دراسات

هل هناك علاقة بين التفاوت في الأجور على المستوى العالمي وتآكل الموارد وحقوق الإنسان؟

حمل هذا المقال كبي دي إف

الإشارة المرجعية: دياب، أسامة (2024). هل هناك علاقة بين التفاوت في الأجور على المستوى العالمي وتآكل الموارد وحقوق الإنسان؟. رواق عربي، 28 (3)، 9-19. DOI: 10.53833/QJXT9995.

خلاصة

 رغم الإقرار المتزايد بتأثير عدم المساواة على الوفاء بحقوق الإنسان؛ يظل مبدأ «الأجر المتساوي للعمل المتساوي» غائبًا عن خطاب حقوق الإنسان، بما في ذلك خطابات العاملين والباحثين في مجال حقوق الإنسان الذين سلطوا الضوء على صمت حقوق الإنسان عن قضايا عدم المساواة على المستوى الرأسي. ويؤكد هذا المقال أن هذا الصمت نابع من الفرضية النيو-كلاسيكية بأن التفاوت في الأجور تحدده الإنتاجية الحدية للعمل. فيما يجادل بأن التفاوت في الأجور يؤثر سلبًا على الحقوق البيئية؛ فعملية التبادل غير المتساوي البيئي اللامتكافئ Ecologically Unequal Exchange)) تجبر الاقتصادات منخفضة الأجور على دفع المزيد من مواردها المحدودة للحصول على موارد أقل، كما أنها تحملها أعباءً بيئية أكبر.

مقدمة

كثيرًا ما تتم الإشارة لأن القانون الدولي لحقوق الإنسان لم ينص صراحة على الحق في المساواة بحد ذاته؛ [1]إلا أن المساواة قد تُذكر أحيانًا في آليات حقوق الإنسان بشكل غير مباشر، وأحيانًا أخرى بشكل مباشر في المجالات وثيقة الصلة بحقوق الإنسان مثل أهداف التنمية المستدامة. رغم ذلك، فإن التعامل مع عدم المساواة، حتى في هاتين الحالتين، له العديد من جوانب القصور الخطيرة، والتي استفاضت في مناقشتها الأدبيات النقدية لحقوق الإنسان. يجادل هذا المقال أن الأدبيات، التي سلطت الضوء على الفجوات المتعلقة بعدم المساواة في نظام حقوق الإنسان، قد أغفلت أحد مواطن القصور الحاسمة، والمتمثل في الغياب الكامل لأي بند حول «الأجر المتساوي للعمل المتساوي» على المستوى الدولي، والتبعات المناخية الناجمة عن هذا الغياب.

بحسب الاقتصاد النيو-كلاسيكي، فإن التفاوت بين الدخول والأجور يكمن تفسيره من خلال الإنتاجية الحدية للعمل؛[2] إلا أن هذا المقال سيعمل على دحض هذه الحجة، بالاستعانة بتوليفة من البيانات والتحليلات البيانية التي تكشف عن ضخامة التفاوتات العالمية في الأجور، حتى في ظل مستويات إنتاجية متماثلة. وفي سبيل هذا، استخدم في المقال نوعين من تحليل البيانات؛ حسابات سمير أمين عام 1966 بشأن كم يخسر «العالم الثالث» بسبب الفوارق الحقيقية في الأجور على المستوى الدولي، وحسابات زاك كوب (Zak Cope) عام 2010 للهدف نفسه. إلى جانب ذلك، استخدم قاعدة بيانات عن المرونة السعرية للطلب على صادرات السلع الأولية؛ وذلك لفحص ما إذا كان تقارب الأجور العالمية قد يسفر عن خسارة الجنوب العالمي لـ «ميزته» التنافسية، المتمثلة في وفرة العمالة الرخيصة. أخيرًا، استعنت في هذا المقال بتراث حسابات التبادل غير المتساوي بيئيًا (EUE)، التي تستند على بيانات المدخلات والمخرجات البيئية الموسوعة (EEMRIO)؛ لتوضيح التبعات البيئية لتفاوت الأجور العالمية على اقتصاديات الأجور المنخفضة.

ولكن قبل تناول هذه النقطة، دعونا نبدأ بمراجعة الأدبيات التي تناولت عدم المساواة في القانون الدولي لحقوق الإنسان. على سبيل المثال، تجادل جيليان ماكنوتون (Gillian McNaughton) بأن قانون حقوق الإنسان يهتم أكثر بأوجه عدم المساواة الأفقية، فيما على المستوى الرأسي، لا تزال عدم المساواة لم تعالج بشكل كافٍ بعد.[3] وتعد حالات عدم المساواة الأفقية أقرب لمفهوم «عدم التمييز» الأكثر شيوعًا، ويتم تعريفها كحالات عدم المساواة «بين مجموعات محددة وفقًا لثقافتها أو تشكلها الاجتماعي»، مثل الفئات الاجتماعية القائمة على النوع الاجتماعي أو العرق أو الطائفة الاجتماعية أو الدين أو الجنسانية.

مثل هذه الحالات من عدم المساواة غالبًا ما يتم تناولها من خلال الاتفاقيات، مثل اتفاقية القضاء على التمييز العنصري CERD)) واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (CEDAW)؛ فضلًا عن الأحكام المتعلقة بعدم التمييز في معاهدات حقوق الإنسان الأكثر عمومية، مثل العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ICESCR))، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية ICCPR)).[4] وهو ما يتناقض مع عدم المساواة الرأسية، والتي تشير لعدم المساواة في الثروة أو الدخل أو النواتج الاجتماعية، بما في ذلك الصحة والتعليم والإسكان.[5]

وحسبما ترى بالاكريشنان (Balakrishnan) وآخرون، فإن تجاهل عدم المساواة الرأسية ليس أمرًا متأصلًا في قانون حقوق الإنسان؛ وإنما هي مشكلة متعلقة بالتفسير، وهو ما يظهر في عنوان كتابهم «الإمكانات الراديكالية لحقوق الإنسان»، والذي يعنى ضمنيًا أن إعادة تفسير حقوق الإنسان بإمكانه تغيير بؤرة تركيزها.[6] ووفقًا للمؤلفين، هناك إغفال لعدم المساواة الرأسية رغم التأثير الحقيقي لعدم المساواة على إنفاذ الحقوق. ولإبراز هذه النقطة، يوضح المؤلفون أن الأسر منخفضة الدخل أقل قدرة على التمتع بحقوقها الأساسية في المجتمعات التي يسودها عدم المساواة مقارنة بنظيراتها في المجتمعات الأقل تفاوتًا من حيث عدم المساواة.[7] الأمر الذي قد يمثل تحديًا للحكمة التقليدية في اقتصاديات التنمية، التي تشكل جزءً كبيرًا من التفسير الحالي لأحكام حقوق الإنسان، والمتمثلة في أنه طالما تم الحد من الفقر؛ فإن ما يحدث عند قمة هرم الدخل/الثروة لا يهم.[8]

علاوة على ذلك، فإن الأوضاع الصحية للأسر في البلدان التي تعاني من ارتفاع مستويات عدم المساواة أسوأ من مثيلاتها في البلدان الأخرى التي تماثلها من حيث الناتج المحلي الإجمالي. على سبيل المثال، هناك ارتباط إيجابي قوي بين معدلات وفيات الأطفال وعدم المساواة بين البلدان ذات مستويات التنمية المتماثلة. كما أن عدم المساواة قد يشكل عائقًا أمام قدرة الأسر منخفضة الدخل في الحصول على المسكن الملائم.[9]

وبحسب فيليب ألستون (Philip Alston)، المقرر الخاص السابق للأمم المتحدة المعني بالفقر المدقع وحقوق الإنسان، فإن «الاعتراف الرسمي بحقيقة أن هناك حدودًا لدرجات عدم المساواة التي يمكن التوفيق بينها وبين مفاهيم المساواة والكرامة والالتزام بحقوق الإنسان للجميع هو بحد ذاته خطوة مهمة إلى الأمام»، داعيًا لأهمية تطوير «معيار المساواة» في القانون الدولي لحقوق الإنسان «ليتضمن فكرة المساواة في التوزيع».[10]

في السياق نفسه أشار المدافعون عن الحقوق الاقتصادية لعدم المساواة باعتبارها إحدى النقاط العمياء في نظام عمل حقوق الإنسان. على سبيل المثال، يرى مركز الحقوق الاقتصادية والاجتماعية أن عدم المساواة على أسس مثل الجنس والعرق والإعاقة شكلت المخاوف الرئيسية المتعلقة بحقوق الإنسان منذ فترة طويلة؛ بينما في المقابل، لم تلق التفاوتات الهائلة في الوضع الاقتصادي المعالجة الكافية، سواء من جانب قانون حقوق الإنسان، أو على مستوى حملات المناصرة،[11] حتى أن الجمعية العامة للأمم المتحدة نفسها وصفت الصمت عن عدم المساواة بأنه أكبر نقطة عمياء فيما يتعلق بالأهداف الإنمائية للألفية.[12]

فيما أشار خوان بابلو بوهوسلافسكي (Juan Pablo Bohoslavsky)، خبير الأمم المتحدة المستقل السابق المعني بالديون الخارجية وحقوق الإنسان، لنقطة عمياء أخرى تتعلق بالحقوق الاقتصادية؛ وهي العلاقة بين عدم المساواة الاقتصادية، وأزمات الديون السيادية وحقوق الإنسان، معتبرًا أنها تعكس أحد أوجه عدم المساواة التي كثيرًا ما أهملها مجتمع حقوق الإنسان. ويرى بوهوسلافسكي أنه رغم الاعتراف واسع النطاق بأن أزمات الديون وبرامج التكيف كثيرًا ما تفاقم من عدم المساواة، فضلًا عن تأثيرها السلبي على النتائج الاجتماعية والاقتصادية للفئات السكانية المهمشة؛ إلا أن عدم المساواة قد يكون أيضًا أحد العوامل المهمة التي أسهمت في ظهور أزمات الديون. [13]

كذا، يجادل صموئيل موين (Samuel Moyn) في كتابه الهام «غير كافٍ: حقوق الإنسان في عالم غير متكافئ»، بأن تركيز حقوق الإنسان على مسألة الحماية الكافية ساهم في تسليط الضوء، بشكل انتقائي، على جانب واحد من العدالة الاجتماعية، ألا وهو تحسين أحوال جموع الفقراء، فيما أغفل أثناء العملية فوز الأغنياء فيما يتعلق بالتوزيع. موضحًا «حينما تشدد حقوق الإنسان على الظلم المادي بشكل مطلق، فإن الأمر –من منظور المبادئ العليا– يبدو وكأن حصول الفقراء على مكاسب مادية كان كل ما يهم –سواء أخلاقيًا أو استراتيجيًا».

وبحسب موين، تزامنت ثورة حقوق الإنسان التي بدأت في السبعينيات مع صعود الليبرالية الجديدة. الأمر الذي صبغ حركة حقوق الإنسان وجعلها تركز على الكفاية، وتتخلى عن حلم ما بعد الاستعمار في المساواة وعدالة التوزيع في العالم، موضحًا ذلك بأن «حقوق الإنسان تكيفت مع الاقتصاد السياسي للعصر، لم تحدده وإنما عكسته». وإلى جانب العديد من النقاد الذين يسلطون الضوء على تركيز حقوق الإنسان على المساواة الأفقية وإهمالها للتفاوتات الرأسية؛ يؤكد موين على نجاح حقوق الإنسان في تعزيز وضع المساواة، لكنه يشير في الوقت نفسه لفشلها في تعزيز المساواة المادية.كل هذا يعكس تركيز الليبرالية النيو-كلاسيكية على انتشال الناس من الفقر بغض النظر عما يحدث عند قمة هرم الثروة، الأمر الذي أسفر عن تزايد مطرد في مستويات عدم المساواة. ووفقًا لموين، توافقت حقوق الإنسان مع هذا المنطق؛ فرغم انخفاض أعداد الفقراء، إلا أنه من المؤكد أن الأغنياء قد فازوا في معركة التوزيع، ما فاقم من فجوة التفاوت وأسفر عن اتساعها لمستويات لم نشهدها منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. [14]

على الجانب الأخر، هناك قضية تتعلق بكيفية معالجة حقوق الإنسان لعدم المساواة؛ وهي مسألة تحديد الأولويات و«التسلسل الهرمي الفعال لحقوق الإنسان».[15] إذ يتكرر الجدل في خطاب حقوق الإنسان حول أن الحقوق الاقتصادية هي في الأساس حقوق من الدرجة الثانية؛ لأنها مشروطة بتوفر «الحد الأقصى من الموارد المتاحة» و«الإنفاذ التدريجي»، فضلًا عن كونها غير قابلة للتقاضي وغير قابلة للإنفاذ.[16] وتعني مبادئ الإنفاذ التدريجي والحد الأقصى من الموارد المتاحة أن هذه الحقوق هي موضوع مرتبط حصريًا بالاقتصاد الوطني. ويجادل موين بأن سياسات الرفاه أضحت مسألة تُنظم على المستوى الوطني وليس على المستوى الدولي، وأن الحوكمة العالمية للاقتصاد السياسي ظهرت «لمجرد تفادي حدوث كوارث إذا فشلت الدول على المستوى الفردي في الوفاء بالتزاماتها المتعلقة بإدارة اقتصاداتها الوطنية، ولم تكن أبدًا من أجل وضع أرضية عالمية للحماية، ناهيك عن سقف عالمي لعدم المساواة». ورغم ذلك، تم التغافل بدرجة كبيرة عن دور الاقتصاد الهيكلي العالمي في الحد من «أقصى الموارد المتاحة» وفي إبقاء الأجور منخفضة، ما يمنع العمال من الحصول على حقوقهم.

وفي العديد من الأحيان لا تُثار مسألة عدم المساواة في مجال حقوق الإنسان إلا حينما يكون للأمر تداعيات على حقوق أخرى معترف بها أكثر. على سبيل المثال، يقول مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، إن عدم المساواة تشكل انتهاكًا للحقوق فقط حينما تؤدي لعدم تمتع عدد كبير من الأفراد في المجتمع بالحد الأدنى من المستويات الأساسية لكل حق من الحقوق المنصوص عليها في العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.[17]

في السياق نفسه، تصدت ماكنوتون أيضًا لمسألة عدم المساواة بين البلدان، مجادلة بأن حقوق الإنسان لا تعالجها بوضوح.

بل هي عمومًا مطالبات للأفراد والأسر والمجتمعات والنقابات والشعوب ضد حكومة بلد ما. وبينما تعالج حقوق الإنسان القضايا بين الدول بشكل عام، إن عدم المساواة بين البلدان قد يكون لها تأثير كبير على إعمال حقوق الإنسان وتحقيق التنمية المستدامة كذلك. ومن ثم، يجب اعتبار أوجه عدم المساواة بين الدول من قضايا حقوق الإنسان أيضًا.[18]

وتجادل ماكنوتون بأن الهدف العاشر للتنمية المستدامة بــ«الحد من عدم المساواة داخل البلدان وفيما بينها»، لا يتضمن مستهدفات للحد من عدم المساواة الاقتصادية أو الرأسية، رغم أنها الدافع لوضع أهداف التنمية المستدامة. وتؤكد أيضًا أن المستهدف من أهداف التنمية المستدامة غامض وغير قابل للقياس. وبالمثل، يرى وينكلر وويليامز (Winkler and Williams) أن أهداف التنمية المستدامة لا تتصدى لأوجه عدم المساواة الرأسية بشكل كاف، وأن حقوق الإنسان لم تضع معاييرًا محددة بخصوص عدم المساواة الرأسية يمكن الاهتداء بها فيما يتعلق بالهدف العاشر من أهداف التنمية المستدامة.[19]

ورغم أهمية تسليط الضوء على عدم المساواة العالمية باعتبارها قضية حقوق إنسان؛ إلا أن مبدأ «الأجر المتساوي مقابل العمل المتساوي» –وهو ما يهم هذه المقالة– لم يكن أبدًا في مركز تلك النقاشات. وبدلًا من ذلك، غالبًا ما كان يتم مناقشة عدم المساواة العالمية من زاوية الفجوات في متوسط نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي، أو يتم ربطها بتنامي حجم الثروة والدخل التي تسيطر عليها أغنى شرائح سكان العالم، الخ.

مع ذلك، وانطلاقًا من حجج النيو-كلاسيكية، يمكن تفسير هذه الفوارق «بسهولة» من خلال قضايا مثل إنتاجية العمل ورأس المال، فضلًا عن الوفرة/الندرة النسبية (أي العرض والطلب) للعمالة في اقتصاد معين. لذلك، مع الاعتراف بأهمية الاشتباك مع الحجج المتعلقة بالإنتاجية كمبررات للفوارق الهائلة والمتزايدة في الثروة، إلا أنه من الضروري عند مناقشة عدم المساواة العالمية أن نتناول أيضًا التفاوت في الأجور مقابل العمل المتساوي. وهو ما سيكون موضوع القسم التالي.

هل الأجور مقابل العمل المتساوي غير متساوية؟

حسبما نوقش أعلاه، فإن عدم المساواة في الأجور على المستوى الدولي تم إهماله بشكل تام، حتى باعتباره نقطة عمياء محتملة. كما واجه خطاب حقوق الإنسان العديد من الانتقادات واسعة النطاق بسبب تعامله مع الحقوق الاقتصادية باعتبارها حقوقًا من الجيل الثاني غير قابلة للتقاضي، تلي في منزلتها الجيل الأول من الحقوق المدنية والسياسية التي يمكن التقاضي بشأنها.[20] إلى جانب افتقاده للحساسية فيما يتعلق بعدم المساواة الرأسية، وتركيزه شبه الكامل على «عدم المساواة على أسس مثل الجنس والعرق والإعاقة».[21]

يشرح هذا القسم أن خطاب حقوق الإنسان حول عدم المساواة، وكذلك قضايا الاستدامة والعدالة البيئية، يتطلبان منا الالتفات لعدم المساواة على النطاق العالمي؛ فالتفاوت الشديد في الأجور على مستوى العالم يؤدي لاستنزاف الموارد والتدهور البيئي في البلدان منخفضة الأجور.

وقد جادل منظرو التبعية مثل سمير أمين وأرغيري إيمانويل (Arghiri Emmanuel) بأن التفاوت في الأجور العالمية هو الديناميكية الرئيسية لإعادة توزيع القيمة مكانيًا عبر التجارة العالمية. وفى رأى أمين فإن ساعة عمل واحدة في البلدان «المتقدمة» يمكنها شراء منتجات أكثر في السوق الدولية، مقارنةً بساعة من العمل المتساوي في البلدان الأقل «تقدما».[22] ووفقًا لإيمانويل فإن غياب المنافسة في سوق العمل على المستوى الدولي يؤدي لتفاوت في الأجور الوطنية للعمال ذوي المهارات والإنتاجية المماثلة؛ بسبب عدم قدرة العمالة البشرية على التنقل بحرية بين البلدان. ويجادل بأن المستوى المتغير للأجور الوطنية ينبغي تفسيره باللجوء إلى العوامل السياسية جنبًا إلى جنب مع العوامل الاقتصادية. ومن بين هذه العوامل السياسية القدرة التفاوضية للنقابات العمالية، والتي تعد العامل السياسي والمؤسسي الأساسي في تحديد الفوارق الدولية في الأجور. [23]

وبما أن النقابات العمالية أقوى في البلدان الأكثر ثراءً، نتيجة تطورها التاريخي والسياسي المحدد؛ فإن الأجور تعكس بشكل مباشر التطور غير المتكافئ للرأسمالية على المستوى العالمي. أما بالنسبة لضعف القوة النقابية فيما يسمى بالبلدان النامية، فإن إيمانويل يرى أن السياسة القمعية للأنظمة الاستعمارية والاستعمارية الجديدة هي السبب الرئيسي لضعف القدرة التفاوضية للعمال في الجنوب العالمي. [24]

استنادًا لهذه المقدمات، يتوصل إيمانويل لاستنتاجين. أولًا، يتعرض العمال في الاقتصادات الطرفية للاستغلال بشكل أشد مقارنة بالعمال في مركز النظام الاقتصادي العالمي. ثانيًا، بسبب المعادلة الدولية الربح والتقسيم الدولي العميق للعمل؛ فإن التغير في مستوى الأجور في بلد ما يؤدي لزيادة سعر السلع المنتجة في ذلك البلد، وبالتالي، ترتبط شروط التبادل التجاري ارتباطًا مباشرًا بمستوى الأجور الوطنية.

المعادلة الدولية لمعدلات الربح هي ميل معدلات الربح بين مختلف القطاعات الاقتصادية للتقارب على المستوى الدولي، وتحميل الزيادة في الأجور على المستهلكين بدلًا من تخفيض معدل الربح. ومن ثم يؤدى ذلك لتحويل القيمة من البلدان منخفضة الأجور إلى البلدان مرتفعة الأجور من خلال التبادل غير المتكافئ. وبعبارة أخرى، فإن ارتفاع الأجور في الاقتصادات الطرفية من شأنه أن يؤدي لزيادة أسعار السلع المنتجة (أي تحميلها على المستهلك)، ما يجعل المزيد من القيمة الناتجة تبقى داخل حدود تلك الاقتصادات الطرفية. ولكن يمكن المجادلة أيضًا بأن الزيادات في الأجور من شأنها الإضرار بهذه الاقتصادات منخفضة الأجور؛ إذ أنها ستفقدها «الميزة» التنافسية لها، المتمثلة في وفرة العمالة الرخيصة.

الخبر الجيد أن اقتصادات الجنوب العالمي بإمكانها الحصول على المزيد من الأموال مقابل صادرات أقل بسبب انخفاض المرونة السعرية للطلب على السلع المُصدَّرة من الجنوب العالمي. وفي ظل نظرية القيمة النيو-كلاسيكية وظروف السوق الحرة المثالية، فإن انخفاض مرونة الطلب تتيح للمنتجين فرصة زيادة أسعار سلعهم. ومع ذلك، فإن الأسعار لا يتم تحديدها فقط من خلال قوى «السوق الحرة» المحايدة، وإنما أيضًا بحسب القدرة السياسية والمادية على تعظيم قيمة البضائع المباعة وتقليل قيمة السلع المشتراة من مختلف الفاعلين الاقتصاديين. يجادل جيسون هيكل (Jason Hickel) بأن الأسعار لا تعكس القيمة أو المنفعة بطريقة موضوعية، وإنما تعكس، من بين أمور أخرى، انعدام توازن القوى بين العوامل المؤثرة على السوق، مثل رأس المال والعمالة، والاقتصادات المركزية والطرفية، والشركات الكبرى ومورديها، الخ.[25]

على سبيل المثال، إذا كانت المرونة السعرية للطلب على صادرات الجنوب العالمي تبلغ -0.5، فإن زيادة الأجور التي تؤدي لتضخم أسعار التصدير بنسبة ثلاثين في المائة ستؤدي بدورها لانخفاض الطلب على هذه الصادرات بنسبة خمسة عشر في المئة فقط، وهو ما يعني بدوره انخفاضًا في الطلب على هذه الصادرات بنسبة خمسة عشر في المئة فقط. وهو ما يعنى بالتالي انخفاضًا بالنسبة نفسها بنسبة خمسة عشر في المئة في استخدام الموارد البشرية والمادية مع زيادة بنسبة خمسة عشر في المئة في الإيرادات النقدية. وبالنظر إلى الجدول 2، يمكننا استنتاج أن مرونة الطلب السعرية البالغة -0.5 هي تقدير متحفظ، وأن صادرات بلدان الجنوب العالمي تتسم في الواقع بمرونة سعرية أقل. ورغم أن هذه الأرقام مبنية على تقديرات عام 1987؛ إلا أن الدراسات الأحدث تؤكد صحة تلك النتائج، ومنها على سبيل المثال دراسة المكتب الوطني للبحوث الاقتصادية في الولايات المتحدة عام 2018، والتي تضمنت تحليلًا تاليًا للعديد من الدراسات التي صدرت حول المرونة السعرية للطلب على السلع الأولية. هذا الفارق الزمني يبرز التوجه والآثار طويلة المدى لهذه الديناميكيات الاقتصادية.[26]

جدول 1: تقدير المرونة السعرية للطلب على المواد الخام والصادرات الغذائية حسب السلعة والمنطقة [27] [28]
المنطقة المواد الغذائية المشروبات والتبغ المواد الزراعية الخام المعادن الطاقة إجمالي السلع
أفريقيا -0.32 -0.31 -3.28 -0.85 -0.06 -0.68
آسيا NA -0.34 -0.4 -0.36 -0.33
أوروبا -0.14 -0.26 -0.21 -0.48 NA -0.22
الشرق الأوسط -0.46 NA -0.09 NA -0.28 -0.25
نصف الكرة الغربي -0.11 -0.33 -0.14 -0.38 NA -0.21
إجمالى -0.22 -0.33 -0.62 -0.51 -0.21 -0.35

ويرى إيمانويل أن ظاهرة «الأرستقراطية العمالية» لا يمكن أن تُعزى بالكامل لحالة «الوعي الزائف» لدى العمال الأكثر حظًا حسبما يفترض الاقتصاديون الماركسيون المتشددون، مجادلاً بأنها متجذرة في المصالح المادية الحقيقية لمعظم الطبقة العاملة في البلدان الرأسمالية «المتقدمة».

ووفقًا لإيمانويل، إذا حصل كل عمال العالم على دخل مماثل لدخل عمال «المركز»، فإن مجموع الأجور الإجمالية سيكون أكبر من الدخل القومي العالمي. ولذلك، فإن عمال «المركز» وجميع الرأسماليين يشتركون سويًا في استغلال العمال في البلدان الطرفية، باعتبارهم المنتجين الوحيدين لفائض القيمة في جميع أنحاء العالم. ولإثبات وجهة نظره، عمد إيمانويل لاستخلاص حاصل ضرب متوسط أجر العامل في الولايات المتحدة في إجمالي عدد العمال في العالم في عام 1969، وبما أن النتيجة تجاوزت إجمالي الدخل العالمي؛ فقد خلص إيمانويل لأن العامل الأمريكي يلعب في نهاية الأمر دورًا في استخراج فائض القيمة.

تسببت حسابات إيمانويل في بعض الارتباك بين الاقتصاديين، بما في ذلك ذوي التوجهات الماركسية؛ لما قد يسببه ذلك من انقسام بين العمال في الشمال والجنوب العالميين. كما أسفرت عن سجالات متعددة، من أشهرها السجال بين إيمانويل من جهة وتشارلز بيتلهيم (Charles Bettelheim) وسمير أمين من جهة أخرى. [29]

وأشار سمير أمين لأن الفرق في الأجور يجب أن يراعي الفرق في الإنتاجية، مشيرًا لأن التبادل غير المتكافئ لا يحدث سوى في حالة تساوي الإنتاجية واختلاف الأجور، إذ أن الأجور الأعلى قد تكون ببساطة نتيجة زيادة الإنتاجية. وتعد هذه الحجة إحدى الحجج الرئيسية للاقتصاد النيو-كلاسيكي، والتي تعزي الفرق في الأجور للإنتاجية. وسوف نفحص في الفقرات التالية ما إذا كان هذا هو الحال بالفعل.

وفقًا للنقاشات الاقتصادية السائدة، تقاس إنتاجية العمل نقديًا، بتقسيم القيمة المضافة للنشاط الاقتصادي على ساعات العمل المستغرقة في هذا النشاط. يستخدم بيتلهيم حجة مماثلة لحجة أمين، فهو يرى أن ارتفاع معدل إنتاجية عمال الشمال العالمي يعني أن معدل استخراج فائض القيمة من عملهم سيكون أكبر، رغم ارتفاع أجورهم وجودة حياتهم مقارنة بنظرائهم في الجنوب العالمي.[30] ونظرًا لأن قياس مستويات الإنتاجية ليس بالمهمة السهلة، يرى ريتشي (Ricci) أن ما يحتاج إلى المقارنة هو الإنتاجية المادية الحقيقية وليس الإنتاجية الاسمية، لأن الأخيرة يتم حسابها بملاحظة أسعار السوق التي تتشكل استنادًا لأجور مشوهة بالفعل.[31]

ومع ذلك، فإن الإنتاجية الحقيقية، التي تقاس بالكميات المادية، لا يمكن مقارنتها سوى في صناعة معينة تنتج سلعًا من نفس النوع والجودة، في حين لا يمكن مقارنتها بين الصناعات المختلفة لعدم وجود وحدة قياس مشتركة. على سبيل المثال، لا يمكن مقارنة إنتاجية مُزارع قطن وملحن موسيقي. لذا فإنه من الصعب التحقق من صحة الاختلافات في الإنتاجية بشكل تجريبي.

مع ذلك، لا يوجد إجماع على استحالة مهمة قياس التبادل غير المتكافئ من خلال الفوارق في الأجور في الاقتصادات المختلفة التي تنتج سلعًا مختلفة. ولتجاوز هذه المعضلة لجأ سمير أمين لقياس التبادل بوسائل أخرى، مثل مقارنة القطاعات الرأسمالية الحديثة في الاقتصادات الطرفية بالقطاعات المماثلة في الاقتصادات المركزية. أو محاولة حساب تكلفة السلع في القطاعات «التقليدية» في الاقتصادات الطرفية، بافتراض استخدامهم للتقنيات الأوروبية الحديثة. ووجد أمين أن من بين إجمالي الصادرات من البلدان «النامية» في عام 1966، والتي بلغت حينها قرابة 35 مليار دولار، مثّل القطاع الرأسمالي فائق الحداثة (مثل النفط والتعدين ومعالجة المعادن والمزارع الحديثة) ستة وعشرين مليار دولار، بما يعادل ثلاثة أرباع قيمة الصادرات تقريبًا. ويقول أمين لو إن الدول المتقدمة هي التي تقدم تلك المنتجات، بالتقنيات نفسها وبالتالي الإنتاجية نفسها، فستبلغ قيمتها 34 مليار دولار على الأقل؛ ومن ثم، وفقًا لحسابات أمين، فإن القيمة المنقولة من الأطراف إلى المركز ضمن هذه الفئة وحدها تصل إلى 8 مليارات دولار في عام 1966.

لكن الوضع أكثر تعقيدًا بعض الشيء حين يتعلق بصادرات «العالم الثالث» الأخرى، التي توفرها قطاعات منخفضة الإنتاجية، كالمنتجات الزراعية وفقًا للممارسات الزراعية التقليدية التي لم تعد موجودة في اقتصادات الشمال العالمي. ويقر أمين أن الفجوة التكنولوجية في هذه القطاعات تزيد من تعقيد الحسابات، خاصة أن المنتجات المعنية غير قابلة للمقارنة. على سبيل المثال، إنتاج الشاي والقهوة والقطن والكاكاو يقتصر على المناطق الطرفية فقط. لكنه يرى في الوقت نفسه أن الأجور في هذه المناطق أقل بكثير من الفرق في الإنتاجية، موضحًا أن الفلاح الأفريقي على سبيل المثال يحصل مقابل مائة يوم من العمل الشاق على سلع مصنعة مستوردة تتطلب عشرين يومًا من العمل البسيط من عامل أوروبي. وحسب أمين أنه لو عمل هذا المزارع باستخدام التقنيات الأوروبية الحديثة، فإنه سيعمل ثلاثمائة يوم في السنة ويحصل على منتج أكبر بستة أضعاف، بما يعنى أن إنتاجيته في الساعة ستتضاعف في أحسن الأحوال، فيما ستبلغ الفجوة في الأجور خمسة أضعاف.

وإذا تناسب عائد العمل مع الإنتاجية، فإن قيمة تلك المنتجات سترتفع لتصبح نحو ثلاثة وعشرين مليار دولار بدلًا من تسعة مليارات دولار. وهكذا، وفقًا لأمين، فإن القيمة المنقولة من الأطراف إلى المركز تعادل أربعة عشر مليار دولار في حالة القطاعات المنخفضة الإنتاجية، إضافة إلى ثماني مليارات دولار للقطاع الحديث.

بعبارة أخرى، إذا كانت الصادرات من الدول الطرفية تبلغ نحو خمسة وثلاثين مليار دولار، فإن قيمتها، إذا كانت مكافآت العمل معادلة لما هي عليه في المركز بالإنتاجية نفسها، سوف تبلغ نحو سبعة وخمسين مليار دولار. وهو ما يعني ببساطة أن التفاوت في الأجور يكبد «العالم الثالث» خسارة تصل إلى اثنين وعشرين مليار دولار في ذلك الوقت. ورغم أن نموذج أمين قديم، إلا أن هناك أسباب قوية للاعتقاد باستمرار، وتفاقم، هذا النمط من الخسارة في مدخولات اقتصادات الجنوب العالمي.

في عام 2010، قام زاك كوب بحساب تحويل القيمة على أساس عدم المساواة في الأجور وقدرها بمبلغ 2.8 تريليون دولار.[32] وهو مبلغ أكبر بكثير من حسابات أمين حتى مع تعديلها وفقًا للتضخم، لتساوي 387 مليار دولار في عام 2010. ويمكن تفسير هذا التفاوت بالنمو السكاني والاقتصادي في الجنوب العالمي، فضلًا عن توسع التجارة الخارجية في العقود الأخيرة. إذ نمت التجارة من خمس وعشرين بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي عام 1966 وقت دراسة أمين، لقرابة سبع وخمسين بالمئة في عام 2010 حينما أجرى كوب حساباته.[33] وفي هذا الشأن كتب زاك كوب:

في عالم تستطيع العمالة فيه الانتقال بين البلدان بحرية مثلما يستطيع رأس المال، ستتقارب مستويات الأجور، وستنكشف حقيقة زعم «الإنتاجية» الأكبر للعمال في أوروبا وأمريكا الشمالية واليابان، أي كونها نتاج لعسكرة الحدود والأجور الضخمة. في الوقت نفسه، إذا تم إضعاف ريع الاحتكار المتزايد للشركات عبر الوطنية ورأس المال التمويلي من خلال اتخاذ تدابير مختلفة لمنع تسرب الإنتاج المحلي لبلدان الجنوب العالمي؛ عندها يمكن توزيع عوائد رأس المال بشكل أوسع على المستوى العالمي بدلًا عن اقتصارها على الغرب وهو ما يحدث حتى الآن. ولدينا حاليًا ما يبرر قياس التبادل غير المتكافئ على أساس الفوارق في الأجور فقط، أي عدم وضع اعتبار للفوارق «الإنتاجية» المزعومة بين بلدان المركز وبلدان «الأطراف»، والتي يتم تحديدها في ارتباط وثيق مع التفاوتات في الأجور ورأس المال.

خلاصة القول، إذا افترضنا تكافؤ الأجور على المستوى العالمي (أي الأجر المتساوي مقابل العمل المتساوي)، فإن الجنوب العالمي، حيثما يتركز معظم الفقر والجوع في العالم، سوف يحصل سنويًا على 2.8 تريليون دولار إضافية بأسعار عام 2010. الأمر الذي سيؤثر بشكل كبير على الحقوق الاجتماعية والاقتصادية لمئات الملايين من الناس في الجنوب العالمي. ولكى نظهر مغزى ذلك، تكفي الإشارة لأن العالم يحتاج إلى نحو 175 مليار دولار سنويًا للقضاء على الفقر المدقع.[34] وتجدر الإشارة هنا لأن هذا الرقم يستند إلى تقديرات شديدة التحفظ للفقر؛ إذ أظهرت أبحاث عديدة أن خطوط الفقر الدولية التي حددها البنك الدولي لانتشال الأسر من الفقر غير كافية.[35] ومع ذلك، وبالنظر لأن الخسائر الناجمة عن فجوة الأجور على المستوى العالمي تكلف ستة عشر ضعف هذا الرقم، يمكن الافتراض بأمان أن السعي لتحقيق تقارب بين الأجور العالمية –حتى ولو كان بشكل جزئي– بإمكانه الإسهام بشكل كبير في انتشال الناس من الفقر، وإنفاذ مجمل حقوقهم الاجتماعية والاقتصادية.

الحجة الأخرى لتبرير التفاوت في الأجور هي وفرة العمالة، والتي تعتبر من السمات المميزة غالبًا للاقتصادات منخفضة الأجور. ورغم أن هذا هو الواقع بالفعل، إلا أنه ليس بالأمر الطبيعي؛ ففي ظل العولمة المتزايدة للاقتصاد، ليس هناك ما يدعو لحرية حركة رأس المال والأصول والسلع من أماكن توافرها بكثرة إلى حيثما تكون نادرة، ومن ثم تصبح لها قيمة دولية، ويمنع في الوقت نفسه حرية حركة العمالة. ويرى زاك كوب أن «معدلات الأجور المنخفضة بشكل بائس» فيما يسمى بالاقتصادات الطرفية ترتكز –من بين أمور أخرى– على عسكرة الحدود التي تمنع العمال من الانتقال إلى بلدان المركز، وبالتالي تحول دون توازن الأجور على المستوى الدولي.[36]

الآثار البيئية للتفاوت في الأجور

لا ينبغي النظر للخسائر الناجمة عن تفاوت الأجور من الناحية النقدية فقط، إذ أنها تؤثر بشكل كبير على رأس المال البيئي للبلدان منخفضة الأجور، ما يجعلها قضية حقوق بيئية كذلك. بالنسبة لخطاب حقوق الإنسان الراسخ، يمثل الدخل المنخفض مشكلة، إذ يحول دون تمتع أصحابه بكل الحقوق الاقتصادية المنصوص عليها في القانون الدولي لحقوق الإنسان. كما أن أحد الآثار التي سنتعرض لها في هذا القسم هو التدهور البيئي للاقتصادات منخفضة الأجور.

بشكل مبسط، يعني التقليل من قيمة الأجور والمنتجات كثيفة الموارد في الجنوب العالمي أن اقتصادات الجنوب العالمي تحتاج ماديًا لتبادل المزيد من مواردها مقابل الحصول على موارد وخدمات أقل من الشمال العالمي. علاوة على ذلك، التقسيم الدولي الحالي للعمل مصمم بطريقة تتخصص فيها اقتصادات الجنوب العالمي منخفضة الأجور في المنتجات كثيفة الاستخدام للموارد –سواء كانت زراعية أو صناعية، في حين تتخصص الاقتصادات مرتفعة الأجور على نحو متزايد في المنتجات والخدمات غير الملموسة. [37] وهو ما يؤدي لما يسميه العديد من الباحثين «التبادل البيئي اللامتكافئ»، وهو يتشابه منطقيًا مع منطق التبادل غير المتكافئ، ولكنه لا يتعلق بالجانب النقدي، بل يسعى لقياس تبادل الموارد الطبيعية من خلال التجارة الدولية. وفي دراسة حديثة (2022) توصل هيكل وآخرون، باستخدام أدلة من بيانات المدخلات والمخرجات البيئية الموسعة، لأن اقتصادات الأجور المرتفعة في عام 2015 استخلصت من الاقتصادات منخفضة الأجور على اثني عشر مليار طن من مكافئات المواد الخام المتضمنة، و822 مليون هكتار من الأراضي المتضمنة، وواحد وعشرين إكساجول من الطاقة المتضمنة (ما يعادل 3.4 مليار برميل من النفط)، و188 مليون سنة من العمل المتضمن. ووفقًا لمؤلفي الدراسة، يعادل هذا 10.8 تريليون دولار بأسعار الشمال العالمي، وهو ما يكفي للقضاء على الفقر المدقع سبعين مرة.[38]

يرى إنفانتي أماتي وكروسمان (Infante-Amate and Krausmann) أن الاتحاد الأوروبي يمارس ضغوطًا كبيرة على عمليات استخراج المواد المحلية. على الطرف الآخر من التبادل، بإمكان شروط التجارة المواتية تحفيز البلدان الغنية على تصدير الأثر البيئي، واستخدام هذه الميزة للحفاظ على رأس مالها البيئي بشكل أفضل.[39]

كما أن مسألة الانبعاثات تلعب دورًا محوريًا هنا، فالعديد من الصناعات الملوثة كثيفة الاستخدام للموارد تم تحويلها بدرجة كبيرة إلى الجنوب العالمي. إذ أن الانبعاثات الناجمة عن الإنتاج في اقتصادات الأجور المنخفضة أعلى من الانبعاثات الناجمة عن الاستهلاك، بينما ينعكس الوضع في اقتصادات الأجور المرتفعة. وحسبما يتبين من الجدول 2 أدناه، فإن الانبعاثات الناجمة عن الإنتاج أعلى من الانبعاثات الناجمة عن الاستهلاك في جميع دول العالم –باستثناء البلدان ذات الدخل المرتفع– وهو ما يعنى أن معظم إنتاجها يتم استهلاكه في أماكن أخرى. وتتسع هذه الفجوة تدريجيًا مع تدنى مستوى الدخل. وهو ما يعني أيضًا تحملهم العواقب البيئية للإنتاج دون الاستمتاع بثماره.

علاوة على ذلك، ورغم أن نصيب الفرد من الإنتاج لا يزال أعلى في بلدان الدخل المرتفع مقارنة بغيرها –رغم كونه أصغر من الأرقام المتعلقة بالاستهلاك؛ إلا أن هذا لا ينعكس في استنزاف الموارد، لأن الإنتاج في بلدان الأجور المرتفعة غالبًا ما يستخدم موادًا من الجنوب العالمي. يُضاف الى ذلك، أن الكثير من هذه الانبعاثات متصلة بالنقل؛ لذلك، ورغم التأثير السلبي لذلك على التغير المناخي، إلا أن تأثيره المباشر على استنزاف الموارد أقل. ويساهم النقل في انبعاثات غازات الدفيئة الوطنية والتي تتراوح بين ثلاثين في المائة في اقتصادات الأجور المرتفعة وأقل من ثلاثة في المائة في اقتصادات الأجور المنخفضة. [40]

جدول 2: نصيب الفرد من انتاج واستهلاك انبعاثات ثاني أكسيد الكربون (بالطن في عام 1990)[41]
نصيب الفرد من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الناتجة عن الإنتاج

(بالطن 1990)

نصيب الفرد من نبعاثات ثاني أكسيد الكربون الناتجة عن الاستهلاك

(بالطن 1990)

نصيب الفرد من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الناتجة عن الإنتاج

(بالطن 2020)

نصيب الفرد من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الناتجة عن الاستهلاك

(بالطن 2020)

البلدان منخفضة الدخل 0.63 0.06 0.28 0.11
البلدان ذات الدخل المتوسط الأقل 1.11 0.93 1.76 1.58
البلدان ذات الدخل المتوسط الأعلى 3.74 3.24 6.37 5.64
البلدان مرتفعة الدخل 12.11 12.97 9.69 10.91

خاتمة

رغم تزايد النقاش حول عدم المساواة في مجالات حقوق الإنسان؛ إلا أن هناك تجاهلًا تامًا لقضية التفاوت في الأجور مقابل العمل المتساوي عالميًا. ويرى المقال بأن هذا التجاهل يرجع على الأرجح إلى الافتراض النيو-كلاسيكي بأن التفاوت في الأجور يعتمد على الإنتاجية الحدية للعمل. على أي حال، هذا الافتراض دحضته مرارًا وتكرارًا العديد من الدراسات القديمة والجديدة، مثل دراستي سمير أمين وزاك كوب، اللتان ناقشهما هذا المقال.

كما يوضح المقال، باستخدام الأدلة الإحصائية، أن سد الفجوة في الأجور مقابل العمل المتساوي سيكون ضروريًا لإنفاذ الحقوق الاجتماعية والاقتصادية لمئات الملايين من الناس. علاوة على أن بإمكانه المساعدة في الحفاظ على رأس المال البيئي لبلدان الأجور المنخفضة، كما قد يؤدي لنمو اقتصادي مستدام وموزع بالتساوي في الاقتصادات التي هي في أمس الحاجة إليه.

هذه المقال لا يقدم اقتراحًا قاطعًا ونهائيًا، ولكنه بالأحرى يسعى لفتح باب النقاش حول الموضوع، ويمكن اعتباره دعوة للباحثين الآخرين، ولنفسي، لاستكشاف الموضوعات التي تناولها لإجراء المزيد من الدراسات.

هذا المقال كتب في الأصل باللغة الانجليزية لرواق عربي.

[1] هيكل، جايسون (2019). ضرورة إعادة التوزيع في عصر الإجهاد البيئي: حقوق الإنسان وعدم المساواة العالمية. (The Imperative of Redistribution in an Age of Ecological Overshoot: Human Rights and Global inequality)، الإنسانية: مجلة دولية لحقوق الإنسان والإنسانية والتنمية، 10 (3)، ص 416 – 428. Doi:10.1353/hum.2019.0025.
[2] فيكس، بلير (2019). لا، الإنتاجية لا تفسر الدخل. (No, Productivity Does Not Explain Income) ، مجلة إفونوميكس, 8 يوليو، تم الاطلاع في 30 أكتوبر 2023، https://evonomics.com/no-productivity-does-not-explain-income/.
[3] ماكنوتون، جيليان (2017). أوجه عدم المساواة الرأسية: هل أهداف التنمية المستدامة وحقوق الإنسان على مستوى التحديات؟ (?Vertical Inequalities: Are the SDGs and Human Rights Up to the Challenges) المجلة الدولية لحقوق الإنسان, 21 (8)، ص 1050-1072. 19 يوليو. Doi:10.1080/13642987.2017.1348697
[4] ماكنوتون، المصدر نفسه.
[5] ماكنوتون، المصدر نفسه.
[6] بالاكريشنان، راديكا، جيمس هاينتز وديان إلسون (2016). إعادة التفكير في السياسة الاقتصادية من أجل العدالة الاجتماعية: الإمكانات الجذرية لحقوق الإنسان (Rethinking Economic Policy for Social Justice: The Radical Potential of Human Rights). لندن: روتليدج.
[7] بوهوسلافسكي، خوان بابلو (2016). عدم المساواة الاقتصادية وأزمات الديون وحقوق الإنسان. (Economic Inequality, Debt Crises and Human Rights) مجلة ييل للقانون الدولي على الإنترنت. 41 (2)، تم الاطلاع في 25 أكتوبر 2023.
https://bpb-us-e1.wpmucdn.com/campuspress-test.yale.edu/dist/8/1581/files/2016/10/J-Bohoslavsky-Special-Edition-11nf9v3.pdf.
[8] هيكل، مصدر سابق.
[9] بوهوسلافسكي، مصدر سابق.
[10] مجلس حقوق الإنسان (2015). تقرير المقرر الخاص المعني بالفقر المدقع وحقوق الإنسان، فيليب ألستون. الجمعية العامة للأمم المتحدة، 27 مايو، تم الاطلاع 25 أكتوبر 2023. https://www.ohchr.org/sites/default/files/HRBodies/HRC/RegularSessions/Session29/Documents/A_HRC_29_31_en.doc.
[11] مركز الحقوق الاقتصادية والاجتماعية (2016). عدم المساواة: هل يمكن لحقوق الإنسان أن تحدث فرقًا؟ (Inequality: Can Human Rights Make a Difference?)، 2 مارس، تم الاطلاع 25 أكتوبر 2023, https://www.cesr.org/inequality-can-human-rights-make-difference-0/.
[12] الجمعية العامة للأمم المتحدة (2013). اللجنة الثالثة تواصل النظر في حقوق الإنسان وتسمى صمت أهداف الألفية عن عدم المساواة «أكبر نقطة عمياء». موقع الأمم المتحدة، 28 أكتوبر https://press.un.org/en/2013/gashc4079.doc.htm.
[13] بوهوسلافسكي، مصدر سابق.
[14] موين، صموئيل (2019). ليس كافيًا: حقوق الإنسان في عالم غير متكافئ. Not Enough: Human Rights in an Unequal World) (كامبريدج، ماساتشوستس: مطبعة بيلكناب التابعة لمطبعة جامعة هارفارد).
[15] فارير, توم (1992). تراتبية لحقوق الإنسان. (‘The Hierarchy of Human Rights’) مجلة القانون الدولي بالجامعة الأمريكية، 8 (1)، ص 115 – 119.
[16] لجنة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية (1991). صحيفة الوقائع رقم 16 (Rev.1). مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان بالأمم المتحدة، يوليو، تم الاطلاع في 25 أكتوبر 2023، https://www.ohchr.org/sites/default/files/Documents/Publications/FactSheet16rev.1en.pdf.
[17] مجلس حقوق الإنسان (2016). تقرير الخبير المستقل المعني بآثار الديون الخارجية للدول وغيرها من الالتزامات المالية الدولية ذات الصلة على التمتع الكامل بحقوق الإنسان، لا سيما الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان بالأمم المتحدة، 12 يناير، تم الاطلاع في 27 أكتوبر 2023، https://www.ohchr.org/sites/default/files/Documents/Issues/IEDebt/A-HRC-31-60_en.pdf.
[18] ماكنوتون، المرجع نفسه.
[19] وينكلر، إنجا وويليامز، كارمل (2018). أهداف التنمية المستدامة وحقوق الإنسان: مراجعة نقدية مبكرة (The Sustainable Development Goals and Human Rights: A Critical Early Review). أبينجدون، أوكسون: روتليدج.
[20] ليتينسكي، روتيم (2019). الحقوق الاقتصادية: هل هي قابلة للتقاضي، وهل ينبغي أن تكون كذلك؟. (Economic Rights: Are They Justiciable, and Should They Be?نقابة المحامين الأمريكية، 30 نوفمبر، تم الاطلاع 25 أكتوبر 2023،
https://www.americanbar.org/groups/crsj/publications/human_rights_magazine_home/economic-justice/economic-rights–are-they-justiciable–and-should-they-be-
[21] مركز الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، المرجع نفسه.
[22] أمين، سمير (1979). التنمية غير المتكافئة: مقال عن التشكيلات الاجتماعية للرأسمالية الطرفية( Unequal Development: An Essay on the Social Formations of Peripheral Capitalism). دلهي: مطبعة جامعة أكسفورد، ص. 140.
[23] إيمانويل، أرغيري (1975). إعادة النظر في التبادل غير المتكافئ. (Unequal Exchange Revisited)، معهد دراسات التنمية بجامعة سسكس، (رسالة رقم 77)، أغسطس، تم الاطلاع 27 أكتوبر 2023
https://anti-imperialist.net/wp-content/uploads/2019/05/Emmanuel_UE_Revisited.pdf.
[24] ريتشي، أندريا (2021). القيمة والتبادل غير المتكافئ في التجارة الدولية: جغرافية الاستغلال الرأسمالي العالمي. (Value and Unequal Exchange in International Trade: The Geography of Global Capitalist Exploitation) لندن: روتليدج
[25] هيكل، جايسون وآخرون. (2022). الاستيلاء الإمبريالي في الاقتصاد العالمي: استنزاف الجنوب العالمي من خلال التبادل غير المتكافئ 1990-2015. (‘Imperialist Appropriation in the World Economy: Drain from the Global South Through Unequal Exchange, 1990–2015’) مجلة التغير البيئي العالمي، 73(102467)، مارس، doi:10.1016/j.gloenvcha.2022.102467.
[26] فالي، ثيبولت وجيمس ساير (2018). مسائل تجارة السلع الأساسية. سلسلة أوراق عمل نبير: ورقة عمل رقم 24965 (المكتب الوطني للبحوث الاقتصادية)، أغسطس. تم الاطلاع 15 نوفمبر 2023.
https://www.nber.org/system/files/working_papers/w24965/w24965.pdf
[27] عندما تساوي مرونة الطلب السعرية 1، يتحرك الطلب بنفس معدل تحرك السعر. وكلما انخفض عن 1، تقل مرونة الطلب أكثر، أي أنه لا يتأثر بشكل كبير بارتفاع السعر. ونرى في الجدول أن معظم الصادرات تميل لعدم المرونة، خاصة الصادرات من منطقة الشرق الأوسط، وتحديدًا المواد الغذائية والطاقة.
[28] استنادًا إلى أرقام من بوند، ماريان (1987). دراسة اقتصادية قياسية لصادرات السلع الأولية من مناطق البلدان النامية إلى العالم. (An Econometric Study of Primary Commodity Exports from Developing Country Regions to the World’)، أوراق فريق العمل – صندوق النقد الدولي، 34 (2)، ص. 191. DOI:10.2307/3867134.191. https://doi.org/10.2307/3867134.
[29] ريتشي، أندريا (2021). القيمة والتبادل غير المتكافئ في التجارة الدولية: جغرافية الاستغلال الرأسمالي العالمي. (Value and Unequal Exchange in International Trade: The Geography of Global Capitalist Exploitation) لندن: روتليدج.
[30] بيتلهايم، تشارلز (1972). تعليقات نظرية، في أرغيري، إيمانويل (1972). التبادل غير المتكافئ: دراسة إمبريالية التجارة. (Unequal Exchange: A Study of the Imperialism of Trade). نيويورك: مطبعة المراجعات الشهرية، ص 271 -322.
[31] ريتشي، المرجع نفسه.
[32] كوب، زاك (2019). ثروة (بعض) الأمم: الإمبريالية وآليات نقل القيمة (The Wealth of (Some) Nations: Imperialism and the Mechanics of Value Transfer). لندن: مطبعة بلوتو.
[33] بيانات عن عالمنا (2023). التجارة كحصة من الناتج المحلي الإجمالي 1960-2021. تم الاطلاع في 25 أكتوبر 2023، https://ourworldindata.org/grapher/trade-as-share-of-gdp.
[34]الأمم المتحدة (2018). القضاء على الفقر: ما أهميته؟. أهداف التنمية المستدامة، تم الاطلاع في 25 أكتوبر 2023،
https://www.un.org/sustainabledevelopment/wp-content/uploads/2018/09/Goal-1.pdf
[35] هيكل، وآخرون. (2021)، المرجع نفسه.
[36] كوب، المرجع نفسه.
[37] دياب، أسامة (2023). التوازن غير المتكافئ في أفريقيا. (Africa’s Unequal Balance)، مراجعة الاقتصاد السياسي الأفريقي، 50 (175)، الصفحات من 116 إلى 124. doi:10.1080/03056244.2023.2190453.
[38] هيكل، وآخرون. (2021)، المرجع نفسه.
[39] إنفانتي أماتي، خوان، وكروسمان، فريدولين (2019). التجارة والتبادل غير المتكافئ بيئيًا والإرث الاستعماري: حالة فرنسا ومستعمراتها السابقة (1962–2015). (Trade, Ecologically Unequal Exchange and Colonial Legacy: The Case of France and its Former Colonies 1962–2015)، مجلة الاقتصاد البيئي، 156، ص: 98 – 109. DOI: 10.1016/j.ecolecon.2018.09.013.
[40] الأمم المتحدة (2021). صحيفة وقائع تغير المناخ. مؤتمر النقل المستدام، 14-16 أكتوبر، تم الاطلاع في 27 أكتوبر 2023 https://www.un.org/sites/un2.un.org/files/media_gstc/FACT_SHEET_Climate_Change.pdf.
[41] بيانات عن عالمنا (2023). إنتاج واستهلاك انبعاثات ثاني أكسيد الكربون للفرد. (Our World in Data -2023 ‘Production vs. Consumption-Based CO₂ Emissions Per Capita’,)، تم الاطلاع في 27 أكتوبر 2023، https://ourworldindata.org/grapher/prod-cons-co2-per-capita?time=1990..latest&country=Upper-middle-income%2Bcountries~Low-income%2Bcountries~Lower-middle-income%2Bcountries~High-income%2Bcountries.

Read this post in: English

اظهر المزيد

أسامة دياب

باحث ما بعد الدكتوراه في قسم الدراسات الشرق آسيوية والعربية بجامعة لوفن في بلجيكا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى