التنمية السلطوية بالمغرب: «دولة التنمية» بدون تنمية الدولة

حمل هذا المقال كبي دي إف

الإشارة المرجعية: : زكاوي، نبيل (2023) . التنمية السلطوية بالمغرب: «دولة التنمية» بدون تنمية الدولة. رواق عربي، 28 (1)، 51-62. https://doi.org/10.53833/SAAI7192

خلاصة

غالبًا ما يُنظر إلى عملية التنمية والحكم السلطوي باعتبارهما متناقضين غير متوافقين؛ إلا أن المغرب يعد نموذجًا لاجتماعهما، وذلك في إطار ما يمكن الاصطلاح على تسميته «تنمية سلطوية»، والتي تعتبر مظهرًا لعزل الديمقراطية عن الممارسة التنموية. تبحث هذه الدراسة في إشكالية تناقض وتأزم المسيرة التنموية للدولة المغربية، فبينما تفرض الدولة إيقاعها فيما يخص تنمية المجتمع؛ فإنها نفسها تستعصي على حركة التنمية، وهو ما يجعل الممارسة التنموية مجتزأة ومحصورة في البعدين الاقتصادي والاجتماعي، في مقابل إهمال البعد السياسي، وهو ما يؤدي بالتالي لتدهور المردود التنموي. كما تختبر الدراسة مدى سلطوية النموذج التنموي المغربي، على خلفية نظرية التحديث ونظرية السلطوية التنموية، استرشادًا بنظرية السلطوية التنافسية، وتوضح أن قيود التمكين الاقتصادي والاجتماعي للمواطنين تعود بالأساس لسمك جدار التحول السياسي للدولة. وخلصت الدراسة لأن شكل التنمية في المغرب يمثل استمرارية للسلطوية السياسية، وأن هذه الأخيرة مسئولة عن فشل التنمية الاقتصادية والاجتماعية. وتنتهي الدراسة لأن التنمية السياسية المُفككة للسلطوية تعد شرطًا لتحقق تنموية الدولة.

مقدمة

غالبًا ما تُوصف التنمية بأنها مطلب للدول المتأخرة عن ركب «التقدم» وغير الديمقراطية في الوقت نفسه. مؤخرًا، أضحت التنمية حاضرة في بؤرة الاهتمام العام بهذه الدول؛ إذ تشغل بال المواطنين وصناع القرار على حد سواء. ويرتبط الانشغال بدراسة وتحليل دور الدولة في التنمية باستحضار الأبعاد المركزية في العملية التنموية: التنمية السياسية باعتبارها تشكل نطاق النظام السياسي للدولة، ثم التنمية الاقتصادية والاجتماعية باعتبار أنهما يمثلان الإطار الذي تتم من خلاله تعبئة الموارد الضرورية لإنتاج السلع والخدمات التي تستجيب لمطالب الأفراد والجماعات من النظام السياسي. ويجدر ذكر أن مصطلح التنمية –في هذه الدراسة– لا يصف التنمية ضمن نطاقات جزئية سواء كانت قطاعية أو مجالية أو غيرها، وإنما يصف التنمية الوطنية الأوسع ضمن أبعادها الثلاثة المذكورة سابقًا.

كما يُنظر للتنمية والحكم السلطوي باعتبارهما غير متوافقين، ومع ذلك يعد المغرب نموذجًا لاجتماعهما في إطار ما يمكن أن نصطلح عليه «التنمية السلطوية»، التي تعد مظهرًا لعزل الديمقراطية عن الممارسة التنموية. وإذ تحاول هذه الدراسة تركيب ذلك المنظور، فإنه ليس من مهامها تشخيص مستوى التنمية بالمغرب استنادًا للمؤشرات والمقاييس ذات الصلة، وإنما همها الأساسي هو اجتراح ديناميات صناعة وتنفيذ القرار التنموي من جانب سلطة الدولة.

إن الدولة تمارس دورًا أساسيًا في تخطيط التنمية وتوجيه دفتها؛ إذ يشكل معطى رعاية الدولة للتنمية خلفية ثابتة في بلورة القرار التنموي، انطلاقًا من تجارب خارجية صنعت فيها الدولة طفرات تنموية. إلا أن قراءة الدولة المغربية لنماذج النجاح التي حققت طفرات تنموية حقيقية تبدو غير دقيقة، لأنها تريد مضاهاتها في الإنجازات، حينما تعبر عن طموحها في الانضمام لمجموعة الاقتصادات الصاعدة (emerging economies)، بينما تحجم، في الوقت ذاته، عن الاسترشاد باقتفاء أثر الاستراتيجيات التنموية التي قادت تلك البلدان لتحقيق مستويات أعلى من التنمية.

ربما تكون تجارب الدول الصاعدة تعود لنقطة زمنية مختلفة عن تلك التي بدأت منها تجربة المغرب، فحتى إذا تمكنت دولًا بينها من تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية في ظل أنظمة سلطوية مغلقة، إلا أنها تمكنت أيضًا من تحقيق الانفتاح السياسي في المراحل اللاحقة. في المقابل فإن المغرب الذي يخوض العمليتين معا بشكل متفاوت يبدو عاجزًا عن تقديم مسار جديد قابل للنجاح؛ فمن جانب لا تزال التنمية الاقتصادية والاجتماعية والإصلاح السياسي جبهات مفتوحة، ومن جانب أخر، هناك غياب أي أفق لانتهاء المرحلة الانتقالية، بما قد يحد من تيسير وتسريع العمليات التي تقود لتحقيق التنمية الفعلية.

في ضوء ما سبق، تبحث هذه الدراسة في إشكالية تناقض وتأزم المسيرة التنموية للدولة المغربية؛ إذ أن الدولة تفرض إيقاعها فيما يخص تنمية الاقتصاد والمجتمع، بينما تستعصي هي ذاتها على حركة التنمية، وهو ما يجعل الممارسة التنموية مجتزأة ومحصورة في البعدين الاقتصادي والاجتماعي في مقابل إهمال البعد السياسي، ويرتب بالتالي لتردّي المردود التنموي.

وهكذا تنسج الدراسة أطروحة مخالفة لأدبيات دراسة التنمية في المغرب، والتي اقتصرت على مقاربات جزئية للموضوع من قبيل المقاربة القانونية الدستورية للحق في التنمية،[1] أو تناول أبعاد التنمية بشكل منفصل يركز على أحدها أو على اثنين فقط في أحسن الأحوال.[2] هذه الدراسة لا تكتفي بمجرد صياغة معادلة تربط أبعاد التنمية ببعضها البعض، وإنما تدفع بهذه المعادلة قُدمًا نحو تحديد اتجاه الاستلزام بين أطرافها الثلاثة، بل واقتحام المنطقة الرمادية للعلاقة بين الدولة والتنمية.

من الناحية المنهجية تختبر الورقة مدى سلطوية النموذج التنموي المغربي، وهكذا في محور تمهيدي نظري تنطلق من أدبيات نظرية التحديث ونظرية السلطوية التنموية، استنادًا على خلفية مقاربتهما للعلاقة بين التنمية والديمقراطية، وتسترشد بمقترب السلطوية التنافسية الذي يرتكز على بنية الأنظمة السلطوية أو الهجينة ومدى توظيفها لآليات الديمقراطية من أجل التحكم في مفاصل السلطة؛ وذلك لمحاولة فهم العلاقة بين الحكم السلطوي والتنمية. وعليه، تفترض الورقة تاليًا بأن الحالة المغربية فريدة من حيث كونها تتجاوز إمكانية الجمع بين التنمية والسلطوية إلى وقوع التنمية ذاتها في قبضة الممارسة السلطوية.

الإطار النظري: جدلية التنمية والسلطوية

إن التنمية كزيادة ضرورية في حاجيات الحياة لا تقتصر على النمو الاقتصادي فحسب، كما أنها تتجاوز رفاهية السكان، لذا فقد أصبحت للتنمية مفاهيم ومؤشرات مركبة الأبعاد. والذي يعنينا هنا بدرجة أساسية هو توضيح علاقة التنمية بالدولة، وتحديد أبعادها والتداخلات القائمة بينها.

في البداية تجدر الإشارة لأن مفهوم التنمية في بداية ظهوره، بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، قد تحول من جواب عن إشكالية التأخر التنموي إلى «التركيز على نمو الاقتصاد وما يتحقق فيه من إنجاز»،[3] حيث «كان من المفترض تحقيق التقدم الاجتماعي من خلال المكاسب الاقتصادية».[4] هذا المنظور، بحسب النظريات الاقتصادية، حصر دور الدولة في التنمية في مجرد ضمان حرية السوق.

غير أن خبرة المجتمعات الرأسمالية، في الماضي البعيد والقريب، تشير لعدم تحقق التنمية بمجرد الاعتماد على قوى السوق وحدها، وأن تحقيقها يستلزم تدخّل الدولة. كذا فإن الدور الذي اضطلعت به الدولة في تصحيح مسار النمو غير المتكافئ، قطاعيًا وجغرافيًا واجتماعيًا، لا يمكن اعتباره هامشيًا بأي حال.[5] لذا، فالوعي بكون البشر أفرادًا وجماعات هم غاية التنمية، سيؤدي للتركيز على الجوانب غير الاقتصادية للتنمية، ومن ثم التأكيد على البُعدين الاجتماعي والسياسي، وعلى دور الدولة في التنمية. وفي هذا الإطار أصبح مفهوم التنمية في قلب أعمال مُنظِّري التغيير الاجتماعي والسياسي في عالم الجنوب، فعلى سبيل المثال «شمل علماء الاجتماع السياسي التنمية بوصفها عاملًا سببيًا في تحليلاتهــم للنظم السياسية المتغيرة ومؤسسات الدولة فــي أمريكا اللاتينية».[6]

ويُفهم من نظريات التنمية، التي أصبحت تتناول المشكلات الاقتصادية المتعلقة بالدول السائرة في طريق النمو، بأنه ليس ضروريًا محاكاة التنمية في هذه البلدان للنموذج الذي سلكته دول عالم الشمال. فعلى خلاف المجموعة الثانية التي جاءت فيها التنمية الاقتصادية والاجتماعية كنتيجة للتنمية السياسية،[7] ينبغي أن تتحقق التنمية في المجموعة الأولى على عكس هذا الترتيب. ومن هنا فمنظور التنمية البشرية الشاملة هو الأصلح لمقاربة التنمية في هذه البلدان، والتي «لا تعني فقط تحقيق معدل مرتفع للنمو الاقتصادي، وإنما أيضًا تحقيق العدالة الاقتصادية والمساواة والقضاء على الجوع والمرض وتحقيق الاستقلال الاقتصادي والتحرر من قيود التبعية الاقتصادية للخارج بالإضافة للتوسع في الحريات السياسية والديمقراطية».[8]

وإذا كانت أوضاع دول عالم الجنوب لا تتطلب توقف الدول عن التدخل في النشاط الاقتصادي، بقدر ما تستوجب مراجعة أشكال وأساليب هذا التدخل؛[9] فإن الإشكال المطروح هنا هو بشأن إمكانية أن تقود دولة غير ديمقراطية التنمية، إذ أنه إلى حين تحقق الانتقال التنموي –أي الانتقال بين أبعاد التنمية– سيتعين على الدولة مباشرة التنمية الاقتصادية والاجتماعية حتى قبلما تصير ديمقراطية ناضجة سياسيًا، ولا يعني ذلك أن تكون التنمية بديلًا عن الديمقراطية.

وتعد نظرية التحديث من أبرز النظريات التي ذهبت لإمكانية تعايش السلطوية والتنمية كمرحلة انتقالية ينبغي أن تقود للديمقراطية، وذلك استنادًا إلى أن التحول السياسي سيكون مدفوعًا بالنمو الاقتصادي، أي أن هذا الأخير يزيد من احتمالية إفساح الطريق أمام الأنظمة السلطوية نحو الديمقراطية. هذه النظرية «تركز على المجتمع هيكليًا، وتدرس كيف يؤدي التقدم الاقتصادي والتمايز الاجتماعي إلى التعبئة السياسية التي تتوج بإقامة الديمقراطية».[10] ويجادل منظرو التحديث بأن التنمية الاقتصادية في الدول السلطوية تؤدي إلى تنمية اجتماعية لطبقة وسطى أقوى، وتنمي اهتمامًا أكبر بالسياسة، كما تضع على عاتق النظام السياسي مطالب أكثر، الأمر الذي قد يؤدي بعد ذلك لتنازلات من جانبه في اتجاه الديمقراطية. إلا أن نتائج التحديث أدت على العكس من ذلك لإثراء النخب الحاكمة والتكنوقراط، في مقابل انتظار الجماهير كي تتدفق آثار فوائد النمو من الأعلى نحو الأسفل، وهو ما أدى لزيادة حدة الظروف التي كان من المفترض تخفيفها، إلى جانب ظهور أشكال نخبوية للديمقراطية وبالتالي التلاعب بالتغيير السياسي المنتظر.

وبينما بعث التحديث على الأمل في أن ما نجحت الدول الغنية في تحقيقه قد يحصل عليه فقراء دول الجنوب مع الزمن؛ اتضح بأن الواقع لا يضاهي الحلم أو الوعد، إذ تكشّف بما لا يدع مجالًا للشك بأن «التطوير والتحديث هما مصطلحان يشيران لسياسة الإصلاح المصممة للحفاظ على الوضع الراهن مع الوعد بتغييره».[11] وبأن قوى عالم الشمال ووكالاتها الدولية التي دعمته من جهة، والحكومات المحلية التي التزمت بسياساته المفروضة من جهة أخرى هم جميعًا شركاء في هذا الخداع. فإذا كان مفهومًا بأن التحديث يناسب المصالح الرأسمالية للأولى، فبالنسبة للثانية، هو «في الأساس هندسة اجتماعية من الأعلى، وعملية احتواء سياسي بدلًا من الدمقرطة».[12] ففي المحصلة اتضح أن النمو الاقتصادي في بعض البلدان لم يعزز القوى الديمقراطية، وتبين أن التحدي ليس في عدم بلوغ نقطة ثراء دخل الفرد التي يقع عندها التحول نحو الديمقراطية بقدر ما «أن العلاقة بين نمو الاقتصادات ومرونة هذه الدول السلطوية أمر مقلق لأولئك الذين يسعون إلى تعزيز الديمقراطية».[13]

وعلى خلاف نظرية التحديث، التي جعلت سياسات التنمية في البلدان النامية موضع شك، ظهرت نظرية السلطوية التنموية التي جاءت لتفسر ظاهرة التنمية في ظل النظم السلطوية للبلدان حديثة العهد بالتصنيع. إذ يشير هذا المصطلح إلى «قدرة الدولة على الحكم مع تحقيق مستويات عالية في التنمية، بحيث تعتبر شرطًا أساسيًا في هذه الأنظمة حتى تضمن حالة من استقرار السلطة، مع وجود معارضة شبه منعدمة، أو معارضة خاضعة لهذه السلطة وتعمل وفق رؤيتها، فهي تعطي انطباعًا صوريًا بوجود هامش معين من الحرية. كذلك تستند في الحكم على إقامة بعض الممارسات التي تتصف بها الديمقراطية، كتنظيم الانتخابات، والسماح بوجود مجتمع مدني وصحافة وإعلام».[14]

وقد أُخذ هذا المفهوم عن مفهوم «الدولة التنموية – developmental state» الذي تم تطبيقه على نموذج التنمية في اليابان، والذي عملت فيه الدولة كقوة دافعة للتنمية، فجرى استخدامه لتحليل تطور بلدان شرق آسيا مثل كوريا الجنوبية وتايوان وسنغافورة أثناء «سعيها لتحقيق معدلات سريعة للنمو الاقتصادي، عبر التدخل بقوة في التفاعلات الاقتصادية، وتولي التخطيط للاقتصاد الكلي».[15]

وتشترك هذه الدول في كونها تمثل حالات زخم تنموي يُفهم سياسيًا بأنه سلطوية كفؤة، على اعتبار أن السلطوية بإمكانها أن تصبح أكثر كفاءة من الحرية في تحقيق التنمية وتحسين شروط العيش. ويبدو أن «السمة القاتمة التي تشترك فيها الدول التنموية هي الجمع بين قمعها الوحشي أحيانًا للحقوق المدنية، ومقياسها الواسع على ما يبدو للشرعية وأدائها المستدام عمومًا في تقديم الخدمات التنموية… وتركز على قدر كبير من القوة والسلطة والاستقلالية والكفاءة في المؤسسات السياسية والبيروقراطية المركزية للدولة، لا سيما بيروقراطياتها الاقتصادية، وتولد قدرة شاملة لتجهيز البنية التحتية».[16]

وقد أثبت نموذج الدولة التنموية قدرته على الصمود؛ إذ تعد الصين من أبرز أمثلته الحالية. وهكذا يواصل تحدي مقولة أن النظام الأصلح للتنمية هو الديمقراطية، ليؤكد بأن «السلطوية ليست بالضرورة عقبة أمام التنمية، ولكن بإمكانها –في ظل ظروف محددة وبفضل قدرة الدولة الفعالة– أن تصبح «نزعة تنموية سلطوية». إلا أن خارطة طريق التنمية الفعالة، وتنفيذها بفاعلية، وإضفاء الطابع المؤسسي عليها، والقدرة على التكيف مع التغييرات المؤسسية، هي أكثر أهمية بكثير في تصنيف الدولة التنموية من السمة الخالصة «للسلطوية»».[17]

في نهاية المطاف، يتضح بأنه بدلًا من التركيز على علاقة الترابط بين التنمية والديمقراطية –التنمية تقود بالضرورة للديمقراطية أو الديمقراطية شرط للتنمية– يمكن النظر إلى التنمية والسلطوية باعتبارهما متغيرين مستقلين؛ إذ يمكن لبعض السياسات تعزيز التنمية بموازاة سياسات أخرى تسعى للتحكم في السلطوية، دونما أن تشكل هذه الأخيرة كابحًا للتنمية.

وبشأن قدرة السلطوية على تحقيق التنمية، هل بالإمكان استلهام التجربة الناجحة للدول التنموية واستعارته لتحقيق أغراض التنمية في البلدان السائرة في طريق النمو مثل المغرب؟ فرغم أهمية نموذج الدولة التنموية؛ إلا أنه عاجز عن تفسير ديناميات التنمية بالمغرب. فالدول التنموية تحقق مستويات مرتفعة من النمو الاقتصادي، وتقدم حزمة موسعة من الخدمات الاجتماعية الجيدة، وذلك على خلاف ما يستطيع المغرب بلوغه والوفاء به. لذا فإن التزام الدولة المغربية بأجندة للتنمية الاقتصادية، ورغم الخدمات الاجتماعية التي تقدمها، لا يرقيها لمستوى الدولة التنموية، حسبما تم تعريفها مسبقًا.

في المقابل، يتم تصوير المغرب من الناحية السياسية كدولة شبه سلطوية أو شبه ديمقراطية، أي كدولة تتبنى ديمقراطية إجرائية (انتخابات منتظمة)، لكنها في الوقت نفسه تحافظ على بعض سمات السلطوية. لذلك يمكن الاسترشاد بمقترب السلطوية التنافسية الذي يقف على بنية الأنظمة السلطوية أو الهجينة، من حيث توظيف آليات الديمقراطية للتحكم في مفاصل السلطة؛ وذلك لمحاولة فهم علاقة الحكم السلطوي بالتنمية. فعلى أساس أن «ما يميز السلطوية التنافسية عن الديمقراطية هو حقيقة أن الإساءة المنسوبة للدولة تنطوي على انتهاك واحدة على الأقل من ثلاث سمات محددة للديمقراطية: (1) الانتخابات الحرة، (2) الحماية الواسعة للحريات المدنية، و (3) تكافؤ الفرص»،[18] فإن انتهاك السمة الأولى يعني أنه برغم وجود منافسة سياسية إلا أن المسئولين غير المنتخبين الذين يمثلون الدولة يحتفظون بسلطة ووصاية كبيرة على صناعة القرار التنموي، بينما يعني انتهاك السمة الثانية وجود حرية جزئية بما يمكن أن ينسحب لتضييق هامش الاختيارات التنموية لدى المواطنين، أما انتهاك السمة الثالثة فيعني أن الأنظمة السلطوية مثلما تخلق حالة تنافس صوري على السلطة، فهي تخلق بالكيفية نفسها حالة تنافسية صورية لصالح وكلائها للتحكم في مفاصل الاقتصاد.

لكل ذلك، تجادل هذه الدراسة في المحورين التاليين بأن أفضل وصف للمفارقة التي تميز التنمية في المغرب هو استمرار النزعة السلطوية في الحكم؛ ففي ظل هذا النموذج –الذي يمكن الاصطلاح عليه بــ «التنموية السلطوية»– يؤدي تحكم الدولة في إدارة متطلبات تنمية الاقتصاد والمجتمع لتهميش المبادئ السياسية الكفيلة بتنمية الدولة نفسها.

الدولة والتنمية الاجتماعيةالاقتصادية: تضخم الخطاب واختلالات الممارسة

أثناء العقود التي تلت الاستقلال الوطني عن فرنسا في عام 1956، ركّزت الحكومة المغربية على التنمية الاقتصادية معتقدةً أن النمو الاقتصادي من شأنه تعزيز التحسينات في المؤشرات الاجتماعية، بما في ذلك الفقر والتعليم ومحو الأمية والرعاية الصحية. وبينما اعتبر صندوق النقد الدولي أن المغرب قصة نجاح بسبب برامج التكيف الهيكلي في الثمانينيات، فقد انتقد البنك الدولي ووكالات التنمية الدولية الأخرى البلاد لأنها لم تكن أكثر اجتهادًا في معالجة التنمية الاجتماعية.[19] إذ بدا عمق التنمية كممارسة غائبًا عن ذهن الحكومات المغربية. التكلفة الاجتماعية للإصلاحات الاقتصادية التي خضع لها المغرب وقتئذ، والتي روجت للأدوات النيوليبرالية من تحرير وإلغاء للقيود، ستشكل السياق التاريخي لبداية التفكير في البُعد الاجتماعي للتنمية.

وبخلاف أواخر عهد الملك الراحل الحسن الثاني، التي شهدت بداية الاحتكاك بمفهوم التنمية، فإن هذا الأخير لم يُعرف على نحو مكثف سوى مع بزوغ ما سُمي بـالعهد الجديد، الذي وسم صعود الملك محمد السادس إلى الحكم، إذ تم إدراج المفهوم في الخطب الملكية بشكل يعكس شغف عاهل البلاد بالتنمية البشرية، وأيضًا باعتباره بداية الشروع في إدماج المفهوم ضمن الخطط والبرامج الوطنية والمحلية. ويعد برنامج المبادرة الوطنية للتنمية البشرية الذي انطلق في سنة 2005 أبرز برنامج تنموي في عهده.

ورغم المرجعية الوطنية للمبادرة، التي تمثلت في خلاصات وتوصيات ما عُرف بتقرير الخمسينية حول تطور التنمية البشرية بالمغرب على مدى خمسين سنة من الاستقلال وصولًا لسنة 2005، والإمكانات المتوافرة من أجل تحقيق التحولات الحاسمة خلال العشرين سنة التالية أي حتى 2025؛[20] فقد حافظت المبادرة الوطنية للتنمية البشرية على الروح النيوليبرالية ورؤية الدولة الحداثية، بأن دفعت المواطنين لتحمل مسئولية تحسين مستوى عيشهم بدلًا من الاستمرار في الاعتماد على الدولة. وبحسب المبادرة «فبينما تقوم الدولة بتوفير الأدوات والتدريب، يتعين على الأفراد اتخاذ خيارات جيدة بأنفسهم وأن يقرروا بشكل مستقل الاستفادة من الفرص لإجراء تحسينات على حياتهم والتي تؤثر في النهاية على الأمة بطريقة إيجابية ومثمرة. فللمواطنين الحق في اتخاذ قراراتهم بشكل مستقل، ولكن من المتوقع أن تندرج قراراتهم ضمن أهداف الدولة في التنمية وخلق مواطنين حديثين».[21]

الإصلاحات التي تقدمت أو واكبت المبادرة الوطنية للتنمية لم تؤد لتجريد الدولة من سلطتها على التنمية، ولكنها تسببت في انتشارها بين أشكال غير مباشرة لحكم الدولة، فعلى الرغم من «الخطاب الواسع الذي يربط المبادرة الوطنية للتنمية البشرية بإرساء «الديمقراطية التشاركية» في المغرب؛ تشير النتائج لأنها عززت في الواقع سلطة ممثلي وزارة الداخلية[22] على حساب المجالس المحلية –المنتخبة، وأنها عملت كأداة لاستقطاب المنظمات غير الحكومية والجمعيات المحلية المؤيدة للنظام، وأدت إلى تفتيت وإضعاف المساءلة المحلية –السياسية».[23]

وأصبحت النخب المحلية بدورها تميل لاحتلال مساحة المجتمع المدني كمحاولة للوصول إلى الموارد، وبالتالي بناء شرعيتها الاجتماعية بشكل متزايد على تحالفها المتجدد مع الملك من خلال المبادرة الوطنية للتنمية البشرية والعلاقات الزبائنية المحلية التي تسمح لها بالحفاظ عليها، بدلًا من وضعها على أساس الممثلين السياسيين.[24] وهكذا يمكن القول بأن المبادرة كانت لها نتائج عكسية على الديمقراطية المحلية؛ إذ تسببت في زيادة نفوذ وكلاء الدولة غير المنتخبين، ما ساهم بدروه في تآكل الهياكل التنظيمية للأحزاب، وهكذا تمكنت الدولة من إعادة نشر قوتها التسلطية.

كذا فإن المسئولية المباشرة للدولة عن التنمية على المستوى الوطني لم تمنعها من اعتماد إصلاحات تشريعية لتفريع عملية تخطيط التنمية في إطار اللامركزية، إذ تم تخويل الجماعات المحلية، من خلال مجالسها المنتخبة، بإمكانية تسطير برامج تنموية على مستواها،[25] إلا أن استمرار وصاية ممثلي وزارة الداخلية، جعل هامش استقلالية النسق المحلي في هذا الإطار قيد التقلص، ولا يتخلص من هاجس «التحكم والضبط وتغليب المقاربة الأمنية على حساب الهم التنموي، بإعادة تسويق نموذج الدولة المركزية المهيمنة على المستوى المحلي، والتي يكون همها الأساسي هو الضبط الاجتماعي بما تملكه من أدوات مختلفة، حيث تتوارى التنمية وراء هذه الوظيفة الضبطية لديناميات المجالات المحلية، وليس بغريب أن تظل هذه الوحدات المحلية قابعة في ضعفها وهوانها وتقدم خدمات لصالح الدولة المركزية»[26] أكثر مما تقدمه للسكان الذين تمثلهم، ما دامت لا تستطيع الفكاك من رقابة الأذرع المحلية لسلطة الدولة.

مزجت الدولة بشكل غير مستقر بين الأيديولوجية النيوليبرالية وبين تدخلها المهم في الاقتصاد، ومن هنا قادت التنمية الاقتصادية كجزء من احتكار الفعل التنموي برمته. وربما يكون ذلك مطلوبًا بحكم أن «الدولة هي الكفيل الأخير بخلق الشروط الضرورية لتحقيق شيء من المساواة بين الفقراء والأغنياء؛ إذ أن تقليص نشاطات الدولة يعني محاباة الأغنياء على حساب الفقراء».[27] غير أن ذلك يجعل القطاع الخاص، بوصفه المولد الرئيسي للنمو الاقتصادي، معزولًا عن العملية التنموية ولا يساهم فيها، بل الأنكى من ذلك أن تبدو الدولة هزيلة أمام ممارسات القطاع الخاص المضادة والمعرقلة للتنمية، من قبيل ظاهرة التهرب الضريبي التي تفوت عليها موارد مالية كفيلة بتمويل جزء غير يسير من المشاريع التنموية. وحسب تقرير أصدرته منظمة أوكسفام المغرب تحت عنوان «ضريبة عادلة من أجل مغرب منصف» في سنة 2019، فأن «المغرب يخسر أكثر من 2.45 مليار دولار سنويًا نتيجة التهرب الضريبي… حيث أن %82 من العائدات الضريبية على الشركات تُستخلص فقط من 2% من الشركات»،[28] وهو الاتجاه الذي أكدته وزارة الاقتصاد والمالية، في المناظرة الوطنية الثالثة حول الجبايات التي انعقدت في السنة نفسها، بأن «50% من إيرادات الضريبة على القيمة المضافة تأتي من 150 شركة فقط، وأن 27% فقط من التصريحات بالضرائب تنتهي بالأداء، في حين تؤدي 0.8% من الشركات 80% من الضريبة على الشركات».[29]

هذا الواقع يشير لأن الرأسمالية المحلية هي رأسمالية طفيلية، كما يعكس رغبة القطاع الخاص في التملص من المساهمة في التنمية، رغم الحوافز التي تمنحها الدولة له، بل إن كون القطاع العام المملوك للدولة هو المسئول الرئيسي في قيادة عملية التنمية، يجعل القطاع الخاص لا يتحمل مسئولية التنمية الوطنية. إلا أن ذلك لا يعني أن القطاع العام يضطلع جيدًا بالمسئولية الملقاة على عاتقه، فهو إما تعوزه قلة الإمكانيات المادية أمام عجز الميزانية العامة وخدمة الدين الخارجي[30] ما يحول دون التوسع في الاستثمارات العمومية الموجهة لإحداث المرافق الإنتاجية أو الخدمات الاجتماعية. أو على العكس، نجد القطاع العام متورط في حوادث الفساد التي تتسبب في إهدار الإمكانات المالية المحدودة المتاحة.[31]

وبحكم أن الرأسمالية المحلية مستوردة وغير مستقلة، حيث لا تستطيع الدولة كسر قيود التبعية الاقتصادية للخارج، وبالتالي لا تملك استقلالية القرار الاقتصادي ومن ثم استقلالية تحديد أهداف ووسائل وسياسات التنمية. فذلك يجعل هذه الرأسمالية غير وطنية وليست تنموية؛ لأنها لا تؤمن حقًا بقضايا الوطن الاقتصادية. فمن جهة تبدو مُقيِّدة للتنمية نظرًا لما تقترفه في الغالب من أنشطة اقتصادية ريعية، حيث يركز رأسماليو المغرب ثرواتهم في التجارة والسمسرة والتوكيلات، بدلًا من الصناعة التي تعد بحق مقدمة قطار التنمية الاقتصادية، ومعنى ذلك أن النمو الاقتصادي يعتمد على تراكم رؤوس الأموال لا على الإنتاج وتوسعه، إذ أن «النمو مدفوع بشكل أساسي بمعدل استثمار مرتفع، يزيد عن 30٪ من الناتج المحلي الإجمالي منذ عام 2005».[32] ومن جهة أخرى، يظهر بأن ليس لديها أي التزام بالتنمية إلا فيما نذر؛ إذ «لا تنفق على أوجه المسئولية الاجتماعية –مثل الإنفاق على البحث العلمي في الجامعات، وإنشاء مراكز بحثية متخصصة، وتقديم منح مجانية للباحثين والعلماء، واستقطاب الكفاءات»،[33] وحتى حينما تمارس بعض الأنشطة الاجتماعية، لا يكون ذلك سوى مجرد مخرج خلفي للتهرب الضريبي.

رغم كل هذه الاختلالات الهيكلية، لا تقترب سياسات الدولة للتنمية الاقتصادية من تغيير بنية الاقتصاد، ولذلك ما تزال تقتصر تدخلاتها على الانشغال برفع مستوى النمو، والذي لا يعدو أن يمثل سوى زيادة في نصيب رجال الأعمال في الدخل القومي وهي زيادة غير تنموية، خاصةً أن القطاع الخاص لا يعيد استثمار أرباحه بما يخلق مزيدًا من فرص العمل –التوسع والتراكم، وهكذا فدور الدولة الاقتصادي موجه في نهاية المطاف لتنمية القطاع الخاص بالأساس. وبرغم كل ذلك فالدور التنموي الذي تتخذه الدولة إزاء الاقتصاد لم يستطع رفع قدرة الاقتصاد على المنافسة والنمو، إذ لم يتجاوز هذا الأخير نسبة 1,5% منذ سنة 2015.[34]

إن المقاربة الاختزالية للتنمية تجعلها بلا وجهة، في الوقت الذي توصف فيه بأنها –التنمية– حركة نحو مجتمع أفضل، بحيث لا ترتب للمواطنين حقوقًا اقتصادية واجتماعية لأنها تعتبرهم مجرد أطراف في العملية الإنتاجية، ولذلك لا تمارس الدولة دورًا جادًا في الرقابة على القطاع الخاص، وهو ما يفسر تساهل الدولة مع تقصيره في حقوق العمال الذين يتقاضون أجورًا غير متوافقة مع إنتاجيتهم. ولذلك فالتنمية حينما تستهدف تحسين مستوى معيشة السكان لا تعزز رفاهيتهم فحسب؛ وإنما هي تساهم في رخاء الاقتصاد أيضًا؛ إذ أن «تلبية احتياجات الفقراء لا يساعد فقط في الحد من مستويات الفقر، ولكنه يحسن كذلك مستويات التعليم والمهارات لدى السكان، مع ما يصاحب ذلك من إمكانات للمساهمة في نمو اقتصادي أكبر. فبالإضافة إلى ذلك، مع زيادة ثراء الفقراء، تزداد قوتهم الشرائية، ما يعود بالفائدة على الشركات المحلية».[35]

ويمثل تمتع المواطنين بحقوقهم البُعد المفقود في التنمية؛ فالتنمية لا تنعكس في حياتهم، والبنيات الاقتصادية والاجتماعية لا تستجيب لمستوى تطلعاتهم وطموحاتهم، وهو ما يتضح في غياب العدالة الاجتماعية المتمثل في التفاوت في توزيع الدخول، ما يؤثر سلبًا على مستويات المعيشة، ويؤدي لاتساع نطاق الحرمان الذي لا يقتصر على فقر الدخل، وإنما يمتد ليشمل افتقاد القدرة على الوصول إلى خدمات أساسية جيدة (الصحة والتعليم)، خاصةً مع تراجع الدولة عن دورها الاجتماعي، واضطرار المواطنين للتحول نحو القطاع الخاص للحصول على تلك الخدمات.

لكل ما سبق، وأمام حقيقة أن تنفيذ السياسات التنموية والنتائج الملموسة لم ترق إلى مستوى الاحتياجات والتوقعات العامة الحاسمة، أقرت الدولة في شخص رأسها –الملك محمد السادس– بفشل توجهها التنموي،[36] فتمت بلورة نموذج تنموي جديد سنة 2019. وفي انتظار أن يتحول من مجرد خطاب –تقرير–[37] إلى ممارسة عملية، يمكن القول بأنه جاء ليعكس من جهة ما يسمى «حكم الخبراء»، الذين تتعالى عوالمهم عن أزمات الحياة اليومية للمواطنين، كما يعكس رؤية قيادات الحكم وليس رؤية طبقات اجتماعية محددة، إذ نبع من استمرار النظر إلى التنمية كسياسات فوقية تتبناها الدولة بدلًا من النظر إليها باعتبارها حقًا للأفراد والجماعات. كما أن النموذج التنموي الجديد يعيد التركيز على الأبعاد التقنية للتنمية، خاصةً البعد الاقتصادي، وهو ما يجعله بمعزل عن حاجات المواطنين –وأهمها على سبيل المثال حاجتهم في الحصول على تعليم جيد– وإنما يجعلهم على الدوام مجرد موارد لخدمة القطاع الخاص. ولذلك «يبدو أن رأس المال البشري لا يحظى بتقدير كافٍ، فأكثر من 60% من السكان العاملين ليس لديهم دبلوم».[38]

فيما يتعلق بتقرير النموذج التنموي يُلاحظ أن الإطار المفاهيمي واللغوي النيوليبرالي لم يتغير مقارنةً مع ما هو معمول به في الخطابات الرسمية والتقارير الحكومية، من حيث التركيز على مفردات وعبارات من قبيل «التنافسية»، و«جذب الاستثمار الأجنبي»، و«الإصلاحات الهيكلية» –وجميعها موجهة لخدمة رأس المال المحلي والأجنبي–، و«مرونة سوق الشغل»، وأولوية «خلق القيمة لفائدة المساهم/المستثمر»، إلخ. في المقابل، لا يعير التقرير أدنى اهتمام لقيم مثل «العدالة الاجتماعية»، و«حقوق العمال»، و«علاقات النوع الاجتماعي». إن هذا السرد اللغوي يفضح الطابع السياسي والإيديولوجي للتقرير، والذي ينحاز لصالح رأس المال ويهدف لخدمة مصالح الطبقات الاجتماعية المهيمنة في المجتمع المغربي.[39] هذا الانحياز هو ما يجعل الفئات الهشة تنحدر في سلم اهتمامات الدولة، حينما تأخذ هذه الأخيرة بالتحول من دولة رعاية إلى دولة حد أدنى كما تنذر به مثالب برنامج تعميم الحماية الاجتماعية –التأمين الإجباري عن المرض– الذي قد «يطرح تأثيرات بعيدة المدى على موقع الدولة في وضع السياسات الاجتماعية. فمن خلال فرض «تضامن قسري» ستقوم الدولة برفع يدها عن دعم المواد والخدمات العمومية عبر تفكيك تدريجي لصندوق المقاصة[40] الذي طالما شكل التعبير الأخير للدولة الراعية، وهو ما قد يهدد بتعميق الفجوة الاجتماعية، ويسير في اتجاه تكريس مدخل ناعم لسياسة التخلي، وهو مسعى ما فتئ يحظى بدعم الهيئات المانحة في سياق التأسيس لــ «تقويم هيكلي سلس»».[41]

استعصاء الدولة على التنمية السياسية

للدولة دور رئيسي في تحقيق التنمية، لكن لا يمكن الحديث عن هذا الدور سوى بالخوض في المؤسسات التي تربط الدولة بالمجتمع، أي النظام السياسي. وفي هذا الإطار يعد الإصلاح المؤسسي أحد أهم عناصر البعد السياسي للتنمية، في الوقت الذي يشكل هذا الأخير الإطار الذي يربط البعد الاقتصادي بالبعد الاجتماعي للتنمية، إذ أن التنمية السياسية هي ما يجلب التمكين في نهاية المطاف. فالنظام السياسي، من خلال أداء مؤسساته، يؤثر على تمكين الأفراد والجماعات اقتصاديًا واجتماعيًا، ولذلك ففي إطار التوجه المعاصر للتنمية السياسية يتم «التركيز على أهمية قدرة النظام السياسي على الوفاء بالحاجات المتغيرة لأعضاء المجتمع»،[42] بما في ذلك قدرته على تقديم السلع السياسية مثل الأمن والحرية والرفاهية والعدالة.

في هذا الإطار، تعد جودة مؤسسات الدولة عاملًا حاسمًا في مدى فعاليتها بشأن تقديم الخدمات العمومية، وفي مقدمتها مؤسسات صناعة السياسات العمومية، والتي يعكس منسوب الثقة فيها مدى استجابة أدائها لتطلعات المواطنين. ففي السياق المغربي، «تحظى الحكومة بأدنى مستويات الثقة… (ويرتبط ذلك) بالنقص الملحوظ في التدابير المتخذة لحل أكثر القضايا إلحاحا في البلاد»،[43] كما يعزى انعدام الثقة في البرلمان إلى التنافر بين الوعود التي قطعت أثناء الخطابات والتنفيذ الفعال لهذه الوعود.[44]

إن تحول الدولة من مدخل تنمية نظامها السياسي هو شرط ضروري لتحقيق التنمية الشاملة؛ لأن ذلك سيؤدي لفتح طرق فعلية لتحسين مشاركة السكان في اختيار وتخطيط رفاهيتهم، بدلاً من الاستسلام للتوجيهات من أعلى إلى أسفل التي لا تعكس إرادة الدولة في استمرار سعيها إلى الحفاظ على الوضع الراهن فحسب، وإنما يعكس أيضًا لغة التفوق والتعالي في خطابها.[45]

غير أن الخطاب التنموي أدنى من أن يكون إيديولوجية للدولة؛ لأن السياسات المنفذة له لا تسترشد بعقيدة سياسية أو اقتصادية متماسكة. فعلى المستوى الخارجي هو مجرد قشرة لإرضاء المانحين أكثر من كونه إرادة سياسية نحو تمرس التنمية. وعلى المستوى الداخلي يعد الاختيار التنموي مجرد توجه براغماتي لدى الدولة؛ لأنه يمنحها شرعية إنجاز كتعويض عن أي تآكل من رصيد شرعيتها الإجمالي بسبب ممارساتها للضبط الاجتماعي والسياسي. إذ أن الخدمات الاستثنائية التي تقدمها الدولة في إطار سياسات الرعاية الاجتماعية هو ما يكسبها الجانب التنموي من لقبها، في مقابل ما تنتهجه من سياسات ردعية أو تقييدية تلصق بها صفتها السلطوية.

وباعتبار أن الدولة ماتزال راعية للتنمية، ولا تقبل سوى بإشراك محدود للمواطنين، فإن ذلك يجعلها تتحكم في جرعات التغيير. وفي ظل انعدام الثقة بين الدولة والمواطنين من جانبها هذه المرة، فإن ما يقلقها ليس ما إذا كان توسيع هامش مشاركتهم سيضمن إصلاح أوضاعهم فعلا من خلال تأمين مستلزماتهم الاقتصادية والاجتماعية، وإنما الخشية من أن يتحول ذلك إلى حركة وعي سياسي للمطالبة بإصلاح الدولة نفسها. بيد أنه أمام سيولة التحديات الداخلية والخارجية التي تجعل بأن لا مناص من هذه الحتمية، تقتنع الدولة على كل حال بأن «التنمية السياسية تأتي في مرحلة ثانية، ويبقى الأساسي في المرحلة الراهنة هو تحقيق نمو اقتصادي واجتماعي، يشكل الأرضية الصلبة لأي انتقال ديمقراطي، وهو خطاب يجد سنده في الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي يعيشها المغرب».[46] لذا فحينما يتم اختزال معضلة الفقر مثلًا إلى مشكلة تقنية، يتم نزع الطابع السياسي على هذه المسألة باعتبارها نتيجة للتوزيع غير العادل للثروات.

وبعدما تحولت مؤسسات الوساطة بين الدولة والمواطنين نحو الواقعية السياسية، في الوقت الذي لم تعد الفواعل السياسية الحزبية ترفع المطالب الجذرية لزمن زهو المعارضة السياسية، حينما كانت لا تتوجس من مواجهة رأس النظام السياسي بضرورة التسليم أن يكون رهن التغيير والإصلاح. في ظل هذا المعطى، توجه النضال السياسي نحو الشارع، وهو ما جعل الدولة تواجه مطالبات بالإصلاح في محطات احتجاجية اجتماعية مختلفة، على الأقل منذ حراك 20 فبراير، الأكثر زخمًا من بينها، في ظل موجة الانتفاضات العربية.

ورغم استجابة الدولة لذلك السياق الذي صعد من مطالب الإصلاح على المستوى الإقليمي بما ترتب عنه سقوط أنظمة حكم بعينها وانحدار بعض الدول إلى الفشل، حيث تداعى البلد للإسراع بتعديل الدستور «على خلفية إعادة هيكلة النظام السياسي، مادامت التحولات السياسية التي أخذ يشهدها المغرب في سياق الانتقال، وفي ظل خصوصية تجربته، لم تكن لتوجد نظامًا سياسيًا جديدًا، لكن كان ينبغي أن تقود إلى إصلاحه»،[47] ورغم أهمية ذلك باعتباره قد حد من تضخم سلطة الحكم، إلا أنه لم يحل دون تغول سلطة الدولة في الممارسة العملية. فبعدما تمكنت الدولة من استعادة زمام المبادرة، استأنفت النمط القسري المعهود لمواجهة المطالب الاجتماعية والاقتصادية التي ظهرت تاليًا، وتحديدًا مع حراك الريف سنة 2016 واحتجاجات جرادة 2018، وما تلا ذلك من انتهاكات لحقوق الإنسان، حين قدرت الدولة بأن تكاليف القمع أقل من تكاليف الإذعان لمطالب المحتجين. وهو ما كشف أن الدولة لاتزال تنظر للمطالب التنموية باعتبارها تحديات لسلطتها وأمنها. وبقدر استمرار الاحتجاجات التي صارت تتخذ أشكالًا مبتكرة من خلال المقاطعة الاقتصادية والاحتجاج الإلكتروني أو «الألتراسي» (روابط مشجعي كرة القدم)، بقدر ما تعمقت أزمة عقيدة الأمن السياسي للدولة، وهي أزمة «مرتبطة بالخوف من جيل الشباب الذي يحمل مطالب ومشروعًا مجتمعيًا، مدخله الأساسي مجتمع ديمقراطي يضمن حقوق الأفراد… وهو خوف من أن يصبح المجتمع في حركية دائمة تقوم على طرح الأسئلة والدعوة المستمرة لإحياء الدينامية الاجتماعية».[48]

إن نموذج الدولة القوية قد يكون مطلوبًا للحفاظ على الاستقرار السياسي للبلاد، إلا أن ذلك لا يبرر الحد من المطالب المجتمعية، وإن كانت فئوية. كما أن الاستقرار الذي تعلي منه الدولة المغربية –بصرف النظر عن كونه استقرارًا خادعًا لأنه يخفي من ورائه الإخفاق في حسم القضايا التنموية– في حقيقته يخفي مقاومة الدولة للشروع في التنمية أولًا، إذ لا تنمية بدون تنمية أدوات التنمية –الدولة وأجهزتها. ذلك أن تنمية المؤسسات الأمنية لا يعني مجرد تطويرها فحسب وإنما ائتمانها على أمان المواطنين بموازاة أمن الدولة، وهو ما يحقق الاستقرار الفعلي وبالتالي يوفر الفرصة للتنمية والرخاء، إذ أن للتنمية جذر أمني لا يقل أهمية.

ومعنى ألا تكون الدولة ضد التنمية السياسية يتمثل في التزامها باحترام الحريات والحقوق. غير أن السمة التي ظلت تسم ممارساتها في هذا الإطار هي تنمية ثقافة الخوف داخل المجال السياسي والشعور بالأمل العميق فقط في المجالين الاقتصادي والاجتماعي. فما تفرضه الدولة من قيود على الحريات والحقوق هو ما يفسر استمرار مجتمع ضبط النفس والتسليم بواقع هدر الحقوق وفي مقدمتها الحق في التنمية، وما يستتبعه من حقوق تكثفه من قبيل المساواة والعدالة في توزيع الخدمات وفي تحمل الأعباء الضريبية، والتي يحمل غيابها عدم وجود التزام معياري بالقوانين، إذ أن لجوء السلطات إلى القانون هو أمر انتقائي، فهو في الغالب أمر «فاتر» و«متحيز» ليناسب ترتيبات خاصة.

في الواقع، وفي الوقت الذي يُنظر فيه إلى «التنمية السياسية كمدخل يهتم بدراسة العلاقة بين المجتمع والنظام السياسي والساعي إلى تطوير الجانبين، أي المؤسسات الحكومية من جهة والمجتمع من جهة أخرى»،[49] لا يزال الطريق طويلًا أمام الإصلاح المؤسسي اللازم لتنفيذ نقلة تنموية في المغرب، وذلك راجع بالأساس لتذبذب الإرادة السياسية للدولة، والدليل على ذلك هو أننا لا نجد مكانًا لمطلب التنمية السياسية في الخطاب التنموي للدولة الذي يهيمن عليه المنظور الاقتصادي والاجتماعي. كما أن النموذج التنموي الجديد الذي تمت الإشارة إليه في المحور السابق، يستبعد البعد السياسي للتنمية، فلا ينص على الإصلاحات المؤسساتية الضرورية لتفعيله، إذ لا يعقل إحداث قطيعة مع مرحلة من تدبير الفعل التنموي في ظل استمرار البنيات المؤسسية نفسها التي جعلت المغرب يرث آليات قانونية وتنظيمية وسياسية تؤدي لتوليد مضادات التنمية بشكل منهجي. فالتحقيق الفعلي للتنمية لا يعني فقط التحول في الخطاب المنقلب على نموذج التنمية القديم، ولكن أيضًا التحول في الآليات المؤسسية التي ستنقل مطلب التنمية من الفراغ إلى المضمون. ذلك أن تبني برنامج للتنمية غير قادر بمفرده على إثبات كونه مقياسًا لبلوغ التنمية، بل إن إصلاح مؤسسات الدولة لا يتم كذلك بمعزل عن محاسبة أولئك المسئولين الذي قاموا عليها وتسببوا في ضياع سنوات من الزمن التنموي.

وهكذا فغياب التأثير المؤسسي على عملية التنمية ناتج من ناحية عن تعليق تسييس عملية هي بطبيعتها أكثر حساسية للسياسة. لكن استبعاد مثل هذا التأثير ينتهي في الوقت نفسه إلى استخدام سياسي في اتجاه ترسيخ بيروقراطية وتكنوقراطية دولة التنمية. ذلك أنه «من خلال جعل المخططات المقصودة لـ«التنمية» واضحة للغاية، يمكن أن ينتهي مشروع «التنمية» بأداء عمليات سياسية حساسة للغاية تنطوي على ترسيخ وتوسيع سلطة الدولة المؤسسية بشكل غير مرئي تقريبًا، تحت غطاء مهمة تقنية محايدة لا يمكن لأحد الاعتراض عليها».[50]

فائدة القول أنه في الوقت الذي «تعد التنمية السياسية هي إحدى الأسس التي ينبغي على دول عالم الجنوب الارتكاز عليها من أجل خلق قطيعة حقيقية مع كل أشكال النظم التقليدية، التي لم تعد تتماشى والأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية»،[51] فإن بنية الدولة المغربية المتمسكة بجذورها التقليدية، حيث تظل مركزية سلطة الدولة على حالها إلى حد كبير، لا يمكنها ضخ دماء التجدد في هياكل البناء الاجتماعي وحتى الاقتصادي؛ إذ أن كون التنمية السياسية هي الإطار الملائم، ليس فحسب لتجاوز أزمة الواقع السياسي وإنما أيضًا للخروج من حالة الجمود والركود التنموي، يفرض إعادة تأسيس سلطة الدولة بشكل يجعلها تعمل داخل وليس فوق البيئة الاجتماعية، والاقتناع بإمكانية حدوث تحولات جذرية لا تهدد بالضرورة استقرار النظام السياسي.

خاتمة

اهتدت هذه الدراسة إلى أن شكل التنمية في المغرب هو استمرارية للسلطوية السياسية، وأن هذه الأخيرة مسئولة عن فشل التنمية الاقتصادية والاجتماعية والتي ليست بدورها سوى نتاج عملية سياسية تتعلق باختيارات الدولة.

طبعًا يظل دور الدولة مهمًا في قيادة التنمية، وتدخلاتها في هذا الإطار تتجاوز المجال الاقتصادي، فهي تطور وتغذي رأس المال الاجتماعي الذي لا تنتجه قوى السوق، وتعمل على دفع سلوك المواطن في اتجاه بناء شبكات اجتماعية مفيدة لتسهيل أجندة التنمية. لكن في المقابل، فشلت الدولة في رعاية التنمية، غير أن هذا لا يعني أن التنمية يمكنها الاكتفاء بعمل أقل من فاعلية الدولة ولكن تحتاج عملًا أفضل للفعل الدولاتي، قوامه الحكم الديمقراطي والرشيد الذي يركز على الممارسات الاقتصادية والمكاسب الاجتماعية الجيدة والتي لا يمكن ترسيخها سوى من خلال السياسة. ومن هنا تظل التنمية السياسية المُفككة للسلطوية شرطًا أساسيًا كي تكون الدولة من النوع التنموي فعلًا.

ذلك أن فشل التنمية وإن كان يتخذ مظهر الفجوة بين التوجيهات العليا وتنفيذها على أرض الواقع، فإنه يرتبط بمأزق عميق في التفكير التنموي للدولة، وهو ما يفسر أن مشاريع التنمية «الفاشلة» يتم قبولها مرارًا وتكرارًا. والحقيقة أن هذا الأمر يفتح نافذة على مستوى آخر من التحليل يتعلق بالاقتصاد السياسي للتنمية في المغرب، وذلك على أساس أن إعادة إنتاج الفشل التنموي يؤدي مهام استراتيجية لفائدة الدولة، لأنه يستمر في جذب الكثير من الاهتمام والدعم الشعبي وظهور حماسة أكثر لخطط التنمية رغم نتائجها غير المضمونة.

لكل ذلك فإن نجاح النموذج التنموي للمغرب على المدى البعيد يتوقف على تصحيح رؤية الدولة للتنمية في الأفق القصير والمتوسط، بما يؤدي لبحث هذا النموذج بكافة تعقيداته، الاجتماعية ممثلةً في تحسين مستوى معيشة السكان، والسياسية ممثلةً في تحقق العدالة وشرعية السياسات وإعادة توزيع الثروة والدخل، والاقتصادية ممثلةً في السعي نحو النمو.

[1] النشاط، صالح (2011). الحق في التنمية والحق في محاربة الفساد من خلال دستور 2011. في حسن طارق وآخرون (محررون)، دستور حقوق الإنسان قراءات وأبحاث (122-161). الرباط: منشورات المجلة المغربية للسياسات العمومية.
[2] الشحواطي، سمير (2014). المؤسسات الدستورية والتنمية السياسية في المغرب. المجلة المغربية للسياسات العمومية، 12، 57-72. و أحمد الوكيلي (2022). استكشاف التنمية الاجتماعية والاقتصادية بالمغرب. أطروحة لنيل الدكتوراه في علم الاجتماع. تطوان: جامعة عبد المالك السعدي كلية الآداب والعلوم الإنسانية.
[3] نوير، عبد السلام (2020). نظريات التنمية وأسباب التأزم دراسة نقدية. التفاهم، 18(68)، 139-172. ص 151.
[4] ورويك، موراي (2015). جغرافيات العولمة: قراءة في تحديات العولمة الاقتصادية والسياسية والثقافية. ترجمة سعيد منتاق. سلسلة عالم المعرفة، 397, الكويت: المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب, ص 313.
[5] العيسوي، إبراهيم (2001). التنمية في عالم متغير: دراسة في مفهوم التنمية ومؤشراتها. القاهرة: دار الشروق، الطبعة الأولى, 79-80.
[6] نوير، عبد السلام. مرجع سابق. ص 150.
[7] المقصود أن التحولات الاقتصادية الناجمة عن الثورة الصناعية والتحولات الاجتماعية التي رافقتها جاءت كلها بعد الثورات السياسية (الثورة الفرنسية كنموذج).
[8] شاهين، عبد الحليم (2021). التطور التاريخي لنظريات النمو والتنمية في الفكر الاقتصادي. سلسلة دراسات تنموية،  الكويت: المعهد العربي للتخطيط, 7 ,ص 2.
[9] العيسوي، إبراهيم (2001). مرجع سابق. ص 32.
[10] آر. طومسون، مارك (2019). التحديث السلطوي في شرق آسيا (Authoritarian Modernism in East Asia). نيويورك: بلاكراف ماكميلان. ص 7.
[11] إل. جيندزيي، إيرين (2017). التنمية ضد الديمقراطية والتلاعب بالتغيير السياسي في العالم الثالث (Development Against Democracy Manipulating Political Change in the Third World). طبعة جديدة. لندن: مطبوعات بلوتو. ص 15.
[12] بييطيرس، يان نيديرفين (1991). معضلات الخطاب التنموي: أزمة النزعة التنموية والمنهج المقارن (Dilemmas of Development Discourse: The Crisis of Developmentalism and the Comparative Method). التنمية والتغيير، 22(1)، 5-29. ص 12.
[13] ماطفيس، إتس (2015). رواندا وإثيوبيا: الاستبداد التنموي والسياسة الجديدة لرجال إفريقيا الأقوياء (Rwanda and Ethiopia: Developmental Authoritarianism and the New Politics of African Strong Men). مجلة دراسات إفريقية، 58 (2)، 181-204، ص 184.
[14] سباش، ليندة (2022). السلطوية التنموية والديمقراطية: أي علاقة؟. المجلة الجزائرية للأمن والتنمية، 11(2)، 123-133. ص 126.
[15] عبد الله يونس، محمد (2019). عودة سردية الدولة الوطنية. ملحق اتجاهات نظرية، مجلة السياسة الدولية، 216، 15-18. ص 16.
[16] لفتويش، أدريان (1995). استعادة السياسة: نحو نموذج للدولة التنموية (Bringing Politics Back in: Towards a Model of the Developmental State). مجلة دراسات التنمية، 31(3)، 400-427. ص 420.
[17] هربير، طوماس (2016). «الدولة التنموية 3.0» الصينية ومرونة السلطوية (The Chinese “Developmental State 3.0” and the Resilience of Authoritarianism). مجلة الحكامة الصينية، 1(4)، 611-632. ص 5.
[18] ليفيتسكي، ستيفن وإي واي، لوكان (2010). الأنظمة السلطوية التنافسية الهجينة بعد الحرب الباردة (Competitive Authoritarianism Hybrid Regimes After the Cold War). كامبريدج: منشورات جامعة كامبريدج. ص 7.
[19] هوغس رنكور، كورتني (2014). تكوين مواطنين ليبراليين في المغرب: الصحة الإنجابية وسياسة التنمية والمعتقدات الإسلامية الشعبية (Creating Neoliberal Citizens in Morocco: Reproductive Health, Development Policy, and Popular Islamic Beliefs). أنثروبولوجيا طبية، 34(3)، 226-242. ص 229.
[20] اللجنة المديرية) 2006). [تقرير الخمسينية]: المغرب الممكن: إسهام في النقاش العام من أجل طموح مشترك. الدار البيضاء: دار النشر المغربية. https://mupresse.com/?p=1309.
[21] هوغس رنكور، كورتني (2014). مرجع سابق.
[22] تعتبر وزارة الداخلية من بين أهم ما يسمى «وزارات السيادة»؛ إذ تجسد سلطة الدولة، ولذا تسمى أم الوزارات.
[23] برغ، سيلفيا. آي (2012). الليبرالية الجديدة «الشاملة» وإصلاحات الحكم المحلي وإعادة انتشار سلطة الدولة: حالة المبادرة الوطنية للتنمية البشرية في المغرب (‘Inclusive’ Neoliberalism, Local Governance Reforms and the Redeployment of State Power: The Case of the National Initiative for Human Development in Morocco). سياسات متوسطية، 17(3)، 410-426. ص 412.
[24] برغ، سيلفيا. آي (2012). مرجع سابق. ص 423.
[25] أنظر المادة 78 من القانون التنظيمي رقم 14.113 المتعلق بالجماعات، والمادة 80 من القانون التنظيمي رقم 14.113 المتعلق بالجماعات، والمادة 83 من القانون التنظيمي رقم 14.111 المتعلق بالجهات: الجريدة الرسمية عدد 6380 بتاريخ 23 يوليو 2015.
[26] الزياني، عثمان (2014). المخطط الجماعي للتنمية: بين التباسات التخطيط وإكراهات «سوسيولوجيا الواقع». وجهة نظر، 20(60-61)، 37-29. ص 30.
[27]  هورست، أفهيلد (2007). اقتصاد يغدق فقرًا: التحول من دولة التكافل الاجتماعي إلى المجتمع المنقسم على نفسه. ترجمة عدنان عباس علي. سلسلة عالم المعرفة، الكويت: المجلس الوطني للثقافة والآداب والفنون والآداب, 355 . ص 58.
[28] أوكسفام (2019). يتقاضي أجير بالمغرب في 154 سنة ما يتقاضاه ملياردير في 12 شهرًا. أوكسفام بالعربية، 1 مايو. تاريخ الاطلاع 8 أبريل 2023، http://bitly.ws/CGW6.
[29] التايدي، مريم (2019). الجبايات بالمغرب.. أرقام صادمة وبحث عن العدالة الضريبية. الجزيرة نت، 5 مايو. تاريخ الاطلاع 8 أبريل 2023، http://bitly.ws/CGWI.
[30] يواصل حجم الديون العمومية الخارجية الارتفاع منذ سنة 2013 باستثناء تراجع طفيف سنة 2018، كما يمثل حجم هذه الديون نسبة مرتفعة من الدخل القومي، إذ بلغت سنة 2021 ما يقارب الثلث. أنظر: وزارة الاقتصاد والمالية (2023). مشروع قانون المالية لسنة 2023: التقرير السنوي حول المديونية. ص 35.
[31] يسجل المغرب تراجعًا في مؤشر مدركات الفساد منذ سنة 2018 حينما حصل 43 نقطة على 100، في مقابل حصوله سنة 2022 على 38 نقطة. أنظر: مؤشر مدركات الفساد (2022). منظمة الشفافية الدولية. تاريخ الاطلاع 22 أبريل 2023، http://bitly.ws/DoF9.
[32] منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية (2017). مسارات التنمية: مراجعة متعددة الأبعاد للمغرب. الجزء 1: تقييم أول. باريس: منشورات منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية. ص 23.
[33] يوسف، محمد (2017). حول شروط الرأسمالية التنموية في البلدان النامية. الديمقراطية،67، 150-154. ص 152.
[34] مركز التنمية، منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية (2019). ديناميات التنمية في أفريقيا 2019 تحقيق التحول الإنتاجي (Dynamiques du Développement en Afrique 2019: Réussir La Transformation Productive). باريس: منشورات منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية. ص 219.
[35] كاتي، ويليس (2011). نظريات وممارسات التنمية (Theories and Practices of Development). نيويورك: روتليدج, الطبعة الثانية. ص 105.
[36]  المملكة المغربية، مجلس النواب (2017). نص الخطاب الملكي السامي في افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية. مجلس النواب، 13 كتوبر. تاريخ الاطلاع 10 أبريل 2023، http://bitly.ws/CHmx.
[37]  للاطلاع على التقرير، أنظر: اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي (2021). التقرير العام: النموذج التنموي الجديد: تحرير الطاقات واستعادة الثقة لتسريع وتيرة التقدم وتحقيق الرفاه للجميع. أبريل، http://bitly.ws/Djak.
[38] منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية (2017). مرجع سابق. ص 25.
[39] سعيد السعدي، محمد (2022). حول «النموذج التنموي الجديد» للمغرب: «تنمية» لفائدة من؟. شبكة المنظمات العربية غير الحكومية في للتنمية، 1 مارس. تاريخ الاطلاع 12 أبريل 2023، http://bitly.ws/CHoa.
[40] صندوق دعم اجتماعي للمواد الأساسية بالمغرب.
[41] زعنون، عبد الرفيع. تعميم الحماية الاجتماعية: تأسيس لدولة الرعاية أم تكريس لسياسة التخلي؟. المعهد المغربي لتحليل السياسات.  https://mipa.institute/8856.
[42] سعد أبو عامود، محمد (2016). دور الأحزاب في التنمية السياسية المعاصرة. الديمقراطية، 42-49، 64. ص 42.
[43] مصباح، محمد وأوراز، رشيد وكولين، فرانشيسكو (2020). مؤشر الثقة في المؤسسات 2020: البرلمان وما وراءه في المغرب تجديد الثقة من خلال بحث جذور نقصها. الرباط: المعهد المغربي لتحليل السياسات. ص 76.
[44] المرجع السابق نفسه. ص 109.
[45] الزاهي، نور الدين (2011). تعالي الدولة ومحايثة التسلط. وجهة نظر، 14(49)، 14-17. ص 15.
[46] المساوي، محمد (2012). الملكية المغربية وواقع التنمية السياسية. مسالك في الفكر والسياسة والاقتصاد، عدد مزدوج 21-22، 21-27، ص 26.
[47] زكاوي، نبيل (2022). انحراف مسار ما بعد العدالة الانتقالية وهشاشة الانتقال الديمقراطي في المغرب، في: ماضي، عبد الفتاح وموسى عبده (محررون). العدالة الانتقالية والانتقال الديمقراطي في البلدان العربية، المجلد الأول: حالات عربية ودولية. قطر: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات, الطبعة الأولى. ص 282.
[48] الخطابي، أحمد (2018). من حركة 20 فبراير إلى حراك الريف: الخوف من الديمقراطية أم الخوف من جيل الشباب بالمغرب. سياسات عربية، 6(32)، 38-50. ص 49.
[49] شحماط، مراد وجصاص، لبنى (2013). التنمية السياسية: مقاربة معرفية لتفسير الحراك الشعبي في الوطن العربي، المجلة العربية للعلوم السياسية، 38، 35-56. ص 36.
[50] فيرغيسون، جيمس (2006). «الآلة المناهضة للسياسة» (The Anti-Politics Machine). في شارما، أرادهانا وكوبتا، أخيل (محرران)، أنثربولوجيا الدولة (The Anthropology of the State)، (286-270). أكسفورد: بلاكويل. ص273.
[51] شحماط، مراد وجصاص، لبنى (2013). مرجع سابق. ص 43.

Read this post in: English

Exit mobile version