الإشارة المرجعية: الرفاعي، إنجي (2024). الإسلام وحقوق المرأة: قراءة أبو زيد التأويلية للقرآن. رواق عربي، 29 (1)، 144-159. DOI: 10.53833/CKYS9046.
خلاصة
هذه الورقة المؤلفات العلمية لأحد أبرز المفكرين العرب والإصلاحيين الإسلاميين خلال العقدين الماضيين، وهو نصر حامد أبو زيد. فبينما تغطي كتاباته عددًا من القضايا المركزية في الفكر الإسلامي المعاصر؛ فإن هذه الورقة تهدف لتناول مقاربة أبو زيد التأويلية لدراسة القرآن فيما يتعلق بتاريخيته وقابلية تطبيقها بالنسبة لحقوق المرأة التي يعتبرها أبو زيد «إحدى أهم القضايا» في المجتمعات العربية المعاصرة. توظّف هذه الدراسة المنهج التحليلي النقدي لتقييم والنظر في معقولية أفكار أبو زيد بشأن تعدد الزوجات والميراث. وقد خلُصت هذه الورقة لوجود نقاط ضعف جوهرية في حجته العامة المتعلقة بتلك القضايا، لاسيما فيما يتعلق بأصول حظر تعدد الزوجات، والذي نشأ قبل ظهور الإسلام نفسه بكثير؛ إذ أن المحددات السياقية التي وظفها أبو زيد متصلة فقط بشبه الجزيرة العربية خلال القرن السابع. نقطة الضعف الأخرى في رؤية أبو زيد تكمن في الوصول لفهم موضوعي للقرآن حينما يتعلق الأمر بتخصيص نصيب عادل من الميراث لكلا من الرجل والمرأة، إذ لم يحدد على الإطلاق شروط هذه الغاية الموضوعية.
مقدمة
ظلت قضية حقوق المرأة إحدى أهم القضايا وأكثرها إثارة للجدل في العالم الإسلامي. لسنوات عديدة، تعرّض الإسلام لإدانة واسعة النطاق بسبب اضطهاده للنساء؛ فالعديد من المجتمعات اعتبرت أن الإسلام دين لا يمنح أية حقوق للنساء، وينص في المقابل –بطرق شتى– على خضوعهن للرجال بشكل كامل. وغالبًا ما كان يُنظر للنساء باعتبارهن أدنى منزلة من الرجال، وعلى سبيل المثال كانت ممارسات مثل تعدد الزوجات ومنح النساء نصيب غير متساو من الميراث تُعتبر ممارسات مشروعة في الإسلام. ناهيك عن الاستشهاد بالنصوص القرآنية لتبرير تلك الممارسات، لاسيما من جانب علماء النص الذين يعملون على إضفاء معان عالمية على تفسيراتهم الحرفية للنص القرآني الأصلي، وذلك بغض النظر عن الاعتبارات السياقية أو التاريخية التي أدت لنزول النص في زمن الوحي في القرن السابع. [1]
يقودنا هذا الأمر إلى العلماء المعنيين بالسياق الذين هم على النقيض من علماء النص، يركزون بشدة على المحددات السياقية لمثل تلك الممارسات آنذاك، ويجادلون بأن النصوص القرآنية المتعلقة بتعدد الزوجات والميراث يمكن استيعابها فقط من خلال عدسة تاريخية تضع في حسبانها السياق الاجتماعي لشبه الجزيرة العربية في القرن السابع. وهم يزعمون أن تلك الممارسات كانت مقتصرة –من حيث ملائمتها وتطبيقها– على زمن النبي محمد، ولم تعد صالحة للتطبيق أو ملائمة في الوقت الحاضر. وفي مثل تلك الحالة، تمتلك الآيات قيمة تاريخية وليست معيارية. ورغم أن القراءات السياقية للقرآن باتت رائجة بشكل متزايد هذه الأيام؛ إلا أنه لا يوجد باحث معاصر في الفكر الإسلامي أثار الجدل بقدر نصر حامد أبو زيد، المعروف بمقاربته التأويلية الجريئة للقرآن وبنقده الراديكالي للخطاب الديني المُسيّس بشدة في مصر والمنطقة العربية. وتحتل رؤيته لحقوق المرأة مركزًا محوريًا في مساعيه الفكرية؛ إذ كان يعتقد أن تلك الحقوق قد تم تقويضها بواسطة الفقهاء وعلماء الدين ذائعي الصيت الذين كانوا يؤمنون بـ «تفسير واحد ومحكم وملزم للقرآن قدمه النبي لكافة الأزمنة».[2] وقد تحدى أبو زيد تفسيراتهم للقرآن التي غالبًا ما تسفر عن تقييد والتقليل من شأن أدوار النساء وحريتهن. وفي وجهة نظره، لا يمكن اعتبار النصوص القرآنية بمثابة قوالب جامدة يمكن فهمها فقط من خلال التفسيرات التقليدية للعلماء والمفسرين، وهي تفسيرات تم إنتاجها في ظروف سياسية أثّرت على الكثير من اجتهاداتهم.[3] بدلًا من ذلك، ينبغي وضع النصوص القرآنية في سياقها الاجتماعي والثقافي والسياسي والاقتصادي والفكري الأوسع. وقد وصف أبو زيد الخطاب بشأن النساء في المنطقة العربية باعتباره متحيز جنسيًا بشكل مفرط نتيجة التقاليد الأبوية والهيمنة الذكورية التي أدت لوجوده. وقد اتخذ أصغر علي إنجنير، وهو ناشط وباحث إسلامي هندي معروف، منهجًا مماثلا في التفكير، وجادل بأن تفسيرات علماء الدين والفقهاء في القرن الأول للإسلام، الذين كانوا يتمتعون بمكانة كبيرة في مجتمعاتهم وكان يتم الأخذ بآرائهم باعتبارها القول الفصل، يجب النظر إليها بحسب الظروف الاجتماعية والسياسية في زمانهم؛ إذ كانت تعتبر النساء بمثابة أدوات لاستمرار النسل وتربية الأطفال وتوفير المتعة لأزواجهن.[4] مشيرًا لأن عدم مراعاة مثل تلك العوامل السياقية من شأنه إساءة تفسير الأحكام القرآنية. وما يثير القلق بشكل خاص أن الافتراضات المعينة في الخطاب الديني الشعبي التي لم تخضع لبحث دقيق غالبًا ما يتم تجاهلها أو تجنبها.
لا تسعى هذه الدراسة لتقديم نقاش معمّق بشأن تلك الافتراضات أو تحليل شامل للمنهجية التي يوظفها أبو زيد في تفسير القرآن، رغم مدى أهمية تلك المساعي إلا أنها لا تقع في نطاق هذه الورقة. بدلًا من ذلك، تهدف الورقة لتناول مقاربة أبو زيد التأويلية للقرآن بشكل عام وعلاقتها بحقوق المرأة بشكل خاص. وفي سبيل ذلك، فإنها تستهدف تقييم أعماله العلمية بشأن قضايا تعدد الزوجات والميراث، التي تستند في وجهة نظره إلى مبدأ منهجي جوهري بالنسبة الإصلاح الإسلامي، وهو تاريخية القرآن. كباحث في النقد الأدبي، قدّم أبو زيد الأبعاد اللغوية والتاريخية للقرآن، وخلُص في البداية لأن القرآن منتج ثقافي. وبمرور الزمن، طور أبو زيد أطروحته بشأن الجانب الإنساني للقرآن وحتميته في تلبية الاحتياجات المتغيرة للمجتمع الإسلامي. في الواقع، إن القراءة الإنسانوية للقرآن تُشير إلى التفسير الموجه إنسانيًا للنص القرآني، إذ يُمثل المُفسّر البشري شكلا نفيسًا من الفاعلية في الممارسة التأويلية. وكما سنُوضح، فإن تاريخية النص القرآني مهمة لاستيعاب أفكار أبو زيد حول الإصلاح الإسلامي بشكل عام وحول حقوق المرأة بشكل خاص؛ إذ كانت التاريخية بمثابة خطوة أولية لمشروعه الأوسع، الذي كان معنيًا بإيجاد «مغزى» للآيات القرآنية بما يتوافق مع الحقائق الاجتماعية والاقتصادية والسياسية حولنا. وهكذا انطلقت رؤية أبو زيد من الناحية المفاهيمية بعيدًا عن التفسيرات السابقة للقرآن والتي يتم الاحتفاء بها في التراث.
توظّف هذه الدراسة المنهج النقدي لبحث وتقييم الأعمال العلمية لنصر حامد أبو زيد فيما يتعلق بمقاربته التأويلية إزاء القرآن، ونتائجها عندما يتعلق الأمر بحقوق المرأة، لاسيما ما يتعلق بتعدد الزوجات والميراث. وفي هذا الإطار، يتم النظر في المصادر الأولية والثانوية بعناية، ليس فقط من أجل تعقب كيفية تطور عمله البحثي في كتاباته، ولكن أيضًا لتكوين انطباعاتي الخاصة حول عمله بما يسمح بالتقييم النقدي لما يقدمه من افتراضات في ضوء التأثيرات التي شكلّت فكره. وبينما نال توظيف مفهوم التاريخية كوسيلة حتمية للإصلاح اهتمامًا متزايدًا من جانب العديد من الباحثين المسلمين (مثل فضل الرحمن ومحمد أركون)؛ فإن هذه الورقة تناقش وتُقيّم عمل أبو زيد وحده. فيما يلي، سأقدم تغطية موجزة لخلفية أبو زيد قبل إدراج آراؤه المفاهيمية حول تاريخية ونصيّة القرآن، بما في ذلك أطروحته الأساسية حول «تعدد التأويلات». وبعد ذلك، سأقدم مراجعة نقدية لآرائه حول حقوق المرأة من خلال عدسة محددة تركز على أفكاره حول قضايا تعدد الزوجات وعدم المساواة في الميراث.
موجز عن خلفية أبوزيد
السنوات الأولى في حياة أبو زيد، بما في ذلك المرحلة الأولى من تطوره الفكري، اتسمت بالتدين التقليدي. ولد في عام 1943 في قرية قحافة الصغيرة في شمال مصر بالقرب من مدينة طنطا، والتحق مثل غيره من أطفال القرية بـ (الكُتّاب)، وهو نظام تعليم تقليدي، يهدف لتعلم تلاوة القرآن وفقًا لقواعد التلاوة الصحيحة، ما مكنه من حفظ القرآن كاملًا ببلوغه الثامنة. وفي أعقاب وفاة والده، لم يستطع أبو زيد مواصلة تعليمه الثانوي، وبدلًا من ذلك حصل على دبلوم الثانوية الصناعية، وعمل كفني لاسلكي لبعض الوقت من أجل إعالة أسرته. وكان منذ طفولته مولعًا بالأدب العربي.[5] وخلال عمله كفني، كان يستمتع بالاطلاع على مؤلفات عباس محمود العقاد وطه حسين وسيد قطب. في نهاية المطاف، تمكن أبو زيد من تحقيق حلمه باستكمال تعليمه الثانوي. وبعد تخرجه من المدرسة الثانوية، التحق بجامعة القاهرة ونال درجة الليسانس في اللغة العربية وآدابها.
من خلال قراءتي، بدأت المرحلة الثانية من التطور الفكري لأبو زيد في وقت مبكر من دراساته العليا بجامعة القاهرة. بعدما حصل على الليسانس، عُرض عليه العمل كمحاضر مساعد بالجامعة، الأمر الذي أتاح له ترك وظيفته كفني. آنذاك، نال درجة الماجيستير في اللغة العربية والدراسات الإسلامية، وتناولت أطروحته للماجيستير العديد من القضايا الأساسية المتعلقة بالاتجاهات الرئيسية في تفسير القرآن في التراث الإسلامي. ففي أطروحته المعنونة (قضية المجاز في القرآن عند المعتزلة) تناول أبو زيد قضية «المجاز» عند المعتزلة. وقد أولى اهتمامًا كبيرًا لافتراضات المتكلمين حول آيات القرآن، التي يمكن تصنيفها إلى صنفين، آيات متشابهات وأخرى محكمات،[6] ودفعه هذا التركيز أو الاهتمام إلى دراسة اللغويات الحديثة. وحصل أبو زيد على زمالة للدراسة في الجامعة الأمريكية بالقاهرة، حيثما تعلم أيضًا اللغة الإنجليزية ليتمكن من توسيع استيعابه للأدب المتعلق بتخصصه الجديد. أعتقد أن تلك السنوات من الدراسات العليا قد شكلّت نوعًا من الإعداد للمرحلة الثالثة من التطور الفكري لأبو زيد، والتي اتسمت بتبنيه رؤية نسبية للمعرفة. إن التحول في التركيز الأكاديمي عند أبو زيد من التفسيرات اللاهوتية للقرآن إلى التأويلات الصوفية كان جليًا في أطروحته للدكتوراه، والتي تناول فيها أسس التأويلات الصوفية في كتابات ابن عربي. وقد حصل أبو زيد على زمالة مؤسسة فورد وسافر إلى فيلادلفيا حيثما درس الأنثروبولوجيا واللغويات والتأويل.
في رأيي، فإن كلا من الاتجاه الصوفي الموروث من ابن عربي والموقف العقلاني الموروث من المعتزلة، وجها المقاربة التأويلية لأبو زيد تجاه القرآن والسُنّة. والتي أعتقد أنها تُمثل المرحلة الرابعة من تطوره الفكري، وقد تجلّت خلال الفترة التي قضاها أبو زيد في الخارج (في الولايات المتحدة واليابان وهولندا) حيث درس النظريات المعاصرة في الاتصال والتحليل الأدبي، بما في ذلك التأويل كما تم تطويره بواسطة هانز جورج جادامير، والمنهج النظري الدلالي تجاه القرآن كما طوره توشيهيكو إيزوتسو.[7] في ذلك الوقت، تبنى أبو زيد موقفًا منفتحًا إزاء المعرفة المستمدة من التقاليد الأجنبية، إذ عمد إلى مزجها مع تركيبة خصبة من المعرفة التي اكتسبها من دينه. في رأيي كان لديه فضول لاستكشاف ثقافات وعوالم جديدة ولفهم الأديان الأخرى. بالطبع لا يمكن تجاهل المناخ السياسي المتغير الذي عاشه أبو زيد في مصر، في فترة شهدت صراعًا عنيفًا بين حركات اليمين واليسار. وبينما مثل الأخير التيار القومي المستند إلى أفكار الرئيس المصري الأسبق جمال عبد الناصر؛ مثلت الليبرالية الجديدة لخليفته أنور السادات اليمين، وتجلت في السياسات الاقتصادية المعروفة بالانفتاح بالإضافة إلى معاهدة السلام مع إسرائيل.[8] وفيما اتسمت كلتا الرئاستين بتوظيف الدين بشكل أساسي؛ فإن ذلك الأمر قد يكون سببًا وراء دفع أبو زيد تجاه مشروعه الإصلاحي.
رؤية أبو زيد لتاريخية القرآن
إذا كان إدراك القرآن مقتصرًا على الاعتقاد الوجودي بطبيعته الأزلية، المتمثلة في اللوح المحفوظ (وهو مكان غيبي، أو سجل إلهي، يعتبر أزليًا لدى العديد من المسلمين، كتب الله فيه، مقادير الخلق كافة، قبل خلق الكون)؛[9] فمن المنطقي التغاضي عن السياق التاريخي للجزيرة العربية في القرن السابع، حيثما نزل الوحي الإلهي. كانت تلك رؤية أبو زيد، إذ شدد بقوة على تاريخية القرآن في سبيل الإصلاح الإسلامي. من الأمور المركزية لمبدأ التاريخية في المقاربة النظرية لأبو زيد أن إذا كان القرآن يمكن فقط فهمه وتفسيره بشكل صحيح استنادًا إلى الظروف التاريخية المعينة لجمهوره الأوائل في الجزيرة العربية في القرن السابع؛ إذن فهو لا يعد رسالة إلهية متجاوزة قابلة للاستيعاب والتطبيق بشكل متساوٍ على البشر كافة في كل العصور. لم يول أبو زيد اهتمامًا كبيرًا للسردية المقبولة على نطاق واسع بشأن بلاغ القرآن عن مصدره الإلهي. وإنما سعى بدلًا من ذلك للوصول إلى فهم أوضح للنص القرآني من خلال تاريخيته. وكان أبو زيد يرى أن المسلمين، الذين يؤمنون بالنموذج الغيبي للقرآن (مفهوم اللوح المحفوظ)، يتجاهلون تمامًا العلاقة الجدلية بين النصوص القرآنية والمتلقي، الأمر الذي كان يتمسك به بموجب حجته، وهو ما يفعله المسلمين حين يتلون القرآن. وكان يرى أن مبعث القلق يكمن في أن هذا الاعتقاد قد «يتضمن موقفًا إسلاميًا مفرطًا في تقديس النص، وتحويله من نص لغوي إلى نص أسطوري يتجاوز الفهم البشري».[10] علاوة على ذلك، رأى أبو زيد أن التصور الغيبي للقرآن يُعد تخليًا عن التقليد التأويلي المعروف بالنسخ، والذي يقضي بإبطال إحدى آيات القرآن استنادًا إلى آية أخرى.
في كتابه (إصلاح الفكر الإسلامي)، عرف أبو زيد النسخ باعتباره مبدأ «يعتبر فيه (الفقهاء) أن الوحي الذي جاء في فترة لاحقة تاريخيًا بمثابة حكم نهائي، بينما يُعتبر الحكم السابق منسوخًا».[11] في وجهة نظره، فإن مفهوم النسخ يمثل دليلًا حيًا على العلاقة بين القرآن وسياقه التاريخي. رغم ذلك، فإن ذلك لا يعني أن معنى القرآن ينبغي أن يكون متطابقًا مع السياق. وفي هذا السياق، ميز أبو زيد بين المعنى التاريخي للقرآن ومغزاه، وهو ما سنناقشه في الورقة. إذ يتمثل المعنى التاريخي في السياق التاريخي للجزيرة العربية في القرن السابع؛ فيما يكمن مغزاه في معناه للحاضر. ومن الجدير بالذكر هنا أن أبي زيد تناول هذا المفهوم للنسخ باعتباره تأكيدًا على الصلة الضرورية بين الوحي والواقع،[12] متحديًا الطبيعة الثابتة للأحكام القرآنية. ويرى أبو زيد أن الهدف الرئيسي للنسخ كان إدخال عنصر السياق في عملية التفسير؛ بما يؤدي إلى توصلنا لمغزى الآيات. وفي حين أن مبدأ النسخ يستند إلى القرآن،[13] إلا أنه غير دقيق إلى حد بعيد في رأي أبو زيد والذي جادل بأن «الفقهاء لم يتوصلوا إلى إجماع حول ما تم نسخه، وذلك ببساطة لأن الترتيب الزمني الفعلي لنزول آيات القرآن كان دومًا، ولا يزال، موضعًا للجدل والخلاف».[14]
واعتقد أبو زيد أن التركيز المفرط للمسلمين على هذا البعد الإلهي قد ساهم بشكل جوهري في جمود وتصلُّب الفكر الإسلامي؛ إذ تم تجاهل التقليد التأويلي طويل المدى للنسخ، والذي عالج احتياجات المسلمين وظروفهم المتغيرة عبر التاريخ. وتجدر الإشارة هنا إلى أن الاعتقاد بالنموذج الغيبي للقرآن يستلزم وجود النص في الزمن الأزلي الذي يسبق الواقع الذي يخاطبه؛ وهو اعتقاد يرى فيه الكثيرين، ومن بينهم أبو زيد نفسه، تناقضًا منطقيًا. رغم ذلك، من الجدير ملاحظة أنه خلال زمن أبو زيد، وحتى يومنا هذا، لا يزال هناك ميل عام لهذا الاعتقاد الغيبي، مدعومًا من جانب العلماء والدعاة المسلمين في المساجد وفي وسائل الإعلام. وانطلاقًا من كون أبو زيد يعتبر نفسه وريثًا لمدرسة الفكر المعتزلي (التي تُشدد على أهمية العقلانية أو التفكير المنطقي في تفسير النصوص الدينية)؛ فإنه فند مرارًا وتكرارًا آراء أولئك العلماء لترويجهم لهذا التصور الغيبي للقرآن. مفترضًا أن فكرة الطبيعة الأزلية للقرآن ذاتها، بمعزل عن الزمن الخطي والظروف المحددة، تتجاهل العلاقة الجدلية بين النص القرآني ومتلقيه. وحسبما ذكرنا آنفًا، فإن هذا التصور أسفر عن الاعتقاد بأن القرآن يتجاوز الفهم البشري، وهو أمر لا يمكن أن يكون صحيحًا، كما أكد أبو زيد، طالما أن القرآن –من حيث المبدأ– هو دليل للبشرية أو الإنسانية. ولصياغة الفكرة بشكل مبسط، إذا كان القرآن أزليًا، فعلى أي أساس يتبع المسلمون النص المقدس؟
أبسط طريقة لتوضيح الأصل المفاهيمي لفلسفة أبو زيد هي عبر الخوض في الجدل الذي شهدته العصور الوسطى بين الأشاعرة والمعتزلة حول طبيعة القرآن؛[15] إذ اعتقد المعتزلة أن القرآن مخلوق في سياق زمني، وهو مخلوق استثنائي يتألف من كلمات منظومة بشكل متسلسل وليس أزليًا مع الله، كما كانوا «ينكرون أن يكون له أي وجود مستقل عن الله». والتزموا بصرامة بمفهوم وحدانية الله، بمعنى أن الله كيان مجرد ومطلق وغير مجسّم. وفي وجهة نظرهم، كما يجادل بيتر آدمسون، فإن القرآن مفتوح للتأويل بواسطة العقل الإنساني؛ ومن ثم أكدوا على السياق التاريخي للوحي.[16]
بعد بضعة عقود، ظهر الأشاعرة كاستجابة للموقف الفلسفي المعتزلي وأعلنوا أنها حركة هرطقة إسلامية. وبعد رفض الموقف المذهبي للمعتزلة حول خلق القرآن، أكد الأشاعرة في المقابل على الطبيعة الأزلية للقرآن. ومنذ ذلك الحين تمكن الأشاعرة من الغلبة، مشكلين العقيدة السُنيّة السلفية في الإسلام. وحتى الوقت الحاضر، فإن السلفية السُنيّة، التي تشدد على الالتزام الصارم بالتفسير الحرفي للقرآن، تمكنت من الهيمنة على الخطاب الإسلامي على كافة المستويات.
كان أبو زيد أول عالم مسلم ينقل النقاش حول القرآن من عالمه الأنطولوجي-اللاهوتي إلى عالم التاريخية والسياقية. كان السياق الاجتماعي والسياسي الذي عاش فيه أبو زيد يقع تحت هيمنة الاعتقاد الأشعري بالطبيعة الأزلية للقرآن –وهو الاعتقاد الذي سيطر على اللاهوت الإسلامي منذ القرن التاسع. وكما لاحظ فضل الرحمن، أعاد أبو زيد إحياء «المذهب المعتزلي بأن «القرآن مخلوق» عبر إعادة تعريف مفهوم الوحي».[17] مع ذلك، فإن الرؤية السلفية الخاصة بغيبية وأزلية القرآن واصلت عرقلة مبادرات الإصلاح في الإسلام بشكل عام.
القرآن كنص لغوي
في كتابه (مفهوم النص: دراسة في علوم القرآن)، جادل نصر حامد أبو زيد بأن القرآن في جوهره نص لغوي، يرتبط أساسًا بثقافة أو سياق معين، أو يجسدهما. وتنبع هذه الرؤية من فرضية أبو زيد بأن «القرآن كان وحيًا من الله للنبي محمد في القرن السابع، ومن ثم كان في الوقت ذاته نتاجًا للثقافة العربية».[18] بمعنى آخر، يرى أبو زيد النص القرآني كرسالة لغوية استخدمها الله ليفهمها المتلقون الأوائل (الجمهور الأول للوحي)، مؤكدًا أن القرآن كان رد فعل على ثقافة قائمة، كما أن النبي محمد لم يكن شخصًا معزولا عن السياق، وإنما يعيش فيه. في هذه الحالة، مع الوحي ونزول القرآن بلغة بشرية، تعامل أبو زيد مع القرآن من خلال مقاربة الأدب العربي. في وجهة نظره «يصف القرآن نفسه بأنه رسالة. وتفترض الرسالة وجود رابط بين مرسلها ومتلقيها، من خلال نظام لغوي. وفي حالة القرآن، لا يمكن أن يكون مرسل الرسالة موضوعًا للبحث العلمي. ومن ثم، من الطبيعي أن تتم دراسة النص من خلال منظور الثقافة والظروف التاريخية».[19] وإذا كان القرآن بالفعل قد نزل على النبي محمد في القرن السابع[20] استجابة لشواغل المسلمين؛ فإن ذلك يعني أن الوحي ظاهرة تاريخية. ومن الجدير بالذكر أن أبي زيد قد تأثر بمفكري النهضة الإسلامية مثل رفاعة الطهطاوي وقاسم أمين ومحمد عبده، والمثقفين الحداثيين مثل أمين الخولي والطاهر الحداد،[21] وجميعهم وضعوا أسس مشروعه الإصلاحي. كما يجب ملاحظة تأثير سيد قطب، العالم الإسلامي وعضو جماعة الإخوان المسلمين، على أبو زيد في سنواته الأولى. ولم يكن قطب ليتفق مع أبو زيد بشأن تاريخية القرآن؛ فقد جادل في كتابه (في ظلال القرآن) بوجود صلة للقرآن بالقضايا المعاصرة كما لو أنه نزل خصيصًا للتعاطي مع تحديات اليوم.[22] رغم ذلك، فإن جوهر تأثير قطب على أبو زيد يكمن في عاطفتهما المشتركة إزاء الأبعاد الجمالية للقرآن، سواء كنص أو كقطعة فنية صوتية؛ ولكنهما حين اعتمدا على القراءة الأدبية للقرآن، اختلفا إلى حد بعيد في النظرية المعرفية التي يستند إليها كل منهما.
التأويل الإنساني عند أبو زيد وتعدد التفسيرات
إلى جانب إثبات الأبعاد التاريخية واللغوية للقرآن، زعم نصر أبو زيد أن القرآن نص بشري. إذ أشار لأنه بمجرد نزول الوحي على النبي محمد بلغة بشرية، فإنه اكتسب وجودًا إنسانيًا كنص بشري، ومن ثم بات موضوعًا للتأويل والفهم البشري.[23] كما زعم أن «النص، منذ أن نزل أول مرة –حينما جاء الوحي وتلاه النبي محمد– قد شهد تحولًا من كونه نص إلهي إلى نص بشري: أي تحول من تنزيل إلى تأويل».[24] بمعنى آخر، بمجرد نزول القرآن على النبي محمد اكتسب وجودًا كنص بشري، وبات موضوعًا للفهم والتأويل الإنساني.[25] وبهذا المعنى، فهو نص بشري، واستخدم أبو زيد مصطلح «الأنسنة» للتعبير عما يدور في ذهنه، وهي رؤية تتعارض مع السلطة السياسية والدينية القائمة منذ معركة صفين سيئة الصيت في 657 ميلادية، وهو ما سنناقشه في القسم القادم. ومن الجدير بالذكر أن أبي زيد استخدم باطراد مصطلح (التأويل) للتأكيد على نصيب العقل في الفعل التفسيري، بدلًا من مصطلح (التفسير) الشائع، والذي يمنح الأولوية للنقل في فهم النص.
متأثرًا بافتتانه بالعلاقة بين القرآن ومتلقيه؛ أكد أبو زيد أنه لكي نتمكن –نحن البشر– من فهم الرسالة الإلهية للقرآن؛ يتعين علينا فعل ذلك وفقًا للظروف التاريخية المتغيرة، وذلك عبر العثور على «مغزى» للقرآن وفقًا للواقع الاجتماعي والاقتصادي والسياسي من حولنا. وكان يعتقد أن القرآن ليس مجرد نص معتمد لدى رجال الدين المسلمين، ولكنه خطاب ديناميكي، ديالكتيك بين الله والبشرية، وقد تطور بالضرورة عبر التاريخ الإنساني. وبما أن القرآن يعتمد بطبيعته على التأويل بواسطة العقل البشري، لم يكن أبو زيد يميل على الإطلاق تجاه التصور بوجوب وجود تأويل مطلق للقرآن. في المقابل، فإنه دعا لتعدد التأويلات؛[26] إذ أن مغزى القرآن يختلف بحسب من يتلقاه وأين يتلقاه ومتى يتلقاه. وفي سياق تأثر أبو زيد بأعمال علماء الهرمنيوطيقا الغربيين، مثل الناقد الأدبي وعالم السيمياء الروسي جورجي م. لوتمان، فقد أسس نموذج اتصال نظري، باعتبار أن القرآن –كأي رسالة أخرى– يمثل علاقة تواصلية بين المرسل والمتلقي استنادًا لنظام لغوي أو رمز معين.[27] وكان أبو زيد يعتقد أنه إذا كان المضمون الذي يحمله النص يختلف وفقًا لآفاق القارئ الفرد الشخصية والثقافية؛ فإن جوهر رسالة القرآن بالنسبة لقارئ القرن العشرين ينبغي أن يختلف بالضرورة عن جوهرها للمسلم في القرن السابع. وقد رأى أبو زيد، متأثرًا بالناقد الأدبي إ. دي. هيرش، أن التأويل لا ينتهي ببساطة عند تحديد المعنى التاريخي للنص وهو ثابت؛ فمن أجل ممارسة حقيقية للتأويل يتعين على المرء إدراك مغزى النص، والذي هو متغير على الدوام في السياق المعاصر. وكما قال جورج تامر «طالما أن المعاني يتم نقلها عبر لغة تخضع للتطور في إطار سياقات ثقافية واجتماعية محددة تاريخيًا؛ فإن المتلقين المعاصرين للقرآن يجب أن يُفسروا رموز تعبيراته اللغوية والثقافية، التي تنتمي إلى ماض بعيد، ولم تعد سهلة الاستيعاب بالنسبة إليهم».[28] وعبر التمييز بين المعنى والمغزى، بدا أن أبي زيد يوضح التفاوت بين المنهج النصي ومقاربته التأويلية. ووفقًا لميشال موخ، الأستاذ المساعد ورئيس قسم الحضارة الإسلامية في الثقافات المتوسطية والشرقية بالأكاديمية البولندية للعلوم، والمؤلف المشارك في الطبعة البولندية النقدية الأولى لمؤلفات نصر أبو زيد، «يمكن القول، أن الاختلاف بين المعنى والمغزى يمكن مقارنته بالتمييز من جهة بين التفسير التقليدي الذي يركز على المعنى الأصلي والثابت والتاريخي للنص المعطى، ومن جهة أخرى التأويل الذي يتوجه أكثر نحو تفسيره المتغير والديناميكي، أخذًا في الاعتبار التطورات التاريخية والاجتماعية».[29] وقد اعتقد أبو زيد أن تلك الرؤية كانت أكثر شمولًا مقارنة مع أسلافها في التراث الإسلامي، ولكن كما سأوضح لاحقًا في قسم حقوق المرأة، فإنها تعتمد فحسب على افتراضات كان يُعتقد في كونها صحيحة، وفي أنها ذات صلة «فقط» بالسياق التاريخي للجزيرة العربية في القرن السابع.
للأسف، كانت المقاربة الإنسانوية، ولا تزال، يُنظر لها كصراع مع مزاعم التفسير المطلق. وقد جادل أبو زيد بأن موقفه الفلسفي كان شبه «موضوعي»، ففي وجهة نظره لا ينبغي التعامل مع القرآن باعتباره مجرد نص تم اختزاله في تحيزات أيديولوجية من جانب علماء الكلام؛[30] وإنما يجب اعتبار القرآن بمثابة متن مغلق والتعامل معه باعتباره ظاهرة حية مفتوحة للتأويل، وكخطاب يتطور عبر الزمن. وفي حين بدا أن أبي زيد يعرف حقًا ما ينطوي عليه مصطلح «موضوعي»؛ إلا أنه لم يتمكن من تقديم أيه معايير معيارية تمنح مزاعمه الشرعية اللازمة. وأيقن أن أبي زيد، ولو من دون تعمّد، قد استخدم المنهجية والمعالجة الغيبية للقرآن ذاتها التي انتقدها وعارضها فيما يتعلق بتفسيره، وهي قضية سيتم تناولها بمزيد من التفصيل في مناقشة حقوق المرأة.
.
التنوع التأويلي المفقود
تعتبر تاريخية النص القرآني وأبعاده الإنسانية أساسية لفهم مفهوم نصر حامد أبو زيد لـ«تعدد التأويلات»، وهو مفهوم يعود إلى أعماله الأكاديمية المبكرة. يتجلى هذا بشكل خاص في رسالة الماجستير الخاصة به، حيث درس العقلانية المعتزلية في تفسير القرآن ومحاولاتهم لتجريد الاستعارات القرآنية من الطابع الأسطوري في سياق الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية لتلك الحقبة. وفقًا لأبو زيد، فإن المعتزلة تأثروا بشدة بالفلسفة اليونانية والمنطق، واعتمدوا الأساليب العقلانية في تفسير القرآن: «بما أن الله خلق الإنسان بقدرة على التفكير، فمن الطبيعي أن يستخدم الإنسان المنطق لتعزيز معرفته بالله». واصل أبو زيد هذا النهج المنفتح نحو المعرفة في أطروحته للدكتوراه، حيث درس التفسير الصوفي للقرآن عند محيي الدين ابن عربي، الذي أكد على أنظمة مفتوحة من التواصل بين الله والإنسان في القرآن. ابن عربي «كان يعتقد أن الفكر الإسلامي يجب أن يكون مرنًا بما يكفي لاستيعاب كل جوانب المجتمع تحت مظلة الإسلام».[31] يمكن القول إن هذا الوصف لابن عربي يعكس أفكار أبو زيد نفسه، حيث كان يعتقد أن الحضارة العربية الإسلامية كانت مزدهرة وديناميكية لأنها كانت تقوم على التعددية، والعقل، وحرية الفكر.
من الجليّ أن تاريخية النص القرآني والبحث في بُعده الإنساني يُعدان أمران حاسمان في استيعاب مفهوم «تعدد التأويلات» عند نصر حامد أبو زيد. فتاريخ الإسلام، وفقًا لأبو زيد، هو تاريخ لتعدد الآراء، نشأ عبر قرون من حركات ومذاهب متعددة. في وجهة نظره، فإن «هذا التنوع يعد نتيجة للعوامل الطارئة والاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي واجهتها كل واحدة من الجماعات، الأمر الذي دفعها لتأطير مواقفها عبر تفسيرات مبتكرة للنص».[32] ويرى أبو زيد أن الحضارة العربية الإسلامية ظلت مزدهرة وديناميكية، بسبب أنها كانت قائمة على التعددية والعقل وحرية الفكر. وهي الظروف التي لم تستمر لأمد طويل؛ نتيجة لعوامل سياسية واجتماعية. وضرب أبو زيد مثالًا بمعركة صفين، أول حرب أهلية في التاريخ الإسلامي وأول محاولة للتخلي عن العقل لصالح النقل. بالنسبة للعديد من المسلمين، تعتبر تلك المعركة على نطاق واسع الواقعة التي قسمت المسلمين إلى ثلاثة طوائف كبرى: السُنّة والشيعة والخوارج. كانت المعركة في الواقع «صراع بين الخليفة عليّ وبين منافسه الذي أصبح في نهاية المطاف الخليفة معاوية، أول خليفة من الأمويين».[33] في تلك المعركة، حمل الأمويون صفحات من القرآن على سيوفهم مطالبين بـ «تحكيم كتاب الله».[34] من هنا، أكد أبو زيد أن الصراع على السلطة بين الجماعات والفصائل المتنافسة أدى لتخفيض منزلة العقل من الصدارة التي كان يحتلها، واستبداله بالقراءات الأيديولوجية للمصادر المقدسة، وأسفر عن تآكل التعددية. كان أبو زيد يعتقد أن «الخلاف كان بشأن التصورات، وليس حول قضايا العقيدة الأساسية، وهناك فرق بين التصور والظاهرة. حيث يقوم الناس بإنتاج التصور خلال لحظة معينة من الظاهرة. بينما في العلوم الاجتماعية، التي ينتمي إليها تحليل الخطاب، فإنه يتم دراسة التصور وتحليل مفاهيمه».[35] ويوضح هذا الاقتباس رفض أبو زيد للاهوت المطلق الذي يفصل القرآن عن سياقه، والذي يُعلن وجود تفسير واحد يكون بمثابة الحقيقة المطلقة. في الواقع، لقد اعترض على المزاعم التي تفرض التزامًا صارمًا بمعنى ثابت أو حرفي للقرآن، يمكن للعلماء فقط التوصل إليه، وهم أنفسهم من يدافعون عادة عن هذا التفسير المعياري للقرآن ويحولونه إلى عمل مرجعي. وقد استخدم أبو زيد تعبيراته الخاصة للدعوة إلى التحرر والهيمنة والتفوق باسم النص الديني.[36]
وينطبق مفهوم الدعوة إلى تعدد التأويلات على الآيات القرآنية المتعلقة بالنساء. في الواقع، إنه بمثابة احتضان أكثر شمولًا لحقوق المرأة. وفيما يلي، سنعمد لاستكشاف أفكار أبو زيد حول حقوق المرأة. ومن الجدير بالذكر أن أبي زيد كان لديه اهتمامين رئيسيين عندما يتعلق الأمر بحقوق المرأة. يتمثل الأول في اهتمامه بالشروط القضائية والعملية المتعلقة بوضع النساء،[37] وستحلل هذه الورقة آرائه بشأن تعدد الزوجات والميراث. بينما الأمر الثاني هو اهتمامه بإشراك النساء في الخطاب السياسي، والذي كان يعتقد أنه قد أثر على اضطهادهن إلى حد كبير. ولأغراض هذه الورقة، ستتم مناقشة الاهتمام الأول فقط وبشكل مفصّل.
حقوق المرأة ودور التراث
كان نصر حامد أبو زيد يرى أن أحد الأهداف الرئيسية للقرآن هو العدل، وهو مبدأ يعتقد أنه في صميم التعاليم الإسلامية. ووفقًا لذلك، لا ينبغي تبجيل أي قاعدة في حد ذاتها وإنما يجب أن «تستمد مشروعيتها من المبدأ ]العدل[، فإن قيمتها ليست لها في ذاتها، بل فيما تحققه من اتساق أو عدم تعارض مع المبدأ».[38] على سبيل المثال، يجب على أي تشريع أو أي قضية أن تضع في الاعتبار «ماهية الأهداف النهائية للقرآن حقًا».[39] وقد استخدم أبو زيد مبدأ العدل الذي لم يعترف به العرب في القرن السابع. متهمًا علماء النص بتوظيف الدين ورؤاهم بشأن العدل للحفاظ على انعدام المساواة في المجتمع. وحتى في زمنه، جادل بأن المؤسسة الدينية كانت بمثابة الوصي على التسلسل الهرمي والسلطة الأبوية في المجتمعات الإسلامية. وكتب أبو زيد «عندما يتعلق الأمر بالمرأة، فإن بنية السلطة تظل قائمة. وتكون مهمة الزوجة هي طاعة زوجها، بل حتى يجب على المرأة أن تطيع أشقائها الأصغر سنًا»، وبما أنهن يُعاملن باعتبارهن أقل شأنًا؛ «لا تحظى النساء في معظم الأحيان بذات الفرص لتجربة الحياة».[40]
الأكثر أهمية، أن أبي زيد أنكر إمكانية وجود النصوص الدينية بمعزل عن التأويلات. في وجهة نظره، دعا القرآن مرارًا وتكرارًا للمساواة بين الرجال والنساء؛ ورغم ذلك، فإن الفقهاء أحيانًا يخالفون رسالة النص القرآني لصالح اعتباراتهم الأيديولوجية التي غالبًا ما تكون كارهة للنساء. على سبيل المثال، تجاهل الفقهاء تمامًا القصة القرآنية للخلق لصالح سردية العهد القديم. زعم أبو زيد أن العلماء المسلمين مثل الطبري أخذوا قصص العهد القديم كأمر مسلم به، وتبنوها من خلال تفسيراتهم الخاصة.[41] ويُعتقد أن تلك الفكرة قد تعززت أيضًا، كما يدل على ذلك حديث نبوي صحيح رواه البخاري ومسلم «صاحبا الكتابين الرئيسيين للحديث النبوي اللذان يتفق علماء الحديث على صحتهما».[42] مع ذلك، في رأي أبو زيد، يوضح القرآن بجلاء أن الرجال والنساء خلقوا من نفس واحدة، وأنهم «أزواج». ويمكن للمرء رؤية أن ذلك يعني أن أصول العلاقة بين الرجال والنساء تتسم بكونها متساوية ومنصفة، وربما لا يمكن لأي منهما التواجد أو الاستغناء عن الآخر. في الأساس، كل قصة في القرآن تحتوي على رجل وامرأة يحملان الرسالة سويًا: موسى ومريم، المسيح ومريم، محمد وخديجة. مع ذلك، كما جادل أبو زيد، فإن ما كان، ولا يزال، سائدًا هو رواية العهد القديم بأن حواء خُلقت من ضلع آدم، بما يشير ضمنًا لدونية متأصلة.[43] في هذا التفسير، خُلق آدم «أولاً» ثم حواء «من ضلعه». مع ذلك، كما قال أحد المفسرين المعروفين للعهد القديم، ماثيو هنري، «خُلقت حواء من ضلع في جانب آدم، وليس من رأسه لتتسلط عليه، أو من قدمه ليطأها بها؛ بل من جانبه لتكون متساوية معه، ومن تحت ذراعه ليحميها، وقريبًا من قلبه ليحبها».[44]
بالعودة إلى مسألة العدل، كتب أبو زيد «عندما قمت بتطبيق أبحاثي النقدية على موضوع المرأة، رأيت مدى تشابك هذا الموضوع مع مفاهيم العدل والحرية، وهما هدفان أساسيان للقرآن».[45] ويعتقد أبو زيد أن الفقهاء الذين يصرون على القراءة الحرفية للنص يخالفون مقصد العدل في الإسلام. وقال إن أية تفسيرات تستند إلى مدونات التفسير التراثية (التفسير أو التفسير النقدي للنص) أو تراث النبي محمد وصحابته لا يمكن أن يقتفي أثر رسالة القرآن المحددة لكل عصر. حتى ذلك الإرث المحمدي أو الحديث النبوي، الذي يعتمد أيضًا على تفسيرات وتسلسل السند (النقل)، ليس سوى تفسيره الخاص للرسالة الإلهية. من حيث المبدأ، يعتبر المسلمون الحديث مصدرًا ثانويًا رئيسيًا للشريعة الإسلامية. ولكن في إطار الممارسة، يبدو أنهم يضعون كلا من القرآن والحديث في منزلة متكافئة. وهو بالطبع أمر إشكاليّ؛ لأنه كما يرى أبو زيد فإن «تفاصيل الشريعة الإسلامية غالبًا ما تكون مستمدة من الحديث، إذ أن العديد من جوانب اللاهوت والعقيدة الإسلامية لا تأتي من القرآن وإنما من الحديث».[46] بالإضافة إلى ذلك، رأى أيضًا أن تلك التفسيرات قد أخفقت في استيعاب جوهر القرآن، وحافظت بدلًا من ذلك على المكانة المتدنية نفسها للمرأة إبان زمن الوحي –وهي المكانة التي اعتزم الإسلام تغييرها. وجادل أبو زيد بأن الحفاظ للأبد على رسالة القرآن بمعنى معين وثابت، دون الأخذ في الاعتبار الزمان والمكان المحددين لنزول الوحي؛ يعد مخالفة وتحريف لكلام الله. بدلًا من ذلك، ينبغي على الفقهاء تشكيل القوانين والقواعد مع مراعاة الأهداف السامية، إذ أن التفسيرات أو القراءات الحرفية لا تتمكن دائمًا من الكشف عن رسالة الله. من الجلّي أن أبي زيد كان متأثرًا بأفكار المؤلف والناشط التونسي الطاهر الحداد؛ الذي اعتقد أيضًا بأن الأهداف الأسمى للإسلام لا يمكن على الإطلاق إدراكها من خلال القراءات الحرفية للقرآن.
وامتدت كتابات أبو زيد الجريئة إلى الإمام الشافعي، أحد الأئمة الأربعة الكبار للمذاهب السُنيّة. كان أحد أسباب أبو زيد لاستهدافه بالنقد هو رفعه لمنزلة السلطة التشريعية للسُنّة، وجعلها مصدرًا شرعيًا مساويًا لسُلطة القرآن.[47] وكان ذلك يُمثّل إشكالية بالنسبة لأبي زيد، لأن السُنّة في وجهة نظره ببساطة عبارة عن مجموعة من الكتابات التي تم تناقلها عبر الأجيال بوساطة رواة من البشر الذين لم يفعلوا شيئًا سوى تتبع أقوال محددة للنبي، في حين أن القرآن يتألف من كلام الله –ألفاظ الوحي الإلهي التي نقلها الملاك جبريل إلى النبي محمد. ويمكن اكتشاف ثغرة في حجة أبو زيد من خلال التساؤل التالي: إذا كان القرآن، كنص رئيسي، يتشكل من «كلام ينقله محمد مؤكدا أنه كلام الله»،[48] فكيف يختلف ذلك عن النصوص الثانوية الأخرى، مثل السُنّة التي هي في الأساس أيضًا تتألف من كلام النبي محمد؟ أو عبر طرح التساؤل نفسه بصياغة أخرى: إذا كان القرآن نصًا بشريًا، فبأي طريقة يختلف عن السُنّة؟ وحين من الواضح أن أبي زيد رفض سلطة السُنة وانتقد الإمام الشافعي، فليس واضحًا كيف حافظ على المكانة الإلهية للقرآن في مواجهة أولئك الذين اتهموه بالردة، لا سيما وأن نقطة البداية في مقاربة أبو زيد كانت التمييز بين الفكر الديني الذي ينتجه البشر وتغدو نتائجه مفتوحة أمام النقد، وبين الوحي الإلهي الذي ينبغي في رأيه أن يقبله بأسره أي مؤمن.
كما انتقد أبو زيد الإمام الشافعي بسبب مكانته المقدسة بين المسلمين، مُذكرًا قرائه بشكل مستمر بهوية الشافعي البشرية. ومن ثم، انتقد أفكار الشافعي (التي اعتقد أنها كانت متأثرة بولاءاته القبلية أو بالتوترات بين العرب والفرس في زمنه) ورأى أن التعامل معها مثل أية مجموعة كتابات بشرية أخرى هو أمر مسموح به دينيًا. وقد أوضح أبو زيد في كتابه كيف تسببت الدوافع التاريخية أو السياسية أو الدينية المعينة في نشوء تفسيرات معينة باتت مقدسة ضمن النطاق المعاصر للتفسيرات القائمة.[49] وجدير بالذكر أن الإمام الشافعي كان أول عالم مسلم يضع مبادئ أصول الفقه، ومع ذلك، فإن عددًا من الحداثيين العرب، إلى جانب أبو زيد، «في إطار مساعيهم للتقليل من قيمة قواعد قراءة وفهم وتفسير النصوص الإلهية، قاموا بمهاجمته واتهموه بـ «ابتداع» قيود منهجية على العقل والفكر المسلم فيما يتعلق بسلطة النصوص الإلهية».[50] ومثل أبو زيد، اتهموه بالتعاون مع الأمويين.[51] ومن أجل هذه الغاية، كان يحث الجميع على تجاوز الشريعة التي اتفق عليها في زمنه واستبدالها بالقواعد الحرفية أو الثابتة، والنظر فيما أطلق عليه المقاصد الكلية، التي رأى أنها فُقدت في الأدبيات الإسلامية.
وطالما أن القرآن هو نتاج الثقافة في الجزيرة العربية في القرن السابع، جادل أبو زيد بأن بعض محتواه هو بالضرورة «وصفيًا» وليس «إرشاديًا»؛ إذ اعتقد أن العديد من الآيات الواردة بالقرآن وصفت تلك الثقافة وممارساتها آنذاك. في وجهة نظره، فإن تعدد الزوجات والنصيب غير المتساوي الذي تحصل عليه النساء من الميراث كان مجرد انعكاس لذلك السياق التاريخي والثقافي، بدلًا من كونه شيئًا يُمليه الإسلام بأي شكل من الأشكال. وبالفعل، رأى أبو زيد أن الإسلام قد وضع التوجيه لتحرير المرأة ولحصولها على حقوق مساوية للرجل، وأكد على أن معيار ذلك التوجيه يجب أن يكون أحوال النساء في مجتمع ما قبل الوحي. وأنه لا ينبغي قياسه من خلال مقارنة النص القرآني مع رغباتنا، حتى لو كانت وجيهة، أي «معايير اليوم لحقوق المرأة».[52] بصياغة أخرى، لقد رأى أبو زيد أن مكانة النساء في الزمن الحديث يمكن استيعابها فقط حينما ندرك مكانتهن في فترة ما قبل الإسلام. ففي ذلك الوقت، لم تكن هناك سلطة نصية أو قانونية. فقط التقاليد والممارسات العتيقة التي تُقر ما يفعله الناس أو تنكره. وما فعله القرآن حينها كان وضع شكلًا معياريًا وشرعيًا محددًا لحقوق المرأة. وأكد أبو زيد على أنه بحلول زمن الوحي، ملأ القرآن هذا الفراغ، و في هذا الصدد من الضروري التشديد على تاريخية القرآن في تفسير الآيات القرآنية في ضوء الروح الإسلامية بشكل عام، وحقوق المرأة بشكل خاص.
فيما منحت حجة أبو زيد للعامل البشري دورًا مركزيًا في تفسير النص القرآني، إلا أن هناك نقطة ضعف في تبريره؛ إذ اتهم أبو زيد علماء التراث النصيين بالخلط بين «الوصفي» و«الإرشادي» في تفسيرهم للقرآن؛ وبالتفريق بين الآيات المرتبطة بسياقها التاريخي وبين الآيات التي تمتلك صلاحية شاملة خالدة. وربما يكشف ذلك عن معضلة في تاريخانية القرآن، إذ يبدو أن أبي زيد يعرف على وجه اليقين أية أجزاء من القرآن ينبغي أن يُنظر إليها في سياق تاريخي، وأية أجزاء ليست بحاجة لسياق تاريخي. وفيما يلي ستتم مناقشة أفكار أبو زيد بشأن قضايا تعدد الزوجات والميراث.
تعدد الزوجات
جادل أبو زيد بأن تعدد الزوجات كان ممارسة شائعة في المجتمعات الإنسانية لزمن طويل قبل ظهور الإسلام. في وجهة نظره، كان الزواج بأكثر من واحدة بمثابة عادة معروفة في عصر ما قبل الإسلام، ولم يكن هناك حد لعدد النساء اللواتي بإمكان الرجل أن يتزوجهن. ومن ثم، فمن الخطأ الاعتقاد بأن تعدد الزوجات يعد جزءً من الوحي الإسلامي. وبالفعل انتقد أبو زيد الفكر التراثي في تفسير النص المتعلق بتعدد الزوجات بطريقة تجرده من أي سياق تاريخي أو لغوي. وقدم أبو زيد تفسيره الخاص للآية القرآنية التي تسمح بتعدد الزوجات:[53]
(وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا)[54]
وجادل بأننا إذا ما تمعنا في الآية كوحدة كاملة، سيغدو جليًا أن هناك غرضين منها: الأول تناول حق اليتيم في ماله، والثاني الحفاظ على حقوق المرأة بشكل عام. ويرى أبو زيد أن الوحي نزل بهذه الآية في المدينة في أعقاب موقعة أحد، حيثما مات العديد من الرجال وتركوا خلفهم أرامل وأيتام. ومن أجل معالجة ما أسماه موقفًا طارئًا،[55] أتاح القرآن للمسلمين في ذلك الوقت تعدد الزوجات؛ ومن ثم –في رأيه– لم يكن مقصودًا بممارسة تعدد الزوجات أن تكون أمرًا تشريعيًا دائمًا، وإنما هي أمر تم إقراره لفترة معينة أو محددة. علاوة على ذلك، كان الزواج بأكثر من واحدة عادة معروفة في عصر ما قبل الإسلام، لا تفرض على الإطلاق أي حد لعدد الزوجات.
وقدم أبو زيد قراءتين لدعم وجهة نظره. فقد جادل بأن السياق التاريخي «يُظهر أن التصريح كان ممنوحًا للزواج بأرملة أو يتيمة، بهدف حمايتها وإعالتها في ذلك المجتمع على وجه الخصوص، إذ كان مجتمعًا يفترس الأرامل واليتيمات، وغالبًا ما يسطو على ميراثهن».[56] وفي مثل تلك الحالة، أكد أن تعدد الزوجات كان بمثابة الحل للقضايا البارزة في القرن السابع، ومن بينها قضية الأيتام والأرامل. وزعم أن الآية القرآنية قدمت حلًا عمليًا لها.
كما جادل أبو زيد بأنه لا يمكن القول بأن البنية اللغوية للآية القرآنية تبيح تعدد الزوجات إلى أجل غير مسمى، إذ يبدو جليًا أنها وضعت شرطًا لتعدد الزوجات بأن يعامل الزوج كل الزوجات على قدم المساواة، وهو أمر غير ممكن إنسانيًا. ويطرح القرآن شرطًا قائمًا على العدل؛ ومن ثم إذا لم يكن الرجل قادرًا على تطبيق هذا المبدأ، فلا يجوز له أن يتزوج بأكثر من واحدة. وهكذا، وفقًا لأبو زيد، فإن الرجل الذي يمارس تعدد الزوجات يكون مخالفًا للأخلاقيات الإسلامية، إذ يعلم أنه ليس بمقدوره أن يعدل بينهن.[57]
هناك ثلاث نقاط ضعف في حجة أبو زيد. أولًا، رغم أن أبي زيد كان مصيبًا في القول بأن تعدد الزوجات كانت ممارسة سائدة في المجتمعات الإنسانية لأمد طويل قبل الإسلام، إلا أن الإسلام لم يكن وحده الذي سعى لحظر تعدد الزوجات. في الواقع «قبل الإسلام، كان تعدد الزوجات معروفًا بالفعل لدى الهندوس وبني إسرائيل والفرس والعرب والرومان والبابليين والتونسيين وغيرهم»،[58] ولكن تكشف الأدبيات أن أصول حظر تعدد الزوجات تمتد لما هو أبعد من الإسلام وافتراضات أبو زيد.[59] فقبل قرابة «خمسة قرون من ظهور المسيحية، حظرت كلا من القوانين اليونانية والرومانية تعدد الزوجات. في وجهة نظرهم، كانت تلك الممارسة بمثابة شكل من أشكال «الهمجية» و«الجبروت» الأسري الذي ينتهك الحاجة الإنسانية الطبيعية للترابط الزوجي».[60] لقد فوجئت عندما علمت أن القوانين الإغريقية الرومانية هي ما شكّل بالفعل أعراف الزواج المسيحية ولاحقًا «الغربية التي اكتسبت في نهاية المطاف تأثيرًا عالميًا».[61] ومن الجدير بالذكر أنه في حين دافع كلا من اليونانيين والرومانيين عن الزواج الأحادي، إلا أنهم أيضًا استوعبوا تعدد العلاقات خارج إطار أسرهم.[62] فضلًا عن ذلك، فإن إحدى الملاحظات المثيرة للاهتمام أن التوراة كذلك تحظر تعدد الزوجات.[63] فقد حظر سفر اللّاويّين، الكتاب الثالث من التوراة والعهد القديم، تعدد الزوجات باستخدام الأدلة النصية والتاريخية نفسها التي استخدمها أبو زيد. لذا فإن مسألة التحريم لا تقتصر على الإسلام وحده كما افترض أبو زيد، وكانت الشروط التي اعتقد أن تعدد الزوجات قد بات محظورًا وفقًا لها تختلف تمامًا عن الشروط الخاصة بأباطرة الرومان. وجادل ويت بأن أباطرة الرومان «هم من وضعوا أول قوانين مناهضة لتعدد الزوجات في القرن الثالث، إذ أدانوا تلك الممارسة باعتبارها «غير سوية وخطرة»، ووضعوها في منزلة الاغتصاب وزنا المحارم».[64] في الواقع، كان تعدد الزواج ممارسة ذائعة الصيت في كافة الطوائف والعقائد. وإذا ركز أبو زيد على تلك النقطة لكانت حجته أكثر قوة، لاسيما وأن لديه اهتمامًا كبيرًا بالعلاقات بين الأديان، وكان أقرانه في الغرب يعتبرونه صاحب نزعة إنسانية في هذا الصدد. من المؤسف أن أحد أكثر المفاهيم الخاطئة والشائعة اليوم في الكتابات ووسائل الإعلام الغربية هو ربط تعدد الزوجات بالإسلام والزواج الأحادي بالمسيحية، وهو ربط مضلل. ويقول ويت أنه فقط خلال القرن الثاني عشر بات «تعدد الزوجات يشكل «اختلافًا» هائلًا بين المسيحيين الحقيقيين في الغرب وبين غيرهم من اليهود والمسلمين والآسيويين والأفارقة الذين دعوا إلى تعدد الزوجات أو مارسوه»،[65] بعدما تمكنت الكنيسة الكاثوليكية في العصور الوسطى من تطوير لاهوتًا مقدسًا قويًا، وقانونًا كنسيًا أدان تعدد الزوجات باعتباره هرطقة ومخالفة لسر الزواج الدائم. ولو كان أبو زيد قد ركز على التطور التاريخي لتعدد الزوجات بهذه الطريقة، بعيدًا عن الدين، لكانت حجته أقوى.
ثانيًا، يمكن للمرء أن يجادل استنادًا إلى ما تم تأسيسه بواسطة السُنّة بعد زمن النبي، بأن تعدد الزواج كان تشريعًا عامًا للنساء؛ إذ لم يكن الأمر يتعلق بمسألة حماية الأيتام على الإطلاق. وفي كثير من الأحيان، اعتقد المؤيدون لتعدد الزوجات آنذاك أن الأمر رهين رغبة المرأة وإرادتها في أن تكون زوجة ثانية، ومن ثم هو أمر يتعلق باستقلالها الذاتي. أو إذا كانت الزوجة مريضة أو عاقر ولا ترغب في الطلاق، ربما تقبل أن يتزوج زوجها بأخرى.[66] رغم ذلك، فإن المشكلة فيما يتعلق بكون العقم مبررًا لتعدد الزوجات أنه غير متوافق مع سياق الآية. يمكنني تخيل رد أبو زيد على مثل هذا التفسير قائلًا «لا يمكننا العثور في القرآن على ما يجعل العقم سببًا في ممارسة تعدد الزوجات». علاوة على ذلك، فإن مشكلتي مع هذا التفسير النفعي أنه يعتمد على افتراض عرفي بأن تعدد الزوجات هو من أجل مصلحة الرجل والمرأة. أليس أيضًا من مصلحة كليهما أن يشعروا بأنه لا يوجد من يتقاسم معهم شريكهم؟ في وجهة نظري، لا يوجد أساس لتعدد الزوجات في الإسلام. لقد كانت عادة موجودة في عصر ما قبل الإسلام، وقد أراد الإسلام تغييرها عبر أسلوبه التدريجي. أعرف من التاريخ أن «غالبية الرجال العرب خلال عصر ما قبل الإسلام كان لديهم عدد غير محدود من الزوجات، وكانوا يستخدمونهن في زراعة الأرض وممارسة الأعمال المنزلية ومن أجل المتعة».[67]
ثالثًا، وهو ما يبدو بمثابة قصور أكثر من كونه نقطة ضعف في حجة أبو زيد، يتضح لي أن أبي زيد تحدى لفترة طويلة سلطة القراءات الحرفية لعلماء النص معتبرًا إياها خطابًا دينيًا أقل شأنا من خطابه، مما يكشف عن موقف متناقض يزعم، بطريقة ما، أن بإمكانه الوصول بشكل أكبر للحقيقة أكثر مما يدعي خصومه. في الواقع، أكد أبو زيد باستمرار على أن العامل البشري غير معصوم من الخطأ في التأويلات، موضحًا ما اعتقد أنه نقطة ضعف في منطقهم البحثي عبر إلقاء الشكوك في الدوافع الكامنة وراء أعمالهم. في الوقت ذاته، شدد أبو زيد على تلك القراءة الحرفية حينما تطابقت الآيات محل الدراسة مع رؤيته الحداثية لحقوق المرأة. أقل ما كان يمكنه فعله هو تفسير كيف بات تعدد الزوجات أمرًا جائزًا في العصور الحديثة، حتى عندما أكد الشيخ الأكبر أحمد الطيب على أن تعدد الزوجات يمكن أن يكون مجحفًا لكلا من النساء والأطفال.[68]
الميراث
في إطار تقاليد الميراث في المجتمعات العربية في مرحلة ما قبل الإسلام، كان من المعتاد أن يتزوج الرجل من أرملة أخيه. كما كان يجوز لعائلة زوجها المتوفي تزويجها لأحد أفراد العائلة (أو لمن أرادوا)، ومن ثم يمنعون الزوجة من أخذ جزء من ثروة زوجها، وهو ما يؤدي لفقدان عائلة الزوج لهذه الثروة.[69]
وفقًا لذلك المنظور، بمجرد أن تفهم المجتمعات هذا السياق؛ فإنها ستدرك أن الإسلام حسّن أوضاع النساء بشكل كبير. ينظر الناس في مختلف أنحاء العالم لكيفية تعامل الشريعة مع الميراث باعتباره انتقاصًا من حق النساء، إذ تحصل البنات فقط على نصف نصيب إخوانهن من الميراث. وقد تم تبرير هذا القانون في القرآن عبر القراءة الحرفية للآيات الخاصة بنصيب الرجل والمرأة من الميراث. في الواقع، تؤكد الآية أن الأخ يحصل على ضعف نصيب أخته من الميراث، لأنه وفقًا للشريعة الإسلامية، هناك التزام مالي على عاتق الرجل بإعالة عائلته، بما في ذلك أخته. وهذا من حيث المبدأ كان رأي علماء النص، الذين شكّلوا آرائهم حول كيفية وجوب توزيع الميراث بين أعضاء العائلة. وقد وفرّ فهمهم للقرآن والحديث الأسس لهذه التفسيرات، إذ تم بنائها على المنطق القانوني لزمنهم. وقد طعن أبو زيد في تلك القراءة بطريقتين. أولًا، جادل أبو زيد متبعًا منهجيته التاريخية بأنه «لن يتم حل تلك المسألة بواسطة التفسير والتفسير المضاد، ولكن بواسطة فهم حقيقي للسياق الاجتماعي والسياسي للنص».[70] في عصور ما قبل الإسلام، كان الميراث يعتمد بشكل كبير على البنية الاجتماعية والاقتصادية في المجتمع، وأيضًا وظيفة نوع اجتماعي معين. وكان الميراث آنذاك يتم توزيعه على أساس «مبدأ القربى» الأبوي، وبموجبه كانت «الثروة والأصول تنتقل عبر سلالة الذكور في العائلة، بدءً من الأعضاء الأقرب وتنتقل إلى أعضاء العائلة الأبعد».[71] وبالقطع كانت تلك الممارسة تضع النساء في وضع غير موات اقتصاديًا واجتماعيًا، ومن ثم كن مجبرات على السعي وراء بديل من أجل إعالتهن، معتمدات على أشقائهن وآبائهن وأزواجهن وغيرهم من أعضاء العائلة من الذكور. وبالنظر إلى هذا السياق التاريخي، اعتقد أبو زيد أن تطبيق المساواة في الميراث كان من شأنه أن يخرج بالكامل عن حدود الإطار التاريخي. في رأيه، إن فرض فهم يعود إلى أربعة عشر قرنًا يعد مخالفة جسيمة لمبدأ المساواة في الشريعة.[72] لذلك، وعلى عكس العادة المتبعة في زمن ما قبل الإسلام حيثما كانت الذكورة معيارًا للقيمة، جادل أبو زيد بأنه وفقًا للإسلام، فإن وضع نصيب الأنثى هو بمثابة القاعدة المنظمة لنصيب الذكر. وفي رأيه، إن التشريع بوجود نصيب للمرأة هو المعنى الرئيسي للآية. إن رؤية نظر أبو زيد تلك تعد وجهة نظر ذات أهمية فيما يتعلق بهذا السياق الاجتماعي والتاريخي، إذ كان الذكر هو المعيار الوحيد. في الواقع، كان هذا التمييز نتيجة مباشرة للهيمنة الأبوية في الجزيرة العربية في عصر ما قبل الإسلام، والذي كان بالضرورة اجتماعيًا في هذا الصدد وليس لاهوتيًا.
هناك نقطة ضعف في تاريخية حجة أبو زيد؛ إذ بإمكان المرء الرد بأن الآيات كانت تقع في سياقها التاريخي. وفقًا لمُعمر زين القذافي، المحاضر السابق في قسم الدراسات القرآنية (علوم القرآن والتفسير) في جامعة سونان كاليجاكا الإسلامية الحكومية في إندونيسيا وطالب الدراسات العليا في العلوم الإسلامية بجامعة ألبرت لودفيج في فرايبورغ، فإن العديد من علماء النص أو التراث الذين انتقدهم أبو زيد فهموا معنى الآية بالطريقة نفسها التي فهمها بها أبو زيد. مشيرًا لأن «ابن كثير أيضًا اعتبر الآية بمثابة هبة من الله للنساء. وكذلك فعل كلا من القرطبي والطبري».[73] وفقًا لهم، صحح الإسلام المظالم المستفحلة في الجزيرة العربية في القرن السابع. في وجهة نظري، لم يكن أبو زيد ناقدًا لآراء العلماء أو التراث الإسلامي، وإنما كان ناقدًا للخطاب الديني وطريقة ترويجه لمثل تلك الآراء.[74]
توجد نقطة ضعف أخرى في تاريخية حجة أبو زيد. كان أبو زيد يفرّق دومًا بين معنى الآية القرآنية وبين مغزاها، وهذه التفرقة هي ما جعلت آرائه تختلف عن آراء أسلافه. وكما يرى القذافي، فإن المغزى عند أبو زيد كان تقنين مبدأ التوازن بين الاثنين، والذي لم يكن بالضرورة مستندًا إلى الوظائف الاجتماعية المفترضة لكلا من الرجل والمرأة آنذاك، وإنما كان مقصورًا على ظروفهما كما كان يراها. اعتقد أبو زيد أن تأويله وتصوره لـ «المغزى» يوفّر العدالة للنساء أكثر من التفسيرات القديمة في التراث الإسلامي، ولم يكن الأمر كذلك. وفقًا للتفسيرات التراثية أو النصية لكلا من القرطبي والطبري، فإن القرآن منح حقوقًا أكثر للنساء بغض النظر عن حصة الميراث المتساوية، مثل حقوق عقد الزواج والحصول على الصداق والنفقة من أزواجهن. تلك الحقوق، التي لم يلتفت إليها أبو زيد، تستند لمبدأين وليس مبدأ واحدًا: وهما التوازن والعدل. وقد زعم الإمام الشافعي، الذي انتقده أبو زيد، أن الأزواج في تلك الآونة كانوا يتولون مهام مثل الطبخ وتنظيف المنزل والإنفاق. ومن ثم، في وجهة نظره، فإن تقسيم الميراث بنسبة «اثنين : واحد» بدت منطقية ومعقولة تمامًا بالنظر إلى الواقع الاجتماعي في الجزيرة العربية في القرن السابع.
إلى جانب القراءة التاريخية، قدم أبو زيد كذلك قراءة حرفية. إن الآية الطويلة التي تخصص أنصبة الميراث في القرآن تختتم بالنص على أن «تلك حدود الله».[75] هنا يؤكد أبو زيد أن كلمة حد التي يعتقد علماء التراث أنها تعني «قانون»، في حقيقة الأمر لا تعني ذلك. في قراءته المتمعنة في القرآن، وجد أبو زيد أن كلمة «حد» ركزت على نصيب الرجل من الميراث، وليس نصيب المرأة. ومن ثم، استنبط أن الغرض من النص القرآني كان وضع حد (أي قيد) على نصيب الرجل من الميراث، وليس وضع قانون أبدي. هذا القيد في قراءته لم يكن أكثر من ضعف نصيب المرأة. في وجهة نظر أبو زيد، مثّل ظهور الإسلام بداية نظام جديد للميراث.[76] في الواقع، عند اعتبار أن الحد الأقصى لنصيب الرجل هو ضعف نصيب المرأة، وأن الحد الأدنى لنصيب المرأة هو نصف نصيب الرجل، فإنه ينبغي إجراء اجتهاد يأخذ بعين الاعتبار ظروف كلا من الرجل والمرأة بشكل موضوعي، بما في ذلك الظروف التي ليست اقتصادية بالضرورة، أو يتم تعريفها بممارسة الأدوار الجندرية في الجزيرة العربية في القرن السابع. وبينما لم ينكر أبو زيد صعوبة هذه المهمة، إلا أنه بدا مقتنعًا بأن التقييم الموضوعي لتلك الظروف سيكون من شأنه تحديد كل مقدار بين الحد الأقصى والحد الأدنى، ومن ثم حل مشكلة عدم المساواة في أنصبة الميراث بين الرجال والنساء. بل إنه ذهب إلى أنه «يجوز للقاضي أن يقسم بالتساوي (في حال كان ذلك ضروريًا) لأن هذا لا يتعارض مع ]مفهوم[ الحد الذي وضعه الله».[77] أفهم رؤية أبو زيد لـ «المغزى» باعتبارها تتعاطى مع المفهوم بما يتجاوز معناه الحرفي، الأمر الذي من شأنه تمهيد الطريق أمام تأويلات قرآنية لتحديد الميراث بطريقة جديدة، وربما تدوينها في القانون المدني مثلما هو الحال في أوروبا بشكل عام. ومن الواضح هنا أن أبي زيد فيما يتعلق بمفهومه حول المغزى، اختلف في مقاربته عن العلماء السابقين.
توجد نقطتا ضعف ملحوظتان في مقاربة أبو زيد الأدبية، رغم إتقانه للتحليل اللغوي العربي، وتفريقه بين المعنى والمغزى. أولًا، لم يحدد أبو زيد على الإطلاق الظروف التي يكون القاضي بموجبها قادرًا على تخصيص نصيب متساو للرجل والمرأة. وأشار القذافي لأن «فكرته تركت تساؤلًا حول موضوعية الوارث وذاتية المُوَرّث».[78] في الواقع، فإن بلوغ هذا المعيار الموضوعي يمثل إشكالية جديدة بحاجة إلى حل. ثانيًا، افترض أبو زيد أنه بإحالة الأمر للقاضي سيتم إحراز العدالة. لكن ما الذي جعله يعتقد أن القضاة، لاسيما في مصر، لن ينحازوا أو يتصرفوا بناء على اعتباراتهم العقائدية؟ علاوة على ذلك، كيف يمكن أن يغدو القضاء مستقلًا في بلد يخضع لحكم سلطوي؟ لقد تعرض أبو زيد نفسه للإجحاف بواسطة أحد القضاة في مصر، وذلك عندما أصدرت محكمة النقض في 1996 حكمها بارتداده عن الإسلام بسبب آرائه، رغم أنه كان يُصرّح بإسلامه. إن القضاة لا يتمتعون بحصانة ضد تأثيرات السياسة والثقافة، خاصة في ظل أنظمة سلطوية.
خاتمة
بحثت هذه الورقة مقاربة أبو زيد التأويلية بشكل عام وفيما يتعلق بحقوق المرأة بشكل خاص. وقدمت تقييمًا نقديًا لبعض آرائه وافتراضاته حول قضايا تعدد الزوجات والميراث. ويمكن القول إنه فيما يتعلق بتاريخية القرآن، فإن أبو زيد قام بثورة معرفية في الفكر الإسلامي المعاصر، وهو أمر كان البحث التقليدي بحاجة ماسة إليه في ذلك الحين، ولا يزال يعتبر تجديدًا وثيق الصلة بالفكر الإسلامي حتى يومنا هذا. في الواقع، إن قدرته على إعادة القراءة الخلاقة للتراث الإسلامي من خلال مناهج التأويل الغربية المعاصرة قد برهنت على أنها العنصر الأكثر قيمة في أعماله العلمية. في النهاية، أراد أبو زيد تجديد الخطاب الإسلامي بطريقة تتماشى مع الطابع المتغيّر للشريعة. مع ذلك، كما تبين، تعاني حججه من بعض نقاط الضعف، وأهمها في رأيي أنه لم يُقدم قواعد معيارية لتحديد المعنى «الموضوعي» للآية القرآنية الخاصة بالميراث. وبغض النظر، أعتقد أيضًا أن قدرًا معينًا من الذاتية هو أمر حتمي.
إن حقيقة إعادة تقديم أبو زيد للّاهوت العقلاني للإسلام مع مقاربته لتاريخية القرآن، والتي تم التغاضي عنها منذ المعتزلة، تستحق الثناء. مع ذلك، فإن التحدي الرئيسي –الذي كان قائمًا على الدوام ومن المرجح أن يظل موجودًا في المستقبل المنظور– هو سلطة التراث في تقييد نمو أو تطور السردية الإصلاحية بأي شكل جوهري. في وجهة نظري، فإن التراث يعد أحد أكثر القضايا تعقيدًا وإثارة للجدل التي يواجهها المسلمون المعاصرون. وفي حين كان أبو زيد ثاقب النظر في استيعاب تحدي التراث، وتمكن بشكل مبهر من مزج الماضي بالحاضر بأسلوب مثمر، فإن أعماله في الغالب تم تلقيها بواسطة دائرة محدودة من الباحثين والأكاديميين الليبراليين.
ختامًا، أود التأكيد على قناعتي بأن أبو زيد قد تسبب في تحول معرفي في أفكاري حول الإسلام. وبالقطع أرى أن أفكاره ستفتح مسارات لباحثين آخرين، مثلي، يسعون للتغيير من داخل تراثهم الخاص.
شكر وتقدير
أود توجيه الشكر للدكتور ماهر حمّود لنصائحه وتعليقاته المثمرة أثناء كتابة هذه الورقة. كما أود أن أشكر زوجي ووالديّ على صبرهم ورعايتهم وكلماتهم الحكيمة وتعليقاتهم الثاقبة. وأخيرًا، أود أن أشكر دورية رواق عربي على استيعابها لاهتمامي البحثي بتنمية حقوق الإنسان في المنطقة العربية.
[2] كرماني، نافيد (2004). من الوحي إلى التفسير: نصر حامد أبو زيد والقراءة الأدبية للقرآن (From Revelation to Interpretation: Nasr Hamid Abu Zayd and the Literary Study of the Quran). لندن: مطبوعات جامعة أكسفورد. ص 173.
[3] أبو زيد، نصر حامد (2008). الخطاب والتأويل (Speech and Interpretation). الدار البيضاء: المركز الثقافي العربي. ص 19.
[4] إنجنير، أصغر علي (2008). مقدمة في حقوق النساء في الإسلام (Rights of Women in Islam: An Introduction). سترلينج بابلشر: نيودلهي.
[5] رحمن، يوسف (2001). النظرية التأويلية لنصر حامد أبو زيد: دراسة تحليلية لأسلوبه في تأويل القرآن (The Hermeneutical Theory of Nasr Hamid Abu Zayd: An Analytical Study of His Method of Interpreting the Qur’an). مونتريال: جامعة مكجيل.
[6] المرجع السابق.
[7] تامر، جورج (2011). تأبين: نصر حامد أبو زيد والبحث عن تأويل إنساني للقرآن (Obituary: Nasr Hamid Abu Zayd and the Quest for a Humanistic Hermeneutics of the Quran). المجلة الدولية لدراسات الشرق الأوسط. مطبوعات جامعة كامبريدج.
[8] فليونة، نادر (2020). دراسة تحليلية لفهم نصر حامد أبو زيد للنصوص الدينية في الإسلام (Analytical Study of Nasr Hamid Abu Zayd’s Understanding of Religious Texts in Islam). مجلة التمدن. ص 45-55.
[9] أوزسوي، ناسي (2024). مكانة وأهمية اللوح المحفوظ بالنسبة لمساهمة القرآن في اللغة العربية وتحويل مفاهيم الشريعة إلى آيات (The Place and Importance of the Preserved Tablet (Levh-i-Mahfouz) in Terms of the Contribution of the Qur’an to the Arabic Language and the Conversion of Sharia Concepts into Verse). مجلة RumeliDE للدراسات الأدبية واللغوية. 39 (ص ص807 – 814).
[10] المرجع السابق. لا يقتصر الإيمان بـ «اللوح المحفوظ» على الإسلام فقط، بل يتم الاحتفاء به أيضًا في اليهودية والمسيحية. ويُعتقد أيضًا أنه، من الناحية التاريخية، ترتبط بعض مفاهيم الشريعة بالإيمان باللوح المحفوظ. وفقًا لهذا الرأي، فإن مفاهيم مثل الحرام أو الحلال مسجلة في اللوح المحفوظ. وتشكّل هذه العلاقة بين مفاهيم الشريعة واللوح المحفوظ أساس الشريعة الإسلامية.
[11] أبو زيد، نصر (2006). إصلاح الفكر الإسلامي: تحليل نقدي (Reformation of Islamic Thought. A Critical Analysis). المجلس العلمي للسياسة الحكومية. (مطبوعات جامعة أمستردام).
[12] أبو زيد، نصر حامد (1998). مفهوم النص: دراسة في علوم القرآن. المركز الثقافي العربي.
[13] سورة النحل. الآية 101، وسورة البقرة. الآيات 106-107.
[14] موخ، ميشال (2022). نقد النسخ في التفسيرات القرآنية المعاصرة: أعمال نصر حامد أبو زيد نموذجًا (Critique of Nasḫ in Contemporary Qur’ānic Hermeneutics Using the Example of Naṣr Ḥāmid Abū Zayd’s Works). الأديان، 13 (2).
[15] بيلو، كاتارينا (2007). المعتزلة والأشاعرة وابن ميمون حول الصفات الإلهية (Mu’tazilites, Al-Ashari and Maimonides on Divine Attributes). فيريتاس – ريفيستا دي فيلوسوفيا دا بوكرس، 52 (3). 117-131.
[16] آدمسون، بيتر (2016). الفلسفة في العالم الإسلامي: تاريخ الفلسفة دون أي فجوات (philosophy in the Islamic World: A History of Philosophy Without Any Gaps). العدد 3. (مطبوعات جامعة أكسفورد). الفصل 2.
[17] رحمن، يوسف (2001). النظرية التأويلية لنصر حامد أبو زيد: دراسة تحليلية لأسلوبه في تأويل القرآن (The Hermeneutical Theory of Nasr Hamid Abu Zayd: An Analytical Study of His Method of Interpreting the Qur’an). أطروحة دكتوراة. جامعة مكجيل، مونتريال. كندا.
[18] تامر، جورج (2011). تأبين: نصر حامد أبو زيد والبحث عن تأويل إنساني للقرآن.
[19] أبو زيد، نصر حامد (1998). مفهوم النص: دراسة في علوم القرآن.
[20] كما هو الأمر بالنسبة لشيء يحدث في «الزمان والمكان».
[21] عويدات، نادية (2014). نصر حامد أبو زيد وحدود الإصلاح في الفكر الإسلامي المعاصر (Nasr Hamid Abu Zayd and the Limits of Reform in Contemporary Islamic Thought). مطبوعات جامعة أكسفورد.
[22] قطب، سيد (2002). في ظلال القرآن. منشورات القبة.
[23] سوكيدي (2009). نصر حامد أبو زيد والسعي لتأويل إنساني للقرآن (Nasr Hamid Abu Zayd and the Quest for a Humanistic Hermeneutics of the Quran). Die Welt des Islams. 49، 181-211.
[24] المرجع السابق.
[25] المرجع السابق.
[26] من الجدير بالذكر أن أبي زيد اتبع ابن عربي في هذا الصدد. حيث اعتبر أن المعرفة الإنسانية نسبية.
[27] المفيد، عبد، عبد القادر وماسوينج، معجزة الله، ومعجزة الله، أبو مسلم، وياني، ذو القرنين (2023). إعادة قراءة أسلوب نصر حامد أبو زيد في تأويل النصوص الدينية (Rereading Nasr Hamid Abu Zayd’s Method of Interpreting Religious Texts). دورية HTS للدراسات اللاهوتية، (79) 1.
[28] تامر، جورج (2011). تأبين: نصر حامد أبو زيد والبحث عن تأويل إنساني للقرآن.
[29] موخ ميشال (2017). نصر أبو زيد: إعادة قراءة نقدية للفكر الإسلامي (Nasr Abu Zayd: A Critical Rereading of Islamic Thought). مكتب مطبوعات جامعة كازيميرز ويلكى: بيدجوز.
[30] وهي تحيزات قد تكون مقصودة أو غير مقصودة.
[31] أبو زيد، نصر حامد واستير ر. نيلسون (2004). صوت من المنفى: تأملات في الإسلام (Voice of an Exile: Reflections on Islam). نيويورك: برايجر للنشر. ص 55.
[32] المرجع السابق، ص 58.
[33] هاوتينج، ج. ر (مترجمًا)، (1996). تاريخ الطبري، الفتنة الكبرى: من موقعة صفين وحتى مقتل عليّ (The History of Al-Tabari, The First Civil War: From the Battle of Siffin to the Death of ‘ali A.D.). 656-661 ميلادية/36-40 هجريًا، 17. (سلسلة SUNYلدراسات الشرق الأدنى).
[34] أبو زيد، نصر حامد (1998). نقد الخطاب الديني.
[35] أبو زيد، نصر حامد (1994). نقد الخطاب الديني (Criticism of Religious Discourse). (مطبوعات جامعة ييل). ص 49.
[36] سوكيدي (2009). نصر حامد أبو زيد والسعي لتأويل إنساني للقرآن، ص ص 181-211.
[37] موخ ميشال (2017). نصر أبو زيد: إعادة قراءة نقدية للفكر الإسلامي.
[38] أبو زيد، نصر حامد (1999). دوائر الخوف: قراءة في خطاب المرأة. بيروت والدار البيضاء. ص ص 291-292.
[39] أبو زيد، نصر حامد واستير ر. نيلسون (2004). صوت من المنفى: تأملات في الإسلام. نيو يورك: برايجر للنشر. ص 111.
[40] المرجع السابق.
[41] أبو زيد، نصر حامد (1994). نقد الخطاب الديني، ص 208.
[42] شمس الدين، روشيمة وعايدة ماسلان باهارودين (2018). خلق المرأة من منظور المفسرين والمحدثين: بين علماء الماضي والحاضر (The Creation of Women from the Perspective of Mufassirun and Muhaddithun Between Past and Present Scholars). شبكة مؤتمرات MATEC، 150. 23 فبراير. تاريخ الاطلاع 24 يونيو 2024، https://shorturl.at/Ip9VP.
[43] أبو زيد، نصر حامد (1994). نقد الخطاب الديني.
[44] هنري، ماثيو (2003). تعليق ماثيو هنري على الكتاب المقدس (Matthew Henry’s Commentary on the Whole Bible). المجلد 1: من سفر التكوين إلى سفر التثنية، طبعة منقحة. شركة فليمنج ريفيل، أولد تابان: نيو جيرسي. ص. 20.
[45] أبو زيد، نصر حامد (1994). نقد الخطاب الديني.
[46] براون، أ. س. (2009). الحديث (Hadith). ببليوغرافيات أكسفورد. DOI: 10.1093/OBO/9780195390155-0030.
[47] أبو زيد، نصر حامد (1998). الإمام الشافعي وتأسيس الأيديولوجية الوسطية. الوسطية: القاهرة.
[48] عبد القادر، محمد نجيب وآخرون (2014). نصر أبو زيد كمفكر إسلامي حداثي (Nasr Hamid Abu Zayd as a Modern Muslim thinker). المجلة الدولية للفكر الإسلامي، ص ص 62-70. DOI: 10.24035/ijit.05.2014.008.
[49] أبو زيد، نصر حامد (1998). الإمام الشافعي وتأسيس الأيديولوجية الوسطية.
[50] عويداد، رشيد (2021). الحداثيون العرب ضد الإمام الشافعي: تحليل نقدي (Arab Modernists Against Imam Ash-shafi’i: A Critical Analysis’). مجلة العلوم المتكاملة، 1(4). ص81.
[51] المرجع السابق.
[52] أ أبو زيد، نصر حامد (1994). نقد الخطاب الديني. ص 36.
[53] أبو زيد، نصر حامد واستير ر. نيلسون (2004). صوت من المنفى: تأملات في الإسلام.
[54] سورة النساء، الآيات 2-3.
[55] أبو زيد، نصر حامد (1999). دوائر الخوف: قراءة في خطاب المرأة. ص 217.
[56] أبو زيد، نصر حامد واستير ر. نيلسون (2004). صوت من المنفى: تأملات في الإسلام. ص 173.
[57] أبو زيد، نصر حامد (1994). نقد الخطاب الديني.
[58] أ. كومدي جعفر، رودي سانتوسو، أجوس هرمانتو (2020). دراسة اجتماعية وتاريخية لتعدد الزوجات والعدل (A Sociohistorical Study of Polygamy and Justice). مطبوعات أطلانتس.
[59] كلير، جيمس (2011). العقل –وليس الدين– وراء حظر تعدد الزوجات، كما قال البروفيسور للمحكمة في بريتش كولومبيا (Reason-Not Religion-Behind the Ban on Polygamy, as Told by the Professor to the Court in British Colombia). الصحافة الكندية، 10 يناير. تمت الزيارة في 24 يونيو 2024، https://shorturl.at/976C4.
[60] ويت جونيور، جون (2015). لماذا اثنين في جسد واحد؟ الحُجة الغربية بشأن الزواج الأحادي وتعدد الزوجات (Why Two in One Flesh? The Western Case for Monogamy over Polygamy). مجلة إيموري القانونية. 64 (6)، https://scholarlycommons.law.emory.edu/elj/vol64/iss6/2.
[61] شيدل، والتر (2012). مؤسسة غير مألوفة؟ الزواج الأحادي الإغريقي الروماني في السياق العالمي (A Peculiar Institution? Greco-Roman Monogamy in the Global Context). تاريخ الأسرة. (تايلور وفرانسيس أون لاين)، 3 يناير. تاريخ الزيارة في 24 يونيو 2024، https://www.tandfonline.com/doi/full/10.1016/j.hisfam.2009.06.001.
[62] المرجع السابق.
[63] ويلبر، ديفيد (2019). هل حرمت التوراة تعدد الزوجات؟ دراسة في سفر اللاويين 18:18 (Does the Torah Prohibit Polygamy? An Examination of Leviticus 18:18)، https://davidwilber.com/articles/does-the-torah-prohibit-polygamy.
[64] المرجع السابق.
[65] ويت جونيور، جون (2015). لماذا اثنين في جسد واحد؟ الحُجة الغربية بشأن الزواج الأحادي وتعدد الزوجات. مجلة إيموري القانونية. 64(6)، https://scholarlycommons.law.emory.edu/elj/vol64/iss6/2.
[66] العطار، عبد الناصر (1988). تعدد الزوجات. (أسيوط). ص 46.
[67] روناك، حسني ونيومان، دانيال ل. مسلم (2007). المرأة في القانون والمجتمع. ترجمة شارحة لكتاب الطاهر الحداد (امرأتنا في الشريعة والمجتمع) مع مقدمة (Women in Law and Society. Annotated translation of al-Tahir al-Haddad’s Imra’tuna fi ‘l-sharia wa I-mujtama). روتدليدج.
[68] حسن، صامويل (2023). منع الرجال المسلمين من «الظلم»: إنهاء تعدد الزوجات في البلدان ذات الأغلبية المسلمة (Preventing Muslim Men from “Doing Injustice”: Ending Polygamy in Muslim Majority Countries)، https://ssrn.com/abstract=4587687 or http://dx.doi.org/10.2139/ssrn.4587687.
[69] روناك، حسني ونيومان، دانيال ل. مسلم (2007). المرأة في القانون والمجتمع. ترجمة شارحة لكتاب الطاهر الحداد (امرأتنا في الشريعة والمجتمع) مع مقدمة (Muslim Women in Law and Society: Annotated Translation of al-Tahir al-Haddad’s Imra ‘tuna fi ‘l-sharia wa ‘l-mujtama’, with an introduction). (روتدليدج: مجموعة تايلور وفرانسيس).
[70] أبو زيد، نصر حامد (1994). نقد الخطاب الديني.
[71] شقفة، نورا (2021). التمايز الجندري: كيف قامت الشريعة في القرن السابع بتمكين المرأة قانونيًا (The Gender Dichotomy: How Sharia Law in the Seventh Century Granted Women Legal Empowerment’). مجلة برينستون القانونية.
[72] المرجع السابق.
[73] القذافي، معمر زين (2011). النقاش المعاصر حول ميراث النساء (دراسة في تأويل نصر حامد أبو زيد وآثاره) (The Contemporay Discussion on Women’s Inheritance (A Study on Nasr Hamid Abu Zayd’ Interpretation and its Implication)). النقاش المعاصر، ص 295.
[74] رحمن، يوسف (2001). النظرية التأويلية لنصر حامد أبو زيد: دراسة تحليلية لأسلوبه في تأويل القرآن.
[75] سورة النساء، الآية 13.
[76] القذافي، معمر زين (2011). النقاش المعاصر حول ميراث النساء (دراسة في تأويل نصر حامد أبو زيد وآثاره)، ص 295.
[77] المرجع السابق.
[78] المرجع السابق.
Read this post in: English