يعيش العالم أوقاتًا عصيبة مقلقة؛ مع تعدد الأزمات والحروب، وتعاظم دور السلطات الاستبدادية، وصعود اليمين الشعبوي وتفاقم أزمات اللجوء والهجرة. ولا يعد سرًا استثمار الكثير من الأنظمة الكبرى في الإعلام والدعاية وفي نشر الأخبار الكاذبة، وفي محاولة احتكار التكنولوجيا وتطويع منصات وسائل التواصل الاجتماعي أو خرقها بما يتناسب مع سياساتها. إنها حرب معلومات ودعاية كونية والجميع متورط فيها بشكل أو بآخر، وقد باتت التهديدات التي تواجه حرية الصحافة، وتُقيّد سبل الحصول على معلومات موثوقة أمرًا شائكًا أكثر من أي وقت مضى.
إن هذه التحديات تواجه المؤسسات الصحفية في معظم أنحاء العالم، سواء كانت مؤسسات عريقة أو ناشئة مستقلة؛ إلا أن المنطقة العربية لديها أزماتها ومصاعبها في ظل الاستقطاب الحاد سياسيًا وطائفيًا، بحيث يصعب الحديث عن إعلام قوي جماهيري بمعزل عن منظومة المال السياسي الذي يعد العماد الأول والأقوى والأبرز في قطاعي الإعلام والصحافة في المنطقة العربية.
لا شك أن المناخ العام لعمل الصحفيين قد شهد تدهورًا في جميع أنحاء المعمورة. فنحن نعيش الآن أجواء خوف وقلق في ظل التحريض المتزايد ضد الصحفيين، فمهنة الصحافة ليست سهلة في أي بقعة من العالم؛ حتى في أميركا، التي كانت يومًا ما تحمل شعلة الديمقراطية وحرية التعبير عن الرأي قبل صعود دونالد ترامب إلى سدّة الحكم عام 2016.
يظهر التصنيف العالمي لحرية الصحافة لعام 2019، والذي أعدته مراسلون بلا حدود،[1] أن وتيرة الكراهية ضد الصحفيين قد تصاعدت إلى درجة جعلتها تبلغ حدّ العنف، الأمر الذي أدى إلى تنامي الشعور بالخوف، إذ يستمر تقلص دائرة البلدان الآمنة، حيث يمكن للصحفيين ممارسة مهنتهم بأمان، في حين تشدد الأنظمة الاستبدادية قبضتها على وسائل الإعلام أكثر فأكثر. وقد كشف تقرير لجنة الدفاع عن حقوق الصحفيين[2] عن وجود أكثر من 260 صحفيًا في السجون في العالم، وتصدرت مصر والمملكة العربية السعودية وتركيا التقرير فيما يخص أعداد الصحفيين المعتقلين.
واقع إعلام ما بعد “الربيع العربي”
خلال السنوات التي أعقبت ما بات يُعرف بـ “الربيع العربي” الذي انطلق عام 2011، اشتدت قبضة الثورات المضادة للأنظمة الاستبدادية التي قلقت من ارتدادات انفتاح مساحات حرية التعبير، خصوصًا الإلكتروني، عليها.
ففي منطقتنا حيث نمتلك إعلامًا يهدف للاستقطاب لأقصى حد، فضلًا عن الاحتضار؛ حيث هوت وتلاشت وسائل إعلام عربية كبرى، فيما تحول ما تبقى إلى ممثل لسياسات الدول الممولة.
وباستثناء التجربة التونسية التي لا تزال متقدمة بأشواط، شهدت أنظمة الثورات الأخرى تراجعًا مقلقًا في الحريات العامّة والإعلامية. السنوات الماضية كانت الأصعب؛ إذ سنّت غالبية الحكومات العربية قوانين وقرارات ترجمت مباشرة بملاحقة وسجن صحافيين وإغلاق وسائل إعلام ووقف برامج وطرد صحافيين وفرض رقابة بشكل حاد مع تصاعد في عمليات التهديد، التعذيب، السجن وحتى القتل.[3] وستبقى جريمة الاغتيال الوحشي للصحافي السعودي جمال خاشقجي[4] في قنصلية بلاده في تركيا في أكتوبر 2018 نموذجًا صارخًا لما يمكن لنظام عربي مستبد أن يفعله بحق الصحافة، مع ثقته بالنجاة من تبعات جريمته. وهذا تمامًا ما حدث في قضية خاشقجي التي تم تمييع المسئوليات فيها، ولم يتم إعلان محاكمة واضحة وشفافة رغم كل الدلائل بشأن هوية المرتكبين.
وتعد جريمة قتل خاشقجي مؤشرًا بالغ الدلالة على كيفية تجاوز معظم المسئولين العرب للقوانين دون أدنى رقابة أو خشية من العقاب؛ لأنهم متيقنون من أن المُساءلة معدومة في بلادهم، وأن الغرب تغاضى وسيواصل تغاضيه عن تجاوزاتهم في مقابل مزيد من صفقات النفط والسلاح والمال. وتحول شعار مكافحة الإرهاب، الذي طغى على المزاج السياسي العالمي في السنوات الأخيرة، إلى ذريعة لمزيد من القمع والترهيب في المنطقة العربية،[5] مع صعود قوي لتيارات يمينية شعبوية في الغرب. أما المجتمعات المحلية الغارقة في مآسيها وأزماتها فقد تم تطويعها نحو المزيد من السلبية والانكفاء، والسلطات سعيدة بهذا الانهيار المجتمعي وتفعّل القوانين انتقائيًا كما يحلو لها.
وسط أوضاع السابقة، وجد الصحافيون العرب أنفسهم أمام خيارين: إما مع النظام ومن يواليه من قادة ورجال أعمال وأحزاب وإلا فإنهم في الخندق نفسه مع “الإرهاب” و”أعداء الوطن”.
الاستسلام ليس خيارًا
لا يعد الاستسلام للثنائية السابقة حلًا متاحًا؛ فدور الصحافة هو أحوج ما يكون إليه الآن خصوصًا لجهة كشف الإخفاقات ونبش الظلم والإجحاف وتوفير منصات لنقاشات أكثر دقة وعمقًا وانفتاحًا، فضلًا عن مساءلة المرتكبين والفاسدين.
في غالبية دول المنطقة العربية، بات يُنظر للإعلام باعتباره منقسمًا بناء على أسس سياسية وأيديولوجية؛ فبات واجهة لشحن الخلافات والتناحر الداخلي والإقليمي وتغيب الحقائق خلف هذه الفزّاعة. استثمرت دول كبرى مثل قطر والسعودية والإمارات العربية وإيران وتركيا وروسيا خلال السنوات الماضية في مواقع إلكترونية وصحف وتلفزيونات إقليمية تحوّلت تدريجيًا إلى أبواق دعائية لسياساتها.
لا شك أن جزء من المشكلة هو قانوني تنظيمي، ففي غياب الحرية بامتلاك الإعلام من دون قيود، وفي ظل المنافسة غير العادلة لتوزيع رخص البث والنشر الإلكتروني وسطو السلطات على شركات الإعلان وتوجيهها إلى الإعلان في وسائل إعلامية محددة، ومع قيام بعض الأنظمة الحاكمة بحجب مواقع ورفض منح تراخيص لمنصات إعلامية خارج هيمنة منظومة الحكم، فمن الصعوبة أن ينمو قطاع إعلامي مستقل وفعال. غالبية وسائل الإعلام المكتوب والمرئي والمسموع مملوك للدولة بأشكال مختلفة. والإعلام التجاري، المستقل لفظًا، لا يجرؤ على محاسبة الحاكم ومن يدور في فضائه من أشخاص ومؤسسات ومجموعات ضغط.
يترافق الواقع القانوني مع حروب متنقلة واحتجاجات تشهدها بعض الدول العربية مثل سوريا والعراق واليمن وليبيا، وهنا وجدت العديد من وسائل الإعلام المحلية وحتى الدولية نفسها تعمل تحت ضغوط كبيرة أو مقيدة، وفي الكثير من الأحيان غير مرغوب فيها. فبالرغم من تعدد الأسباب التي تسوّقها الحكومات تجاه إجراءاتها المتخذة، إلا أن النتيجة الثابتة هي التضييق على وسائل الإعلام والصحافيين للوصول إلى مصادر المعلومة ونشرها؛ وهو ما يعد انتهاكَا لأسس حرية التعبير.
في هذه البيئة المشوبة بالعداء والكراهية على نطاق واسع، يتطلب الأمر الكثير من الشجاعة لمواصلة التحقيق في قضايا التعذيب والاعتقال خارج نطاق القانون وفي الفساد أو التهرب الضريبي أو الجريمة المنظمة. وهنا، يُرثي الإعلاميون انهيار معايير المهنية وتراجع قيمها وأخلاقياتها بصورة مرعبة، وسط غياب أي آلية لتنظيم هذه الصناعة من الداخل. من هذا الواقع ومع انكسار الربيع العربي، تعمقت الحاجة إلى صحافة غير منحازة تحاول تصويب ما يلقى على مسامع الرأي العام من دعاية منظمة وتشويه هائل للمعلومات.
واقع الإعلام المستقل
بالتأكيد هناك عدة فرص وتجارب واعدة انطلقت في أكثر من دولة عربية خلال السنوات القليلة الماضية، بحيث شهد الفضاء الإعلامي العربي إطلاق مواقع ومنصات، تحاول أن تكون صوتًا حرًا مستقلًا يقارب المشاكل والتحديات الهائلة التي تواجه المجتمعات العربية والمحلية بشكل مهني جرئ يتجاوز المحظورات السياسية والدينية والاجتماعية. تتفاوت هوية تلك المواقع ما بين مواقع تتناول الشأن المحلي الخاص ببلد المنشأ، ومواقع تتناول قضايا عربية، ومواقع تتخصص بالثقافة والموسيقى، وأخرى بقضايا المرأة والجنسانية.
الانطلاق الرئيسي لتلك المنصات استند على تمويل أوروبي غربي بالدرجة الأولى من قبل جهات مانحة وداعمة، وتحديدًا من دول اسكندنافية. ومن أبرز المؤسسات التي وفرت دعمًا لتلك المنصات هي مؤسسة دنماركية “دعم الإعلام الدولي” أو “International Media Support”، ومؤسسة مقرها في بلجيكا هي “European Endowment for Democracy “، وهناك مؤسسات مانحة أخرى مثل مؤسسة المجتمع المفتوح “Open Society Foundation” الأميركية. تلك المؤسسات ومجموعة أخرى من الهيئات المانحة استطاعت تأمين تدريب وتأهيل وتمويل ساهم في إطلاق منصات ومواقع إعلامية مستقلة تحت سقف المقاربة المهنية المستقلة. تمكنت أيضًا بعض المنصات من تأمين استثمارات صغيرة وتمويلات محدودة من قبل مستثمرين صغار متحمسون لدعم إعلام من خارج الانقسام السياسي الحاصل، إلا أن ذلك لم يتحول بعد إلى مصدر واضح ومهم لدعم الإعلام.
من ضمن المواقع المستقلة التي شهدها الفضاء العربي في السنوات الأخيرة على سبيل المثال لا الحصر: موقع “مدى” في مصر، “انكفاضة” في تونس، “الجمهورية” في سوريا، “درج” من لبنان، “الحدود” من الأردن، “حبر”، “السفير العربي”، “رصيف 22”.
بشكل عام، تمكنت تلك المنصات من تقديم مادة مختلفة وجريئة على مستوى التحقيقات الاستقصائية أو التحليلات الجدية والشهادات الجريئة اجتماعيًا، بحيث خرقت الكثير من المحظورات على مستوى قضايا الدين والمرأة والحرية الفردية والهوية الجنسية والنقاش الثقافي، وأيضًا على مستوى النقد السياسي وكشف الانتهاكات، كما سلك بعض تلك المواقع مجال الصحافة الساخرة بشكل ذكي دون الوقوع في فخ الابتذال السائد. يغلب على المشرفين والمشاركين في تلك المنصات تنوعها في النوع الاجتماعي والعمر والخلفيات الاجتماعية على عكس الهيكلية الهرمية الذكورية التي تسيطر على إدارات الإعلام التقليدي.
نجحت مشاريع الإعلام العربية المستقلة إلى حد كبير في امتحان المصداقية، لكنها لا تزال –في قسم كبير منها– مواقع نخبوية، ليس بالمعنى الطبقي ولكن بالمعنى السياسي والثقافي، في حين لا تزال وسائل الإعلام التقليدية الكبرى هي المصدر الأول للمعلومات لدى الشرائح الأوسع في المجتمع. هذا طبعًا لا يقللّ من مدى تأثير تلك المواقع، التي تعرض بعضها للحجب مثل موقع “مدى” المحجوب في مصر، وموقع “رصيف 22” المحجوب في السعودية ومصر، فضلًا عن التضييق على تلك المنصات لجهة حجب التراخيص، أو التعرض للعاملين فيها من خلال توقيفهم وملاحقتهم ما أجبر بعضهم على العمل من خارج بلادهم، أو لجهة فرض قيود أوسع لجهة تلقيهم التمويل عبر إجراءات ضاغطة من المصارف والتوظيف. على سبيل المثال، هناك دول تمنع أن يكون عدد الموظفين من خارج جنسية البلد المحلي يتجاوز الفرد من بين كل خمسة، في حين تفرض المصارف قيودًا على فتح الحسابات لبعض الجنسيات أو تفرض بحسب قوانين البلد إجراءات رقابية تضيق على ناشطي المجتمع المدني والصحافة من فتح حسابات أو تحويل أموال. هذه الظروف أجبرت تلك الوسائل إما على التواجد خارج حدود بلد المنشأ، أو التغطية على أسماء بعض الكتاب والصحافيين الحقيقية منعًا لتعرضهم للملاحقة.
مستقبل الإعلام المستقل
لكن ومع أهمية الدور الذي تقوم به تلك المواقع، ومع أنها في الغالب نماذج نجحت في بناء شيء من الشعبية والمصداقية، لكنها لم تنجح كثيرًا في بناء قاعدة جماهيرية واسعة على غرار وسائل الإعلام الكبرى لأسباب مادية غالبًا، دون أن تكون تلك الأسباب الوحيدة، إذ لا يزال التحدي التكنولوجي، وما يتطلبه من بناء قدرات ومعرفة وموائمتها مع الحاجات الصحفية، أمرًا يحتاج إلى المزيد من الاستثمار والتدريب، خصوصًا في ظل سيطرة مواقع مثل “فيسبوك” و”تويتر” و”جوجل”، التي تلجأ إليها وسائل الإعلام الناشئة لنشر محتواها والترويج له، لكنها تكتشف أن تلك المنصات تتحكم بالخوارزميات على نحو يحدّ من قدرة وسائل الإعلام الناشئة من الترويج ونشر المحتوى لجمهور واسع، ويجعلها أسيرة سياسات شركات التكنولوجيا الكبرى.
تبقى الحاجة الأكبر هي تحول تلك المنصات من مواقع تعتمد على تمويل يتوافر على المدى القصير من جهات مانحة بالكامل، إلى مواقع قادرة على الاعتماد على مصادر دخل ناتجة من استثمارها وهو أمر حيوي لضمان الاستقلالية التحريرية فعليًا. هذا يعني أن تحدي الاستمرارية من دون الاعتماد على تمويل هيئات مانحة فقط، هو شرط أساسي وحيوي لاستمرارية تلك المواقع في عملها. صحيح أن هذا الهدف ليس سهلًا في ظل المناخ السياسي والاستثماري السائد في الدول العربية، لكن مجالات الإبداع فيه ليست معدومة، حيث أوجدت بعض المواقع مجالات استثمار صغيرة باتت تساهم في تمويل المنصات بنسب تتراوح ما بين عشرة وثلاثين في المئة من الموازنات.
التحديات في وجه هذه الصحافة المستقلة الناشئة هائلة، فهي عدا التحدي المهني والتهديد الجسدي والمعنوي، تحاول مواكبة النقاش نفسه الذي تخوضه الصحافة الغربية بشأن استقلاليتها المادية.
فبمجرد النظر إلى الإعلام الغربي، وتحديدًا مواقع كبرى مثل صحيفة “الغارديان” البريطانية، أو “النيويورك تايمز” الأميركية، نجد أن تلك المؤسسات تتجه للاعتماد على تمويل هذا القارئ أو المشاهد أو المستخدم، فنجد أن كثيرًا من المواقع الإعلامية باتت تعتمد على اشتراكات القراء والمتابعين لضمان استقلاليتها التحريرية، وعلى هذه المعادلة تعيش كبريات المواقع والصحف ومحطات التلفزيون في العالم.
هذا النقاش بات ملحًا في العالم العربي، فمع استمرار الحاجة إلى مؤسسات مانحة غير خاضعة لأجندات دول وأنظمة وأحزاب مستبدة، وأن تواصل تلك المؤسسات المانحة توفير الدعم بشكل أكبر ومستمر، تتصاعد ضرورة أن تتمكن وسائل الإعلام النجاح في التحول إلى مشاريع منتجة ومثمرة ماديًا لضمان بقائها، وضمان جودة مستواها الصحافي والمهني، وهنا لا بد من علاقة مباشرة مع المستخدم الذي كنا نسميه قارئًا. هذه مسئولية علينا صياغة طبيعتها وأشكالها.
النقاش حول تحرير الإعلام العربي من أمراض الانقسام والتمويل السياسي والمذهبي وعدم المسئولية حيال القارئ المُستَخدِم، يجب أن يبدأ من هنا. والتحول الهائل الذي يشهده الإعلام في العالم، يعطينا فرصة لأن نطمح ونحلم ونحقق، فمع انهيار الصحافة الورقيّة، فُتح المجال لصحافة إلكترونيّة متحرّرة من المال السياسيّ. وهذا، بطبيعة الحال، إنجاز كبير فيما يتعلّق بالحرّية، روح الإعلام وشرطه، خصوصًا أنّ وحدة رأس المال والتحرير، وهو ما لازم إعلامنا الورقي، لا تنطبق على الإعلام الإلكتروني المستقل، أو معظمه. فهنا، لا يوجد رأسمال يستطيع التدخل في كل كبيرة وصغيرة، بينما لا يكون رئيس التحرير سوى وسيطه المباشر لفرض سطوة الممول –الذي غالبًا إما تابع للسلطة مباشرة أو متحالف معها. هنا، مع الإعلام الإلكتروني، يمكن للمستخدم أن يساهم في تمويل تلك المواقع. وهذه التحديات التمويلية فرضت نفسها عبر اختبارات النشر المختلفة، وعبر الطموح إلى توسيع قاعدة القراء.
الصحافة العربية المستقلة هي مشاريع قيد الإنشاء والتطور، وقطعت أشواطًا لا بأس بها، لكن عمر التجربة القصير لا يحول دون طرح نقاط يتعلّق بها مستقبل الإعلام الجديد: كيف ستعمل الرقابات الحكوميّة وتُسنّ القوانين التي تواكب هذا الجديد؟ هل يتاح المجال للاقتصادات العربيّة أن تنهض بما يوسّع قاعدة الاستهلاك ويرفع فرص التعويل على دخل إعلانيّ محلّيّ، ما يؤدّي إلى الاستغناء عن المساعدات المشكورة لمنظّمات غير حكوميّة؟ هل سيدخل على خط الاستثمار هذا مساهمون من رجال أعمال ومؤسسات ممن باتوا يستشعرون أهمية الديمقراطية والصحافة الحرة لضمان استقرار الدول، وبالتالي نهوض الأعمال والاقتصاد؟ هل يستطيع الإعلام الإلكترونيّ أن ينتج، وهو المشغول بشروط استمراره المادي، صحافة نوعيّة مهنية تخاطب جميع شرائح المجتمع وتتناول المسائل “غير الشعبيّة” و”غير المثيرة”؟ وكيف يستطيع الإعلام الجديد، في ظلّ الميل المتعاظم إلى تعزيز الاستبداد المصحوب بالنزاعات الأهليّة المتفاقمة والمعطّلة للحركة، إنتاج تحقيقات ميدانية وآراء حرة؟
الأوضاع السياسيّة والاقتصاديّة والأمنية الحالية في عموم المنطقة العربية قد لا تفضي سوى إلى الإحباط أو بالحد الأدنى لا تحمل على المبالغة في التفاؤل. لكنّ التجربة تستحقّ أن تُخاض، وأن تُخاض بهمة وبمثابرة وحماسة.
[2] يورونيوز (2018). لجنة حماية الصحفيين: 251 صحفياً معتقلاً حول العالم ربعهم في تركيا، 14 ديسمبر، https://arabic.euronews.com/2018/12/14/cpj-251-journalists-detained-around-the-world-a-quarter-of-them-in-turkey
[3] دويتشه فيله (2019). الإعلام في العالم العربي – الحلقة الأضعف أثناء الأزمات؟ ، 1 يونيو، http://tiny.cc/7s1tlz
[4] ريان، فريد (2019). لماذا لن ينسى العالم فظاعة جريمة قتل جمال خاشقجي، 29 سبتمبر، https://www.washingtonpost.com/news/global-opinions/wp/2019/09/29/arabic-why-the-world-will-not-forget-the-horror-of-jamal-khashoggis-murder/?arc404=true
[5] هيومان رايتس ووتش (2019). مصر: أحداث عام 2018، https://www.hrw.org/ar/world-report/2019/country-chapters/325594
Read this post in: English