الديني السائد في المجتمع.
لا توفر البيئة القانونية والتقاليد المجتمعية الليبية ضمانات تحمي حقوق النساء، بل على العكس تعاني النساء من التمييز وانتقاص حقوقهن في المساواة، وفي هذا الإطار شهد النقاش الدستوري جدلًا ممتدًا حول حقوق النساء في الدستور.[38] وكان مقترح مشروع الدستور الصادر في أبريل 2016 قد ألزم الدولة بسن التشريعات التي تكفل حماية النساء ورفع مكانتهن في المجتمع وحظر التمييز ضدهن، والقضاء على العادات الاجتماعية التي تنتقص من كرامتهن، كما اعترف بحق المرأة في منح الجنسية الليبية لأبنائها، ولكنه ترك للقانون كيفية تنظيم هذا الحق، وهوما هدد هذا المكسب.[39] لاحقًا حذفت الهيئة من مشروع الدستور النهائي الإشارة لذلك الحق.
وكان مقترح أبريل 2016 قد وضع في باب التدابير الانتقالية مادة بشأن تمثيل النساء في مجلس النواب والمجالس المحلية؛ بحيث تلزم المُشرّع بأن يضمن النظام الانتخابي تمثيل النساء بنسبة 25% من مقاعد مجلس النواب والمجالس المحلية لمدة 12 عامًا بعد إقرار الدستور؛ أي لمدة 3 دورات انتخابية. ولكن في المشروع النهائي نصت المادة 185 على وجوب ضمان النظام الانتخابي لتمثيل النساء في مجلس النواب والمجالس المحلية لمدة دورتين انتخابيتين فقط. ويفسّر البعض هذا التراجع إلى ضعف تمثيل النساء في الهيئة التأسيسية.[40]
وفي المادة 13 نص مشروع الدستور على أن تكون المعاهدات والاتفاقيات الدولية المصادق عليها من قِبَل ليبيا في مرتبة أعلى من القانون وأدنى من الدستور، وألزمت الدولة اتخاذ التدابير لتنفيذ هذا النص بما لا يخالف أحكام الدستور. يساهم وضع المعاهدات والاتفاقيات الدولية في مرتبة أعلى من القانون في فتح الباب أمام تعديل البنية التشريعية الليبية لتكون أكثر توافقًا مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان، وربما يسهل مهمة المدافعين عن حقوق الإنسان في تقديم الطعون بعدم دستورية القوانين المخالفة للمنظومة الدولية لحقوق الإنسان. ولكن وضع المعاهدات والاتفاقيات الدولية في مرتبة أدنى من الدستور، ووضع أحكام الدستور كمرجعية لا يمكن تجاوزها خلال تطبيق الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان؛ سيجعل المادة 6 عائقًا أمام محاولات تعديل البنية التشريعية لتتوافق مع منظومة حقوق الإنسان الدولية.
عبارة “وفق أحكام الدستور” تبدو كحصان طروادة في مشروع الدستور الليبي. فكما استخدمت لوضع قيود على تفعيل الاتفاقات الدولية، استخدمت أيضًا كقيد محتمل على حقوق المواطنة ولفتح الباب للتمييز بين المواطنين في مادة يُفترض أنها تنص على المساواة بينهم. ففي المادة 7 حظر المشروع التمييز بين المواطنين لأي سبب؛ وفق أحكام هذا الدستور. وهو ما قد يحيل إلى المادة 6 مجددًا التي ربما تستخدم لوضع القيود أمام تمتع الليبيين بحقوق المواطنة الكاملة.
مشروع الدستور لا يضمن حقوق المساواة بين المواطنين، ولا يسعى لتعزيز حقوق المواطنة. فبالإضافة لما سبق، تنص المادة 69 على أن أحد شروط الترشح لعضوية مجلس النواب أن يكون ليبيا “مسلمًا”، وتنص المادة 76على أن شروط عضوية مجلس الشيوخ هي نفس شروط عضوية مجلس النواب. كما تنص المادة 99 الخاصة بشروط الترشح لرئاسة الجمهورية على أن يكون المرشح “ليبيًا مسلمًا لوالدين مسلمين”. من المثير للتأمل في هذا الإطار أن باب الحقوق والحريات لم يخصص مادة لحماية حرية الدين والمعتقد.
نصت المادة 34 على إلزام الدولة بحماية الكرامة الإنسانية والوقاية من صور العنف، ومناهضة التعذيب وضروب المعاملة القاسية والمهينة واللاإنسانية والإخفاء القسري. لكن لم تنص المادة على معاقبة المتورطين في ممارسة التعذيب أو الإخفاء القسري، كما لم تلزم الدولة بتعويض ضحايا التعذيب والاختفاء القسري.
توفر المادة 41 أساسًا دستوريًا لحماية حرية التنظيم وتكوين الجمعيات والانتساب إليها، وتنص على عدم جواز إيقاف عمل منظمات المجتمع المدني أو حلها إلا عبر القضاء. كما يمنح المقترح في المادة 42 منظمات المجتمع المدني الحق في تقديم مقترحات تشريعية، ولكن المادة تركت للقانون تنظيم إجراءات مشاركة المجتمع المدني في العملية التشريعية. تنص المادة 43 على حماية حق التجمع السلمي والتظاهر، ولكنها تسمح باستخدام القوة “في حالة الضرورة”. وهي صياغة ملتبسة ربما تمنح قوات الأمن حق تفسير ما تعنيه “حالة الضرورة” واتخاذ قرار استخدام القوة في الميدان ضد المتظاهرين السلميين.
تنص المادة 159 على إنشاء المجلس الوطني لحقوق الإنسان، ونصت على أن تكون مهمته ترسيخ قيم حقوق الإنسان والحريات العامة الواردة في الشريعة الإسلامية والمواثيق الدولية، ومنحته حق التوصية بالتصديق على معاهدات حقوق الإنسان الدولية؛ بما لا يتعارض مع أحكام الدستور. لم تنص المادة على استقلال المجلس الوطني وإدارته الذاتية لميزانيته بما لا يجعله خاضعًا للسلطة، كما تم إغفال النص على أن يضم تشكيل المجلس الوطني نسبة من المدافعين عن حقوق الإنسان؛ وهو ما يخالف مبادئ باريس لإنشاء الهيئات الوطنية لحقوق الإنسان.
وفي باب الأحكام الانتقالية ألزم المشروع الدولة بتطبيق تدابير العدالة الانتقالية، وإصدار قانون لكشف الحقيقة وتعويض الأضرار والمساءلة وفحص المؤسسات. ونص كذلك على إنشاء هيئة للعدالة الانتقالية تتولى تنفيذ برامج العدالة الانتقالية في إطار المصالحة الوطنية الشاملة.
الأقليات تنتفض ضد مشروع الدستور
نصت المادة 2 في مشروع الدستور على أنه “تُعد اللغات التي يتحدث بها الليبيون أو جزء منهم ومن بينها العربية والأمازيغية والتارقية والتباوية تراثًا ثقافيًا ولغويًا ورصيدًا مشتركًا لكل الليبيين”. وحددت أن اللغة العربية هي لغة الدولة، لكنها ألزمت المشرع بإصدار قانون ينظم إدماج اللغات الليبية في مجالات الحياة العامة وعلى مستوى الدولة. وهي صيغة فيها الاعتراف بالمكونات الثقافية المتنوعة للشعب الليبي، وقد نصت المادة 195 الخاصة بإجراءات تعديل الدستور على تحصين المبدأ الذي تقوم عليه المادة 2 من التعديل مستقبلًا. ولكن هذه المادة لم تكن كافية لحسم الجدل في ليبيا حول حقوق الأقليات الرئيسية (التبو والأمازيغ والطوارق) والذي بدأ منذ مرحلة مبكرة أثناء صياغة قانون الهيئة التأسيسية. فقد تم تخصيص مقعدين في الهيئة لتمثيل كل أقلية، وهي نسبة لم تكن مرضية للأقليات الليبية. وكان هناك وعد بأن يتم تعديل الإعلان الدستوري للنص على ضرورة التوافق مع الأقليات أثناء التصويت داخل الهيئة على القضايا المتعلقة بهم. ولكن تم تجاهل تنفيذ هذا الوعد؛ فأعلنت الأقليات الثلاثة في بيان مشترك صدر في 17 يوليو 2013 عن مقاطعتها لانتخابات الهيئة سواء في الترشح أو المشاركة في التصويت، وهددت بالعصيان المدني. ومع استمرار ضغط الأقليات، أصدر المؤتمر الوطني العام في مارس 2014 التعديل الدستوري السابع، وألزم الهيئة التأسيسية بأن تصدر قراراتها بأغلبية الثلثين زائد واحد مع وجوب التوافق مع مكونات المجتمع الليبي ذات الخصوصية الثقافية واللغوية في الأحكام المتعلقة بهم. وأجريت انتخابات تكميلية شارك فيها الطوارق والتبو، بينما استمر رفض الأمازيغ الراغبين في النص على ضرورة التوافق في موضوعات محددة.
وخاضت الهيئة التأسيسية نقاشًا حول تفسير التوافق لم يثمر عن شيء ملموس. ثم دبت خلافات داخل الهيئة حول تمثيل الأقليات في لجنة العمل، وأسفرت في يونيو 2015 عن مقاطعة التبو والطوارق للهيئة التأسيسية، وفي يناير 2016 شكلت الأقليات لجنة تنسيقية لرفض أي مشروع دستور لا يصدر بالتوافق مع الأقليات. توسطت الأمم المتحدة لإجراء مفاوضات بين التبو والطوارق والهيئة التأسيسية، وفي صلالة بعمان انتهت المفاوضات برفض التبو لمقترحات الهيئة فيما وافقت الطوارق. ويرى البعض أن مقاومة الأقليات لمشروع الدستور هو عدم توافر الإرادة السياسية لدى الهيئة لتقليل التفاوت الكبير في التمثيل وتوزيع الموارد والمشاركة في السلطة للأقليات؛ وهو ما جعل الأقليات تسعى للحصول على حقوقها الكاملة في الدستور خشية تركها لمزاج الأغلبية في البرلمان مستقبلًا. ومن الأمور التي تثير قلق الأقليات إزاء تمثيلهم في البرلمان أن مشروع الدستور أشار في المادة الخاصة بعضوية مجلس النواب إلى “ضمان الحد الأدنى لتمثيل المكونات الثقافية واللغوية”، لكنه لم يحدد نسبة الحد الأدنى مثلما فعل مع نسبة تمثيل النساء. [41] وفيما أوقف المشروع إجراءات اكتساب الجنسية لمدة عشرة سنوات اعتبارًا من تاريخ نفاذ الدستور؛ تظهر أزمة سكان إقليم أزوزو المنتمين للتبو، وجردوا من الجنسية خلال عهد القذافي.[42]
خاتمة
منذ سنوات تعاني ليبيا من غياب التوافق بين أطراف النزاع، وافتقار النخب للإرادة السياسية لإنهاء الصراع المسلح، فيما يغذي الصراع بين دول المنطقة الانقسامات السياسية في ليبيا، التي تنتشر فيها الجماعات والميليشيات التي تلقت الدعم المالي والسلاح من دول مختلفة في الإقليم. وبينما ينظر المجتمع الدولي بقلق تجاه ليبيا بمساحتها الشاسعة وتواجد جماعات التطرف العنيف على أراضيها وساحلها الذي يعد محطة لانطلاق قوارب الهجرة غير النظامية إلى شمال المتوسط؛ فإنه أخفق في إدارة ملف السلام والمرحلة الانتقالية في ليبيا خلال السنوات التي أعقبت سقوط نظام القذافي. وبعد أن كان الاستفتاء على الدستور قبل إجراء الانتخابات، هو أحد بنود خطة مبعوث الأمم المتحدة إلى ليبيا؛ بدا أن الدستور سقط من حسابات المجتمع الدولي في أعقاب الانتكاسة التي أصابت الخطة الأممية وفشل اتفاق باريس، وأصبح الهدف هو تنظيم الانتخابات وكأنها وحدها ستنقذ ليبيا من دوامة الفوضى والعنف.
من المخيب للآمال أن تكون نتيجة 8 سنوات من العناء والفوضى وسقوط أعداد هائلة من الضحايا أن يجد الليبيون أنفسهم في وضع لا تطرح فيه أمامهم أي خيارات جادة. وتشير المعطيات الحالية إلى أن تحقيق أهداف الثورة بعيد عن متناول الشعب الليبي. ويتحمّل الساسة الليبيون المسئولية قبل أي أطراف دولية وإقليمية متورطة في الأزمة الليبية. حيث ينغمس القادة الليبيون في النزاع وتأجيج الانقسام، ويكتفون بالمشاركة في لقاءات يرعاها المجتمع الدولي يصدرون خلالها وعودًا متكررة بحل الأزمة وإنهاء الصراع دون اتخاذ خطوات ملموسة. ثم جاء الهجوم الأخير لحفتر على طرابلس ليقضي على مسار المفاوضات الحالي ويجعل تحقيق السلام هدفًا بعيد المنال.
لم يكن من المناسب أن تجري أعمال الهيئة التأسيسية وإتمام صياغة مشروع الدستور في ظل الاستقطاب السياسي والنزاع المسلح وفوضى الدم والعنف. غياب التوافق ليس فقط سمة العلاقة بين النخب السياسية وقادة الميليشيات، بل كان أحد سبب الأزمات داخل الهيئة التي أصدرت في نهاية المطاف مشروع دستور لا يلبي مطالب الثورة في تعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان ويحتفي بالتنوع بين مكونات الشعب الليبي. بالقطع ليس الدستور وحده حلًا للأزمة الليبية،لكن يحتاج الليبيون لتقييم ترتيبات المرحلة الانتقالية، ومن بينها منهجية تكوين الهيئة التأسيسية وصياغة مشروع الدستور، لتجنب أخطاء الماضي في تكوين هيئة جديدة تمثل كافة مكونات المجتمع الليبي. ولكن قبل الدستور؛ فإن حل الأزمة الليبية يكمن في التوافق أولًا من أجل مستقبل وسلام واستقرار ليبيا. وإن لم تتوافر الإرادة السياسية لدى الأطراف الرئيسية لإنجاز التوافق وعدم إهدار مزيد من الفرص والوقت؛ سيطول أمد المرحلة الانتقالية التي يشتد توق الليبيون لإنهائها.
[1] Constitution-building after conflict: External support to a sovereign process, policy paper, The International Institute for Democracy and Electoral Assistance (International IDEA), July 2011.
[2] لمزيد من التفاصيل، انظر: جورج أندرسون وسوجيت شودري، عمليات الانتقال الدستوري والانقسامات الإقليمية، المؤسسة الدولية للديمقراطية والانتخابات، 2015.
[3] لمزيد من التفاصيل، انظر: دينيزا ساراجليك-ماجليك، الإصلاح الدستوري في البوسنة والهرسك: الجهود السابقة والراهنة، في ألفاروفاسكونسيلوس وجيرالد ستانغ، الإصلاح الدستوري في الأوقات الانتقالية: تأمين شرعية مسار بناء المؤسسة الديمقراطية، مبادرة الإصلاح العربي، 2014.
[4] وينلاك واهيو، دليل عملي لبناء الدساتير، المؤسسة الدولية للديمقراطية والانتخابات، 2011.
[5] إيليانا غوردون وعمران سلمان، هل يفتح الدستور العراقي الباب أمام تطبيق الشريعة الإسلامية، أوراق ديمقراطية، العدد السادس، أكتوبر 2005.
[6] لمزيد من التفاصيل: رجب سعد طه، حقوق الإنسان تحت مطرقة دستور الإسلاميين، رواق عربي، مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، العدد 63، 2012.
[7] متى تحظى مصر بدستور يحترم المصريين ويصون كرامتهم؟، مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، 12 يناير 2014.
[8] لمزيد من التفاصيل يمكن مراجعة التقارير الصادرة عن منظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش ومنظمات حقوق الإنسان المصرية المستقلة بشأن حالة حقوق الإنسان في مصر خلال الفترة من 2014 إلى 2018.
[9] مصر: التعديلات الدستورية المقترحة تهدد الاستقرار وتمنح الرئيس الحكم مدى الحياة، بيان جماعي من منظمات حقوقية مصرية، 12 فبراير 2019.
[10] لمزيد من التفاصيل: مونيكا ماركس، أي أسلوب اعتمدته النهضة أثناء عملية صياغة الدستور التونسي: الإقناع، الإكراه، أو تقديم التنازلات؟، مركز بروكينجز الدوحة، فبراير 2014.
[11] طرح القذافي في 1993 فكرة صياغة دستور لكن دون اتخاذ إجراءات جادة للتنفيذ، كما أن ابنه سيف الإسلام القذافي الذي كان يُعد نفسه لخلافة والده في حكم ليبيا، كان قد دعا إلى صياغة دستور وذلك في خطابه أمام الملتقى الأول للمنظمة الوطنية للشباب الليبي في سرت في أغسطس 2006. وفيما كان القذافي الابن حريصًا على التأكيد على أنه لا مساس بموقع القذافي الأب في حال صياغة دستور جديد للبلاد، إلا أن الدعوة لصياغة دستور ظلت جزءً من الدعاية الخاصة بالسياسي الشاب ولم تشهد ليبيا خطوات جادة لتنفيذها برغم استمرار ترديد الشائعات عن قرب انتهاء سيف الإسلام من مشروع الدستور.
[12] حاول معمر القذافي أن يحتوي الحراك السياسي الليبي في مستهل 2011، وقام باستقبال عدد من الشخصيات البارزة في ليبيا، من بينهم وفد نقابة المحامين الذي طرح على القذافي ضرورة إعداد دستور للبلاد يصون الحقوق والحريات ويضع الإطار الدستوري المنظم للتشريعات. وتجاوب القذافي مع دعوة وفد النقابة خلال الاجتماع. إلا انه لم يكن جادًا في الإصلاح السياسي والاستجابة لمطالب المواطنين، وكان اللقاء بهدف جس النبض ولتهدئة النشطاء السياسيين والحقوقيين الذين خشي النظام من تأثيرهم على المواطنين.
[13] الزهراء لنقي، تجاهل الموروث الدستوري في ليبيا، السفير العربي، 26 أبريل 2018.
[14] انظر: محمد علي أحداش، تقويم الحالة الدستورية في ليبيا، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 25 سبتمبر 2011.
[15] نص التعديل على أن يتم تشكيل الهيئة التأسيسية “بطريق الاقتراع الحر المباشر من غير أعضائه لصياغة مشروع دستور دائم للبلاد تسمى الهيئة التأسيسية من ستين عضوًا على غرار لجنة الستين التي شكلت لإعداد دستور استقلال ليبيا عام 1951 م. ويتولى المؤتمر الوطني العام تحديد معايير وضوابط انتخابها يراعى فيها وجوب تمثيل مكونات المجتمع الليبي ذات الخصوصية الثقافية واللغوية”. انظر التعديل الدستوري رقم 3 لسنة 2012.
[16] أشرف مدبولي، تعديل الإعلان الدستوري في ليبيا “انتقاص من صلاحيات البرلمان”، بي بي سي العربية، 7 يوليو 2012
[17] المجلس الانتقالي في ليبيا يسلم السلطة للمؤتمر الوطني العام.
http://ara.reuters.com/article/topNews/idARACAE87800A20120809
[18] المؤتمر الوطني العام: الانتخابات في ليبيا (التقرير النهائي)، مركز كارتر، يوليو 2012.
[19] للاطلاع على نص القانون 17 لسنة 2013 بشأن انتخاب الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور.
[20] لمزيد من التفاصيل حول مسار العملية الدستورية في ليبيا بعد الثورة، انظر: رجب سعد، الطريق إلى الدستور في ليبيا، في: أحمد فوزي، الدستور وحقوق الإنسان في بِلدان الثورات العربية (تونس، مصر وليبيا) نموذجًا، مركز دعم التحول الديمقراطي وحقوق الإنسان، 2017.
[21] رجب سعد، دستور لا يحمي الحقوق والحريات: ليبيا تكتب دستورها، أتلانتيك كاونسيل، 3 أغسطس 2017.
[22] محكمة استئناف البيضاء تقبل الطعن في مسودة مشروع الدستور، بوابة أفريقيا الإخبارية، 16 أغسطس 2017.
[23] التعديل الدستوري رقم (7) لسنة 2014
[24] ماتيا توالدو، الدستور ترياقًا للأمراض الليبية؟، نشرة صدى، مركز كارنيجي للسلام الدولي، 22 أغسطس 2017.
[25] كلمة الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة، غسان سلامة، في الاجتماع رفيع المستوى حول ليبيا، 20 سبتمبر 2017.
[26] البيان المشترك للاجتماع الرباعي المعني بليبيا، 23 سبتمبر 2017.
[27] أيمن الورفلي، حفتر يقول إنه سيستمع إلى “أوامر الشعب الليبي الحر”، رويترز، 17 ديسمبر 2017.
[28] المسار التشاوري للملتقى الوطني الليبي (التقرير النهائي)، موقع بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، نوفمبر 2018.
[29] جون أيرش ومارين بينتييه، الفصائل الليبية تتفق في باريس على إجراء انتخابات في 10 ديسمبر، رويترز، 29 مايو 2018.
[30] السلام والانتقال الديمقراطي في ليبيا: حلم مؤجل أم كابوس أبدي؟، ورقة تحليلية صادرة عن مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، يونيو 2018.
[31] غسان سلامة: أنا مستعجل على الانتخابات أكثر من الليبيين أنفسهم، موقع بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، 22 يناير 2019.
[32] أولف ليسينج، هكذا فاجأ حفتر القوى العالمية بالزحف على طرابلس، رويترز، 10 أبريل 2019
[33] ميشيل نيكولز، تقرير دولي يرجح استخدام طائرة مسيرة مسلحة على يد قوات حفتر أو “طرف ثالث”، رويترز، 9 مايو 2019.
[34] الاتحاد الأوروبي يعتبر هجوم قوات حفتر على طرابلس “تهديدا للأمن والسلم الدوليين”، فرانس 24، 13 مايو 2019.
[35] خلال الاحتفال بالتحرير في 23 أكتوبر 2011، استهل المستشار مصطفى عبد الجليل رئيس المجلس الوطني الانتقالي كلمته بالسجود على أرض ميدان الاحتفال قبل أن يعلن أن “أي قانون مخالف للشريعة الإسلامية هو موقوف فورًا”. ونص الإعلان الدستوري الصادر في 2011 على أن الإسلام دين الدولة والشريعة الإسلامية المصدر الرئيس للتشريع. وفي ديسمبر 2013 حاول البرلمان الليبي استباق تشكيل الهيئة التأسيسية بإعلانه أن “الشريعة الإسلامية هي مصدر التشريع الوحيد في ليبيا.. وأنه يقع باطلًا كل ما يخالف أحكامها من التشريعات.. وكل مؤسسات الدولة ملزمة بذلك”.
[36] كانت اللجنة النوعية الأولى بالهيئة التأسيسية قد قدمت مقترحًا بشأن باب شكل الدولة ومقوماتها الأساسية. وجاء فيه نص مادة الشريعة الإسلامية على نحو يمهد لتأسيس دولة دينية، ويضيف للدستور حمولة دينية ترسخ العداء لحقوق الإنسان وحقوق المواطنة والديمقراطية. حيث ينظر المقترح بعداء للعقائد المخالفة للشريعة الإسلامية، التي لا يوجد تعريف واضح لها حتى بين أعضاء الهيئة التأسيسية. كما وضع المقترح أساسًا دستوريًا معاديًا لحريات الدين والضمير والتعبير والإبداع. يمكن الاطلاع على المقترح على الموقع الرسمي للهيئة التأسيسية عبر الرابط هنا
[37] رجب سعد، دستور لا يحمي الحقوق والحريات: ليبيا تكتب دستورها، مصدر سابق.
[38] لمزيد من التفاصيل، انظر: رجب سعد، الطريق إلى الدستور في ليبيا، مصدر سابق.
[39] يضع القانون رقم 24 لسنة 2010 بشأن أحكام الجنسية الليبية قيودًا فضفاضة على حق المرأة الليبية في منح الجنسية لأطفالها من زوج أجنبي، بما ينتقص من حقها في المساواة والتمتع بحقوق المواطنة الكاملة. يمكن الإطلاع على نص القانون عبر الرابط هنا
[40] رجب سعد، دستور لا يحمي الحقوق والحريات: ليبيا تكتب دستورها، مصدر سابق.
[41] لمزيد من التفاصيل انظر: خالد وهلي، الأقليات في الدستور الليبي: التبو نموذجًا، دورية مركز دعم التحول الديمقراطي وحقوق الإنسان، العدد الأول، يونيو 2018.
[42] لورا فان واس، عديمو جنسية في ليبيا: حالة التبو، المفكرة القانونية، 13 يناير 2016.
Read this post in: English