دراسات

إخفاقات الانتفاضات العربية: الارتداد السلطوي ووضع الديمقراطية وحقوق الإنسان

حمل هذا المقال كبي دي إف

الإشارة المرجعية: البنا، أسماء (2024). إخفاقات الانتفاضات العربية: الارتداد السلطوي ووضع الديمقراطية وحقوق الإنسان. رواق عربي، 28 (3). 29-43. DOI: 10.53833/WXXD9155

خلاصة

مع نهايات عام 2010، شهدت المنطقة العربية موجة من الانتفاضات، والتي تجددت في 2018 في عدد من الدول، وأدت لإعادة النظر في أطروحة الاستثناء الديمقراطي العربي، مثلما نجحت في إسقاط أنظمة تسلطية متعددة في المنطقة، وقدمت فرصة لإنجاز الانتقال الديمقراطي. إلا أنه نتيجة لعدد من العوامل الذاتية والموضوعية، تعثرت عملية الانتقال. الأمر الذي أعاد تسليط الضوء على الاستثناء العربي الديمقراطي، كما أدى إلى الارتداد السلطوي في المنطقة، وأثر على وضع الديمقراطية وحقوق الإنسان. تناقش الدراسة تأثير فشل الانتفاضات العربية والانتقال الديمقراطي على الارتداد السلطوي، وكيف أثر ذلك على وضع الديمقراطية وحقوق الإنسان في المنطقة بعد مرور أكثر من عشر سنوات على اندلاع الانتفاضات. اعتمدت الدراسة على تعريف الاستثناء الديمقراطي، والانتقال الديمقراطي، والارتداد السلطوي كإطار مفاهيمي، وعلى المنهج الوصفي التحليلي. وخلصت الدراسة لأن إخفاق عمليات الانتقال الديمقراطي في المنطقة أدى إلى الارتداد السلطوي وخلق أنظمة أكثر سلطوية وقمعًا أثرت سلبًا على الديمقراطية وحقوق الإنسان.

مقدمة

على مدار عقود طويلة، ظلت المنطقة العربية على هامش التحولات الديمقراطية التي شهدتها مناطق أخرى في العالم في ظل موجات التحول الديمقراطي، والتي أحدثت تغييرات عميقة في طبيعة النظم السياسية الاستبدادية وأسست تجارب من الانفتاح السياسي الديمقراطي.[1] بينما بقيت آفاق التحول غير مؤكدة في المنطقة العربية، الذي نُظر إليه باعتباره استثناءً ضمن موجات التحولات. مما دفع الباحثين[2] للتساؤل عن أسباب مقاومة المنطقة للديمقراطية، وقد تعددت المقاربات التي تحاول التفسير. وحينما بدأت أحداث الانتفاضات العربية في نهاية عام 2010، اعتقد الباحثون[3] أنها تمثل نهاية الاستثناء العربي، وإمكانية لتحقيق الانتقال الديمقراطي في المنطقة، بعد عقود من السلطوية؛ إذ شكلت الانتفاضات العربية تحديًا للسلطوية والقبضة الأمنية والقمع والإقصاء الذي مارسته الأنظمة على مدار عقود، كما أكدت على قيم التغيير والتعبير عن الرأي والشرعية والعدالة الاجتماعية. إلا أن انتكاسات الربيع، وفشل الانتفاضات في تحقيق التغيير وعودة السلطوية في المنطقة، سلطت الضوء مرة أخرى على أطروحة الاستثناء العربي.[4]

تناقش الدراسة تأثير اخفاق الانتفاضات العربية والانتقال الديمقراطي على الارتداد السلطوي، وإعادة تشكل الأنظمة القديمة، ووضع الديمقراطية وحقوق الانسان في المنطقة. وتنطلق من سؤال رئيسي: كيف أدت إخفاقات الانتفاضات العربية وتعثر الانتقال الديمقراطي إلى الارتداد السلطوي وإعادة تشكل الأنظمة القديمة؟ وللإجابة على ذلك، تطرح الدراسة عددًا من الأسئلة الفرعية: هل أدى فشل الانتفاضات العربية في تحقيق مطالبها والتغيير إلى إحياء فرضيات الاستثناء في المنطقة العربية؟ هل شكلت الثورات العربية فرصة للتغيير أم أنها كانت لحظة لإعادة إنتاج السلطوية؟ كيف أثر الارتداد السلطوي على وضع الديمقراطية وحقوق الإنسان؟ وتفترض الدراسة أن فشل عمليات الانتقال الديمقراطي في المنطقة قد أدى لعودة الأنظمة القديمة، وظهور أنظمة أكثر سلطوية في المنطقة تمارس سياسات وتمتلك أدوات أكثر قمعًا، خاصة في ظل ما تعانيه المنطقة من حروب وصراعات داخلية وتدخلات إقليمية ودولية.

تستخدم الدراسة المنهج الوصفي التحليلي لدراسة العلاقة بين فشل الانتفاضات العربية والانتقال الديمقراطي والارتداد السلطوي في المنطقة العربية وتأثير ذلك على الديمقراطية وحقوق الإنسان. والمنهج الوصفي التحليلي هو منهج يعتمد على جمع كم من البيانات والمعلومات لتوضيح وتحليل العلاقة بين متغيرات البحث (التي تتمثل في هذه الحالة في تعثر الانتقال الديمقراطي والارتداد السلطوي) في صورة أسئلة وفروض، يلي ذلك استخراج النتائج وتحليل العلاقة بين المتغيرات.[5]

تنقسم الدراسة إلى ثلاثة محاور؛ أولًا الإطار المفاهيمي ويتضمن تعريف ومناقشة ثلاثة مفاهيم تعتمد عليها الدراسة: الاستثناء الديمقراطي العربي، والانتقال الديمقراطي، والارتداد السلطوي. ثانيًا تتناول الدراسة الانتفاضات العربية من حيث التطور والمسارات المختلفة. وثالثًا تناقش الدراسة عوامل فشل الانتقال الديمقراطي وكيف أدى ذلك إلى الارتداد السلطوي وتأثير ذلك على الديمقراطية وحقوق الإنسان في المنطقة العربية بعد أكثر من عشر سنوات على الانتفاضات العربية.

تأتي تلك الدراسة في سياق عدد من الأدبيات التي تناقش الانتفاضات العربية والانتقال الديمقراطي وتسلط الضوء على عدد من الأسئلة؛ إذ تناقش بعض الدراسات الانتفاضات العربية من حيث الأسباب والمسارات،[6] فيما يناقش جزء آخر عملية الانتقال الديمقراطي في دول المنطقة ومحدداتها،[7] في حين تناول قسم آخر عوامل تعثر الانتقال الديمقراطي ونتائج هذا التعثر.[8] وقد خلصت الدارسات إلى أن الانتفاضات العربية التي اندلعت في 2010 مثلت فرصة تاريخية للتغيير، ولتحقيق الانتقال الديمقراطي وتفكيك السلطوية الراسخة في المنطقة؛ إلا أنه ومع تعدد مسارات عملية التحول بعد سقوط رؤوس النظام السلطوية، وبسبب عدد من الأسباب الذاتية والموضوعية، فشلت عملية الانتقال الديمقراطي وفشلت الانتفاضات في تحقيق التغيير السياسي والاقتصادي المنشود. في ضوء ذلك تناقش الدراسة كيف أدى تعثر عمليات الانتقال الديمقراطي في المنطقة، بعد أكثر من عشر سنوات على الانتفاضات العربية، إلى الارتداد السلطوي وإعادة تأسيس الأنظمة القديمة في المنطقة في ظل آخر التطورات في المنطقة العربية.

الإطار المفاهيمي

تناقش الدراسة تأثير إخفاق الانتفاضات العربية على الارتداد السلطوي وإعادة تشكل الأنظمة السلطوية، وكذلك وضع الديمقراطية وحقوق الإنسان في المنطقة العربية. في هذا السياق تعتمد الدراسة على تعريف مفهوم موجات التحول الديمقراطي والاستثناء الديمقراطي العربي، والانتقال الديمقراطي، والارتداد السلطوي والأنظمة السياسية الهجينة لتحليل الإشكالية الرئيسية.

موجات التحول الديمقراطي والاستثناء العربي

في كتابه «الموجة الثالثة» يشير هنتنجتون إلى ثلاث موجات من التحول الديمقراطي. بدأت الموجة الأولى نظريًا مع الثورتين الفرنسية والأمريكية، إلا أن الظهور الفعلي للمؤسسات الديمقراطية كان في القرن التاسع عشر حينما توسعت دول أوروبا والأمريكيتين في منح حق التصويت للمواطنين والنساء وتطوير النظم الانتخابية والرقابية. ومع الحرب العالمية الثانية بدأت الموجة الثانية وأدى انتصار الحلفاء لدفع عملية إنشاء مؤسسات ديمقراطية في ألمانيا الغربية وإيطاليا والنمسا واليابان وكوريا. وفي أواخر الأربعينيات وأوائل الخمسينيات، تحولت كل من تركيا واليونان باتجاه الديمقراطية، وفي أمريكا اللاتينية تحولت كل من البرازيل وكوستاريكا إلى الديمقراطية.[9] وفي الخامس والعشرين من أبريل 1974، شهدت البرتغال انقلابًا أنهى حكم الدكتاتور مارسيلو كايتانو وسط تأييد شعبي وجماهيري، وقد مثّل هذا الانقلاب بداية الموجة الثالثة من الديمقراطية. وفي السنوات الخمسة عشر التي تلت ذلك، حلت النظم الديمقراطية محل النظم الشمولية والتسلطية في حوالي ثلاثين دولة في أوروبا وآسيا وأميركا اللاتينية. وفي دول أخرى، حصلت الحركات الداعية إلى الديمقراطية على أرضية جديدة وشرعية في الوجود، ورغم وجود بعض المقاومة والانتكاسات والموجات المضادة، إلا أن التحرك باتجاه الديمقراطية تحول إلى مد عالمي وحقق انتصارات عديدة.[10] برغم ذلك، بقيت الدول العربية منيعة أمام الموجات الثلاث للديمقراطية، وأدى ذلك إلى الحديث عن الاستثناء الديمقراطي العربي (Arab Exceptionalism). فمقارنة مع مناطق أخرى من العالم مثل شرق آسيا وأمريكا اللاتينية وأفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، لم تحقق البلدان العربية تقدمًا إلا بمقدار محدود على صعيد الديمقراطية.[11]

وقد أرجعت العديد من أدبيات التحول الديمقراطي في التسعينيات ظاهرة الاستثناء الديمقراطي العربي إلى عوامل ثقافية تتعلق بما تزعم أنه خلل بنيوي أصيل في طبيعة الدين الإسلامي والثقافة العربية الاستبدادية الأبوية، مما شكل ثقافة الأفراد في النهاية. وهو ما تم استخدامه لاحقًا من جانب الغرب والولايات المتحدة للتدخل في المنطقة بدعوى تصدير الديمقراطية، مثلما حدث في العراق في 2003.[12] في مواجهة تلك النظريات أحادية الجانب، يشير برهان غليون لتأثير عدد من العوامل الجيوسياسية والاقتصادية والاجتماعية والدولية على التحول الديمقراطي في المنطقة. هناك بالتأكيد مكان للثقافة في تفسير واقع الحياة السياسية، حتى لو لم يكن أثر العامل الثقافي حاسمًا في إقامة النظم التسلطية. إلا أنه يجب التركيز على التفاعل بين العوامل الجيوسياسية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية، وهو الإطار الأدق لتفسير تفاقم الأوضاع السياسية العربية، وليس وضع عامل في مواجهة عامل آخر؛ وذلك لفهم إشكالية الديمقراطية في البلدان العربية، والتي ينبغي النظر إليها كعملية تاريخية ومستمرة تتضمن عمليات البناء والتدمير وإعادة التشكيل بشكل أعقد مما تفترضه النظريات الأحادية.[13]

في هذا السياق تعددت المقاربات التي تفسر التعثر الديمقراطي في المنطقة العربية، فبعض الباحثين يرى أن دور الأجهزة القمعية وقدرتها على القمع والإكراه كان السبب الرئيسي في الحفاظ على الأنظمة السلطوية، وذلك من خلال عدد من المتغيرات تتمثل في استحواذ تلك الأجهزة على الجزء الأكبر من الموارد المالية واستمرار الدعم الدولي للمؤسسات الأمنية وأدوارها لضمان مصالح القوى الدولية في المنطقة، وانخفاض درجة مؤسسية تلك المؤسسات وميلها للمحسوبية والزبائنية.[14] بينما يعتقد اتجاه آخر أن الثروة النفطية كانت وراء التعثر الديمقراطي، إذ تستخدم دول النفط في المنطقة عائدات النفط لتدعيم سلطتها؛ فالعائدات النفطية تغني الدولة عن الحاجة لتحصيل الضرائب، وبالتالي المسائلة من قبل المواطنين. وتستغل الدولة تلك العائدات لتقديم الدعم لفئات واسعة لتعزيز الولاء والإذعان للنظام القائم، ومنع تشكل قوى مستقلة تطالب بالحقوق السياسية.[15] بينما يُرجع البعض غياب الديمقراطية في المنطقة للثقافة السائدة؛ إذ أنها تتسم بغلبة الطابع الأبوي على العلاقات الاجتماعية الذي يتعدى إلى النظام السياسي، ويلقي هذا الاتجاه تهمته أساسًا على الإسلام، باعتباره المكون الأساسي للثقافة في الشرق الأوسط والمنطقة العربية، انطلاقًا من أن قيم الإسلام لا تساعد على قيام الديمقراطية، ولا يفرق بين المجتمع الديني والمجتمع السياسي. وقد وجهت لهذا الاتجاه عدة انتقادات ناتجة من كونه اتجاه استشراقي يحمل في طياته ميول المركزية الإثنية والعرقية والاستعلائية التي تقدم الغرب كنموذج متفوق في حين ينظر بدونية إلى الشعوب الأخرى.[16] بينما يرى الاتجاه الرابع أن غياب الديمقراطية كان نتيجة دعم القوى الدولية الكبرى للأنظمة التسلطية في المنطقة؛ معتقدًا أن السياسة الأمريكية على وجه الخصوص قد أثرت بشكل سلبي خلال الحرب الباردة بدعمها للحكام الديكتاتوريين في مناطق مختلفة من العالم كالجنزال أناستازيو سوموزا في نيكاراغوا ومحمد رضا بهلوي في إيران لإبقاء دولهم خارج دائرة الشيوعية. وينطبق ذلك على المنطقة العربية والشرق الأوسط. فعلى مدار سنوات، قدمت الحكومات الأمريكية المختلفة منحًا ومساعدات للأنظمة التسلطية، بسبب تركز ثروات النفط والغاز في المنطقة العربية، وموقعها الاستراتيجي مع وجود إسرائيل في قلب مصالح القوى الكبرى وساحة للتنازع بينها، الأمر الذي أثر بالسلب على فرص إقامة أنظمة ديمقراطية بفعل دعم هذه القوى، المادي والمعنوي، للأنظمة التسلطية الموالية التي تخدم مصالحها.[17]

الانتقال الديمقراطي

يشير مفهوم الانتقال الديمقراطي في أوسع معانيه إلى الانتقال من نظام حكم غير ديمقراطي إلى نظام حكم ديمقراطي، إذ يمثل عملية يتم من خلالها تفكيك النظام غير الديمقراطي وبناء نظام ديمقراطي جديد. وتشمل العملية عناصر النظام السياسي مثل البنية الدستورية والقانونية والمؤسسات والعمليات السياسية. فضلًا عن ذلك تشهد عملية الانتقال الديمقراطي صراعات ومساومات وعمليات تفاوض بين مراكز القوى.[18] ويرى لويس بول أن الانتقال الديمقراطي هو مرحلة من تغيير النظام تبدأ عند نقطة ما حينما تبدأ الأنظمة الاستبدادية الشمولية بالانهيار، وتضع دستورًا وهياكل ديمقراطية جديدة، وتعدل النخب السياسية سلوكها بما يتفق مع قواعد الديمقراطية المقررة.[19]

أما علي الدين هلال فيرى أن عملية الانتقال الديمقراطي تمثل مرحلة تحول جوهري في طبيعة النظام السياسي وفي علاقة الدولة بالمجتمع، ومن ثم فإنها مرحلة تأسيسية تؤثر في شكل النظام الجديد وسماته وتلقي بظلالها على مسار التطور الذي يأخذه النظام. ويقصد بمفهوم الانتقال الديمقراطي مجموعة من العمليات التي تحقق انتقال نظام سياسي من الحكم السلطوي إلى الحكم الديمقراطي. ويتضمن هذا التعريف بُعدين: ثقافيًا ومؤسسيًا. أما البعد الثقافي فيشير لتعميق مبدأ المواطنة والمساواة في الحقوق والحريات والواجبات وتوسيع دائرة المشمولين بها. بينما يشير البعد المؤسسي إلى تضمين ممارسات التعددية الحزبية والتنافسية المؤسسية في الجسد السياسي. ويشمل ذلك تعديلات دستورية وتنظيمية وإعادة توزيع السلطة والنفوذ في المجتمع وتوسيع دائرة المشاركة فيها. وبذلك يتضمن الانتقال إلى الديمقراطية إدخال المفاهيم والممارسات السياسية التنافسية على أساس مؤسسي.[20]

من الناحية العملية يشير تعبير الانتقال إلى الديمقراطية إلى المرحلة التي تلي سقوط النظام السلطوي، وتبدأ بوصول الحكام الجدد إلى السلطة واضطلاعهم بالتأسيس لنظام سياسي جديد تتضمن عناصره إعداد الدستور والتشريعات المنظمة للحياة السياسية وإجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية. ويمثل استكمال البناء الدستوري لسلطات الدولة نهاية عملية الانتقال، وذلك في حالة استمرار هذا البناء واستقراره. وفي هذه الحالة تبدأ عملية تعزيز الديمقراطية، وهي تشير إلى استقرار المؤسسات الديمقراطية على النحو الذي تصبح فيه جزءً من الثقافة السياسية والنظام العام للمجتمع. أما إذا لم يستقر البناء المؤسسي الذي أنشأته مرحلة الانتقال فعندها تبدأ مرحلة انتقال ثانية، أو تحدث العودة إلى النظام القديم فيما يسمي بالارتداد السلطوي أو السلطوية الجديدة.[21]

ورغم اختلاف الباحثين حول تعريف مراحل الانتقال إلى الديمقراطية، إلا أنه يمكن تحديد ثلاثة مراحل: انهيار النظام السلطوي، وتمثل بداية عملية التحول لنظام جديد، وتشهد هذه المرحلة صراعات ما بين المتشددين المتشبثين بالنظام القديم، والمعتدلين الذين يرغبون في إجراء الإصلاحات على هذا النظام. ثانيًا مرحلة التحول الديمقراطي، وهي المرحلة التي ستحدد مصير عملية الانتقال إلى الديمقراطية بأسرها، إذ تتزايد إمكانية الارتداد والعودة إلى شكل أكثر تسلطًا من النظام السابق، وفي هذه المرحلة نجد تنازلات من القيادة الحاكمة وتصاعدًا في المطالب الإصلاحية، والتحول إلى الليبرالية والتوسيع من حريات الأفراد، إيذانًا بالانتقال من النظام السلطوي، إلى النظام الديمقراطي. ثالثًا مرحلة الرسوخ الديمقراطي، وفي هذه المرحلة يتم التخلص من مؤسسات النظام السلطوي القديم، وتحل محلها مؤسسات جديدة، ويسود التوافق بين اللاعبين السياسيين، والاعتقاد بان الديمقراطية هي النظام الأمثل وحتميتها من أجل استمرار النظام. ويرى الباحثون أن أهم المراحل الثلاثة، وأكثرها خطرًا، هي المرحلة الثانية؛ بسبب الاحتمالات المتزايدة للتعرض لانتكاسات سياسية نتيجة للتركيبة الهجينة للنظام السياسي، إذ أنه حال عدم استقرار البناء المؤسسي الذي أنشأته تلك المرحلة، قد تبدأ عملية انتقال ثانية، أو تحدث عودة إلى شكل متطور من النظام القديم، فيما يُعرف بالارتداد السلطوي، أو السلطوية الجديدة.[22]

الارتداد السلطوي والنظم السياسية الهجينة

رغم كثرة الدول التي شهدت انتقالًا ديمقراطيًا على مستوى العالم، ونجاح بعض هذه الدول في الانتقال والترسيخ الديمقراطي؛ إلا أن البعض الآخر لم يشهد تأسيس نظم ديمقراطية مستقرة وراسخة، وإنما ارتدادًا سلطويًا وظهور أشكال من النظم السياسية الهجين (Hybrid Regimes)، مثلما حدث في المنطقة العربية وإفريقيا وبعض دول أمريكا اللاتينية ودول الاتحاد السوفياتي السابق، فبقيت دون استكمال مسار التحول الديمقراطي.[23]

يمكن تعريف النظم الهجينة بأنها تلك النظم التي تجمع بين خصائص الديمقراطية وخصائص الاستبداد. إذ بدأت عملية التحول الديمقراطي بإجراءات شكلية، ولم تعزز من قيم وجوهر الديمقراطية، وبالتالي اقتصر التحول الديمقراطي على الانتقال من التسلطية التقليدية إلى التسلطية التنافسية دونما يؤثر ذلك على طبيعة السلطة.[24] وفي حقيقة الأمر، تمثل هذه الأنظمة نموذجًا للأنظمة المختلطة، التي تنهض على بناء سياسي يلتزم من حيث الشكل بالإجراءات والمؤسسات الديمقراطية، لكن مع الإبقاء على الطابع السلطوي في بنيته.[25] فتتبنى النظم الهجينة الديمقراطية وتمزج مثلًا بين الانتخابات التنافسية والحضور القوى للتسلطية، وبينما تشهد تلك الأنظمة انفتاحًا ديمقراطيًا وانتخاباتٍ دورية؛ فإنها تعيش أيضًا على رواسب الماضي التسلطي من خلال التدخل في العملية الانتخابية والتحكم في نتائج الانتخابات، بالإضافة إلى الحضور القوى للمؤسسة العسكرية. وتختلف الصفة الهجينة من نظام لآخر حسب كيفية تدخل السلطة في عملية التحول الديمقراطي والدور الذي تمارسه.[26]

وقد يعتمد النظام الهجين في بقائه وفرض سلطته على مصادر قوة داخلية كأن يسيطر النظام على الموارد الأولية بوصفها مصدرًا للدخل، وأن يبني عقيدة الجيش العسكرية على أساس وظيفي يخدم مصالحه، بالإضافة إلى تأسيسه أجهزة أمنية داخلية تضمن له تثبيط معارضيه. وتكمن أهمية مصادر القوة هذه في كونها أداةً فعالة لتجنيد الأنصار ومعاقبة الخصوم، وكلما كانت القوة ناعمة كالبيروقراطية والاقتصاد كانت مواجهة الخصوم أقل تكلفة.[27] كما قد تلجأ بعض الأنظمة لمصادر قوة وهمية، كأن تدعى وجود خطر خارجي، بما يصرف الأنظار عن القضايا الداخلية أو إلهاء المواطنين بقضايا مختلفة بما يغير من أولوياتها، كفرض أوضاع اقتصادية تدفع تركيز المواطن إلى حياته اليومية أو بخلق بؤر تهديد أمنية داخلية والتعهد بمحاربتها، كي يصبح الحديث عن التغييرات الجذرية في سياق التحول الديمقراطي أمرًا غير مستساغ في ظل التهديد المختلق. بالإضافة إلى كون النظام في بنيته يعتمد على بعض الممارسات الديمقراطية كمصدر للشرعية، وخصوصا الانتخابات، بما يمنحه قوة لاستمرار.[28]

وقد اختلفت القراءات النظرية حول موضوع الأنظمة السياسية الهجينة من حيث اعتبارها مرحلة انتقالية تقع بين الاستبدادية والديمقراطية، أو اعتبارها مرحلة انتهت إليها جهود التحول الديمقراطي لحالات معينة فشلت في الوصول إلى ديمقراطية جيدة وراسخة. تذهب القراءة الأولى حول الأنظمة الهجينة لاعتبارها أنظمة سياسية سمحت في إطار تحولها الديمقراطي بالعديد من مظاهر الديمقراطية، وعلى رأسها الانتخابات التنافسية، ولكن دونما يفضي ذلك إلى جودة في الديمقراطية. تلك القراءة تعتبر أن المجهودات للتحول مازالت مستمرة. أما القراءة الثانية فترى أن النظام السياسي الهجين هو مرحلة انتهى إليها مسار التحول الديمقراطي الذي فشلت فيه حالات عديدة عبر العالم، إذن فإنه ليس تحولًا للديمقراطية، وإنما هو تحديث للأنظمة الاستبدادية أو الشمولية التي أجبرتها ظروف داخلية وأخرى خارجية على اتخاذ تدابير سياسية وقانونية نحو ديمقراطية محددة جدًا، عبر انتخابات تنافسية تعمل على بقاء الأنظمة السياسية القائمة وليس استبدالها ديمقراطيًا.[29]

الانتفاضات العربية والاستثناء الديمقراطي

جاءت موجة الانتفاضات التي شهدها المنطقة العربية منذ أواخر عام 2010 والتي اصطلح على تسميتها «الانتفاضات العربية» والتي انطلقت شراراتها الأولى من تونس ثم امتدت لتشمل مصر وليبيا واليمن وسوريا، وبدرجة أقل بلدانَا عربية أخرى. فكانت تضحية محمد بو عزيزي في تونس الشرارة التي أشعلت موجة من الانتفاضات أدت إلى سقوط نظام زين العابدين بن علي. وبعد أقل من شهر من سقوط بن علي، أسقط المحتجون الرئيس المصري حسني مبارك ليتنحى بعدما قضى في الحكم ثلاثين عاما. وفي اليمن، والتي انتقلت فيها السلطة بعد عملية تفاوض على مراحل، بإنهاء حكم الرئيس عبد الله صالح في فبراير 2012، بعدما ظل في الحكم ثلاثة وثلاثين عامًا. إلا أن الاستقرار النسبي كان هزيلًا؛ فقد تصاعدت وتيرة حركة الاستقلال في الجنوب والتوتر الطائفي. فيما شهدت ليبيا سقوط النظام في أغسطس 2011 ونجحت في الترتيب لإجراء انتخابات حرة شهدت إقبالًا كبيرًا من الناخبين في يوليو 2012. ومن الجدير بالذكر أن الثورات العربية نجحت في زحزحة حاجز الخوف، وطرحت إمكانية التغيير ومكنت الإرادة الشعبية.[30]

في 2018 تجددت الاحتجاجات، لتمثل موجة ثانية من الانتفاضات العربية في العراق ولبنان والجزائر والسودان. وقد طرحت تلك الانتفاضات العديد من القضايا والإشكاليات حول مقولة الاستثناء الديمقراطي العربي، وإمكانية تحقيق التغيير والانتقال الديمقراطي في المنطقة في ظل الواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي المتأزم.[31] كما عبرت تلك الانتفاضات عن موجة عنيفة من الرفض السياسي واسع النطاق للأنظمة الاستبدادية. فرغم الاختلاف بين أنظمة الحكم العربية؛ إلا أنها تشابهت في العديد من الخصائص، لذلك جاءت مطالب الفئات الاجتماعية متشابهة، وشملت الحريات السياسية وتعزيز الديمقراطية وتحقيق العدالة الاجتماعية. بمعنى آخر طالب المحتجون بعقد اجتماعي جديد بين المواطن والدولة. بحيث يتم النظر إليهم كشركاء في الحكم ومصدر للشرعية، وليس باعتبارهم خطرًا أمنيًا على النظام. ويمكن القول أن استجابة الأنظمة الحاكمة كانت متشابهة بصفة كبيرة؛ إذ لجأت مباشرة لاستخدام العنف والقمع بشكل مباشر.[32] كذلك تصاعدت قوة النشاط المدني والتحركات الاجتماعية في المنطقة أثناء هذه الفترة؛ فقد تفجرت مشاريع ومبادرات اجتاحت المدن العربية، وكسرت حواجز الخوف التي فرضتها الأجهزة الأمنية، وحولت هذه المبادرات المدن العربية لساحات اعتراض يومية، للتأكيد على الحق في المشاركة والحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية وما يتجاوزها.[33]

مسارات الانتفاضات العربية

بعد أكثر من عشر سنوات على اندلاع الانتفاضات العربية تبدو المنطقة العربية في أزمة؛ إذ فشلت معظم تجارب الانتقال الديمقراطي، وتحولت إما لمزيج من حروب أهلية وإقليمية كما حالة سوريا واليمن وليبيا والسودان، أو صعود أنظمة ديكتاتورية لا تقل في سلطويتها ولا انتهاكها لحقوق الإنسان عن الأنظمة السابقة كما في حالة مصر وتونس. وهو ما انعكس بالقطع على إعادة تقييم المواقف والآراء تجاه الانتفاضات العربية، وتجاه مسألة الاستثناء الديمقراطي العربي.

وقد أنتجت الثورات العربية مسارات مختلفة، كما اتسمت مراحل التغيير بالتوتر والصراعات. فشهدت بعض الدول تحركات محدودة تم احتوائها بسرعة من جانب النخبة الحاكمة، مثلما حدث في دول الخليج مثل المملكة العربية السعودية والكويت، نظرًا لتوافر الموارد المالية والامتيازات التي تستخدمها الأنظمة لشراء ولاء المواطنين مقابل الإصلاحات والحقوق السياسية. بينما تميزت الاحتجاجات بالقوة نسبيًا في البحرين، وتم قمعها بالقوة، وبتدخل من مجلس التعاون الخليجي. كما انتزعت بعض الدول فتيل الثورات مثل المغرب والجزائر والأردن عبر تنفيذ إصلاحات سياسية ودستورية.[34]

في سوريا وليبيا واليمن كانت المآلات كارثية؛ ففي ليبيا ورثت النخب الثورية بلدًا دون مؤسسات أو دستور أو تجربة حزبية ومدنية، وفي وضع فراغ أمني إذ تسيطر المليشيات على المدن والأحياء. أما سوريا، فقد شهدت مواجهة مسلحة بين النظام والمعارضة تضم فاعلين متعددين ذوي مصالح مختلفة ومتعارضة جعلت من سوريا ساحة للحروب بالوكالة. وفي اليمن انتهت الانتفاضات إلى نزاعات مسلحة ومسار عشوائي تغذيه نزاعات قبلية وطائفية، وتسيطر فيه المليشيات المسلحة مع تدخلات إقليمية. بينما شهدت الثورة في مصر ثورة مضادة، إذ استغلت المؤسسة العسكرية سوء إدارة الإخوان للوضع السياسي والاجتماعي واستحوذت على السلطة وأنهت الانتقال الديمقراطي. وفي تونس، نجح مسار الانتقال الديمقراطي في البداية متخطيًا اختلافات النخب والقوى السياسية، وقد ساعد عدد من العوامل على ذلك مثل دور الاتحاد العام التونسي للشغل، والمصالحة بين التيارات الإسلامية والعلمانية، وعدم تدخل المؤسسة العسكرية التونسية في العملية السياسية، الأمر الذي أسفر عن تأسيس توافق وتداول سلمي للسلطة. إلا أنه ومع مجيء قيس سعيد إلى السلطة، شهد المسار الديمقراطي تعثرًا عن طريق إصدار عدة مراسيم تركز السلطة في يد الرئيس، وتهمش المعارضة والبرلمان وجميع مؤسسات الدولة. كذا واجهت الاحتجاجات في العراق ولبنان قمع وعنف من السلطة ولم تنجح في تحقيق مطالب حقيقية، إذ شهدت الدولتان أزمات سياسية استمرت لعام على الأقل.[35] فيما يشهد السودان صراعًا مسلحًا على السلطة. [36]

على مدار الفترة بين عامي 2010 و2013، عايشت الثورات العربية مرحلة من التخبط السياسي، كالفراغ الأمني والصعوبات الاقتصادية والاحتجاجات الاجتماعية على مستوى مصر وليبيا –وإلى حد ما اليمن. وبدأت تلك المرحلة في السودان في 2018، وفي العراق ولبنان في 2019 بحثًا عن نموذج سياسي حقيقي وفعال. ولكن فشلت المفاوضات بين القوى السياسية المتصارعة في الاتفاق على قواعد اللعبة السياسية الديمقراطية؛ فبعد 2014 صعدت النخب العسكرية إلى الحكم في مصر وليبيا، وتبلورت بشكل أكثر تنظيمًا قوى الثورة المضادة والدولة العميقة. وأفضل توصيف لهذه المرحلة أنها مرحلة خفوت قوى الثورة لحساب صعود مبدأ الحرب الأهلية، بوصفه التطور الحتمي، كما جرى في ليبيا واليمن أو التخويف منها كتبرير، كما في مصر.[37]

بعد عام 2017، تحول ما يسمى إعلاميًا «الربيع العربي» إلى خريف كامل، وبدت الحرب الأهلية وعودة السلطوية خيارات للثورات العربية بدلًا من الانتقال الديمقراطي. إذ سيطرت السلطوية على العملية السياسية، وظهرت المليشيات خارج نطاق الدولة مثل القاعدة والحوثيين في اليمن، بالإضافة إلى التحول كساحة للصراع الدولي والإقليمي.[38] ومع تجدد الاحتجاجات في عدد من الدول في 2018، وجد السودان نفسه في صراع مدني عسكري على السلطة، تحول في النهاية إلى صراع داخلي مسلح على السلطة.[39] بينما خفتت الاحتجاجات في العراق ولبنان، وفشلت في تحقيق مكاسب حقيقية.[40]

هذه المسارات المختلفة التي اتخذتها الأنظمة العربية نسجتها العوامل الداخلية والخارجية لكل دولة، باختلاف السياقات والتفاعلات بين العناصر المختلفة في كل نظام، واختلاف طبيعة السلطة والعوامل الاجتماعية والاقتصادية. رغم ذلك يمكن استنتاج عدة ملاحظات عامة، أولًا إن إسقاط رأس النظام لا يعني الوصول إلى الديمقراطية؛ فالعديد من الدول أطاحت برأس السلطة ثم تهاوت إلى حرب أهلية مثل ليبيا أو شهدت ثورة مضادة مثل مصر، بما يعني أن الديمقراطية ليست في غياب الاستبداد، وإنما تتمثل في إقامة مؤسسات سياسية ومجتمع مدني قوي وإجراءات ديمقراطية. ثانيًا دورية الانتخابات مع غياب المحتوى الديمقراطي والتوافق الحقيقي يجعل من الصعب الحفاظ على الديمقراطية وضمان استمرارها، فالظروف التي تحقق الانتقال الديمقراطي تختلف عن الظروف التي تضمن استقراره، مثلما حدث في تونس. ثالثًا لا يمكن تجاهل دور الفاعلين الخارجيين، إذ مارست القوى الدولية دورًا هامًا في عرقلة الديمقراطية في المنطقة منذ عقود، وتستمر في لعب هذا الدور من أجل حماية مصالحها أولًا وأخيرًا. رابعًا لا يمكن تجاهل دور القيادة والمشروع السياسي وتأثيرهما على فعالية الاحتجاجات وتحقيق المطالب، خاصة في المجتمعات ذات الطبيعة الطائفية مثل العراق ولبنان.[41]

الارتداد السلطوي ووضع الديمقراطية وحقوق الإنسان

بعد مرور أكثر من عشر سنوات على الانتفاضات العربية وسقوط رموز السلطوية في العديد من الدول العربية، لازالت تطورات المشهد السياسي العربي لا تنبئ بتحولات كبيرة في البنية المؤسسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية للمجتمعات العربية نحو الانتقال الديمقراطي. إذ شهدت عمليات الانتقال الديمقراطي في المنطقة تعثرًا أدى لإعادة إنتاج أنظمة سلطوية هجينة. وبرغم تمكن الحراك الشعبي من إسقاط رؤوس الأنظمة السلطوية؛ إلا أنها عجزت عن إسقاط الأنظمة السلطوية. وقد مثّلت إشكالية التخلص من تلك البني السلطوية التقليدية التي خلفتها الأنظمة السياسية السابقة أهم تحديات ما بعد الانتفاضات العربية.

لقد أثبتت السلطوية في المنطقة العربية مرونتها الفائقة في التعامل مع الانتفاضات في بلدانها، وإعادة بناء نفسها بوسائل شتى؛ لإبقاء استحواذها على السلطة وسيطرتها على عملية صنع القرار. ولعل هذه النتيجة متوقعة تمامًا حين منعت هذه السلطوية إجراء أي تطوير جاد لمؤسسات الدولة عدا المؤسسة الأمنية، وبذلك ضمنت عدم إمكانية ملء الفراغ الذي قد تولده أي احتجاجات شعبية سوى بالمؤسسة الوحيدة القادرة على ذلك، أي المؤسسة الأمنية. يطرح ذلك إشكالية مرونة الأنظمة التسلطية في المنطقة، والتي تتميز بالهشاشة والضعف، ولكنها تمتلك، في الوقت نفسه، قدرة فائقة على القمع.[42]

وقد اتصفت النظم العربية الهجينة، تاريخيًا وحديثًا، بعدة صفات رئيسية تضمنت تعزيز الجهاز الأمني، والاعتماد على القمع في تحقيق استقرار واستمرار النظام، وتبني تعديلات دستورية تسمح بالتعددية الحزبية والانتخابية والتداول السلمي للسلطة والتنافسية الشكلية، وتدخل الدولة في جميع مجالات الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، إلى جانب منح دور أكبر للمؤسسة العسكرية، وسيطرة الدولة من خلال نخب مختارة على الاقتصاد ومنع المواطنين من الحصول على الفرص، وأخيرًا إتاحة دور محدود ومقيد للمجتمع المدني وقمع المعارضة. من الجدير بالذكر أن تلك السمات تم التأكيد عليها وتعزيزها بعد تعثر الانتفاضات العربية وعودة السلطوية إلى المنطقة، بل يمكن القول أن الأنظمة العربية انتقلت لمرحلة جديدة تتجاوز سماتها وأدواتها القديمة. ولعل أبرز التغيرات الواضحة يتمثل في إغلاق المساحات التي كانت متاحة سابقًا للمعارضة السياسية، وتضييق سقف الحريات الإعلامية التي كانت متاحة من قبل، وتعزيز القبضة الحديدية على القوى السياسية والمجتمع المدني، وعدم الاكتراث بالأجندات الدولية وبيانات المنظمات الحقوقية والإنسانية وتصنيفاتها، كما كانت الحال سابقًا. وبالتالي لم يؤد فشل الانتفاضات العربية للعودة إلى السلطوية القديمة؛ وإنما أنتج مجموعة من الأنظمة الأكثر سلطوية وصرامة، ومجموعة من الدول الفاشلة[43] وغير المستقرة، تسودها حالة من الصراعات والحروب.[44]

عوامل تعثر الانتفاضات العربية

واجهت الدول العربية التي شهدت احتجاجات في موجتي الانتفاضات العربية عدة تحديات أثرت على التحول الديمقراطي وأدت لفشل الانتفاضات في تحقيق مطالبها وفي تحقيق الفعالية، الأمر الذي يمكن إرجاعه لمجموعة من الاعتبارات والعوامل:

الدولة العميقة:[45] لقد مارست بقايا الأنظمة التسلطية دورًا رئيسيًا في عرقلة التحول الديمقراطي؛ فقد اصطدمت الانتفاضات العربية بهياكل استبدادية قوية وعميقة مصرة في الدفاع عن امتيازاتها. وفي الوقت نفسه لم تشهد أيًا من دول المنطقة على مدى تاريخها تجربة ديمقراطية حقيقية، بل خضعت لحكام سلطويين رسخوا هياكل ومقومات التسلط والاستبداد عبر آليات سياسية وقانونية وأمنية واقتصادية وثقافية ودينية. على مر العقود، أنتجت تلك النظم سياسات مشوهة كرست البنى والهياكل التسلطية. فقد استخدمت آليات زادت من ترسيخ هياكل التسلط وبني الفساد عن طريق تأسيس الكثير من الأجهزة الأمنية، وتأمين قدرة السلطة على الاستمرار، وإحكام السيطرة على منظمات وقوى المعارضة والمجتمع المدني عبر إجراءات وقوانين إدارية وأمنية، بما يجعل الحاكم هو اللاعب الرئيسي والمتحكم في خيوط اللعبة السياسية. كما وظفت تلك الأنظمة أسلوب المنح والمزايا الاقتصادية والسياسية لشراء الولاء السياسي، واحتوت قطاعات واسعة من المثقفين اعتمادًا على وسائل مختلفة. اقترن كل ذلك بشبكات ممتدة من الفساد والإفساد ووجود إعلام رسمي تمثلت مهمته في الإشادة بالقائد وحكمته وإنجازاته، كما وظفت تلك النظم الخطر الإسلامي في علاقتها مع القوى الغربية. من خلال تلك الأساليب أسست النظم العربية الدولة البوليسية، والتي تمكنت من العصف بكل الخصوم وتحقيق نوع من الاستقرار السياسي السلطوي. بناء على ما سبق فإن التعامل مع التاريخ السلطوي المتمثل في هياكل وبني السلطوية والفساد التي تكرست على مدار عقود أصبح يشكل أحد التحديات الرئيسية في مرحلة ما بعد الثورات والإطاحة برؤوس النظام.[46]

معضلة بناء الدولة مقابل تأسيس الديمقراطية: لقد مثلت معضلة ضعف الدولة وانهيارها تحدي أساسي لعملية التحول الديمقراطي في المنطقة العربية. ويمكن القول أن فرص تأسيس نظام ديمقراطي تتزايد في ظل وجود دولة وطنية راسخة تحظى بالشرعية وتفرض سيطرتها على إقليمها، من خلال احتكار حق الاستخدام المشروع للقوة. وقد تجلى ذلك في كلا من ليبيا واليمن، إذ تشهد الدولة في كلا منهما انهيارًا ينعكس على فشلها في السيطرة على مفاصلها ومواردها، بينما اتسم الجيش والمؤسسة الأمنية بالضعف، مما أفرز حالة من الفوضى والاضطراب. ففي ليبيا وبسبب السياسات التي انتهجها نظام القذافي على مدار عقود، بدأت أجهزة الدولة ومؤسساتها في التفكك حتى قبل انهيار النظام، وعجزت السلطة الحاكمة متمثلة في المؤسسات الانتقالية عن فرض سيطرتها على إقليم الدولة، خاصة مع كثرة الانقسامات. فيما واجهت اليمن، بعد انتهاء مبادرة الحوار الوطني مطلع 2014، تحديًا أكبر يتمثل في مدى قدرة السلطة على تنفيذ بنود الوثيقة، خاصةً في ظل ما يشهده اليمن من تصاعد كبير في حدة الصراعات الداخلية المسلحة. أما الدولة في العراق ولبنان فتسيطر عليها الانقسامات الطائفية التي يتم توظيفها والتلاعب بها لتحقيق مكاسب سياسية، مما يعرقل أي محاولة حقيقية للإصلاح والتغيير.[47]

بينما كان التحدي الأكبر في كل من ليبيا واليمن يتمثل في عملية بناء الدولة الوطنية ذاتها على أسس جديدة؛ فإن الدولة في كل من مصر وتونس، رغم قدمها ورسوخها، تعاني من مشكلة ضعف أجهزتها وعجزها عن ممارسة وظائفها بفاعلية وكفاءة، نظرًا لترهلها وتضخمها وضعفها. وقد زادت تلك الهشاشة بعد سقوط رؤوس النظام، ونظرًا لذلك تشكل عملية بناء الدولة وإصلاحها أحد متطلبات التحول الديمقراطي.[48]

دور المؤسسة العسكرية: شكل الدور السياسي للمؤسسة العسكرية، والعلاقات المدنية العسكرية، والدور العسكري في إدارة عملية التحول الديمقراطي في المنطقة العربية بعد الانتفاضات العربية تحديًا كبيرًا. فنظرًا للتجارب المختلفة في الدول العربية نجد تباينًا في دور المؤسسة العسكرية وتفاعلها مع عملية التحول الديمقراطي، ما أسفر عن نتائج مختلفة. وتناقش بعض الأدبيات أنه في حالات التحول الديمقراطي الناجحة التي كان للجيش دور فيها، فقد اقتصر هذا الدور على تمهيد المشهد السياسي في مرحلة الانتقال لإجراء انتخابات حقيقية، أو تسليم السلطة للمدنيين لإدارة المرحلة الانتقالية، كما لم يسيس السياسيون الجيش لا بالتفاهم معه، ولا بالاستقواء به ودعوته إلى الانقلاب على المؤسسات المنتخبة.[49] ومن خلال الاحتجاجات العربية، يمكن رؤية كيف أن دور المؤسسة العسكرية مؤثر ومحوري في نجاح التحول الديمقراطي من عدمه. ففي تونس أدى رفض الجيش التدخل لقمع المتظاهرين، أو التدخل في العملية السياسية فيما بعد، إلى نجاح تونس على الأقل في الخطوات الأولى نحو التحول الديمقراطي. بينما أدى انقسام الجيش في اليمن لإدخال البلاد في حرب أهلية تسببت في فشل الدولة. في المقابل تدخل الجيش في سوريا لقمع المتظاهرين، ما أدى إلى تحولها لساحة اقتتال محلي وإقليمي ودولي. في مصر استغلت المؤسسة العسكرية حالة الاستقطاب بين القوى السياسية، وعدم وعي النخب السياسية، واستولت على السلطة وأسست لسلطوية جديدة وعودة للدولة العميقة.[50] بينما برز في السودان صراع على السلطة بين المدنيين والعسكريين بعد احتجاجات 2018 وإقصاء البشير عن الحكم. وفي نهاية الأمر، نجحت المؤسسة العسكرية، بالإضافة إلى كيانات عسكرية أخرى، في السيطرة على مفاصل الحكم، وأدخلت البلاد في حرب داخلية للتنافس على السلطة أجهضت محاولات وفرص التحول الديمقراطي.[51]

غياب القيادة ومشروع بناء الدولة: بطبيعة الحال لا يمكن إغفال دور النخب السياسية المعارضة في كشف فساد الحكام وتسلطهم، الذي ساعدت على فضحه كذلك ثورة المعلومات ولا سيما شبكات التواصل الاجتماعي. لكن أمام تلاحق التطورات، لا سيما عند سقوط رأس النظام، بدت هذه النخب عاجزة عن قيادة المرحلة وملئ الفراغ، ببساطة لأنها لم تكن مهيأة، كما أنها ظلت، بشكل أو بآخر، جزء من المشهد طيلة هيمنة النظام البائد، دون القدرة على تشكيل معارضة حقيقية لسياساته. حتى أن جماعة الإخوان المسلمين كحركة إصلاحية، تمثل إحدى أكبر القوى المؤثرة في الساحة المصرية مثلا، ربما امتلكت خطة للتعبئة والحشد الجماهيري، لكنها افتقدت إلى مشروع بناء الدولة. والأمر نفسه يقال بالنسبة للقوى العلمانية واليسارية. هذا العجز السياسي لنخب ما بعد سقوط الأنظمة تمثل بشكل ملموس في غياب مشروع للثورة، وعلى العكس من ذلك بزغت المشاريع الحزبية والفئوية والأجندات المختلفة لما بعد السقوط المدوي. ولم تكن قراءة المرحلة على المستوى المطلوب، كما لم يكن للثورة قيادة، أو برنامج ومشروع موحد. فضلًا عن تجاهل القضايا الملحة المتعلقة بإدارة المرحلة الانتقالية ودور القوى السياسية المختلفة ودور المؤسسة العسكرية فيها.[52]

ضعف الأحزاب والمجتمع المدني: يعد ضعف وهشاشة وتشرذم القوى والأحزاب السياسية المدنية من بين العوامل الرئيسية التي تفسر حالة الفراغ السياسي في بعض الدول، مما أسفر عن صعود الإسلام السياسي، كما حدث في مصر، إلى جانب عدم التوافق على القضايا المركزية، والذي عطل بدوره العملية السياسية مثلما حدث في العراق ولبنان. فيما فشلت الأحزاب في مرحلة ما بعد الثورات في طرح نفسها كبدائل سياسية قوية. يمكن إرجاع ذلك لعدة عوامل، منها تشرذم الأحزاب وضعفها، إلى جانب عجزها عن تشكيل تحالفات وائتلافات سياسية قوية، وضعف قواعدها الاجتماعية والتي تتركز في دوائر محدودة في العواصم والمدن الكبرى، نتيجة نخبوية الخطابات والأيدلوجيا.[53]

فيما يتعلق بالمجتمع المدني، تؤكد بعض أدبيات التحول الديمقراطي على دوره البارز في دعم عمليات التحول والترسيخ الديمقراطي. في المقابل، عانت الدول العربية من مشكلة ضعف قوى ومنظمات المجتمع المدني، على الرغم من وجود الجمعيات الأهلية والمنظمات النقابية والحقوقية والحركات الاجتماعية. ورغم أن بعضها أدى أدوارًا مهمة أثناء الاحتجاجات، إلا أنها عجزت عن ممارسة أي دور بارز فيما بعد. ففي اليمن، برغم تزايد عدد منظمات المجتمع المدني بعد الانتفاضة، إلا أن دورها في التحول الديمقراطي كان هامشيًا ومحدودًا، بسبب اضطراب المسار الانتقالي والانقسامات السياسية والقبلية والطائفية. بينما أعاقت سياسات القذافي في ليبيا ظهور أو تشكل منظمات مجتمع مدني حقيقية. ورغم تزايد أعداد التنظيمات المدنية بعد القذافي، إلا أن دورها ظل محدودًا بسبب حداثة النشأة وتفكك مؤسسات الدولة. على العكس، مارس المجتمع المدني في تونس دورًا مهمًا في عملية التحول الديمقراطي؛ فقد تميز دوره بالحضور القوي والفعال والمشاركة في تدعيم التوافق.[54]

العوامل الخارجية: تاريخيًا اختلف دور الديمقراطيات الغربية في المنطقة العربية في دعم الديمقراطية، عن دورها في جنوب أوروبا وشرقها يعد سقوط الاتحاد السوفيتي. ولقد عانت المنطقة من التداعيات السلبية للعوامل الخارجية على عملية التحول الديمقراطي على مدار عقود؛ إذ دعمت القوى الدولية الأنظمة السلطوية في المنطقة لضمان مصالحها وضمان تدفق النفط. وقد ظهر جليا دور القوى الإقليمية والدولية في إدارة انتفاضات 2011، وتوجيه مسار عمليات الانتقال نحو إعادة إنتاج الأنظمة القديمة المطلقة والتسلطية أو خلط الأوراق في الداخل. ففي ليبيا لم يكن من الممكن إسقاط النظام دون مساعدة خارجية، لكن البلاد تحولت سريعًا إلى ساحة لنفوذ قوى إقليمية ودولية متعددة. وفي اليمن رعت أطراف إقليمية حوارًا وطنيًا داخليًا من خلال المبادرة الخليجية التي انتهت إلى بقاء الحزب الحاكم القديم في المشهد السياسي، لينفذ الحوثيين انقلابًا على نتائج الحوار أدى لإدخال البلاد في حرب طاحنة. وفي مصر لم تكن الثورة المضادة لتنجح لولا الدعم السخي من الإمارات والسعودية. أما سوريا، فتحولت ثورتها إلى حرب أهلية بسبب تدخل أطراف إقليمية ودولية تدخلًا عسكريًا مباشرًا. وفي البحرين أُجهض الحراك بتدخل سعودي مباشر، إذ اعتبر الحراك امتدادًا للنفوذ الإيراني. ولعل النجاح الأولي للثورة التونسية يرتبط ببعد البلاد عن تنافسات الدول الكبرى نسبيًا، رغم محاولة قوى إقليمية التأثير على المشهد السياسي.[55]

إلى جانب هذه التحديات، واجه التحول الديمقراطي في المنطقة تحديات اقتصادية هددت استقرار الدولة وأثرت على عملية التحول الديمقراطي. فقد عانت الدول من هشاشة الاقتصاد وعجز الحكومات عن تلبية مطالب الشعوب. وبالتالي ارتبط التحول الديمقراطي في المنطقة بمجموعة من المتغيرات والتحديات البنيوية والخارجية، والتي أدت إلى فشل الدول في إنجاح عملية التحول الديمقراطي، وبقاء النخب القديمة وتوحشها، واستمرار الظروف نفسها التي أنتجت الثورات. وتشهد المنطقة انغلاقًا سياسيًا من أبرز مظاهره إقصاء المعارضة والنخب الجديدة، وتقييد المجال العام والفضاء الإعلامي، وانتهاك حقوق الإنسان، بالإضافة لتعقد الوضع الاقتصادي.[56]

مؤشرات الديمقراطية

شهدت المنطقة العربية بعد الانتفاضات العربية عددًا من آليات الديمقراطية تمثلت في الانتقال السلمي للسلطة عبر الانتخابات، تعددية حزبية، فصل بين السلطات، استقلال القضاء، حرية الرأي والإعلام، تأسيس منظمات مجتمع مدني، وغيرها من المظاهر، التي لم تمثل في حقيقتها قيم الديمقراطية والتعددية، وإنما كانت مظاهر شكلية وغير فعالة. إذ شهدت أكثر من دولة سلسلة من العمليات الانتخابية، كانت السمة الغالبة عليها هي تدخل السلطة في العملية الانتخابية، وغياب شروط النزاهة، وتسخير الإعلام لخدمة الثورة المضادة، وإقصاء المعارضين ومحاصرتهم، وإصدار أحكام الإعدام بالجملة في حق المعارضين، في ظل انتهاك ممنهج لحرية الصحافة ولحقوق الإنسان.[57]

فطبقًا لمؤشر الديمقراطية للعام 2021، جاءت منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، في أدنى المراتب من بين جميع المناطق التي يغطيها التقرير، في ظل وجود خمس دول، من أصل عشرين منها، ضمن أدنى مستويات التصنيف.[58] ويشير التقرير أيضًا، لوجود سبعة عشر دولة، من بين العشرين دولة عربية، ضمن تصنيف الدول الاستبدادية. ويبرز المؤشر الحالة التونسية، باعتبارها نموذجًا للتراجع في مستوى الديمقراطية في المنطقة؛ إذ أعاد المؤشر تصنيفها على أنها «نظام هجين»، بعدما كان ترتيبها في السابق ضمن «الديمقراطية المعيبة» وهي مرتبة أعلى. ويصف مؤشر الديمقراطية تونس بأنها الضحية الرئيسية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا خلال عام 2021؛ بعدما حلت في المرتبة الخامسة والسبعين عالميًا، هبوطًا من المركز الرابع والخمسين عام 2020. ويشير مؤشر الديمقراطية لتبدد الآمال في استمرار الانتقال الديمقراطي في تونس الذي بدأ مع حركة الانتفاضات العربية في 2010.[59] كما يؤكد مؤشر الديمقراطية لعام 2022 على سوء وضع الديمقراطية في المنطقة، إذ مثلت منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الأدنى بين المناطق الأخرى؛ فقد سجلت 3.34 نقطة في 2022، بينما سجلت 3.41 في 2021 وهو ما يشكل انخفاضًا وتدهورًا.[60]

وضع حقوق الإنسان

على مدار العقد الماضي، شهدت وضعية حقوق الإنسان في المنطقة العربية تراجعا؛ إذ تعمدت الأنظمة قمع وإقصاء المعارضة والرأي الآخر والأقليات، واستهداف الصحفيين، وقمع أي دعوة للتحرك السلمي أو التظاهر. وفي منطقة الخليج، حيث الصورة شبه موحدة، يتم قمع أي دعوات للإصلاح وتغيب الانتخابات، كما يتم تهميش وضع المرأة، برغم الإصلاحات الشكلية التي تنفذها بعض الدول، بالإضافة إلى منع العمل الحزبي وغيرها من الممارسات التسلطية.[61] وفي معظم الدول العربية، تم فرض المزيد من القيود على الحقوق والحريات الأساسية، خاصة على صعيد حرية التعبير والتجمع السلمي وتكوين الجمعيات والانضمام إليها. إذ فرضت السلطات، في طيف واسع من الدول، قيودًا صارمة على حق الأفراد في التظاهر السلمي وفي تنظيم الاحتجاجات السلمية والتعبير على الإنترنت. واعتقلت النشطاء السلميين والمدافعين عن حقوق الإنسان والصحفيين وقدمتهم للمحاكمة استنادًا إلى تهم فضفاضة،[62] ومواد في قانون العقوبات تجرم تناول الشأن العام أو انتقاد السلطات العامة.[63]

وفي تقريرها عن أحوال الحريات والديمقراطية في العالم لعام 2022، سجلت منظمة فريدوم هاوس أن معظم التراجعات في الحريات المدنية والحقوق السياسية على مدار العقد الماضي كانت في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. حيثما يستمر الطغاة في تفكيك الديمقراطية بشكل منهجي، لضمان بقائهم في السلطة لأجل غير مسمى، موظفين الانتخابات المزورة والمراقبة والعنف والفساد، لسحق أي معارضة، وقمع أي تعبير عن الرأي. في السياق نفسه، تشكل ميليشيات غير حكومية ومجموعات مسلحة، مدعومة من هؤلاء الطغاة، تهديدًا متزايدًا للحرية، من خلال قمع الاحتجاجات وشن الهجمات على المدنيين، لمجرد إدلائهم برأي معارض. فيما تواجه حرية الفكر نفسها تهديدًا كبيرًا، إذ تفرض السلطة رقابة شديدة، وتستهدف الأصوات المعارضة في مختلف المجالات، وتقود حملات لتضليل الرأي العام وتشويه صور المعارضين. كما تؤدي الأزمات الاقتصادية لتراجع الحقوق أيضًا، إذ تسبب ضعف النمو، والديون المرتفعة، ونقص الفرص، والفساد، وتفاوت الدخل في انتشار الاستبداد. وتمثل تونس علامة حمراء في التقرير، إذ شهدت انتكاسة كبيرة على جبهة الحريات والديمقراطية. فقد تراجعت درجة تونس ثمان نقاط في 2022 (من أربعة وستين إلى ستة وخمسين)، وهو التراجع الأكبر في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وتألف هذا التراجع من انخفاض 6 نقاط في مؤشر الحقوق السياسية بسبب التغييرات القانونية والدستورية التي أدخلها الرئيس التونسي قيس سعيد لإضعاف معارضيه، إلى جانب انخفاض نقطتين في مؤشر الحريات المدنية بسبب تقييد سعيد حرية التعبير والصحافة، وإصداره مرسومًا أضعف القضاء، وحد من استقلاله. وفيما يتعلق بترتيب الدول العربية جاءت تونس الأولى ثم لبنان، فيما احتلت الكويت المرتبة الأولى خليجيًا. وجاءت سوريا في المركز الأخير بنقطة وحيدة.[64]

الخاتمة

شهدت المنطقة العربية منذ أكثر من عشر سنوات موجة من الانتفاضات بدأت من تونس ثم امتدت إلى مصر وليبيا واليمن وسوريا وشملت بدرجة أقل بلدانا أخرى. تجددت الموجه في 2018 بداية من العراق ولبنان ثم السودان والجزائر. أسقطت تلك الانتفاضات رؤوس النظم السلطوية في المنطقة، وكانت بمثابة فرصة تاريخية للتغبير وتحقيق الانتقال الديمقراطي في المنطقة، ودحض أطروحات الاستثناء الديمقراطي العربي. إلا أنه بسبب عدد من العوامل، واجهت الانتفاضات العربية والانتقال الديمقراطي عددًا من الصعوبات، التي أدت لفشلها في تحقيق الانتقال الديمقراطي والتغيير السياسي والاقتصادي في المنطقة.

في ضوء ذلك، ناقشت الدراسة كيف أدى إخفاق الانتفاضات العربية وتعثر الانتقال الديمقراطي في المنطقة العربية للارتداد السلطوي، وإعادة تأسيس الأنظمة القديمة، وتأثير ذلك على وضع الديمقراطية وحقوق الإنسان بعد مرور أكثر من عشر سنوات على الانتفاضات. انقسمت الدراسة إلى ثلاثة أجزاء: أولًا الإطار المفاهيمي الذي سلط الضوء على ثلاثة مفاهيم؛ موجات التحول الديمقراطي والاستثناء الديمقراطي العربي، والتحول الديمقراطي، والارتداد السلطوي والنظم السياسية الهجين. ثانيًا ناقشت الدراسة الانتفاضات العربية من حيث التطور والمسارات. ثالثًا تناولت الدراسة تعثر الانتقال الديمقراطي في المنطقة والارتداد السلطوي وتأثيره على وضع الديمقراطية وحقوق الإنسان.

وقد خلصت الدراسة إلى تعثر الانتقال الديمقراطي في المنطقة نتيجة عدة عوامل، تضمنت دور الدولة العميقة وبقايا الأنظمة السلطوية، ومواجهة دول المنطقة تحدي بناء الدولة وبناء الديمقراطية في الوقت نفسه، ودور المؤسسة العسكرية في المنطقة، وغياب المشروع والقيادة، وأخيرًا ضعف الأحزاب والمجتمع المدني. كما استخلصت الدراسة أنه بعد مرور أكثر من عشر سنوات على الانتفاضات العربية، فإن المنطقة تشهد ارتدادًا سلطويًا لأنظمة أكثر سلطويةً وعنفًا، وحروبًا أهلية، وصراعات مسلحة، وأزمات إنسانية، وأزمات لاجئين، ومشكلات اقتصادية. كما يشهد وضع الديمقراطية وحقوق الإنسان تراجعًا شديدًا؛ إذ ترى المؤشرات العالمية المختلفة أن المنطقة هي الأسوأ. الأمر الذي أعاد التأكيد وتسليط الضوء على الاستثناء الديمقراطي في المنطقة.

[1] هانتنجتون، صامويل (1993). الموجة الثالثة. عبد الوهاب علوب (مترجم). الكويت: دار سعاد الصباح، ص 74-84.
[2] باحثون مثل:
هاريك، إيليا (2006). الديمقراطية، «الاستثناء العربي»، والعلوم الاجتماعية (Democracy, “Arab Exceptionalism”, and Social Science). مجلة الشرق الأوسط، مجلد 60، عدد 4، ص 664-684.
بيندر، ليونارد (1998). الاستثناء والأصالة: مسألة الإسلام والديمقراطية (Exceptionalism and Authenticity: The Question of Islam and Democracy). مجلة الدراسات العربية. مجلد 6، عدد 1، ص 33- 59.
أوين، روجر (2012). مسألة الاستثناء العربي (The Question of Arab Exceptionalism)، في صعود وسقوط الرؤساء العرب مدى الحياة (The Rise and Fall of Arab Presidents for Life). كامبردج: مطبعة جامعة هارفارد، 2012.
مهدوي، مجتبى (محرر) (2023). أسطورة الاستثناء في الشرق الأوسط: حركات اجتماعية غير مكتملة (The Myth of Middle East Exceptionalism: Unfinished Social Movements). نيويورك: مطبعة جامعة سيراكيوز.
[3] بيك، مارتن (2015). نهاية الاستثناء الإقليمي في الشرق الأوسط؟ الجامعة العربية ومجلس التعاون الخليجي بعد الانتفاضات العربية (The End of Regional Middle Eastern Exceptionalism? The Arab League and the Gulf Cooperation Council after the Arab Uprisings,). الديمقراطية والأمن، مجلد 11، عدد 2، ص 190- 207.
الحملاوي، نديم (2011). الاستثناء العربي؟ دراسة حالة انهيار النظام في مصر (Arab Exceptionalism? A Case Study of Egypt’s Regime Breakdown). جامعة لوند. تاريخ الاطلاع 13 نوفمبر 2023.
https://lup.lub.lu.se/luur/download?func=downloadFile&recordOId=2199099&fileOId=2205137
مدني، خالد مصطفى (2013). «الشرق الأوسط الجديد»: ما بعد الاستبداد (New Middle East”: Beyond Authoritarianism). العلوم السياسية والسياسة، مجلد 46، عدد 2، ص222-224.
[4] ميلر، لوريل، مارتيني، جيفري (2013). التحول الديمقراطي في العالم العربي توقعات ودورس مستفادة من حول العالم. معهد أبحاث الدفاع الوطني. ص. 9-11.
[5] تيسير، محمد (2023). المنهج الوصفي التحليلي. المؤسسة العربية للعلوم ونشر الأبحاث. تاريخ الاطلاع 15 نوفمبر 2023. https://blog.ajsrp.com/?p=35302
[6] شحاتة، دينا (2011). محركات التغيير في العالم العربي. السياسة الدولية، العدد 184.
فايز، سارة (2011). العرب وتحديات القرن: مطالع الثورة ومقدمات الربيع العربي. القاهرة: دار الكتب.
سورنسن، غيورغ (2015). الديمقراطية والتحول الديمقراطي: السيرورات والمأمول في عالم متغير. عفاف البطاينة (مترجم). الدوحة: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات.
[7] الشوبكي، بلال (2017). الأنظمة الهجينة في المشرق العربي ودورها في تحويل الخلافات السياسية إلى صراع هويات. سياسات عربية، العدد 25.
يحيى، مهي، صفا، أسامة، وآخرون (يناير 2013). وعود الربيع: المواطنة والمشاركة المدنية في مسارات التحول الديمقراطي. منشورات الإسكوا.
بنعبدللاوي، المختار (2021). ماذا بعد الربيع العربي قراءة في الحاضر وأسئلة للمستقبل. المعهد العربي للبحوث والسياسات.
[8] بن عنتر، عبد النور (2001). الاستعصاء الديمقراطي في الوطن العربي. مجلة المستقبل العربي، نوفمبر، العدد 273.
دياموند، لاري (2010). لماذا لا توجد ديمقراطيات عربية؟ (Why Are There No Arab Democracies). مجلة الديمقراطية، المجلد 27، يناير، العدد 1.
بيلبن، إيفا (2004). قوة الاستبداد في الشرق الأوسط: الاستثناء من منظور مقارن (The Robustness of Authoritarianism in the Middle East: Exceptionalism in Comparative Perspective). سياسات مقارنة، مجلد 36، يناير، عدد2.
[9] هانتتجون، صامويل (1993). مرجع سابق. ص. 74-77.
[10] المرجع السابق، ص. 81-84.
[11] بن عنتر، عبد النور (2001)، الاستعصاء الديمقراطي في الوطن العربي. مجلة المستقبل العربي، نوفمبر، العدد 273، ص. 14.
دياموند، لاري (2010). لماذا لا توجد ديمقراطيات عربية؟ (Why Are There No Arab Democracies.). مجلة الديمقراطية، المجلد 27، يناير، العدد 1، ص.94.
[12] بشارة، عزمي (2020). الانتقال الديمقراطي وإشكاليته دراسة نظرية وتطبيقية مقارنة. الدوحة: المركز العربي للأبحاث ودراسات السياسات، ص.413.
[13] غليون، برهان (2008). الجذور الثقافية لغياب الديمقراطية. مركز الجزيرة للدراسات، يناير. تاريخ الاطلاع 29 سبتمبر 2023، متاح على الرابط: https://shorturl.at/aizG2
[14] بيلبن، إيفا. مرجع سابق، ص. 144-146.
[15] هانتتجون، صامويل (1993). مرجع سابق، ص.128-129.
[16] بوروني، زكرياء (2019). دروس من علم الانتقال الديمقراطي من تجليات الربيع العربي. مجلة العلوم القانونية والسياسية، المجلد 10، ديسمبر، العدد 3، ص.889.
[17] سورنسن، غيورغ، مرجع سابق. ص. 122.
[18] توفيق إبراهيم، حسنين (2013). الانتقال الديمقراطي: إطار نظري. مركز الجزيرة للدراسات، 24 يناير. تاريخ الاطلاع 15 نوفمبر 2023.
https://studies.aljazeera.net/ar/files/arabworlddemocracy/2013/01/201312495334831438.html
[19] لويس، بول (2005). الديمقراطية في أوروبا الشرقية (Democratization in Eastern Europe). في ديفيد بوتر(محرر)، الديمقراطية (Democracy). كامبريدج: بولتي. ص. 405.
[20] هلال، علي الدين (2019). الانتقال إلى الديمقراطية: ماذا يستفيد العرب من تجارب الأخرين. الكويت: المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب. ص. 87-88.
[21] المرجع السابق، ص. 88-89.
[22] أحمد، أحمد خميس. حمود، حسناء أحمد (2020). التحول إلى الديمقراطية: المعوقات وعملية الانتقال إلى النظام الديمقراطي في العالم العربي. المركز الديمقراطي العربي. 17 أكتوبر. تاريخ الاطلاع 13 نوفمبر 2023. https://democraticac.de/?p=70094
[23] بلغيث، عبد الله (2017). الأنظمة السياسية الهجينة: سياق طبيعي للاغتراب السياسي في المنطقة العربية. مجلة القانون الدستوري والمؤسسات السياسية، مجلد1، عدد2، ص136.
[24] سالم، صلاح (2012). أنماط انتقال السلطة ف الوطن العربي (منذ الاستقلال وحتى بداية ربيع الثورات العربية). بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، ص 83.
[25] عبد الله، أشرف محمد (2014). الموجة الثالثة للتحول الديمقراطي والنظم السياسية الهجين: دراسة لإشكاليات التحول الديمقراطي. المجلة العلمية للبحوث والدراسات التجارية، مجلد 28، العدد 3.ص. 302.الشوبكي، بلال. مرجع سابق. ص 11.بلال الشوبكي (2017)، الأنظمة الهجينة في المشرق العربي ودورها في تحويل الخلافات السياسية إلى صراع هويات. سياسات عربية، العدد 25، ص. 11.
[26] توازي، خالد (2017). الأنظمة السياسية الهجينة: مفارقة التحول والتكيف. مجلة دراسات حول الجزائر والعالم. المجلد 2، العدد 7، ص. 3.
[27] رذرفورد، بروس ك. (2008)، مصر بعد مبارك: الليبرالية والإسلام والديمقراطية في العالم العربي (Egypt after Mubarak: Liberalism, Islam, and Democracy in the Arab World). برينستون، نيوجيرسي: مطبعة جامعة برينستون، ص 20.
[28] ج. إ يكمان، يواكيم (2009). المشاركة السياسية واستقرار النظام: إطار لتحليل الأنظمة الهجينة (Political Participation and Regime Stability: A Framework for Analyzing Hybrid Regimes). مجلة العلوم السياسية الدولية، المجلد. 30، العدد 1.ص. 7- 31.
[29] بلغيث، عبد الله. مرجع سابق. ص. 137-138.
[30] ميلر، لوريل، مارتيني، جيفري. مرجع سابق. ص. 9-11.
[31] إبراهيم، حسنين توفيق (2015). الربيع العربي: ثلاثية الأمن وبناء الدولة والديمقراطية. مجلة الديمقراطية، المجلد 15، أكتوبر، العدد 60، ص. 61. دويشته فيله (2020). الربيع العربي لم يمت. موجة ثانية من الثورات؟. دويشته فيله، 30 نوفمبر. تاريخ الاطلاع 29 سبتمبر 2023. t.ly/sGfTZ
[32] صبحي، مجدي (أبريل 2011). التوجهات الاقتصادية في مرحلة ما بعد الثورات. السياسية الدولية، المجلد 46، العدد 184، ص. 19-20.
[33] يحيى، مهي، صفا، أسامة، وآخرون. مرجع سابق. ص1.
[34] المرجع السابق.
[35] المرجع السابق.
[36] بشير، يوسف، الشريف، وئام (2023). إخفاقات سياسية وصراع مسلح يدخلان السودان في أزمة إنسانية. مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي. تاريخ الاطلاع 29 سبتمبر 2023. https://carnegieendowment.org/sada/89735
[37] صايغ، يزيد (2021). ثبات السلطوية في الجزائر ومصر وليبيا والسودان. مركز مالكوم كير كارنيجي للشرق الأوسط، مارس. تاريخ الاطلاع 29 سبتمبر 2023. https://carnegie-mec.org/2021/03/17/ar-pub-84078
[38] زيادة، رضوان (2018). فشل الربيع العربي في الانتقال الديمقراطي. العربي الجديد، مايو. تاريخ الاطلاع 29 سبتمبر 2023. t.ly/Pu8aQ
[39] بشير، يوسف، الشريف، وئام. مرجع سابق.
[40] عباس، نادية فاضل (2021). الاحتجاجات الشعبية في العراق ولبنان. مجلة كلية القانون والعلوم السياسية. مجلد 12، عدد 12، ص 424-428.
[41] بنعبدلاوي، المختار. مرجع سابق. ص 22.
[42] زيادة، رضوان. مرجع سابق.
[43] أشار كلاً من راتنر وهيرمان إلى أن مفهوم الدولة الفاشلة يشير إلى الدول التي لا تستطيع أن تلعب دورًا ككيان مستقل. في حين عرف زارتمان الدول الفاشلة بأنها تلك الدول التي لم تعد قادرة على القيام بوظائفها الأساسية وضرب مثالًا على ذلك بالكونغو في الستينيات من القرن العشرين، وتشاد وغانا وأوغندا في أواخر ثمانينيات القرن نفسه، والصومال وليبيريا وإثيوبيا مع بداية تسعينيات القرن العشرين. ورأى آخرون أن الدولة الفاشلة هي الدولة التي تحكمها المليشيات المسلحة. فيما اعتبرها بعض الباحثين بأنها تلك الدولة التي تفقد السيطرة على وسائل العنف الخارج عن الإطار القانوني. ومن ثم تكون عاجزة عن تحقيق السلام والاستقرار لشعوبها، وفي فرض السيطرة على أراضيها أو جزء منها، وعليه لا تستطيع ضمان النمو الاقتصادي، أو أي توزيع عادل للسلع الاجتماعية، وغالبًا ما تتميز بانعدام المساواة الاقتصادية والمنافسة العنيفة على الموارد.
براء، فيصل (2016). الدولة العميقة. الموسوعة السياسية، تاريخ الاطلاع 15 نوفمبر 2023. https://rb.gy/bmrwe
[44] زيادة، رضوان. مرجع سابق.
[45] اختلف الباحثون في وضع تعريف محدد لمفهوم الدولة العميقة، وهناك تعريفات كثيرة ومختلفة للمصطلح؛ فهناك من يعرفها بأنها مجموعة من المصالح السياسية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية يسيطر عليها عدد من الأشخاص واللوبيات أو المؤسسات للحفاظ والدفاع عن مصالحهم المكتسبة بطرق غير قانونية، أخطرها ذات المدى السياسي لأنها تقوض العمل السياسي. كما يذهب جيمس كوربت أن الدولة العميقة تشير لوجود مجموعة غير منتخبة، وغير خاضعة للمساءلة وغير معروفة إلى حد كبير وراء الحكومة المرئية –الحكومة الشرعية– وتسعى لتحقيق أهدافها الخاصة. أما جورج فريدمان فيُعرفها بأنها قوى تحت النظم والمبادئ التي يمليها الدستور وهي أعمق وأقوى في السيطرة على الأمة من النظام فهي موحدة ومتأصلة في كافة أجهزة الدولة، كما أن لها جدول أعمال خاص بها ووسائل لتقويض قرارات الرؤساء المنتخبين وأعضاء البرلمان. وتستمد قوتها من السيطرة على آليات السلطة وكونها غير مرئية.
الجرباوي، على (2018). الدولة العميقة: محاولة لضبط المفهوم. سياسات عربية، العدد 34، ص. 9-11.
[46] إبراهيم، حسنين توفيق (يوليو 2014). معوقات التحول الديمقراطي في دول الربيع العربي. مجلة الديمقراطية. المجلد 14، العدد 55، ص.55
[47] أزروال، يوسف (2019). الانتقال الديمقراطي بدول الربيع العربي: المضمون والأسباب وعوامل النجاح والفشل. مجلة آفاق علمية. المجلد 11، العدد 3، ص 32.
[48] إبراهيم، حسنين توفيق (يوليو 2014). مرجع سابق، ص. 57.
[49] غولدستون، جاك أ. (2011)، فهم ثورات 2011: الضعف والمرونة في الأنظمة الاستبدادية في الشرق الأوسط (Understanding the Revolutions of 2011: Weakness and Resilience in Middle Eastern Autocracies)، الشئون الخارجية، مجلد 90، عدد 3، ص.6-11
[50] بودراع، أحمد (2017). فشل ثورات الربيع العربي: محاولة للفهم. مركز جيل البحث العلمي، نوفمبر. تاريخ الاطلاع 29 سبتمبر 2023. https://jilrc.com/archives/7348
[51] بشير، يوسف، الشريف، وئام. (2023). مرجع سابق.
[52] بودراع، أحمد. (2017). مرجع سابق.
[53] إبراهيم، حسنين توفيق (2014). مرجع سابق، ص. 59.
[54] المرجع السابق، ص. 59-60.
[55] ماضي، عبد الفتاح (محرر) (2021). العامل الخارجي والانتقال الديمقراطي في البلدان العربية. الدوحة: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، ص. 23-25.
[56] عبد العالي، عبد القادر (2021). التغيير الجديد في الوطن العربي وفرص التحول الديمقراطي. المستقبل العربي. مجلد 35. عدد406، ص.67
[57] المنصوري، عبد الإله (2020). الديمقراطية وحقوق الإنسان: محنة الأمة بين سندان التسلط ومطرقة الفوضى والحروب الداخلية. مركز دراسات الوحدة العربية. تاريخ الاطلاع 29 سبتمبر 2023. https://shorturl.at/cjsY2
[58] يقيس المؤشر حالة الديمقراطية في 167 دولة استنادًا إلى خمسة معايير، ويعطي لكل دولة تقييمًا بحد أقصى عشر درجات. وهذه المعايير هي: العملية الانتخابية والتعددية، وأداء الحكومة، والمشاركة السياسية، والثقافة السياسية الديمقراطية، والحريات المدنية. ويصنف مؤشر الديمقراطية الصادر بشكل سنوي، دول العالم إلى أربعة أنواع من الأنظمة هي «الديمقراطية الكاملة»، و«الديمقراطية المعيبة»، و«الديمقراطية الهجينة»، ثم «الأنظمة الاستبدادية».
[59] مؤشر الديمقراطية (2022). وحدة الاستخبارات الاقتصادية. تاريخ الاطلاع 29 سبتمبر 2023. متاح على الرابط:
https://www.eiu.com/n/campaigns/democracy-index-2022/
[60] الحرة (2023). «جمود» ديمقراطي في العالم.. وتراجع «حاد» بثلاث دول عربية. الحرة، 5 فبراير. تاريخ الاطلاع 29 سبتمبر 2023. https://shorturl.at/gFG16
[61] المنصوري، عبد الإله. مرجع سابق.
[62] في دائرة الأزمات: حالة حقوق الإنسان في المنطقة العربية 2022. التقرير السنوي لمؤسسة ماعت. مارس 2023، تاريخ الاطلاع 13 نوفمبر 2023 ص. 7 https://rb.gy/44s00d
[63] الأمم المتحدة، مجلس حقوق الإنسان، الاستعراض الدوري الشامل في الدول العربية، تاريخ الاطلاع 15 نوفمبر 2023. https://rb.gy/u2097z
[64] فريدوم هاوس، (2023). الحرية في العالم. فريدوم هاوس، مارس. تاريخ الاطلاع 29 سبتمبر 2023.
https://freedomhouse.org/sites/default/files/2023-03/FIW_World_2023_DigtalPDF.pdf

Read this post in: English

اظهر المزيد

أسماء البنا

باحثة في مؤسسة حرية الفكر والتعبير، وباحثة دكتوراه في قسم العلوم السياسية، جامعة القاهرة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى