الإشارة المرجعية: أعلوان، فؤاد، وأحمد ربوج (2022). حقوق الأقليات الدينية في دساتير دول الغالبية المسلمة: دراسة مقارنة بين أقباط مصر ومسيحيي العراق. رواق عربي، 27 (2)، 27-43. https://doi.org/10.53833/JEVP4797
خلاصة
تروم هذه الورقة رصد مجموعة من الجوانب المرتبطة بموضوع الإقرار الدستوري للحقوق الفردية والجماعية للأقليات الدينية في الدول ذات الغالبية المسلمة، وتناقش كيفية معالجة دساتير هذه الدول لموضوع الحماية القانونية المخصصة لهذه الفئات، بما يضمن توفير مناخ سليم للتعايش بين مختلف الجماعات الدينية المكونة لها، كما تتحقق من مزاعم إنكار الدول العربية والإسلامية للتنوع الديني؛ وذلك اعتمادًا على دراسة تحليلية مقارنة بين حقوق الأقباط في مصر حسبما ينص عليها دستور 2014 وحقوق الأقليات المسيحية العراقية التي أقر بها دستور 2005. وقد توصلت الدراسة إلى أن مضمون النصوص الدستورية المرتبطة بحماية حقوق الأقليات الدينية في الدولتين، يعد متقدمًا، مقارنةً بدساتير دول إسلامية أخرى. وهو الأمر الذي ينطبق بالخصوص على الدستور العراقي، إذ يمكن القول بشكل عام أن معالجته لموضوع الحماية المخصصة للأقليات الدينية كانت أفضل من نظيره المصري، خاصةً في مجالي محاربة التمييز والتأسيس للمشاركة السياسية. ورغم ذلك، اعتبرت الدراسة أن الإشكال الحقيقي يكمن في التطبيق الفعلي للمقتضيات الدستورية، بسبب فشل الدولتين –خاصةً مصر– في اتخاذ تدابير إجرائية صريحة تضمن حماية حقيقية لحقوق الأقليات الدينية.
مقدمة
لا شك أن غالبية دول العالم تضم أقليات كثيرة ومتنوعة تتميز بأصولها أو ثقافتها أو ديانتها المختلفة عن غالبية سكان الدول التي تتواجد بها، إذ لا يخلو بلد من هذا التنوع، ولا يمكن تصور وجود مجتمع أحادي الدين أو اللغة في أي دولة من دول عالمنا المعاصر. انطلاقًا من هذه الحقيقة، جاء التأكيد الدولي واضحًا بشأن الحماية اللازمة والشاملة للحقوق الفردية والجماعية لهذه الفئات الهشة التي تتعرض منذ القدم لمختلف أشكال التمييز والاضطهاد، إذ نص العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية لعام 1966 على أنه «لا يجوز في الدول التي توجد فيها أقليات إثنية أو دينية أو لغوية، أن يحرم الأشخاص المنتسبون إلى الأقليات المذكورة من حق التمتع بثقافتهم الخاصة أو المجاهرة بدينهم وإقامة شعائره أو استخدام لغتهم، بالاشتراك مع الأعضاء الآخرين في جماعتهم».[1]
ويندرج موضوع احترام وتعزيز حقوق الأقليات ضمن مجالات حقوق الإنسان الأكثر أهمية؛ باعتباره مدخلًا لتحقيق الأمن والتنمية والديمقراطية، ووسيلة أساسية لضمان الاستقرار السياسي محليًا وإقليميًا ودوليًا. في هذا الصدد يعتقد موايلا تشيمبي (MwayilaTshiyembe) أن التوترات والنزاعات الداخلية المرتبطة بالأقليات لا تشكل تهديدًا حقيقيًا للاستقرار السياسي فحسب، بل تمثل الأصل الحقيقي والعميق للحروب بين الدول،[2] وفي الإطار نفسه يرى عبد السلام إبراهيم بغدادي أن ضمان حقوق الأقليات وتعزيز لحمة الوحدة والتعايش بين الجماعات الإثنية المختلفة داخل الحدود السياسية للدولة الواحدة، والتي لم تتطابق في أكثر الأحوال مع حدود الجماعات الإثنية، هو المدخل الرئيسي لتحقيق الأمن والاستقرار.[3]
وإذا كانت الصراعات الإثنية بين جماعتي الأقلية والأغلبية، متجذرة في التاريخ، فقد باتت اليوم تطرح نفسها بحدة، خاصةً بعد الصراعات والأحداث العالمية الواسعة التي كان الدين محركها، إذ برزت من جديد إشكالية الأقليات الدينية كظاهرة دولية، يرى برهان غليون أنها، وإن لم تخل من أي مجتمع مهما سمت حضارته، ملازمة لأكثر المجتمعات التقليدية، نظرًا لبساطة تركيب بنياتها وضعف انصهارها الذاتي.[4] وهو ما ينطبق جليًا على مجتمعات منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. ولأن هذه المجتمعات أصبحت مع الدولة القومية الحديثة نتاجًا معاصرًا لتجانس ثقافي مصطنع، فقد اعتادت حكوماتها تجاهل التنوع، ونهج استراتيجيات بغرض احتوائه مع محاولة معادلة الوحدة بالتجانس.
وتنبع أهمية دراسة المواضيع المتعلقة بالأقليات الدينية، من ارتباطها الوثيق بمدى احترام حقوق الإنسان والإدارة الرشيدة والفاعلة للدولة، كما تنبع من الانشغال الدولي غير المسبوق بمسألة حماية الأقليات الدينية للحفاظ على التنوع البشري الناتج عن تعدد الأديان والثقافات واللغات، خاصةً في ظل وجود مخاطر تهدد هذا التنوع بسبب تزايد واستمرار انتهاكات الحقوق والحريات الدينية. وهو الوضع الذي أصبحت معه الأقليات الدينية الأكثر حضورًا في ساحة الأحداث العربية والدولية من بين جميع أنواع الأقليات،[5] حتى أن قضايا الأقليات الدينية لم تطرح في أي حقبة من حقب التاريخ العربي بالحدة والخطورة التي تطرح بهما اليوم، وذلك بسبب ما تتعرض له باستمرار من أشكال للتمييز الممنهج والإضطهاد الرسمي والشعبي، من طرف الأغلبية الدينية. ففي كثير من الدول –بما فيها الدول ذات الغالبية المسلمة– يتم التعامل مع المواطنين المنتمين لأقلية دينية معينة كمواطنين من الدرجة الثانية.[6]
في ضوء ما سبق، تتطرق هذه الورقة لموضوع الإقرار الدستوري للحقوق المدنية والسياسية للأقليات الدينية في الدول ذات الغالبية المسلمة، وتناقش كيفية معالجة دساتير هذه الدول لموضوع الحماية القانونية المخصصة لهذه الجماعات، وفي واقع الأمر، فإن قضية الأقليات، خاصةً الأقليات الدينية، قد شغلت حيزًا هامًا في المناقشات التي سبقت إعداد دساتير الألفية الثالثة، إذ كان أكبر اختبار واجهه كُتّاب هذه الدساتير هو الحسم في شأن محددات الانتماء الوطني، ومسألة الدولة المدنية، ومكانة الشريعة الإسلامية في صناعة القانون.
في هذا الإطار سنعرض دراسة تحليلية مقارنة بين حقوق الأقباط في مصر حسبما ينص عليها دستور 2014، وحقوق الأقليات المسيحية العراقية التي أقر بها دستور 2005، مع التطرق لحصيلة التطبيق الدستوري في مجال احترام وتعزيز حقوق الأقليات الدينية في الدولتين موضوع الدراسة. ولم يكن اختيار هذه الأقليات اعتباطيًا، فهي تشكل جزءً لا يتجزأ من مكونات مجتمعاتها، كما أن تواجدها ضارب في القدم في هذه الدول، إذ تواجدت على أرضها لمدة طويلة قبل حلول جماعات الأغلبية، ما يستوجب معه حمايتها ويمنح لها شرعية أكبر في المطالبة بحقوقها الدستورية، باعتبارها تراثًا مشتركًا للإنسانية، حتى أن هناك من الباحثين من يُطلق عليها لفظ (الأقليات التاريخية).[7] وإضافة إلى ذلك، فإن الأقليتين المختارتين تنتميان معًا للديانة نفسها (المسيحية)، ما يجعل البحث يتطرق للعلاقة بين جماعات دينية (أغلبية وأقليات) تنتمي إلى الديانات السماوية الأكثر انتشارًا في العالم. كما ينبني اختيارنا لمصر والعراق من منطلق أن الدولتين معًا تضمان أغلبية عربية مسلمة، وتوجدان في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا التي تتميز بصراعات طائفية شديدة. والحال أن الدولة المصرية تتميز بوجود أقلية دينية بارزة (الأقباط)، وهي أكبر طائفة مسيحية في الشرق الأوسط،[8] في حين تعد الدولة العراقية بلدًا تعدديًا بامتياز نظرًا لعدد الأقليات الدينية عامةً، والمسيحية خاصةً، المتعايشة داخلها.[9]
وتروم هذه الدراسة تفكيك الإشكالية الرئيسية التي يمكن اختزالها في التساؤل التالي: إلى أي حد نجحت دساتير الدول ذات الغالبية المسلمة –مصر والعراق تحديدًا– في حماية الحقوق المدنية والسياسية لأقلياتها الدينية، بما يضمن توفير مناخ سليم للتعايش بين مختلف الجماعات الدينية المكونة لها؟ وللجواب على هذه الإشكالية، ينبغي طرح مجموعة من الأسئلة الفرعية التي من شأنها ضبط عناصر هذه الدراسة، من قبيل: هل توفر دساتير هاتين الدولتين البيئة المناسبة لضمان مشاركة حقيقية للأقليات في مجالات الحياة السياسية والعامة؟ هل قطعت هذه الدساتير مع الممارسات التمييزية في حق الأقليات؟ هل استجابت هذه الدساتير للمطلب الرئيسي للأقليات المتمثل في الاعتراف بكينوناتها كمكون أساسي من مكونات هوية وكيان الدولة؟ وإلى أي حد توفقت هاتين الدولتين في دسترة حقوق أقلياتها بما يضمن شروط الاندماج والتعايش مع مختلف المكونات الدينية للمجتمع؟
وتستند فرضية الدراسة –التي سنتحقق منها عبر تفكيك الإشكالية المذكورة– على أساس أن حصيلة التطبيق الدستوري لكل من العراق ومصر في مجال احترام وتعزيز حقوق الأقليات المسيحية لا تبدو مشجعة، خاصةً في مجال المشاركة في الحياة السياسية والعامة؛ بسبب عدم إقرار الدستورين معًا لتدابير إجرائية كفيلة بحماية الحقوق الفردية والجماعية لهذه الأقليات. وتنطلق الدراسة من فرضية أفضلية الدستور العراقي، مقارنةً بنظيره المصري، في مجال تحقيق المساواة، وضمان تكافؤ الفرص، وكذا الاعتراف بهوية الأقليات الدينية الذي نص عليه إعلان الأمم المتحدة الخاص بالأقليات، حين أكد على ضرورة حماية وجود الأقليات الدينية وتعزيز هويتها.
ولتحقيق أهداف هذه الدراسة كان ضروريًا اعتماد مجوعة من المناهج، بدايةً بمنهج دراسة الحالة والذي سيساعدنا على قراءة الأوضاع السياسية والحقوق الدستورية للأقليات المسيحية في كل من دولتي العراق ومصر. كما أن الوقوف على طبيعة العلاقات والتفاعلات السائدة بين هذه الأقليات والأنظمة السياسية لهذه الدول في حقب زمنية مختلفة يستوجب اعتماد المنهج التاريخي. كما تفرض طبيعة الموضوع اعتماد المنهج المقارن لرصد وتحليل أوجه التشابه والاختلاف بين التجربتين في مجال ضمان الحماية الدستورية والمؤسساتية للأقليات الدينية، خاصةً ما تضمنه في هذا المجال الدستور المصري لسنة 2014، والدستور العراقي لسنة 2005، ناهيك عن مقارنة أفقية تخص الوضع الحقوقي للأقلية الدينية في مراحل حكم مختلفة بالنسبة للدولة نفسها.
وتنقسم الدراسة إلى ثلاثة محاور رئيسية؛ إذ تفرض الإحاطة بمختلف الحيثيات المرتبطة بالموضوع، الرجوع في المحور الأول للفترة التي سبقت إقرار الدساتير الجديدة بكل من العراق ومصر، حيث عاشت الأقليات الدينية مسارًا طويلًا من التهميش والتمييز في مجالات كثيرة من الحياة. بينما سنحاول في المحور الثاني مقارنة المعالجة الدستورية لحقوق الأقليات الدينية في كلتا الدولتين، خاصةً فيما يتعلق بقضايا الاعتراف بوجود وهوية الأقليات الدينية، المساواة وعدم التمييز ثم تعزيز الحقوق والحريات الدينية. على أن يتناول المحور الأخير حصيلة التطبيق الدستوري في مجال احترام حقوق الأقليات الدينية في الدولتين موضوع الدراسة، ومدى قدرتهما على تفعيل التزاماتهما الدستورية والقانونية، وترجمتها على أرض الواقع.
أقباط مصر ومسيحيو العراق: فرض الاندماج وضعف الحماية
للوقوف على واقع الحماية الدستورية للأقليات الدينية في كل من مصر والعراق، لابد من التطرق قبل ذلك للوضعية السياسية والاجتماعية والثقافية لهذه الأقليات أثناء العقود التي سبقت إقرار الدساتير الجديدة، عقب الإصلاحات الدستورية الأخيرة التي شهدتها الدولتين. وهي الفترة التي شهدت حراكًا اجتماعيًا عربيًا واسعًا ولدته ظروف الحيف الاجتماعي والاقتصادي والسياسي. وإن كان قد طال الأغلبية كما الأقلية على حد سواء، لكن هذه الأخيرة عانت كثيرًا من الاضطهاد المزدوج الممارس من جانب الدولة وجماعة الأغلبية.
أقباط مصر بين التمييز الرسمي والهواجس الأمنية
في البداية، لا بد من الإشارة إلى أن التعددية الدينية شكلت منذ عام 640 ميلادية أحد المقومات الرئيسية للكيان المصري،[10] لذلك فأي تناول للشأن القبطي يستهدف تحليل إشكالية علاقة الدولة بالأقباط، ينبغي أن يتم في السياق التاريخي لحركة المواطنين المصريين، المسلمين والأقباط، وما يترتب عنها من علاقات مع الدولة والمجتمع ككل.
إن الفترة الطويلة لوجود الأقباط تفترض، موضوعيًا، وجود مستوى عالي من التعايش بين كل الأطياف، في وطن يتيح التوازن بين احترام الدين والنظام الاجتماعي. لكن الواقع كان على عكس ذلك؛ فغالبًا ما دأبت الحكومات المصرية المتعاقبة على معاملة الأقباط والشيعة وغيرهم من الأقليات الدينية كمواطنين من درجة أدنى،[11] وهي منزلة نالت من حقوقهم الأساسية وحرياتهم العامة. إلا أن النصيب الأوفر من التهميش هو ما تعرض له الأقباط بوصفهم الأقلية الكبرى في البلاد، باعتبارهم يمثلون نحو 10 % من السكان، وهي سمة تميزهم عن الأقليات الأخرى.[12]
إضافةً إلى قوتهم العددية، يمثل الأقباط قوة اقتصادية ومالية مهمة في البلاد، مما جعلهم في مقدمة الاهتمام الأمني للنظام السياسي المصري، إذ شكلت مسألة الأقباط، تاريخيًا، تحديًا أمنيًا لجل الحكومات. فباستثناء مرحلة الرئيس عبد الناصر والرئيس السيسي التي شهدت تحسنًا طفيفًا في التعاطي النوعي مع هذه المسألة، ولو على مستوى الخطاب الرسمي نظرًا لميلهما إلى إضفاء الطابع المدني على إدارة الحكم، فإن تعامل الأنظمة المتعاقبة ظل محكومًا بالمقاربة الأمنية بالدرجة الأولى. والتي تمخض عنها إطلاق العديد من السياسات التي أضرت بالأقباط، وجعلتهم يعانون من التجاهل الممنهج لتاريخهم، الذي هو في الوقت ذاته تاريخ الدولة المصرية، بسبب تغييبهم بشكل مقصود عن برامج وزارة التربية والتعليم. كما طال أيضًا هذا التجاهل التعاليم الدينية المسيحية؛[13] فمثلًا تنتشر على واجهة المدارس ومبانيها الداخلية الكثير من اللافتات التي تحفل بآيات قرآنية وأحاديث نبوية تعكس قيمًا إسلامية محضة، ورغم أنها تحض على التعاون والتآخي والمحبة، إلا أنها تكرس هوية دينية واحدة، تجعل الآخر المسيحي في درجة أدنى. كما أن مجموعة من مناهج اللغة العربية التي يشترك في دراستها جميع الطلاب، تشمل مقرراتها نصوصًا قرآنية وأحداثًا وقصصا دينية إسلامية، يضطر الطلاب المسيحيون لحفظها على مضض للتفوق والنجاح في الامتحانات،[14] هكذا يعلم التلميذ القبطي الكثير عن تعاليم الدين الإسلامي، بينما يجهل التلميذ المسلم تقريبًا كل شيء عن مبادئ وقيم الدين المسيحي. وهو ما يساهم في تنامي حدة التعصب والعنف الطائفي بين أفراد المجتمع،[15] كما يناقض إعلان الأمم المتحدة بشأن حقوق الأشخاص المنتمين إلى أقليات قومية أو إثنية، وإلى أقليات دينية ولغوية، الذي نص في مادته الرابعة (الفقرة الرابعة) على أهمية اتخاذ الدول لإجراءات وتدابير في حقل التعليم من أجل تشجيع وترسيخ المعرفة بتاريخ الأقليات الموجودة داخل أراضيها وبتقاليدها ولغتها.
ومع غياب تعامل الدولة الجدي مع التوتر الطائفي، والتعاطي مع الملف القبطي بكونه ملفًا وطنيًا بعيدًا عن أية مقاربة أمنية، عاش الأقباط علاقة صراع وتوتر مستمر أججتها شروط الانتماء القومي والهوية الدينية، ومطالب سياسية واجتماعية، وأخرى تتعلق ببناء الكنائس وقوانين الأحوال الشخصية. فمن المثير في هذا الشأن أن الخطاب الرسمي ما يزال يرفض وصف أقباط مصر بـ«الأقلية»، كما ينكر وجود أي مشكلة تخص هؤلاء على الرغم من أن الإحصاءات تؤكد وقوع أكثر من 180 حادثًا طائفيًا عنيفًا، استدعت تدخلات أمنية واسعة النطاق بين سنة 1972 وسنة 2015،[16] أي بمعدل يفوق أربعة أحداث سنوية، فضلًا عن المواجهات والأحداث الطائفية المحدودة.[17]
إلى جانب ذلك يشهد سجل التاريخ المصري العديد من الوقائع والأحداث التي طالت انتهاك الحقوق المدنية والسياسية للأقباط، وعلى سبيل المتال، نذكر استبعاد الأقباط من الاضطلاع بالمسئوليات السيادية، فلم يحدث أن ترأس قبطي مؤسسة القوات المسلحة والأجهزة الأمنية، ووزارة الداخلية،[18] إضافةً إلى حرمان الأقباط من تقلد مجموعة من المناصب العليا؛ فالقبطي لا يمكن أن يتقلد منصب رئيس جامعة، ولا يمكن أن يصبح عميدًا لإحدى كليات الآداب، بمبرر أنه لا يحفظ القرآن.[19] وفي سابقة تاريخية في مصر، تم في السنوات الأخيرة تعيين الدكتورة منال عوض ميخائيل كأول امرأة قبطية في منصب المحافظ (محافظ دمياط).[20] ولعل وجود خانة الديانة في بطاقة الرقم القومي للمواطنين المصريين زاد من حدة التمييز فيما بينهم بسبب الدين، الأمر الذي ترتب عليه، حسب مستشار الكنيسة القبطية المحامي نجيب جبرائيل، مساوئ كثيرة تتعلق بإقصاء الأقليات الدينية عامة، والأقباط على وجه الخصوص، ليس فقط من العديد من المناصب العليا بل أيضًا بعض المناصب العامة، بما في ذلك المرتبطة بالأندية الرياضية.[21]
كما أن تهميش الأقباط طال كذلك تمثيلهم في المجالس المحلية والوطنية؛ ففي حالات عديدة وحتى ثورة 2011، كانت ترشيحات الأقباط لعضوية المجالس الشعبية المنتخبة تواجه بالرفض من جانب الحزب الحاكم (الحزب الوطني الديمقراطي). وحتى في المناسبات التي سُمح فيها بذلك، اتسمت هذه الترشيحات بمحدوديتها، مثلما حدث في عام 2005 حين رشح الحزب الحاكم أربعة أقباط فقط لانتخابات مجلس الشعب، نجح من بينهم واحد فقط، هو يوسف بطرس غالي الذي تقلد منصب وزير المالية.[22]
أما في المجال الديني فإن مظاهر التمييز كانت أكثر وضوحًا في مرحلة أنور السادات، على وجه الخصوص، الذي عمد إلى التخلص من التيار الناصري واليساري باستخدام التيار الديني «الأصولي»، الأمر الذي أثر سلبًا على أوضاع الأقباط، وساهم في توسيع الهوة بينهم وبين الدولة، خاصة بعد التعديل الدستوري لعام 1980 الذي أضاف أن «الشريعة هي المصدر الرئيسي للتشريع»، ووضع «الشروط العشرة» لبناء أو ترميم الكنائس.[23] ففي مصر يستلزم بناء كنسية أو حتى ترميمها إصدار مرسوم رئاسي، ومن المفيد الإشارة هنا إلى أحد الوقائع المثيرة في هذا الشأن كمثال للتدليل على مظاهر التمييز الديني، وهي واقعة المحامي القبطي عدلي دوس الذي تبرع منذ نهاية القرن العشرين بقطعة أرض لبناء كنيسة بقرية «المنيا» وتعهد بتمويلها، إلا أن هذا المشروع ظل متوقفًا على موافقة رئيس الجمهورية، وبقي حلمًا معلقًا لأقباط القرية حتى اليوم. في حين أنه تبرع في التاريخ نفسه بقطعة أرض بالمساحة نفسها بغرض بناء مسجد للمسلمين من أفراد القرية، وهو ما قد تحقق بعد بضعة شهور فقط.[24]
هكذا، عاشت جماعة الأقباط في معظم فترات تاريخها أشكالًا من التمييز والتهميش في مجالات كثيرة من الحياة السياسية والعامة، مع تسجيل حضور دائم لدى النظام السياسي لصورة ذهنية انتقائية ومتحركة في التعامل معها، فأحيانًا يتم تكفير أفرادها عبر نصوص ومواقف، وفي أوقات السماحة يوضعون في مواقف تصفهم بالمواطنين وشركاء الوطن. هذه المعاملة الانتقائية لطالما شكلت السبب الرئيسي لإحساس الأقباط بالتوتر وانعدام الثقة حيال النظام من جهة، والأغلبية المسلمة من جهة ثانية.
مسيحيو العراق: مسار طويل من التهميش
إذا كان العراق يعد بلد الحضارات والأعراق، فهو يعتبر في الوقت نفسه أحد أكبر البلدان التي شهدت على مر التاريخ طرقًا غير إنسانية في التعامل مع الجماعات والقوميات الموجودة على أرضه، لاسيما بعد الغزو والاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003، وقد كان للأقليات المسيحية نصيب وافر من ذلك التعامل.
ويعود وجود المسيحيين في العراق إلى حقبة زمنية قديمة، تسبق مجيء الإسلام في القرن السابع ميلادي؛ فقد دخل غالبية أهل العراق في المسيحية زمن الدولة الساسانية في القرن الأول والثاني الميلادي عبر القديسين المبشرين، ومن خلال الأسرى الرومان في الحروب الفارسية/الرومانية، والذين نشرهم الفرس الساسانيون في أرض العراق، وكذلك من خلال القبائل العربية اليمنية المسيحية التي هاجر جزء منها إلى العراق بعد انهيار سد مأرب.[25] وبالتالي يعتبر المسيحيون على اختلاف طوائفهم سكانًا أصليون في أرض العراق، وكونوا جزءً من الحضارة العراقية كونهم أحفاد البابليين والأشوريين والكلدانيين الذين سكنوا هذه المنطقة منذ آلاف السنين.[26]
والمسيحيون يعانون من انقسامات كثيرة تزيد من معاناتهم، إذ يصنفون إلى 15 أقلية مسيحية، بما في ذلك الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية التي يشكل أتباعها الأغلبية ضمن الأقلية المسيحية الكبرى، لكن كل هذه الجماعات تتعرض للمشاكل ذاتها، سواءً قبل عهد الرئيس «صدام حسين»، أو في عهده، أو حتى بعده ولو بدرجات مختلفة.[27]
ومع دخول الإسلام إلى العراق عاش غالبية المسيحيين بسلام، وتمكن الكثير منهم من التفوق والإبداع في المجال العلمي والإداري في الدولتين الأموية والعباسية، فظهر منهم الوزراء والأطباء والشعراء، وحظي الكثير من رجالات دينهم بمكانة لدى الخلفاء الأمويين والعباسيين،[28] عدا في بعض المراحل الحرجة التي تعرض خلالها المسيحيون وغيرهم من الجماعات الدينية الأخرى لاضطهاد الحكام، بسبب فتاوى دينية لرجال دين متعصبين، مثلما حصل في عهد الخليفة العباسي المتوكل (235ه-839م)، حيث أجبر الكثير من المسيحيين على الدخول في الإسلام، وتم التضييق على الآخرين من حيث الملبس الخاص، والمشي في طرق لا يسلكها المسلمون، ومنع تعليق الصلبان على الصدور. وسار على نهجه فيما بعد، الخليفة المقتدر الذي أمر بحصر استخدام اليهود والنصارى في مجال الطب والعلوم فقط.[29]
وبعد قيام الحكم الملكي في العراق الحديث عام 1921، شاركت الأقليات في بناء الدولة، إذ ظهرت شخصيات يهودية ومسيحية أخذت مسارها في بناء العراق سياسيًا واقتصاديًا، كوزير المالية الأشهر في تاريخ العراق ساسون حسقيل، والسياسي والأديب والاقتصادي يوسف غنيمة الذي تولى وزارة المالية لست وزارات متوالية ووزارة التموين لمرتين (1929-1947).[30]
ورغم ذلك لم يخل عهد العراق الملكي من فترات تمييز بحق الأقليات، فقد تعرض الآشوريون الذين يعتنقون المسيحية السريانية لعمليات تطهير وقتل عام 1933، حينما قتلت قوات الأمن العراقي، بالتعاون مع بعض العشائر الكردية، المئات منهم، فيما عرف في التاريخ العراقي بمجزرة «سميل»، والتي لا تزال حاضرة في ذاكرة المسيحيين الآشوريين ويتم تخليدها سنويًا فيما يعرف بيوم الشهيد الآشوري، كونها تعبر عن مرحلة مظلمة من تاريخهم في العراق.
ومن الإنصاف القول إن مجزرة «سميل» حدثت بتحريض من القوات البريطانية، التي شكلت من المسيحيين الآشوريين، الذين فروا للعراق من تركيا أثناء الحرب العالمية الأولى وبعدها، ميليشيا عسكرية ودربتها على ارتكاب أعمال القمع في حق العشائر العربية والكردية التي شاركت بثورة العشرين، واغتيال ناشطي الحراك الوطني المعارضين للوجود البريطاني في العراق. وبعد تصاعد شكاوى العشائر العربية والكردية في ديالى والسليمانية، تحركت القوات العراقية ومعها العشائر الكردية وبأمر غير مدروس ومستعجل من الأمير غازي ووزير الدفاع بكر صدقي للقضاء على قوة الليفي،[31] قُتل خلالها المئات من المسيحيين واعتُقل مئات آخرون، علمًا أن قبائل مسيحية آشورية كانت تعارض الأعمال التي كانت تمارسها قوات الليفي.[32]
ومع قيام العهد الجمهوري، إثر انقلاب يوليو/تموز 1958، أخذ واقع المسيحيين يتراجع، لاسيما مع كثرة الانقلابات العسكرية، والإحساس العام لدى عموم العراقيين بالظلم وعدم المساواة. ومع مجيء حزب البعث عام 1968، وصدور دستور 1970، بدأت المخاوف تتصاعد مع الإقرار بأن الإسلام هو دين الدولة العراقية (المادة الرابعة)،[33] رافقتها عدم جدية في إقرار حق المسيحيين في تعلم لغتهم السريانية، وإصدار نشاطاتهم الأدبية، وفتح منتدياتهم الثقافية. وكما تجلى التمييز في مجالات أخرى، منها بالخصوص قانون الأحوال الشخصية؛ ففي حالة الزواج بين المسيحيين والمسلمين، يخضع الزواج للأحكام العامة الإسلامية أي لقانون الأغلبية، لأن الإسلام هو أبرز مصادر قانون الأحوال المدنية. أيضًا تعد هبة المسيحي للمسلم مشروعة، إلا أن العكس ليس صحيحًا.[34]
وانطلاقا من سنة 1991، وبسبب النتائج السياسية المترتبة عن حرب الخليج الثانية؛ ازدادت معاناة الأقلية المسيحية بعدما تراجع النظام البعثي العراقي بشكل واضح عن الممارسات العلمانية، نتيجة تخليه عن أيديولوجية العروبة لفائدة الأيديولوجية الدينية، بسبب رغبة صدام حسين في إرضاء وكسب ود المرجعيات الدينية المسلمة، وهو ما يفسر صدور تعليمات تمنع استخدام «الأسماء الأجنبية» لتسمية المواليد.[35]
ونتيجة لذلك، يتناقص عدد أفراد الأقلية المسيحية في العراق باستمرار، إذ أسهمت عدة عوامل في دفع أفرادها للهجرة، أبرزها الانتهاكات المستمرة لحقوقها، وهو الأمر الذي زادت حدته بعد الممارسات والأعمال الخطيرة التي ارتكبتها بحقهم الحركات الإسلامية المتطرفة التي توالدت بعد الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003، والتي ترى أنه لا مجال للحديث عن التنوع الديني، وأن منطقة معينة يجب أن يتواجد عليها المسلمون فقط، الأمر الذي يفسر سعيهم لتغيير ديانة الأفراد بالإكراه، أو إجبارهم على أداء الفدية،[36] بل وحتى تنفيذ عمليات إرهابية تستهدف دفعهم للهجرة. في هذا السياق تم طرد عشرات الآلاف من المسيحيين من ديارهم من طرف تنظيم «داعش» الذي سيطر على الموصل في عام 2014، بل باتت ثقافتهم وحضارتهم مهددة بالانقراض على يد القوى المدعومة من إيران حتى بعد القضاء على تنظيم «داعش» في العراق.[37]
هكذا، فبعدما كان عدد المسيحيين العراقيين يناهز المليون ونصف شخص قبل غزو العراق واحتلاله عام 2003، أصبح عددهم حاليًا في حدود 200 ألف نسمة،[38] الأمر الذي يظهر تناقص أعدادهم بأكثر من ثمانين في المائة، بعدما هاجر معظمهم نتيجة لانعدام الأمن إلى دول أوروبا الغربية، الولايات المتحدة، كندا، أستراليا ونيوزيلاندا؛ فمثلا تضم كل واحدة من مدينتي «شيكاغو» و«ديترويت» قرابة ثمانين ألف مسيحي كلداني وآشوري من القادمين من دول الشرق الأوسط، خاصةً من العراق. وفي أوروبا بلغ عدد المسيحيين العراقيين قرابة 200 ألف شخص سنة 2005، فيما وصل عددهم الى خمسين ألف شخص في كندا، وثلاثين ألف في أستراليا. وما يزيد من خطورة هذا الأمر أن غالبية المهاجرين هم من الشباب والأشخاص الأكثر تعلمًا.[39]
لكن الثابت، أنه برغم تزايد حدة الاضطهاد، وما يرافقه من تصاعد عدد المهاجرين، فإن الأقلية المسيحية في العراق لن تنقرض وستستمر في الوجود؛ لأن الأقليات الدينية دائما متمسكة بهويتها وكينونتها كيفما كانت الظروف، وما يبرر هذه الحقيقة هو التفاعل مع مبادرة لوران فابيوس (Laurent Fabius) باستعداد فرنسا منح تأشيرات للمسيحيين العراقيين الراغبين في المغادرة،[40] حيث رفضت الكنيسة هذه المبادرة، وطلبت منه مساعدة المسيحيين على البقاء في أرضهم وأرض أجدادهم.[41]
حقوق الأقليات الدينية في دساتير مصر والعراق
إن التأسيس لديمقراطية حقيقية وسليمة لا يمكن أن يستقيم، دون بناء مؤسساتي وقانوني لحقوق الأقليات الدينية تعكس الاعتراف بهذه الحقوق والتنصيص عليها دستوريًا، والتي يصنفها البعض ضمن الفئة العليا للقواعد الآمرة للقانون الدولي التي لا يجوز انتهاكها.[42]
ورغم أن المادة 27 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية لم تتضمن سوى بعضًا من تلك الحقوق، كالحق في التمتع بالثقافة، الحق في المجاهرة بالدين وإقامة الشعائر الدينية ثم الحق في استخدام اللغة، مع التنصيص على التمتع الفردي والجماعي بهذه الحقوق، إلا أن ضمان هذا الحد الأدنى من الحقوق يبقى أمرًا مستعصيًا على الدساتير.
فاعتراف الدول بهوية الأقليات الدينية وبكونها مكونًا رئيسيًا من مكونات الدولة، وإدراكها لقيمة مبدأ عدم التمييز الذي يؤسس لمنظور منظمة الأمم المتحدة في مجال حماية الأقليات،[43] شرط لا محيد عنه لتتضمن الدساتير أهم الحقوق الجماعية الضرورية لبقاء الأقلية الدينية ككيان متميز. وغالبًا ما تتحجج الكثير من الدول بتعارض هذه الحقوق مع مبدأ المساواة، حتى تتملص من التزاماتها اتجاه هذه الجماعات، رغم عدم وجود أي تعارض بين إقرار الحقوق الجماعية للأقليات الدينية من ناحية، ومبدأ المساواة الذي رسخه الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وأكدت عليه المادة الثامنة من إعلان الأمم المتحدة الخاص بالأقليات من ناحية أخرى.
ترسيخ الاعتراف بالمكون المسيحي كمقوم أساسي من مقومات الدولة
تعد الثوابت والقيم التي تطبع كل هوية على حدة دافعًا ومحركًا أساسيًا للسلوك البشري، فبحسب الباحثين وفقهاء القانون الدولي ستصبح عما قريب الهوية والأقليات في موقع الأحداث في جميع أنحاء العالم.[44] وتشكل الهوية الثقافية بمكونها الديني أساس النزاعات في المجتمع؛ باعتبارها مكونًا رئيسيًا للحاجات النفسية غير المادية للجماعات،[45] فهي «النداء الوحيد الذي يجتذب من تعلموا ومن لم يتعلموا في المدارس، ويجعلهم يسعون إليه بطريقة تلقائية»،[46] إذ تنتظم في إطارها الكثير من العلاقات الإنسانية والقيم البشرية. الأمر الذي يجعل المطالب الثقافية لحركات الأقليات الدينية، ذات أولوية مقارنة مع مطالبها الاقتصادية والاجتماعية.
فالاعتراف الدستوري والقانوني الصريح بهوية ووجود الجماعات الدينية، لن يتحقق دون ترجمة حقيقية للمادة الأولى من إعلان الأمم المتحدة الخاص بالأقليات، والتي تؤكد على ضرورة التزام الدول بحماية وجود الأقليات وهويتها الدينية، وخلق ظروف تعزيز هذه الهوية. ومع افتراض أن الدساتير الجديدة في كل من العراق ومصر هي دساتير ديمقراطية تواكب مسار الانتقال الديمقراطي، فإن الهدف كان هو أن تقطع هذه الدساتير مع الممارسات الدستورية السابقة المتمثلة في عدم الاعتراف بالأقليات الدينية كمكون أساسي من مكونات الدولة وهويتها.
بالنسبة للعراق، رغم إقرار دستور سنة 2005 بالتعددية الدينية،[47] فقد تجنبت ديباجته الإشارة بشكل واضح ومباشر للأقليات المسيحية؛ ففي خضم تطرقها لمعاناة الشعب العراقي من ممارسات النظام السابق، نصت الديباجة على ما يلي: «مستذكرين مواجع القمع الطائفي من قِبل الطغمة المستبدة ومستلهمين فجائع شهداء العراق شيعة وسنة، عربًا وكردًا وتركمانًا، ومن مكونات الشعب جميعها،..». [48] وإذا كان التنصيص على المكونات السنية والشيعية والكردية يبدو مقبولًا باعتبارها الجماعات الرئيسية في الدولة، فإن الإشارة لإثنية التركمان وتجاهل الأقلية المسيحية التي عاشت أشكالًا من الاضطهاد في مختلف الأزمنة يبدو أمرًا غير منطقي، خاصةً أن الديباجة عادت لتذكر التركمان في مناسبة ثانية، حيث جاء فيها: «…ومسترجعين مآسي التركمان في بشير.. ».[49] وهو ما يطرح أكثر من تساؤل، خاصةً في ظل تقارب أعداد المسيحيين والتركمان عند صياغة دستور 2005،[50] وربما يرتبط تفسير هذا الأمر بديانة التركمان، إذ يدين غالبيتهم بالإسلام.
لكن الدستور العراقي يعود ويعترف بوضوح بالأقلية المسيحية عند معالجته لموضوع الحقوق الدينية، إذ أكدت المادة الثانية على ضمان الدستور لكامل «الحقوق الدينية لجميع الأفراد في حرية العقيدة والممارسة الدينية كالمسيحيين والإيزديين والصابئة المندائيين». وهو ما يعد تطورًا هامًا، مقارنةً مع دستور 1970، الذي رغم اعترافه الصريح بوجود الأقليات مستخدمًا مصطلح «الأقليات» بالتحديد للدلالة عنها، ما يعد تميزًا عن الدساتير العربية-الاسلامية الحالية، بل وحتى عن مجموعة من دساتير دول العالم المتقدم التي تتجنب استخدام هذا المصطلح، إلا أنه تحاشى وصف المسيحيين وغيرها من الأقليات بالاسم؛ حيث جاء فيه: «یتكون الشعب العراقي من قومیتین رئیسیتین، هما: القومية العربية والقومية الكردية، ويُقر هذا الدستور حقوق الشعب الكردي القومية والحقوق المشروعة للأقليات كافة ضمن الوحدة العراقية».[51]
ويرسخ الدستور العراقي الحالي اعترافه بالمسيحيين العراقيين من خلال إقراره لحقوقهم اللغوية، إذ تؤكد المادة الرابعة على حقهم في تعليم أبنائهم باللغات الأم السريانية والأرمنية في المؤسسات التعليمية الحكومية.[52] وأكثر من ذلك، فالمادة نفسها تؤكد على أن السريانية –التي تعد لغة غالبية المسيحيين– تعتبر لغة رسمية في المناطق التي يشكل فيها المسيحيين السريان كثافة سكانية. وهو ما يعد إقرارًا مهمًا بأن المسيحية بلغاتها تمثل مقومًا أساسيًا من مقومات هوية العراق الحديث.
ورغم ذلك، فإن الدستور العراقي يؤكد على الهوية الإسلامية للدولة، إذ تنص المادة الثانية على أن «الإسلام دين الدولة الرسمي». ومن المهم الإشارة إلى أن إضافة كلمة «الرسمي» يمثل اعترافًا ضمنيًا بالديانات الأخرى التي تأتي المسيحية في مقدمتها، وهو أمر إيجابي، مقارنةً مع دستور 1970 المؤقت، الذي جاء في مادته الرابعة: «الإسلام دین الدولة»، كما أن هذا الأمر يمثل تطورًا كبيرًا، مقارنةً مع دساتير دول إسلامية كثيرة من بينها الدستور المصري لسنة 2014 الذي جاء في مادته الثانية: «الإسلام دين الدولة».[53] وللتأكيد على الهوية الإسلامية للعراق، نصت المادة الثانية في فقرتها الثانية على أن دستور 2005 يضمن «الحفاظ على الهوية الإسلامية لغالبية الشعب العراقي». ويعتبر استخدام كلمة «لغالبية» في صياغة هذا النص الدستوري هامًا للغاية؛ لأنه يحمل في طياته إقرارًا بالتنوع الديني، واعترافًا بأن الهوية الإسلامية ليست هي الوحيدة في العراق الحديث.
وتبدو معالجة الدستور المصري لمسألة الاعتراف بالأقباط متشابهة، إلى حد ما، مقارنةً بنظيره العراقي، إذ يسايره في الاعتراف بوجود وهوية المكون المسيحي كمقوم أساسي من مقومات الدولة، من خلال التأكيد في ديباجته على التاريخ المسيحي: «وعلى أرضها احتضن المصريون السيدة العذراء ووليدها»، ودور المسيحيين في الثورة المصرية: «وثورة 25 يناير-30 يونيو، فريدة بين الثورات الكبرى في تاريخ الإنسانية، بكثافة المشاركة الشعبية.. وبمباركة الأزهر الشريف والكنيسة الوطنية لها..». وهو ما يؤشر على تطور ملموس بعدما تم تغييب المكون المسيحي في ديباجة دستور 2012 المعطل،[54] وتجاهله في ديباجة دستور 1971 بتعديلاته حتى عام 2007.
تم ترسيخ هذا التأكيد في المادة الخمسين من الدستور المصري، بالتنصيص على دور المكون القبطي والذي يشكل اعترافًا بالهوية القبطية كأحد مقومات الحضارة المصرية الأساسية: «تراث مصر الحضاري والثقافي، المادي والمعنوي، بجميع تنوعاته ومراحله الكبرى، المصرية القديمة، والقبطية، والإسلامية، ثروة قومية وإنسانية..». بالمقابل حافظت الهوية العربية-الإسلامية للدولة على مكانتها البارزة في دستور 2014 من خلال تنصيص مادته الأولى على أن «الشعب المصري جزء من الأمة العربية يعمل على تكاملها ووحدتها، ومصر جزء من العالم الإسلامي..».
بين إقرار المساواة واستمرار التمييز
أكدت الفقرة الثانية من المادة التاسعة عشرة من الباب الأول من إعلان فيينا، الصادر في 25 يونيو 1993، على ضرورة تمتع الأفراد المنتمين إلى أقليات بجميع حقوق الإنسان والحريات الأساسية بشكل فعلي ودون أي تمييز، وكذا على مسئولية الدولة في ضمانها وتعزيزها. وهو الأمر الذي يجد أساسه في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، من خلال مجموعة من المواد، خاصةً المادة الأولى المتعلقة بالمساواة في الحقوق،[55] والمادة الثانية التي تحظر جميع أشكال التمييز،[56] كالتمييز بسبب العنصر، أو اللون، أو الجنس، أو اللغة أو الدين، وهذا ما يبلور تصور الأمم المتحدة لموضوع الأقليات.
فيما يتعلق بالعراق، تؤكد ديباجة دستور 2005 على منح تكافؤ الفرص للجميع وعلى تحقيق المساواة وإشاعة ثقافة التنوع،[57] وهو ما بدا واضحًا من خلال خلو الديباجة –على عكس الدستور المصري– من أية إشارة تدل على إعلاء شأن الدين الإسلامي بالرغم من مكانته المركزية ضمن مكونات الهوية العراقية. ومع ذلك، تبقى أفضلية الدين الإسلامي قائمة من خلال المادة الثانية التي تؤكد على أن «الإسلام هو مصدر أساس للتشريع»،[58] وعلى أنه «لا يجوز سن قانون يتعارض مع ثوابت أحكام الإسلام»، إلا أن المادة نفسها تؤكد في الوقت ذاته على عدم إمكانية إصدار قوانين تخالف مبادئ الديمقراطية،[59] أو تتعارض مع الحقوق والحريات الأساسية الواردة في الدستور؛ وهو ما يعكس بجلاء حالة التوافقات التي تحكمت في صياغة دستور 2005.
وانسجامًا مع مضمون المادة السادسة عشر من الدستور، والتي تكفل حق تكافؤ الفرص لجميع العراقيين، نصت المادة التاسعة على ما يلي: «تتكون القوات المسلحة العراقية والأجهزة الأمنية من مكونات الشعب العراقي، بما يراعي توازنها وتماثلها دون تمييز أو إقصاء..». وهو ما يعد أمرًا بالغ الأهمية، فضمان تقلد الوظائف العسكرية والأمنية بجميع درجاتها من قبل جميع الأقليات الإثنية والدينية –بما فيها المسيحية– من شأنه المساهمة في بناء الثقة المتبادلة وتوفير مناخ سليم للتعايش بين هذه الجماعات.
وعلى عكس الدستور المصري الذي يمنع قيام أحزاب على أساس ديني،[60] لا يوجد في الدستور العراقي ما يحول دون تأسيس أحزاب دينية،[61] وهو ما سمح بوجود مجموعة من الأحزاب المسيحية أبرزها الحزب الوطني الآشوري، المجلس الشعبي الكلداني السرياني الآشوري، الاتحاد الديمقراطي الكلداني، الحركة الديمقراطية الآشورية والمجلس القومي الكلداني.[62]
ورغم تحفظ البعض بشأن تشكيل أحزاب على أساس ديني، باعتبارها كيانات سياسية تستمد وجودها وديمومتها من الولاءات الأولية، وتنحصر مطالبها بالأساس في الأمور الإثنية والتاريخية والشخصية،[63] ومع الإقرار بأن معظم الأحزاب المسيحية صغيرة وذات طبيعة طائفية وعرقية، إلا أنها مكنت الأقلية المسيحية من الحصول على تمثيل في البرلمان العراقي. ففي الانتخابات البرلمانية لسنة 2018، حصدت الحركة الديمقراطية الآشورية على ثلاثة مقاعد والمجلس الشعبي الكلداني السرياني الآشوري على مقعدين. وهو ما ينسجم تماما مع نص المادة التاسعة والأربعين من الدستور العراقي التي تؤكد على ضرورة مراعاة تمثيل سائر مكونات الشعب في تكوين مجلس النواب، كما يتوافق مع مضمون المادة السابعة والعشرين من الباب الثاني من إعلان فيينا لسنة 1993، التي تطلب من الدول اتخاذ التدابير اللازمة لتسهيل مشاركة الأفراد المنتمين إلى أقليات في جميع جوانب حياة المجتمع السياسية.
ولتمكين الأقليات الدينية من المشاركة الفاعلة في الحياة السياسية وصنع القرار السياسي، لا يضع الدستور كشرط أن يكون المرشح لرئاسة الدولة مسلمًا،[64] وهو ما يميز الدستور العراقي عن مجموعة من دساتير الدول الإسلامية مثل تونس التي تشترط بالضرورة أن ينتمي مرشح رئاسة الجمهورية لدين الأغلبية،[65] كما أنه يفسح المجال مستقبلًا، ولو نظريًا، لتقلد أحد أفراد الأقلية المسيحية لمنصب رئاسة الدولة، الأمر الذي من شأنه ترجمة مبادئ المساواة وعدم التمييز التي ينص عليها الدستور العراقي.
ولا يختلف الدستور المصري عن نظيره العراقي في التأكيد على حظر كافة أشكال التمييز، فالدستور المصري، بما في ذلك دستور 2012 الذي تم إعداده في عهد الرئيس محمد مرسي المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين، لا يفرض الإسلام كشرط من شروط الأهلية لمنصب رئيس الدولة،[66] وهو ما ينسجم مع ديباجته، وكذا مع مادتيه الرابعة، والثالثة والخمسين؛ واللتان تشيران لمبدأ المساواة في الحقوق والواجبات، وتؤكدان على تكافؤ الفرص والحق في تقلد الوظائف دون أي تمييز من أي نوع.[67]
ومع ذلك لا يخلو الدستور المصري من إشارات تدل على أفضلية دين الأغلبية، وهو ما يتبين بوضوح من خلال ديباجته التي جاء فيها «وحين بُعث خاتم المرسلين.. انفتحت قلوبنا وعقولنا لنور الإسلام، فكنا خير أجناد الأرض جهادًا في سبيل الله، ونشرنا رسالة الحق..». ويبدو هذا الأمر راسخًا في مضمون المادة الثانية من الدستور، التي تحصر بوضوح مصادر التشريع الرئيسية في مبادئ الشريعة الإسلامية، والشيء نفسه سار عليه الدستور العراقي، على خلاف دساتير بعض الدول العربية كالمغرب وتونس اللذين يتوسعان في مصادر التشريع.
ورغم ذلك، وكنوع من المرونة، عكست ديباجة دستور 2014 حالة من التوافقات بين التوجهين الإسلامي والليبرالي من خلال تنصيصها على التفسير المدني لمصدر التشريع الإسلامي، إذ أكدت على ضرورة تفسير مبادئ الشريعة الإسلامية استنادًا لأحكام المحكمة الدستورية العليا، وهو ما ينعكس إيجابًا على الأقباط وباقي الأقليات الدينية، ويمثل تطورًا هامًا مقارنةً مع دستور 2012 الذي نص في مادته 219 على أن «مبادئ الشريعة الإسلامية تشمل أدلتها الكلية، وقواعدها الأصولية والفقهية، ومصادرها المعتبرة في مذاهب أهل السنة والجماعة».
وفي مثال آخر على إعلاء مكانة دين الأغلبية، تضمن الباب الثاني من الدستور الخاص بالمقومات الاجتماعية للمجتمع، بتخصيصه مادة خاصة بالأزهر الشريف كهيئة إسلامية علمية مستقلة تلتزم الدولة بتوفير الاعتمادات المالية الكافية لها لتحقيق أغراضها،[68] وفي ذلك أفضلية واضحة للدين الإسلامي وتجاهل صريح للهيئات المسيحية.[69]
الحريات الدينية: نحو مزيد من الترسيخ الدستوري
يكتسي موضوع دسترة الحقوق والحريات الدينية أهمية بالغة، باعتبارها من الحقوق الجوهرية التي حملتها المادة السابعة والعشرين من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية لعام 1966، والتي نصت بوضوح على حق الأقليات الدينية في المجاهرة بالدين وأداء الشعائر الدينية فرديًا وكذلك جماعيًا، وهو ما يتجلى بوضوح من خلال عبارة «بالاشتراك مع الأعضاء الآخرين في جماعتهم» الواردة في هذه المادة.[70]
وفي إطار الحقوق الجماعية الأساسية للأقليات الدينية في مصر، أكد دستور 2014 على أن حرية الاعتقاد مطلقة، واعترف بالحق في ممارسة الشعائر الدينية وإقامة دور العبادة، مشترطًا لأجل ذلك صدور قانون ينظم هذا الحق،[71] إذ نصت المادة 235 من الدستور المصري على ضرورة إصدار مجلس النواب قانونًا لتنظيم بناء وترميم الكنائس يكفل حرية ممارسة المسحيين لشعائرهم الدينية. وهو القانون الذي لم يصدر إلا بعد حلول سنة 2016، وإن اعتبر بمثابة مكتسب جديد، إلا أن نطاق الحرية الدينية للمسيحيين لم يتوسع بالشكل الذي يريده المسيحيون. وارتباطًا بتنظيم الشأن الديني، منح الدستور المصري الحرية للأقباط في تدبير كل ما يتعلق بأمورهم الدينية، إذ نصت مادته الثالثة على السماح لهم بسن التشريعات المرتبطة بتنظيم شئونهم الدينية، واختيار قياداتهم الروحية. وهو مكسب هام حمله دستور 2014 في مجال حماية الحقوق والحريات الدينية.
ولا يختلف الأمر كثيرًا في العراق؛ إذ نصت المادة الثانية من الدستور على ضمان «كامل الحقوق الدينية لجميع الأفراد في حرية العقيدة والممارسة الدينية كالمسيحيين والإيزديين والصابئة المندائيين». ويعتبر استخدام عبارة «كامل الحقوق الدينية» مهمًا لزيادة التأكيد على صيانة الحريات الدينية، كما يعد نص هذه المادة متقدمًا، مقارنةً بالمادة الخامسة والعشرين من دستور 1970 التي وضعت قيودًا غير مباشرة على الحريات الدينية؛ إذ تضمنت تقريبًا المضمون نفسه للمادة الثانية من دستور 2005، ولكنها ربطت ضمان حرية المعتقد وحرية ممارسة الشعائر الدينية بعدم الإخلال بالآداب والنظام العام.[72]
وعلى خلاف الدستور المصري الذي لم ينص صراحة على مسئولية الدولة في حماية أماكن العبادة، فإن المادة العاشرة من الدستور العراقي لسنة 2005 تلزم الدولة بصيانة حرمة العتبات المقدسة والمقامات الدينية، وبضمان ممارسة الشعائر بحرية فيها. كما أن المادة الثالثة والأربعون من الدستور نفسه تنص صراحةً على ذلك، إذ جاء فيها: «تكفل الدولة حرية العبادة وحماية أماكنها». ولا شك أن أحداث العنف الطائفي الذي عرفه العراق بعد احتلاله سنة 2003، والذي شكل المسيحيون وباقي الأقليات الدينية أبرز ضحاياه، من شأنه أن يدفع الحكومة لتفعيل النصوص الدستورية التي تؤكد حرمة أماكن العبادة، وبما يمنع عن المسيحيين وأماكن عبادتهم العمليات الإرهابية التي طالت وجودهم.
إجمالًا تبقى المعالجة الدستورية للحريات الدينية مقبولة في مصر وبدرجة أكبر في العراق، مقارنةً مع دول عربية وإسلامية أخرى مثل المغرب؛ ففي ظل قلة أعداد أقلياته الدينية بدا الدستور المغربي الصادر عام 2011 محتشمًا في تطرقه لموضوع الحريات الدينية، الأمر الذي ظهر جليًا من خلال صياغة فصله الثالث الذي نص على أن «الإسلام دين الدولة، والدولة تضمن لكل واحد حرية ممارسة شئونه الدينية». هكذا تفادى هذا الفصل التنصيص على الحريات الدينية الجماعية كممارسة الشعائر الدينية أو/وإقامة دور العبادة، إذ اقتصر فقط على ضمان الحرية الفردية (عبارة «تضمن لكل واحد») في ممارسة الشئون الدينية الذي يبقى تعبيرًا غامضًا مقارنة مع تعبير ممارسة الشعائر الدينية،[73] الذي جاء في الدستورين المصري والعراقي.
إقرار دستوري محكوم بضيق مجال الممارسة
يؤدي تجاهل قضية الأقليات وعدم الاعتراف بحقهم المشروع بما يضمن الحياة الكريمة لهم، ومحاولة الركوب على وضعهم دون تقديم حلول واقعية، إلى مضاعفة قساوة ظروف عيشهم؛ إذ تتعاظم المعاناة لتفرز لنا وضعًا مأساويًا. كما أن سياسات التعصب القومي ضيقة الأفق، ومحاولة الدمج القسري للأقليات تؤدي عمومًا إلى نتائج عكسية، إذ تساهم في تفاقم شعور الأقليات بهوياتها وتزايد نزعتها الانفصالية. لذلك فمهما تمظهر المجتمعين المصري والعراقي بالانفتاح وتقبل الآخرين، فإنهما لم يتخلصا مما يحملانه في العمق من تصور انغلاقي تحيزي إقصائي. صحيح أنهما يبقيان ضمن أفضل المجتمعات ذات الأقليات الدينية، من ناحية التعاطي الدستوري مع مسألة الأقليات تعزيزًا وتأكيدًا وترسيمًا للمستقبل؛ إلا أن سمة الانغلاق تطبع مسارهما، حتى وإن كان المجتمع المصري والعراقي هما الأقرب عن تخطي ممارسات العنصرية والتعصب والإقصاء، وهو ما يحول في النهاية دون تفعيل النصوص الدستورية المتعلقة بضمان حماية الأقليات الدينية واحترام وتعزيز حقوقها.
ورغم بعض الجوانب الإيجابية التي حملتها دساتير مصر والعراق في معالجتها لموضوع الدراسة، فإنها ظلت بعيدة عن تطلعات أقلياتها الدينية، التي لاتزال تعاني من مضايقات السلطة الحاكمة والأغلبية المنغلقة، وضعف الحماية القانونية أو عدم تفعيل ما تم إقراره منها؛ الأمر الذي يعني أن النظام المكتوب دستوريًا وقانونيًا مهما كانت درجة انفتاحه واستيعابه للآخرين، ومهما تمظهر بالديمقراطية كآلية تدبير اندماجية وانفتاح وتقبل للآخر، والمشاركة في تقاسم عادل للفرص المتاحة. فهو لم يستطع اختراق الانغلاقية التي تؤججها أحادية الهوية؛ بل يظل الواقع المادي المتمثل في مكونات المجتمع المتماثلة/ المتطابقة، الفاقدة للتنوع والاختلاف، هو ما يوجه ويحكم تفاعل الأنظمة والقوانين في نهاية المطاف. وبالتمعن في هذه الحقائق وأخذها بالحسبان، يمكن بناء تصور وموقف متوازن وواضح يضع حدًا للتخبط الذي طال هذه المشكلة المزمنة والمعقدة في دول الأقليات العرقية والدينية والطائفية واللغوية.
ولتقدير ما اكتسبته هذه الجماعات من حقوق في إطار عمليات الانتقال الديمقراطي، واستجلاء ما تمخضت عنه هذه الدساتير؛ لا بد من تقييم حصيلتها والتحقق من مدى التطبيق الفعلي لمقتضياتها في مجال احترام وتعزيز حقوق الأقليات الدينية. فإلى أي حد نجحت دساتير مصر والعراق في تحقيق حماية فعلية لأقلياتها الدينية؟ وهل نجحت في تفعيل النصوص الدستورية المرتبطة بالحقوق والحريات الدينية للمسيحيين وترجمتها على أرض الواقع؟
محدودية الحماية الدستورية
رغم أن دساتير مصر والعراق على وجه الخصوص حملت نصوصًا متقدمة تؤكد على ضمان الحقوق المدنية والسياسية للأقليات المسيحية؛ فإن الحصيلة الدستورية في مجال حماية الأقليات الدينية لا تبدو مشجعة، خاصةً في مجال المشاركة في الحياة السياسية والعامة. وهو ما يرجع بالأساس لعدم إقرار الدستورين معًا لتدابير إجرائية كفيلة بحماية حقوق الأشخاص المنتمين إلى أقليات دينية، أسوة بمجموعة من الدساتير الديمقراطية.
عدم نص الدستور المصري على تدابير صريحة؛ تخول للأقليات الدينية المشاركة في الحياة السياسية والعامة واعتلاء المناصب العامة، كرس معاناة الأقباط من التمييز في القطاع العام والمحاكم القضائية، ومن جانب الأجهزة الأمنية.[74] هذا لا ينكر ولا ينقص من التزام الدولة بتحقيق تكافؤ الفرص بين جميع المواطنين دون تمييز،[75] وإقرارها بحرية ممارسة الشعائر الدينية، فالمادة الحادية عشرة على سبيل المثال حملت تدابير محددة لضمان تمثيل المرأة في المجالس النيابية وضمان حقها في تقلد المناصب العامة. ويبقى الاعتراف بالأقباط كمقوم رئيسي من مقومات هوية الدولة سمة هذا الدستور.
وعلى غرار مصر، فإن الدستور العراقي –الذي لا بد من الإقرار بتطوره في مجال حماية حقوق الأقليات الدينية بما فيها المسيحية– قد خلا من التدابير الإجرائية التي تضمن مشاركة سياسية فعالة لهذه الجماعات، وهو ما يعرقل مساهمة ممثّليها في صناعة القرار السياسي، خصوصًا على المستوى التنفيذي (تشكيل الحكومة)، ويتعارض بذلك مع نموذج تقاسم السلطة،[76] أو ما يعرف بالديمقراطية التوافقية التي تقتضي إشراك كل أطياف المجتمع،[77] لترسيخ الحكم الديمقراطي في المجتمعات المنقسمة مثل العراق.
وقد جرى الالتزام بهذا النموذج في مرحلة الحكومة الانتقالية،[78] إذ تكونت من ثلاثة وثلاثين عضوًا: سبعة عشر وزيرًا شيعيا (من بينهم رئيسها)، وسبعة وزراء لكل من السنة والأكراد، ووزير مسيحي وآخر تركماني.، لكن عملية كتابة دستور 2005 تميزت بالقطع مع نموذج الديمقراطية التوافقية، إذ تجنبت الوثيقة الدستورية النص صراحة على تمثيلية كل مكون من المكونات السابقة في مجلس الوزراء، ما يجعل الأقلية المسيحية عرضة للتوازنات والتوافقات السياسية ومهددة بشكل دائم بالبقاء خارج دائرة القرار السياسي كما هو حال أقباط مصر،[79] ومن حسن حظ الأقلية المسيحية العراقية أن قانون الانتخابات التشريعية الجديد الصادر عام 2019 قد خصص للمكون المسيحي كوتا محددة في خمسة مقاعد توزع على محافظات بغداد، نينوى، كركوك، دهوك وأربيل. وإذا كانت الكوتا الانتخابية أعطت تمثيلًا عادلًا للمسيحيين وبقية المكونات، لاسيما في مجال الحريات والحقوق السياسية؛ فإنها في الوقت نفسه فتحت باب الصراع داخل المكونات ذاتها على أحقية تمثيل المكون، وهذا ما يظهر بين المكونات المسيحية المنقسمة لخمسة عشر طائفة، وكذلك بين الآيزيديين الموالين للأحزاب الكردية وبين غير الموالين وبين الشبك السنة والشبك الشيعة.[80]
ومن المهم الإشارة كذلك إلى أن الدستور العراقي أغفل أيضًا الإشارة إلى قضية التمثيل النسبي في التعيينات في الوظائف المدنية العامة، وحتى تنصيصه بموجب المادة التاسعة على مشاركة جميع مكونات الشعب بشكل متوازن ومتماثل في القوات المسلحة والأجهزة الأمنية يبدو صعب التطبيق في ظل غياب إحصائيات دقيقة تظهر الحجم الحقيقي للأقليات العراقية، خاصةً المسيحيين؛ ما يمنعهم من الوصول إلى تمثيل نسبي حقيقي حتى في القوات المسلحة، حسبما ينص عليه الدستور.[81]
تحدي تفعيل النصوص الدستورية
لا يستقيم الوضع الحقوقي للأقليات الدينية سوى بترجمة النصوص الدستورية على أرض الواقع، وبلورة قوانين تشريعية بما يلائم ويكمل روح الدستور، وهذا لن يتأتى في غياب رغبة حقيقية وإرادة سياسية واضحة المعالم، تتخللها نية حسنة راغبة في صنع التغيير الكفيل بتطوير وضعية هذه الفئات للأفضل. والواقع أنه في مصر كما في العراق، لا يحقق مستوى تفعيل النصوص الدستورية المرتبطة بالحقوق والحريات الدينية للمسيحيين تطلعات أفراد هذه الأقليات.
ففي مصر، أثارت الشروط الواجب توفرها للحصول على ترخيص ببناء أو ترميم الكنائس الكثير من الجدل، ليس فقط من منطلق أنها تعد انتهاكًا لحق ممارسة الشعائر الدينية بشكل جماعي، ولكن باعتبارها أيضًا تعد خرقًا لمبدأ المساواة وعدم التمييز في الحقوق بين الجماعات الدينية. ويبقى قانون تنظيم بناء وترميم الكنائس الذي أصدره رئيس الجمهورية في سبتمبر 2016، بناءً على المادة 235 من دستور 2014، إنجازًا انتظره الجميع لإيقاف حالة الاحتقان بخصوص هذا الموضوع، وهو يعتبر من التدابير المتميزة التي استجابت إلى حد ما لأهم المطالب الدينية للأقلية المسيحية، رغم أن مجرد إصدار هذا القانون يمثل في حد ذاته إجراءً تمييزيًا بحق المسيحيين، فالمطلوب هو وضع قانون عام لتنظيم بناء دور العبادة يساوي بين المواطنين كافة، وليس منطقيًا أن يكون لكل ديانة قانون خاص بها في مجال بناء وترميم دور العبادة. وحتى لا نبخس قيمة ما بُذل من جهد، فإن هذا القانون يمثل نقطة الضوء الوحيدة التي تضبط حدود تدخل السلطة في عملية بناء الكنائس، رغم اليد العليا للسلطة التنفيذية في تقييد حق بناء وترميم دور عبادة الأقباط.[82]
وإذا كان خروج هذا القانون إلى حيز الوجود منح المزيد من الحريات المرتبطة بممارسة الشعائر الدينية، فإن أقباط مصر لا زالوا ينتظرون تفعيل المادة الثالثة من الدستور التي تنص على كون «مبادئ شرائع المصريين من المسيحيين واليهود المصدر الرئيسي للتشريعات المنظمة لأحوالهم الشخصية، وشئونهم الدينية». فمن شأن إصدار قانون خاص بالأحوال الشخصية للأقباط إنهاء معاناتهم في مسألة تقسيم الميراث؛[83] فرغم انتماء غالبيتهم للطائفة الأرثوذكسية، ويحتكمون في أمور الزواج والطلاق للائحة الأقباط الأرثوذكس الصادرة سنة 1938، إلا أنه غالبا ما يتم تجاهل هذه اللائحة، ويصدر القاضي حكمه في تقسيم ميراث المسيحيين وفق أحكام الشريعة الإسلامية، معتبرًا أن اللائحة لا ترقى إلى درجة القانون.[84] ويرفض الكثير من الأقباط هذا الوضع، مثل المحامية القبطية هدى نصر الله التي كانت تأمل في تقسيم ميراث والدها وفق الديانة المسيحية؛ وتقول: «طالبنا، أنا وإخوتي، القاضي بتطبيق التعاليم المسيحية، التي تساوي بين الرجل والمرأة في الميراث». إلا أن القاضي رفض طلب المحامية، فصدر إعلان الوراثة وفقًا للشريعة الإسلامية التي تمنح الذكر مثل حظ الأنثيين. واعتبرت هدى هذا القرار انتهاكًا لحقوقها الدينية، قائلة: «أنا لا أطالب بأكثر من حقي كمواطنة مصرية، أريد أن أتمتع بحقوقي كامرأة وكمسيحية».[85] وبعد أن رفضت محكمتين من قبل الدعوى التي رفعتها نصر الله، استجاب القضاء المصري أخيرا للطعن الذي تقدمت به المحامية القبطية حيث حكم لصالحها بتوزيع الميراث طبقا للشريعة القبطية.[86]
ولا يختلف وضع مسيحيي العراق كثيرًا عن نظرائهم المصريين، فرغم إقرار دستور 2005 لحق المسيحيين العراقيين في الحصول على قانون خاص بأحوالهم الشخصية،[87] فإنه لا تظهر، حتى الوقت الحالي، أي مؤشرات تُنذر بقرب إصدار هذا القانون. وهو ما يثير حفيظة أفراد الأقلية المسيحية على غرار الكاردينال لويس رافائيل ساكو (Louis Raphael Sako)، بطريرك الكنيسة الكلدانية، الذي يرى أن حكومات العراق الحديث مجبرة على احترام وحماية هوية المسيحيين العراقيين وباقي الأقليات الدينية وضمان قدرتهم على تنظيم الأمور المتعلقة بأحوالهم الشخصية. مؤكدًا في الوقت ذاته على ضرورة تعديل قانون الأحوال الشخصية العراقي انسجامًا مع مقتضيات الدستور العراقي المتعلقة بحرية الضمير والعقيدة.[88]
بالمقابل، أصدر رئيس الجمهورية العراقية عام 2012 قانونًا مؤسسًا لـ«ديوان أوقاف الديانات المسيحية والآيزيدية والصابئة المندائية»؛ تفعيلًا للمادة الثالثة والأربعين من دستور 2005. وبموجب المادة الأولى من هذا القانون الذي يحظى فيه المسيحيين بتمثيلية مهمة، يرتبط هذا الديوان مباشرة بمجلس الوزراء ويتمتع بالشخصية المعنوية. وهو شيء إيجابي يبرز –مبدئيًا– اهتمام السلطة التنفيذية بالشأن الديني للأقليات الدينية. ويعمل ديوان الأوقاف على رعاية شئون العبادة وأماكنها وتدبير كل ما يتعلق برجال الدين والمعاهد والمؤسسات الدينية، كما يدير ويستثمر أموال الأوقاف وكذا الإسهام في فتح المدارس ودور الأيتام والعجزة والمستشفيات. وإضافة لذلك يساهم ديوان الأوقاف في توثيق روابط الأقلية المسيحية والأقليات الدينية الأخرى مع العالم الإسلامي.[89]
خاتمة
يمثل مضمون النصوص الدستورية المرتبطة بحماية حقوق الأقليات الدينية –في كل من العراق ومصر– ردًا على مزاعم إنكار دساتير الدول ذات الغالبية المسلمة للتنوع الديني، كما يدحض مجموعة من الاتهامات الموجهة لها بخصوص انتهاك الحقوق الفردية والجماعية لأقلياتها الدينية. وتعتبر دساتير الدول موضوع الدراسة متقدمة، مقارنةً بدساتير دول إسلامية أخرى التي رغم توفرها على دساتير ديمقراطية حديثة، فإنها تشهد غيابًا تامًا للإشارة لأقلياتها الدينية، وتؤكد على الهوية العربية الإسلامية كهوية وحيدة.
ورغم ذلك، تعتبر الدراسة أن الحصيلة الدستورية لكل من العراق ومصر لا ترقى لمستوى تطلعات أفراد أقلياتها الدينية في مجال احترام وتعزيز حقوقهم الفردية والجماعية، بسبب فشل الدولتين –خاصة مصر– في اتخاذ تدابير إجرائية صريحة وآليات محددة تؤسس لمناخ سليم للتعايش بين مختلف الجماعات الدينية المكونة للدولة، وتساهم في ضمان حماية حقيقية لحقوق الأفراد المنتمين إلى الأقليات الدينية، والتأسيس لمشاركتهم الفاعلة في الحياة العامة والسياسية؛ الامر الذي يفسر استمرار تهميش أفراد الأقليات المسيحية، وتزايد حوادث العنف الطائفي.
ومع أن الأقلية المسيحية في مصر تعتبر أقلية بارزة، وتفوق عددًا ووزنًا نظيرتها في العراق، فإن الدراسة تعتبر إجمالًا أن معالجة الدستور العراقي لحقوق الأقليات الدينية كانت أفضل من نظيره المصري، خاصةً في مجالات الاعتراف بالمكون المسيحي وبهوية الأقليات المسيحية ومحاربة التمييز وضمان تكافؤ الفرص والمشاركة السياسية وتقلد الوظائف العامة. وقد تفوق الدستور العراقي –المصاغ من جانب جمعية وطنية منتخبة في زمن الاحتلال– بإقراره الواضح بالتعددية الدينية، واعترافه الصريح بأن الهوية الإسلامية لا تمثل إلا هوية غالبية الشعب وليس كل الشعب.
لكن هذا لا يمنع التأكيد على أنه، رغم اعتماده دين الأغلبية مصدرًا للتشريع، فإن الدستور المصري لسنة 2014 –الذي جرى تحريره في ظروف غير ديمقراطية– قد حمل العديد من الإشارات الإيجابية المتعلقة باعترافه الصريح بالأقباط كمقوم رئيسي من مقومات الهوية المصرية، وإقراره للمزيد من الحريات المرتبطة بممارسة الشعائر الدينية، وتنصيصه على المساواة ومنع التمييز بناء على الدين، رغم إقراره الواضح لأفضلية الدين الإسلامي. وقد كان ممكنًا أن تكون الحصيلة الدستورية في مصر أفضل لولا أن الأقباط دفعوا ثمن التوافقات بين المحافظين والليبراليين ونهج سياسة «الغموض البناء» بمبرر تغليب مصلحة الوطن، من خلال وضع مجموعة من النصوص الدستورية –ذات الارتباط بالموضوع– تفتقد للدقة والوضوح وتحتمل أكثر من تأويل، وهو حال معظم دساتير الدول ذات الغالبية المسلمة.
وإذا كانت دساتير الدول موضوع الدراسة لا ترقى إجمالًا إلى تطلعات أقلياتها الدينية، فإن الإرادة السياسية الغائبة، ومماطلة السلطة الحاكمة في تفعيل النصوص الدستورية، بسن قوانين تشريعية جديدة تلائم مضمون النصوص الدستورية، يضع الأقليات الدينية في حماية دستورية ناقصة، حتى أن بعض أفراد هذه الأقليات يعبر بطريقة ساخرة بالقول بأن «الحقوق والحريات الدينية مضمونة دستوريًا شريطة ألا تُطبق على أرض الواقع». هكذا، فإن العراق ومصر مطالبين بالإسراع في تفعيل النصوص المرتبطة بالمشاركة في الحياة العامة، وبالمسائل المتعلقة بالأحوال الشخصية للمسيحيين التي تطرح إشكالية حقيقية.
لكن هذا لا يمنع الاعتراف بالجهود التي بذلتها هذه الدول لتفعيل الحماية الدستورية للأقليات الدينية؛ ففي العراق تحفل الساحة السياسية بمجموعة من الأحزاب المسيحية، وقد منح القانون الانتخابي الجديد لمجلس النواب الصادر عام 2019 كوتا للأقليات المسيحية في حدود خمسة مقاعد، وفي عام 2012 تم تأسيس ديـــوان أوقاف الديانات المسيحية والآيزيدية والصابئة المندائية، أما في عام 2014 فقد شرعت وزارة التربية الوطنية –ولو بشكل محدود– في إدخال اللغة السريانية في برامج المدارس الحكومية في المحافظات التي يتواجد فيها المسيحيون بكثرة. وفي مصر تم عام 2016 إصدار قانون بشأن تنظيم بناء وترميم الكنائس يمنح بموجبه الأقباط المزيد من الحريات في مجال ممارسة الشعائر الدينية.
اعتبارًا لكل ما سبق، فإنه برغم تقدمها في مجال الاعتراف بالتنوع الاثني وتوفير الحماية للأقليات الدينية، فإن الطريق لا يزال طويلًا حتى توصل دساتير العراق ومصر أقلياتها إلى بر الأمان، وتتجنب كارثة انقراض أقلياتها الدينية التاريخية التي تُشكِّل قبل كل شيء تراثًا إنسانيًا، كما هو حال المسيحيين في العراق الذين تناقص عددهم بشكل مهول منذ بداية الألفية الثالثة.
وتجدر الإشارة لأن منح الحقوق للأقليات الدينية لا ينبغي أن يقتصر فقط على الحريات الدينية، وإنما يجب أن يتضمن كافة الحقوق المدنية والسياسية دون أي تمييز، ناهيك عن الحقوق الجماعية التي تكتسي أهمية بالغة لارتباطها المباشر ببقاء واستمرار الجماعة الدينية ككيان متميز. وفي هذا الإطار، تشكل الدعوة التي أطلقها حزب الوفد المصري في العشرينيات من القرن الماضي ثورة في مجال حقوق الأقليات الدينية؛ إذ أكد على ضرورة الانخراط الفعلي للأقباط في العمل السياسي، وهو ما عبر عنه من خلال مقولته الشهيرة: «الدين لله والوطن للجميع». وبشجاعة نادرة نادى أيضًا بتصميم علم وطني مصري يحمل الهلال والصليب ليمثل بذلك كل الأطياف. وهي مواقف تمثل دعوة صريحة لمساواة حقيقية بين الغالبية المسلمة والأقلية المسيحية وغيرها من الأقليات الدينية، ما يؤسس لوحدة مجتمعية حقيقية ويفسح الطريق لتحقيق استقرار سياسي حقيقي ودائم.
[1] المادة السابعة والعشرين من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لعام 1966.
[2] تشيمبي، موايلا (2010). قانون الأمن الدولي (Le droit de la sécurité internationale). باريس: لارماتان، 12.
[3]إبراهيم بغدادي، عبد السلام (2000). الوحدة الوطنية ومشكل الأقليات في أفريقيا، سلسلة أطروحات الدكتوراه. بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 18.
[4] غليون، برهان (2012). المسألة الطائفية ومشكلة الأقليات. بيروت: الدار العربية للعلوم ناشرون، 104 -105.
[5] جمعي، أسماء وعطار عبد المجيد (2021). مسألة الأقليات في العالم العربي بين الواقع والمأمول. مجلة إيليزا للبحوث والدراسات، 6 (2)، 524.
[6] سيلفيا، كواتريني (2020). الدين والهوية والعرق: سعي الأقليات الدينية التونسية للمواطنة الكاملة، مجلة رواق عربي، 21 يوليو. تاريخ الاطلاع 9 أغسطس 2022، https://urlz.fr/iX4m
[7] بوليري، سيدريك (2002). أقلية إثنية (Minorité éthnique)، ميلينير، 3 يناير. تاريخ الاطلاع 7 أغسطس 2022، https://urlz.fr/iX4C
[8] أبو سيف، يوسف (2011). الأقباط والقومية العربية: دراسة استطلاعية، بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، ط 2، 15-19.
[9] سلوم، سعد (2013). الأقليات في العراق: الذاكرة، الهوية، التحديات. بغداد: مؤسسة مسارات للتنمية الثقافية والإعلامية، 14.
[10] مسعد، مى (2001). التميز القبطي واستبعاد الدولة في مصر. الدوحة: سلسة (دراسات وأوراق بحثية)، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، أغسطس، 15.
[11] عبد الغفار، عادل وهيس بيل (2018)، الأحزاب الإسلامية في شمال إفريقيا: تحليل مقارن بين المغرب وتونس ومصر. الدوحة: مركز بروكنجز، 21.
[12] محمد، غادة (2018). الأقباط في مصر الحديثة. الإسكندرية: دار المرايا للإنتاج الثقافي، الطبعة الأولى، 27.
[13] الداوي، عبد الرزاق (2007). الخطاب عن حرب الثقافات في الفكر الغربي: نماذج من الفكر الأمريكي المعاصر. الكويت: المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، مجلة عالم الفكر، 2، 115-128.
[14] شفيق، كريم (2019). حصة الدين في مدارس مصر: نفي للمسيحيين وغلبة لـ«المؤمنين». درج، 12 أغسطس. تاريخ الاطلاع 10 أغسطس 2022، https://daraj.com/20575.
[15] الشقيري، عبد المنعم (2021). العقلنة عند ماكس فيبر. الدوحة: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 167.
[16] السيد، علاء الدين (2015). أبرز الحوادث الطائفية في مصر خلال خمسين عامًا. ساسة، 9 أبريل. تاريخ الاطلاع 5 أغسطس 2022، https://urlz.fr/iX4J.
[17] مركز مالكوم كير-كارنيغي للشرق الأوسط (2013). العنف ضد الأقباط والمرحلة الانتقالية في مصر. 14 نوفمبر. تاريخ الاطلاع 3 مايو 2022، https://urlz.fr/geCK.
[18] إبراهيم، سعد الدين (2006). الأقليات والمرأة في العالم العربي. القاهرة: مركز ابن خلدون للدراسات الإنمائية، 16-22.
[19] أعلوان، فؤاد (2021). حقوق الأقليات في دساتير دول الربيع العربي: دراسة مقارنة بين المغرب وتونس ومصر. الدوحة: مركز حرمون للدراسات المعاصرة، 16.
[20] أمون، دونيس (2018). أول محافظ قبطية (Égypte: la première femme copte gouverneure). مصر: مجلة لوبوان، 5 سبتمبر. تاريخ الاطلاع 11 يونيو 2022، https://urlz.fr/geoI.
[21] قدري، غادة (2021). هل يتم إلغاء خانة الديانة من بطاقة الهوية المصرية قريبًا؟. النهار العربي، 01 سبتمبر. تاريخ الاطلاع 4 أغسطس 2022، https://urlz.fr/iX4V.
[22] إبراهيم، سعد الدين. مرجع سابق، 6.
[23] عزمي بشارة (2012). هل من مسألة قبطية في مصر؟. بيروت: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 28.
[24] أعلوان، فؤاد. مرجع سابق، 16.
[25] محمد العزاوي، دهام (2012). مسيحيو العراق: محنة الحاضر وقلق المستقبل. الدوحة، مركز الجزيرة للدراسات، 25.
[26] فرانسوا دومون، جيرار (2005). فسيفساء المسيحيين العراقيين ((La mosaïque des chrétiens d’Irak. الجيوستراتيجية، أبريل، 177.
[27] المرجع السابق نفسه، 177-183.
[28] محمد العزاوي، دهام. مرجع سابق، 74-75.
[29] قاشا، سهيل (2010). تاريخ نصارى العراق، بيروت: دار الرافدين للطباعة، 579.
[30] محمد العزاوي، دهام. مرجع سابق، 132.
[31] الليفي هي قوة تم تشكيلها من عناصر عراقية للعمل كمجندين لخدمة التاج البريطاني وضرب المقاومة العراقية، وقد عُرفت بقوة «ليفي الفرات 2»، كما أُطلق عليها اسم «شبانة الحلة».
[32] حسيب القيسي، عبد المجيد (2007). التاريخ السياسي والعسكري للآشوريين في العراق. بيروت: الدار العربية للموسوعات، 35.
[33] تم تدارك هذه المسألة لاحقًا في دستور 2005، الذي نصت مادته الثانية على أن «الإسلام هو دين الدولة الرسمي» ما يُعد اعترافًا ضمنيًا بوجود أقليات دينية أخرى.
[34] فرانسوا دومون، جيرار. مرجع سابق، 184.
[35] بول باربيش، جان وأوموندسن لودميلا (2008). مجتمعات متصالحة: شعوب تبحث عن حل وسط بين العاطفة والعقل (Sociétés réconciliées: Des peuples à la recherche d’un compromis entre passion et raison). باريس:لارمتان، 18.
[36] الممارسات نفسها تعرض لها أيضًا أفراد الأقليتين الدينيتين الشبك والآيزيدية
[37] ستنالي، تيم (2019). مسيحيو العراق ظنوا أن الأمور ستتحسن لكنهم كانوا مخطئين. بي بي سي، يوليو. تاريخ الاطلاع 1 أغسطس 2022، https://urlz.fr/iX5b.
[38] يغافيان، تيغران (2019). مسيحيو الشرق: نحو اختفاء مبرمج؟(Chrétiens d’Orient: vers une disparition programmée?). السياسات الدولية، ربيع (163). تاريخ الاطلاع 10 يونيو 2022، https://urlz.fr/jbt0
[39] فرانسوا دومون، جيرار. مرجع سابق، 187.
[40] لوران فابيوس هو سياسي ودبلوماسي فرنسي تقلد عدة مناصب، كان وزيرًا للخارجية في حكومة الرئيس السابق فرانسوا هولاند عام 2012، كما شغل منصب رئيس الجمعية الوطنية (البرلمان) مرتين، ورئيس الحكومة مرة واحدة.
[41] لحام، جريجوار الثالث (2014-2015). سوريا: المسيحيون في حالة اضطراب (Syrie: Les chrétiens dans la tourmente). مقابلة أجراها فريديريك بيشون، السياسة الدولية، شتاء (146)، 53.
[42] التوصيات الصادرة عن لجنة التحكيم المنبثقة عن مؤتمر السلام في يوغوسلافيا المنعقد عام 1992.
[43] فالدهايم، كورت (1978). الأمم المتحدة وحقوق الإنسان. القاهرة: مطابع الشعب، 64-65.
[44] ياكوب، جوزيف (2004). ما بعد الأقليات: بديل عن تكاثر الدول. بيروت: المركز الثقافي العربي، ترجمة حسين، عمر، 14.
[45] حسب صامويل هنتنغتون فإن عناصر الهوية الثقافية الوطنية أربعة وهي: العرق، اللغة، المذهب الديني والثقافة، لكنه يضيف عنصرًا آخرًا هو العداء للآخر الذي يعتبره عامل تدعيم لهذه الهوية.
[46] المنجرة، المهدي (1991). الحرب الحضارية الأولى: مستقبل الماضي وماضي المستقبل. الرباط: منشورات العيون، 269-270.
[47] في هذا الشـأن تنص المادة الثالثة من الدستور العراقي لعام 2005 على أن «العراق بلد متعدد القوميات والأديان والمذاهب».
[48] يعتبر التركمان ثالث المكونات العرقية في العراق، ويصعب تحديد عددهم بدقة، وتعود أصولهم إلى الشعوب الناطقة بالتركية في آسيا الوسطى. يعيشون بالخصوص في المناطق الجغرافية الفاصلة بين العرب والكرد، التي تشمل مدن جلولاء والسعدية وكفري وسليمان بيك والطوز وينكجة كركوك وداقوق وتلعفر الواقعة في محافظات وديالى وكركوك ونينوى شمال شرق وشمال بغداد.
للمزيد انظر: الخطاب، فارس (2020). الأقليات الدينية والعرقية في المعادلة السياسية العراقية. مركز الجزيرة للدراسات، 4 يونيو، تاريخ الاطلاع 23 مايو 2022، https://urlz.fr/geq4.
[49] حسب ديباجة الدستور العراقي لعام 2005، يعود ذكر التركمان مرة ثانية ومدينة بشير لكونها تضم تركمانًا شيعة.
[50] قبل أن يتراجع عدد المسيحيين العراقيين بحوالي 80%، جراء عدم استقرار الوضع الأمني بعد احتلال العراق وعمليات القتل والتهجير التي تعرضوا لها من طرف الجماعات الإسلامية المتطرفة، كان عددهم يقارب مليون ونصف شخص سنة 2003. للمزيد انظر:
أ، ب، هـ (2014). العراق يصرح بتعليم السريانية والمسيحية في 152 مدرسة (L’Irak autorise l’enseignement du syriaque et de la religion chrétienne dans 152 écoles). جريدة الصليب، 4 مارس. تاريخ الاطلاع 11 يونيو 2022، https://urlz.fr/geq5
[51] المادة الخامسة من دستور العراق المؤقت لعام 1970.
[52] تعتبر السريانية اللغة الأم لطوائف الآشوريين، السريان والكلدان. وبفعل انتماء أغلب مسيحيي العراق للكنائس السريانية، فإنها تعد لغة مقدسة وذات أهمية دينية وتراثية للأقلية المسيحية. ولا تزال لغة للتخاطب في المناطق والقرى ذات الغالبية السريانية/الكلدانية.
[53] في الإطار نفسه ينص الدستور المغربي لعام 2011 في الفصل الثالث على أن «الإسلام دين الدولة». ورغم أن الفصل نفسه يؤكد على أن «الدولة تضمن لكل واحد حرية ممارسة شئونه الدينية»، إلا أنه لا يصل إلى درجة التعددية الدينية التي ترسخها ضمنيًا المادة الثانية من دستور العراق لعام 2005.
[54] لم يطبق دستور 2012 سوى ستة أشهر بعد انقلاب عسكري تم بترحيب بعض فئات الشعب، بعد ذلك تشكلت لجنة مكونة من عشرة خبراء في القانون الدستوري وقضاة اقترحت دستور تضمن تغييرات كبيرة، مقارنةً مع دستور 2012، وقد رفعت عملها للجنة مكونة من خمسين عضوًا. للمزيد انظر: زويتر، أندريه، (2014). الربيع العربي: حالة الطوارئ والإصلاح الدستوري (Le Printemps arabe: Etat d’urgence et réforme constitutionnelle). مجلة القوة الجوية والفضائية-أفريقيا والفرنكفونية، الفصل الثاني (2)، 57-58.
[55] يُقصد بالمساواة ضمان القدر نفسه من الحماية والتمتع بالحقوق والحريات للأفراد والجماعات.
[56] يُقصد بالتمييز اختلاف في المعاملة يتضمن رفض حقوق وحريات لأشخاص أو جماعات يكون معترفًا بها للآخرين.
[57] تنص المادة الرابعة عشرة من الدستور العراقي لعام 2005 على ما يلي: «العراقيون متساوون أمام القانون دون تمييز بغض النظر عن العقيدة أو الدين».
[58] انعكس التنصيص على أن الإسلام هو مصدر رئيسي للتشريع على مضمون المادة الثانية والتسعون من الدستور العراقي المتعلقة بتكوين المحكمة الاتحادية العليا؛ إذ جاء فيها: «تتكون المحكمة الاتحادية العليا من عدد من القضاة وخبراء في الفقه الإسلامي وفقهاء القانون». ويعد حضور فقهاء الدين الإسلامي في تركيبة هذه المحكمة وغياب أية تمثيلية للأقليات المسيحية وغيرها من الأقليات الدينية تمييزًا على أساس الدين.
[59] رغم أن الإسلام هو المصدر الرئيسي للتشريع، إلا أنه، مراعاةً لمبدأ المساواة الذي يعد من أهم المبادئ الديمقراطية، تنص المادة الحادية والأربعون من الدستور العراقي على أن: «العراقيون أحرار في الالتزام بأحوالهم الشخصية حسب دياناتهم أو مذاهبهم أو معتقداتهم أو اختياراتهم وينظم ذلك بقانون». الأمر الذي يمنح المسيحيين الحق في قانون خاص بأحوالهم الشخصية.
[60] تنص المادة الرابعة والسبعون من الدستور المصري لعام 2014 على ما يلي: «للمواطنين حق تكوين الأحزاب السياسية، بإخطار ينظمه القانون. ولا يجوز مباشرة أي نشاط سياسي، أو قيام أحزاب سياسية على أساس ديني».
[61] تنص المادة التاسعة والثلاثون من الدستور العراقي على أن «حرية تأسيس الجمعيات والأحزاب السياسية، أو الانضمام إليها مكفولة، وينظم ذلك بقانون».
[62] المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في العراق، جدول الأحزاب المجازة، 4 مارس 2021. تاريخ الاطلاع 8 يونيو 2022، urlr.me/2sTLY
[63] الكبيسي، يحيى (2013). العراق: الاحتجاجات وأزمة النظام السياسي. مجلة سياسات عربية، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، (2) مايو، 85.
[64] المادة الثامنة والستون من الدستور العراقي لعام 2005.
[65] يحمل الدستور التونسي الذي يوصف بكونه دستورًا تقدميًا تناقضًا واضحًا، فهو من جهة يؤكد على المساواة وعدم التمييز، ومن جهة أخرى يفرض أن يكون رئيس الدولة مسلمًا، إذ ينص الفصل 74 من الدستور على أن «الترشح لمنصب رئيس الجمهورية حق لكل ناخبة أو ناخب تونسي الجنسية منذ الولادة، دينه الإسلام». ورغم أن تونس لا تضم أقلية دينية بارزة، فان هذا الأمر يعد غير منطقي، خاصةً أن الدستور التونسي ينص على أن تونس دولة مدنية.
[66] نصت المادة 141 من الدستور المصري الجديد على ما يلي: «يُشترط فيمن يترشح رئيسًا للجمهورية أن يكون مصريًا من أبوين مصريين، وألا يكون قد حمل، أو أي من والديه أو زوجه جنسية دولة أخرى».
[67] نصت المادة الرابعة عشرة من الدستور المصري على أن «الوظائف العامة حق للمواطنين على أساس الكفاءة».
[68] المادة السابعة من الدستور المصري لعام 2014.
[69] أعلوان، فؤاد. مرجع سابق، 24.
[70] للإشارة تم التنصيص كذلك على الحريات الدينية في المادة الثامنة عشر من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية لعام 1966 وأيضا في المادة الثانية من إعلان الأمم المتحدة الخاص بالأقليات لعام 1992.
[71] المادة الرابعة والستون من الدستور المصري لعام 2014.
[72] نصت المادة الخامسة والعشرون من الدستور العراقي المؤقت لعام 1970على أن «حرية الأديان والمعتقدات وممارسة الشعائر الدينية مكفولة، على أن لا يتعارض ذلك مع أحكام الدستور والقوانين، وأن لا ينافي الآداب والنظام العام».
[73] أعلوان، فؤاد. مرجع سابق، 25-26.
[74] عبد الغفار، عادل وهيس بيل. مرجع سابق، 21.
[75] المادة التاسعة من الدستور المصري لعام 2014.
[76] ليبهارت، أريند (2013). التخطيط الدستوري في مجتمعات منقسم. الدوحة: مجلة تبين، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 1، (4)، ترجمة ثائر، ديب، 34.
[77] الكبيسي، يحيى. مرجع سابق، 88.
[78] تكونت في مايو 2005 عقب انتخابات يناير من السنة نفسها. كان من بين مهامها الرئيسية العمل على إخراج الدستور العراقي إلى حيز الوجود. وهو الدستور الذي تمت كتابته من جانب الجمعية الوطنية العراقية.
[79] حظيت الأقلية المسيحية بتمثيلية في الحكومة الحالية التي صادق البرلمان على تعيينها في السادس من يونيو 2020 من خلال وزيرة الهجرة «إيفان جابرو». في: وكالة فيدس (2020). مسيحية على رأس وزارة اللاجئين والمهاجرين (Une chrétienne à la tête du Ministère chargé des réfugiés et des migrants). بغداد، 8 مايو، تاريخ الاطلاع 17 يونيو، urlr.me/CMHnh
[80] منحت المادة الثالثة عشر من قانون الانتخابات التشريعية، الذي أقره البرلمان العراقي في الرابع من ديسمبر 2019، تسعة مقاعد للأقليات العرقية والدينية من بين 328 مقعدًا. فإضافة إلى خمسة مقاعد المخصصة للمكون المسيحي، تم منح المكونات الآيزيدية والصابئية المندائية والكورد الفيلينية والشبكية مقعدًا واحدًا لكل منها.
[81] الكبيسي، يحيى. مرجع سابق، 88-89.
[82] علم الدين، منتصر (2017). قانون تنظيم بناء وترميم الكنائس في مصر، المنظمة العربية للقانون الدستوري. تاريخ الاطلاع 29 مايو 2022، https://aacl-mena.or
[83] أصبح هذا القانون جاهزًا لتقديمه إلى مجلس الوزراء، ومن ثم إلى مجلس النواب بعدما توافقت عليه الكنائس المصرية الثلاث: الأرثوذكسية، الإنجيلية والكاثوليكية.
[84] أمام هذا الوضع يلجأ العديد من الأقباط إلى ما يُعرف بـ «القسمة الرضائية» فيما بينهم (أي القسمة بالتراضي)، بعيدًا عن المحاكم التي تستند إلى أحكام الشريعة الإسلامية في تقسيم ميراث المسيحيين.
[85] سالي، نبيل (2019). أقباط في مصر يتساءلون بشأن تطبيق الشريعة الإسلامية عليهم في الميراث. بي بي سي، 18 يوليو. تاريخ الاطلاع 4 يونيو 2022، https://urlz.fr/ger0.
[86] بي بي سي (2019). الميراث في مصر: امرأة قبطية تفوز في معركة قضائية للمساواة في الميراث مع أشقائها الذكور. 26 نوفمبر. تاريخ الإطلاع 14 مارس 2022، https://urlz.fr/jbWh
[87] المادة الواحدة والأربعون من الدستور العراقي لعام 2005.
[88] وكالة فيدس (2020)، البطريرك، ساكو يطلب من الحكومة قانون للأحوال الشخصية يحترم هوية المسيحيين، وكالة إعلام الأعمال الرسولية البابوية، 17 يوليو. تاريخ الاطلاع 27 مايو 2022، https://urlz.fr/ger1.
[89] المادة الثانية من قانون ديوان أوقاف الديانات المسيحية والآيزيدية والصابئة المندائية، قرار رئيس الجمهورية العراقية رقم ثمانية وخمسون لعام 2012.
Read this post in: English